تطاول أمد احتكار السلطة والثروة في البلاد

 

ينقسم السودان ثقافيا وسياسيا إلى 6 أقاليم معلومة هي الإقليم الشرقي والإقليم الشمالي والإقليم الجنوبي وإقليم دار فور وإقليم كردفان والإقليم الأوسط. عند استقلال السودان في عام 1956م, ورث مثقفو الإقليم الشمالي حكم السودان عن المستعمر ولكنهم لم ينتبهوا أبدا إلى أهمية مشاركة إخوانهم من الأقاليم الأخرى في الحكم. وليس أدل علي ذلك من استحواذهم علي 788 وظيفة قيادية في الخدمة المدنية من جملة 800 وظيفة عند سودنة الوظائف في السودان أي ما يساوي 98,5% ولم يتركوا لإخوانهم من الأقاليم الأخرى سوي 12 وظيفة فقط واستولوا علي كل السلطة التنفيذية والتشريعية بالدولة ومؤسسة الجيش والشرطة وقيادة الأحزاب السياسية الرئيسية وأصبحت العلاقة بين مثقفي الإقليم الشمالي وبقية الشعب السوداني بما فيهم سكان الإقليم الشمالي عمليا علاقة حاكم ومحكوم. وظل هذا الواقع مستمرا منذ اليوم الأول لاستقلال السودان. وازدادت العلاقة سوء باحتكارهم المستمر للسلطة وثروة البلاد حتى أصبحوا طبقة اجتماعية سياسية ترفض بكل الوسائل اقتراب الأقاليم الأخرى من مواقع السلطة والثروة. هذه العلاقة الغريبة خلقت بمرور الزمن حالة نفسية سيئة لدي أبناء الأقاليم الأخرى وهي الشعور بالاستعمار والسيطرة الجبرية والابتزاز السياسي والاستنزاف الاقتصادي والتعالي الاجتماعي والاضطهاد الثقافي.

هذا الشعور الذي يتملك جميع المواطنين في الأقاليم المذكورة وتتغافل عنه الحكومات المتعاقبة هو السبب الرئيسي وراء الحروب الأهلية التي لا تتوقف واضطراب الأمن الاجتماعي في الدولة. إن تدهور الخدمات المريع في الأقاليم والاستبداد السياسي الذي يمارس علي الناس من غير حياء قد وضع أبناء هذه الأقاليم في مواجهة صريحة مع أهلهم الذين تأكد لديهم أن ما يجري اليوم في السودان هو استعمار جديد في حقيقة أمره مع اختلاف هوية السادة ولا بد من التخلص منه بشتي الوسائل لأن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة علي المرء من وقع الحسام المهند كما أنهم يعجبون: كيف يقبل أبناؤهم التهميش المقصود ويرضون بالتبعية والقسمة بغير السوية؟

لقد تولد هذا المنطق بعد نصف قرن من تبعية أهالي الأقاليم العمياء لهذه المجموعة الانتهازية بحسن نية وثقة في الشعارات الجامعة التي رفعوها ولكن خاب فألهم وخسر رهانهم بعد أن أثبت الزمان زيف ادعاءاتهم وكشف حقيقة أمرهم الذي ينطوي علي عدم الإيمان بمساواة الناس في السودان وهو للأسف ما أكدته التجربة العملية لممارسة الحياة السياسية في السودان منذ الاستقلال وبدليل النتائج السيئة التي توصلنا إليها والتي تهدد اليوم بانشطار الدولة نفسها. هذه حقائق مرة ولكن لا بد من ذكرها ولا بد من إدارة النقاش حولها بصراحة ووضوح ولا يمكن أن يتجاوزها من يريد حلولا سلمية لمعضلة السودان لان الجرح عميق ولن يتأتي علاجه قبل أن يتم فتحه ونظافته وتطبيبه من الداخل.

 

 

 

Back