تراجع الحكومة عن الحكم الفدرالي

 

لقد ظل الحكم الفدرالي مطلبا عاما لجميع أهل السودان قبل استقلاله في عام 1956م وقد طالبوا به في مؤتمر جوبا عام 1947م. ذلك لأن السودان بلد شاسع وشعبه متعدد الأعراق ومتنوع الثقافات المحلية وله خلفيات حكم محلي مختلفة مما يجعل حكمه بنظام مركزي قابض صعبا علي الحكام ومضرا بالمحكومين. لذلك فرح المواطنون جميعا يوم صدر المرسوم الدستوري الثاني عشر الذي قضي باعتماد الحكم الفدرالي أساسا لنظام الحكم في السودان ولكن سرعان ما تراجعت الحكومة عن قرارها عندما تبين لها أن تطبيق الحكم الفدرالي سيؤدي حتما إلى قسمة عادلة للسلطة والثروة بين أبناء الوطن الواحد وهذا أمر لا تقبله هذه المجموعة الحاكمة التي لا تؤمن أساسا بمساواة الشعب فعمدت إلى إفشال التجربة بطرق مختلفة منها:

أ- إمساك المال العام عن الولايات:

لقد احتكرت هذه الحكومة لنفسها كل مصادر الإيرادات المالية الرئيسية في الدولة ولم تترك للولايات سوي المصادر المالية الضعيفة التي تؤخذ من المواطنين مباشرة ولا تكاد تفي بأبسط متطلبات خدمات المواطنين مما أدي إلى إرهاق المواطن بكثرة الضرائب وانهيار الخدمة العامة. هذا التردي العام الذي أصاب كل ولايات السودان من غير استثناء خلق جوا من عدم الثقة بين حكومات الولايات والمحليات من جهة والمواطنين من جهة أخري فأقبل بعضهم علي بعض يتلاومون. بذلك نجحت الحكومة الاتحادية في تصريف لوم المواطنين عن نفسها وتوجيهه إلى السلطات الولائية والمحلية وإرباك تجربة الحكم الفدرالي.

ب- امتناع الحكومة عن تطوير الحكم الاتحادي

تعمدت الحكومة إهمال تجربة الحكم الفدرالي بتضخيم الجهاز الإداري للمحليات ابتداء ثم التخلي عن تدريب العاملين بالولايات والمحليات علي السواء إضافة إلى سياسة تجفيف الولايات من المال. أدي كل ذلك إلى ضمور وتأخر نمو تجربة الحكم الفدرالي وكادت أن تكون مسخا لو لا أصالة التجربة وملاءمتها لأهل السودان.

ج- تخلي الدولة عن مسئولية تقديم الخدمات للمواطنين

لقد كان لتخلي الدولة عن مسئوليتها تجاه تقديم الخدمات للمواطنين خاصة التعليمية منها والصحية أثرا سلبيا علي تجربة الحكم الاتحادي في السودان وخير دليل علي ذلك هجرة المواطنين الكثيفة من الريف إلى العاصمة القومية طلبا للأمن وتعليم الأطفال وعلاج المرضي وبحثا عن فرص العمل التي عزت علي الناس في السودان حتى تضاعف عدد سكان الخرطوم إلى ما يقرب من ثلاث مرات خلال عقد واحد من الزمان.

 

 

 

Back