مشكلة جنوب السودان

 

نشأت مشكلة جنوب السودان -وهي مشكلة كل السودان – بسبب غياب العدل والمساواة في منهج الحكم في السودان وهي ليست مشكلة دينية في أساسها بقدر ما هي مشكلة اجتماعية سياسية يعاني منها ما يزيد علي 95% من الشعب السوداني اليوم. لقد طالب أبناء الجنوب بنظام حكم فدرالي منذ عام 1947م في مؤتمر جوبا الشهير بغرض الوصول إلى صيغة عادلة لقسمة السلطة والثروة بين أقاليم البلاد ومراعاة خصوصيات كل إقليم في إطار الدولة الواحدة. رغم أن هذا الطلب العادل كان يمثل رأي غالب أقاليم السودان يومها لم يجد اهتماما من جانب الحكومة ولم يبدأ تطبيق معتبر للفدرالية في السودان إلا في عام 1994م ثم بدأ التراجع عنه سريعا. أضف إلى ذلك الإقصاء والتهميش المتعمدين لأبناء جنوب السودان – كما هو حال إخوانهم في الولايات الأخرى - عن مواقع اتخاذ القرار منذ بداية سودنة وظائف الخدمة المدنية قبيل استقلال السودان وظل الحال هكذا إلى يومنا هذا.

لقد تسببت الحرب الأهلية التي بدأت في عام 1955م بجنوب السودان إلى إزهاق أرواح حوالي واحد ونصف مليون مواطن سوداني ونزوح ما بين 4 إلى 5 مليون نسمة إلى أنحاء السودان المختلفة وهجرة أعداد كبيرة منهم إلى دول الجوار وغيرها حتى عرفت دولة السودان بكثرة أبنائه المهاجرين الذين يطلبون لجوء إنسانيا وسياسيا في مضابط حقوق الإنسان في العالم كما أن حربها هي أطول الحروب الأهلية الكائنة في عالم اليوم. إن الظروف السيئة التي يعاني منها النازحون والمشردون في كل ولايات السودان – حتى داخل مدينة الخرطوم – لهي مأساة تأكد من دون أدني شك خلو قلوب قادة الدولة الحاليين عن الرحمة بالعباد وعقولهم عن معاني العدل والمساواة بين الناس بل نسوا أنهم رعاة هؤلاء المستضعفين. ولئن ظن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب أن الله سائله يوم القيامة عن ضياع الشاة وتعثر البقلة بتخوم الدجلة بالعراق استشعارا منه بمسئولية الراعي تجاه الرعية, فما أكثر الضائعين من الرعية فوق وتحت أرض السودان. إن موت أهل السودان الصامت ومعاناة المرض والجوع في ظل فقر ليس بعده فقر, وتصاعد الفاقد التربوي وضياع مستقبل الأجيال أمر لا يمكن أن يطول معه سكوت الشعب عليه ولا يمكن تجاهله بل لا بد من ثورة شعبية شاملة تشرق معها شمس الحرية والعدل والمساواة والإخاء الصادق وتطوي صفحات مآسي أهل السودان إلى الأبد.

لقد ثبت للجميع من غير أدني شك رغبة الحكومة الحالية في فصل الجنوب عن باقي السودان واحكام السيطرة علي ما قد يتبقى من البلاد بعد أن عجزت عن حسم قضية الجنوب بقوة السلاح ولم تبق أمامها إلا العودة إلى العدل الاجتماعي والمساواة السياسية وهو خيار أصعب علي الحكومة الحالية من فصل جزء عزيز من الوطن وشعبه. إن حرص الحكومة الحالية علي فصل الجنوب هو الذي أفشل اتفاقية الخرطوم للسلام التي أدارتها بعقلية مخادعة أمنية لا بنية السلام حتى اضطر من بقي علي قيد الحياة من قادة اتفاقية الخرطوم للسلام إلى العودة إلى المعارضة المسلحة. ولو لا وعي المعارضة المسلحة وعلي رأسها الجيش الشعبي لتحرير السودان بنوايا التقسيم التي تضمرها الحكومة الحالية ويقينهم بأن مشكلة السودان هي الظلم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي أصبح جزء من حياة شعبنا كله منذ الاستقلال, لانقسم السودان منذ أعوام خلت.

 

 

 

Back