تمكين ضحايا العنف الجنسي من الوصول إلى القضاء

تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة

29 يوليو 2005 م

 

ملخص

 

أصدرت حكومة السودان والأمم المتحدة، في 3 يوليو 2004م، بيانا مشتركا بمناسبة زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، السيد كوفي عنان، للسودان. ومن بين التعهدات التي أخذتها حكومة السودان على نفسها في البيان المشترك التحري في جميع الانتهاكات التي تحدث في دارفور وتقديم جميع الأطراف والمجموعات المتهمة بانتهاك حقوق الإنسان للقضاء فوراً. كما التزمت حكومة السودان بتأسيس نظام عادل يحترم العادات المحلية ويمكِّن النساء المعتدى عليهن بتوجيه الاتهام ضد المشتبه فيهم.

 

ويقيم هذا التقرير الذي أُعدّ بعد عام من صدور البيان المشترك، مدى التزام السودان بتعهداته بشأن إجراء التحريات ومعاقبة جرائم العنف الجنسي في دارفور ووضع نهاية لهذا العنف.

 

وقد اتخذت الحكومة بعض الخطوات فيما يتعلق بالعنف الجنسي في دارفور، خاصةً ابتداءً من مايو 2005 م، حيث شكّلت لجنة حكومية بشأن العنف المؤَّسس على النوع في جنوب دارفور، وقدمت المساعدة الفنية لتحسين قدرة الأجهزة المختصة بتنفيذ القانون على إجراء التحريات. وإنه لمن السابق لأوانه أن يقيّم أثر هذه الإجراءات على انخافض العنف الجنسي في دارفور، غير أنها تشير إلى أن الحكومة قد بدأت في معالجة هذا الأمر.

 

أولت بعثة الأمم المتحدة في السودان اهتماما كبيرا لموضوع العنف الجنسي وأشركت حكومة السودان في جميع المستويات من خلال آلية التنفيذ المشتركة ولجانها الفرعية فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحماية. وقد أُعطِي موضوع العنف الجنسي أهمية قصوى في أجندة الاجتماعات الأخيرة للجان الفرعية. وعمل الممثل الخاص للأمين العام على إطلاع مجلس الأمن على التطورات بشأن هذا الموضوع إضافةً إلى مواضيع حقوق الإنسان الأخرى.

 

ومازالت عناصر مسلحة تمارِس الاغتصابَ في دارفور. وبعض أفراد هذه العناصر أعضاء في أجهزة تنفيذ القانون وفي القوات المسلحة. وهنا تبرز الحكومة على إنها إما غير قادرة أو غير راغبة في تقديم هذه العناصر للمحاكمة. وحتى هذا اليوم، فإن معظم مرتكبي هذه الجرائم لم يقدموا إلى العدالة. ويظل الجميع بانتظار ما ستسفر عنه المحكمة الجنائية الخاصة التي شُكلت حديثا للنظر في أحداث في دارفور وما إذا كانت ستعالج بطريقة فعّالة جريمة العنف الجنسي.

 

ومازالت هناك عوائق رئيسية تمنع ضحايا هذه الجرائم من اللجوء إلى القانون. فمعظم النساء لا يبلّغن عن هذه الحوادث خوفا من الانتقام منهن. ثم إنه ليس هناك مايشجعهن على تحرير بلاغات لعدم وجود تعويض لجرائم العنف الجنسي. وترفض بعض مراكز الشرطة تسجيل شكاوى العنف الجنسي أو التحري فيها. وحتى عندما تسجل هذه البلاغات، فإن ضباط الشرطة لا يسعون بجدٍ في التحري فيها. وعادة ما تعطِّل الحصانةُ الممنوحة لأفراد قوات الأمن وتدخلُ المسئولين العسكريين ومسئولي الأمن في القضايا المتورط فيها أفراد قوات الأمن النظرَ في هذه القضايا بصورة كبيرة أو تؤدي إلى شطبها في الحال.

 

وتشكل المعاملةُ التي تنتهجها السلطات نحو ضحايا العنف الجنسي والتي تتسم باللامبالاة ومحاولة تخويفهم العائقَ الرئيسي أمام محاسبة المتهمين بالعنف الجنسي. وقد أدى العجز عن الالتزام بالإجراء المتعلق بجمع البينات الطبية من ضحايا جرائم العنف الجنسي إلى إنكار حق الضحايا في الاحتفاظ بسرية الأمر. وأكبر دليل على ذلك حالة الضحية التي أُخذت عنوة للعيادة حتى يتمكن الأطباء التابعون للحكومة من فحصها. علاوة على ذلك، لم تُقدَم تقارير طبية وافية للمحاكم، فيما عدا الأونيك الجنائي رقم (8) الذي في أغلب الأحيان لا يوضح تماما مدى الإصابة، لتساعد على التقديم للمحاكمة بسبب ارتكاب جريمة الاغتصاب. وحيث لا تثبت جريمة الاغتصاب أمام المحكمة، فإن ضحايا الاغتصاب أنفسهم سيواجهون تهما جنائية.

 

وتنفي السلطات السودانية عموما هذه الدعاوى وتضغط على الضحايا والشهود لسحب الاتهام. وقد تعرض الضحايا والشهود للسجن لتقديمهم "معلومات غير صحيحة"، كما تعرضوا للتهديد بعد تقديمهم بلاغات عن العنف الجنسي. وقد تعرضت منظمات وطنية ودولية إنسانية لمثل هذا التخويف. وقد أُلقي القبض على مدير إحدى المنظمات الدولية الإنسانية ووُجهت إليه تهما تترتب عليها عقوبة الموت على إثر نشر المنظمة تقريرا أوردت فيه 500  جريمة اغتصاب اُرتكِبت في دارفور. وقد أُسقطت التهم كليا بعد توسط الممثل الخاص للأمين العام لدى الحكومة.

 

وحتى يتثنى وضع نهاية للعنف الجنسي، تحتاج الحكومة السودانية للاعتراف بمدى المشكلة ولاتخاذ خطوات جادة لوضع نهاية لحالة الإفلات من القانون في دارفور. فقط عندما يكون هناك تحريات موثوق بها وآنية وعندما يقدم مرتكبي جرائم العنف الجنسي للمحاكمة فيستضح لمرتكبي هذه الجرائم، بما فيهم أفراد أجهزة تنفيذ القانون وقوات الأمن والمليشيات الموالية للحكومة، أن العنف الجنسي جريمة لن تغتفر بعد الآن. لابد أن توضع نهاية للسجن والتحرش وتخويف الضحايا ومن يقف بجانبهم.

 

ويسلط هذا التقرير الضوء على موقف السلطات من ظاهرة العنف الجنسي عموما ومن حالات بعينها. وتشير النتائج إلى أنه فيما اتخذت الحكومة بعض الخطوات في إتجاه دعاوى العنف الجنسي، إلا أنه، وحتى تاريخه، عجزت عن التحرك بجدية لإجراء تحرٍ فاعل في دعاوى العنف الجنسي ولوضع نهاية لحالة الإفلات من العقوبة بما يساهم في منعها. ويعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية فرصة لدفع الجهود ووضع الإصلاحات اللازمة لمعالجة العنف الجنسي وللسماح للنساء للتقاضي بما يتفق مع التزامات الحكومة بالقانون الدولي.


الفهرس

 

 

 

الفقرات

الصفحات

مقدمـة

1-11

5

1. خلفية: العنف الجنسي ونزاع دارفور

12-16

8

2. أشكال الاغتصاب في دارفور

17-30

9

(أ) غرب دارفور

23-24

11

(ب) شمال دارفور

25-27

11

(ج) جنوب دارفور

28-30

12

3. عقبات تتعلق بالقضاء

31-54

13

(أ) عقبات تتعلق بالقانون

33-39

14

(ب) العجز عن إجراء تحرٍ فاعلٍ

40-44

17

(ج) العجز عن تقديم مرتكبي الجرائم للعدالة وعقابهم وتعويض الضحايا

45-47

20

(د) الوصول إلى المحاكم والتمييز على أساس النوع في سير القضاء

48-54

22

4. الجدل بشأن الأورنيك (8): العلاج الطبي والحصول على البينة القضائية

55-63

25

5. الحبس والترويع والتحرش بضباط حقوق الإنسان والكادر الطبي

64-65

28

6. رد فعل الحكومة اتجاه العنف الجنسي

66-74

29

7. ملاحظات

75-78

32

8. توصيات

79-84

33

(أ) توصيات لحكومة السودان

82-83

34

(ب) توصيات للمجتمع الدولي

84

35

 

 

مقدمـة

 

1.                نشب نزاع مسلح بين الحركات المتمردة، نخص بالذكر حركة/جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساوة، وحكومة السودان في مطلع العام 2003م. وفي رد على ظهور التمرد، فقد شنت حكومة السودان والمليشيات التابعة لها والتي تعرف بالجنجويد هجمات منظمة وعلى نطاق واسع على المدنيين الذين يعتقد أنهم يدعمون المجموعات المتمردة.

 

2.                أورد تقرير اللجنة الدولية لتقصي الحقائق بشأن دارفور التي أُنشأت بقرار من الأمين العام في أكتوبر 2004م بناء على قرار مجلس الأمن رقم 1564 (2004) (S/2005/60) الفظائع التي أُرتكبت في دارفور. يمثل هذا التقرير الوثيقة الأكثر صحة، حتى تاريخه، فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني التي حدثت في دارفور في العامين السابقين. وقد خلصت اللجنة إلى أن حكومة السودان والجنجويد كلاهما مسئولين عن الانتهاكات المنظمة والواسعة لقانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الإنساني الدولي والتي تبلغ مبلغ جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وجدت اللجنة، على وجه الخصوص، أن قوات الحكومة ومليشياتها شنت هجمات بغير تمييز استهدفت قتل المدنيين، والتعذيب والخطف، وهدم القرى، والاغتصاب، وأنواع أخرى من العنف الجنسي، والنهب، ودفع السكان إلى النزوح من ديارهم. كذلك توصلت اللجنة إلى أن أفراد حركة/جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساوة قد ارتكبوا انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان الدولية ولقانون حقوق الإنسان تبلغ مبلغ جرائم الحرب.

 

3.                أوصت اللجنة بان يحيل مجلس الأمن الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية. وبالفعل قام مجلس الأمن بذلك في 31 مارس في قراره رقم 1593 (2005). وفي 6 يونيو 2005م، أعلن رسميا المدعي بالمحكمة الجنائية الدولية بأنه سيبدأ تحرٍ رسمي بشأن الوضع في دارفور.

 

4.                ومنذ مطلع العام 2005، أخذ النزاع في دارفور أبعادا مختلفة. فقد انخفض القتل والنزوح اللذان عمّا المنطقة وكانا سمة العامين الأولين من النزاع. فقد سجلت حالات معدودة من الهجمات ضد المدنيين بين يناير ويونيو 2005م. ويقدر، حاليا، عدد النازحين داخليا بحوالى 1.800.000 نازح، أي ما يعادل ثلث سكان دارفور، يسكنون المعسكرات والتجمعات السكانية في المدن في جميع أنحاء دارفور. بالإضافة 300.00 من سكان دارفور لجأوا إلى الدولة المجاورة تشاد.

 

5.                ولا توجد هناك بلاغات مؤكدة عن هجمات جوية نظمتها الحكومة بطائراتها منذ يناير 2005م. وفي نقس الوقت، فقد تزايدت الانشقاقات بين المجموعات المتمردة، فقد سُجلت معارك بين فصائل حركة العدل والمساواة وبين حركة/جيش تحرير السودان وانفصل بعض قادة التمرد والتحقوا بجانب الحكومة. وأدى تشرذم المجموعات المتمردة لمزيد من التدهور الأمني في دارفور ولحوادث النهب والسلب التي شملت أيضا المنظمات الإنسانية الدولية والوطنية.

 

6.                فيما قدم المجتمع الدولي، بالتعاون مع بعثة الاتحاد الأفريقي في السودان، الحماية والمساعدة للنازحين داخل المعسكرات وحولها، يظل النازحون عرضةً للهجمات وللاعتداءت الأخرى في غياب المجتمع الدولي[1].

 

7.                بناء على التوصيات الأولية لتقرير المفوض السامي (المكلف) لحقوق الإنسان (E/CN.4/2005/3)، وعقب زيارة الأمين العام في يونيو ويوليو 2004م، وقعت الحكومة والأمم المتحدة بيانا مشتركا في 3 يوليو، التزمت بمقتضاه الحكومة على "السماح بنشر مراقبين لحقوق الإنسان". وفي أغسطس 2004م، بُعث مبدئيا بأربعة من ضباط حقوق الإنسان العاملين بمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة  إلى دارفور. ثم زاد هذا العدد بصور منتظمة في الشهور التالية. وفي أعقاب تشكيل بعثة  الأمم المتحدة بالسودان بقرار صدر من مجلس الأمن في مارس 2005م، أُلحِق ضباط حقوق الإنسان التابعون لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بإدارة حقوق الإنسان ببعثة الأمم المتحدة. وفي وقت كتابة هذا التقرير، كان قد نُشر بالفعل 45 ضابطا من ضباط حقوق الإنسان في أربع مكاتب للبعثة بالفاشر ونيالا والجنينة وزالنجي بدارفور. ومازال العمل متواصل لاستيعاب المزيد منهم. ومن المتوقع أن يصل العدد النهائي لضباط حقوق الإنسان، بالإضافة إلى متطوعي الأمم المتحدة، إلى 65 ضابطا بنهاية أغسطس 2005م.

 

8.                وقد أورد قرار مجلس الأمن رقم 1590(2005) تفويض إدارة حقوق الإنسان ببعثة الأمم المتحدة بالسودان حيث نادى بمجمل من الأشياء منها التأكد من وجود كافٍ لضباط حقوق الإنسان من حيث العدد والخبرة داخل البعثة للتعزيز حقوق الإنسان وحماية المدنيين ومراقبة النشاطات. وفي الوقت الحاضر، تركزت الأنظار حول وضع حقوق الإنسان في دارفور. وبحلول يوليو 2005م، فإن إدارة حقوق الإنسان ببعثة الأمم المتحدة ستمد نشاطاتها إلى أجزاء أخرى في السودان، خاصة في جنوبه.

 

9.                وقد تأسست نشاطات المراقبة لضباط حقوق الإنسان في دارفور على البيان المشترك. فبمقتضى هذا البيان، التزمت حكومة السودان بالآتي: (أ) القيام بخطوات حقيقية لوقف حالة الإفلات من العقوبة. (ب) إجراء تحرٍ فوري بشأن الانتهاكات، وتشمل تلك الحالات التي عرضتها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. (ج) توفير الموارد اللازمة حتى تتمكن لجنة التحقيق المستقلة التي أُنشات بموجب مرسوم رئاسي في مايو 2004م من القيام بعملها وضمان تنفيذ توصياتها تنفيذا كاملا. (د) ضمان تقديم الأفراد والمجموعات المتهمين بانتهاك حقوق الإنسان إلى العدالة فورا. (هـ) السماح بنشر مراقبي حقوق الإنسان (و) تأسيس نظام عادل يحترم العادات المحلية ويسمح للنساء اللائي تعرضن للاعتداء بتقديم الشكاوى ضد المتهمين. في إطار ترحيب مجلس الأمن بالبيان المشترك في قراره رقم 1556(2004) ، دعا حكومة السودان بالوفاء بالتزاماتها التي تعهدت بها في البيان.

 

10.           وفي إطار هذا التفويض، فإن إدارة حقوق الإنسان ببعثة الأمم المتحدة تتحرى في انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور وتراقب وترقع تقاريرها في هذا الشأن بصورة موضوعية وغير متحيزة. ويشمل عملها التحري في القتل غير القانوني، والقتل خارج النظام القضائي، والقتل العشوائي، والتعذيب، والمعاملة القاسية غير الإنسانية أو المذلة أو العقوبة، و الحبس التعسفى والسجن، والعنف الجنسي ويشمل الاغتصاب، والتحرش والتهديد وتخويف المنظمات الطوعية. وتوصي كذلك الإدارة بإجراءات تصحيحية تقوم بها حكومة السودان، كما أنها تراقب قوات الشرطة وأفراد النيابة والقضاء المسئولين عن المحاسبة في حالة انتهاك حقوق الإنسان سواء كان على ذلك المستوى المحلي أو القومي. وحيثما يكون ممكنا، يزور ضباط حقوق الإنسان المعتقلات لمتابعة حالات بعينها مرّكزين على قانونية الاعتقال والتعرض للمعاملة السيئة و/أو تعذيب المعتقلين. كذلك يعمل ضباط حقوق الإنسان مع بعثة الاتحاد الأفريقي فيما يتعلق بنشاطات حقوق الإنسان. وفيما يستمرون في مهمتهم الرئيسية وهي مراقبة ورفع التقارير، سيبدأ ضباط حقوق الإنسان في تنفيذ برامج تعاون فني وبرامج بناء القدرات.

11.           يحلل التقرير الحالي مدى وفاء الحكومة السودانية بواجباتها المحلية والدولية والتزامها بما قطعته على نفسها لضمان وصول ضحايا العنف الجنسي إلى العدالة.

 

(1)            خلفية: العنف الجنسي ونزاع دارفور

 

12.           تصدت حكومة السودان بشدة لاتهامات الاغتصاب المنظم والمنتشر على نطاق واسع وأشكال العنف الجنسي الأخرى التي ارتكبت إبان النزاع في دارفور، لكن الواقع هو أنه وبالرغم من توقف الهجمات الموسعة ضد المدنيين، إلاّ أن الاغتصاب مازال مستمرا [2]. ويسجل، بصفة أسبوعية، ضباط حقوق الإنسان في دارفور حالات جديدة من الاغتصاب يرتكبها رجال مسلحون يُظن أنهم أفراد من القوات المسلحة الحكومية وأجهزة تنفيذ القانون والجنجويد.

 

13.           يمنع العنف الجنسي بموجب قانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الدولي الإنساني اللذين يحكمان السلوك أثناء الحرب. ووفق القانون الدولي العرفي، فإن عدداً من أفعال العنف ضد النساء التي يرتكبها أطراف النزاع تشكل تعذيبا. وتشمل هذه الأفعال الاغتصاب، والاختطاف، والاستعباد الجنسي، والإكراه على الزواج، والإكراه على الحمل، والتشويه الجنسي، والفعل الفاضح، ومظاهر العنف الجسدي الأخرى. ويعد الاغتصاب وأشكال العنف الجنسي الأخرى التي يرتكبها المحاربون أثناء النزاعات المسلحة جرائم حرب.

 

14.           وخضعت أفعال العنف الجنسى للمحاكمة بوصفها جرائم بموجب النظم الأساسية للمحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم يوغسلافيا السابقة (ICTY) والمحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم رواندا (ICTR). وقد ركز اختصاص هاتين المحكمتين على اعتبار الاغتصاب جريمة من جرائم الحرب وجريمة ضد الإنسانية. وأقرت هاتان المحكمتان أن أفعال العنف الجنسي تمثل تعذيبا ومعاملة غير إنسانية وفي بعض الأحيان إبادة جماعية.

 

15.           وكما هو منصوص عليه في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن جريمة الاغتصاب تشمل جميع الحالات التي تسمح فيها الضحية بممارسة الجنس معها لتجنب الأذى ولتحصل على ضروريات الحياة أو لأي سبب آخر يحرمها من حقها في الرفض. وعندما يرتكب العنف الجنسي بصورة منظمة أوعلى نطاق واسع أو بوصفه جزءا من هجوم واسع النطاق ومنظم يستهدف به المدنيين، فهو يعد جريمة ضد الإنسانية. وقد يعد اغتصاب النساء في النزاعات المسلحة عنصرا من عناصر الإبادة الجماعية، كما عُرف في ميثاق منع جريمة الإبادة الجماعية وعقوبتها.

 

16.           ووفق معايير حقوق الإنسان الدولية، فإن من واجب حكومة السودان أن تبذل أقصى ما يمكن لمنع أفعال العنف الجنسي والتحري فيها وعقوبتها وأن تساعد في الحصول على التعويض العادل والفعّال وتقديم المساعدة المختصة وتشمل المساعدة الطبية لضحايا العنف الجنسي. ويكون هذا واجبا على الحكومة سواء ارتكبت الدولة هذه الأفعال أو اتركبها أفراد (المادة 4 (ج) من الإعلان بشأن القضاء على حميع أشكال العنف ضد النساء) أو مجموعات مسلحة أو فصائل متناحرة.

 

(2)            أشكال الاغتصاب في دارفور

 

17.           كما ذُكر آنفا، فإن لجنة تقصي الحقائق الدولية في دارفور خلصت إلى أن "الاغتصاب والأشكال الأخرى من العنف الجنسي التي ارتكبها الجنجويد وجنود الحكومة في دارفور كانت منظمة وعلى نطاق واسع". ولهذه الانتهاكات تبعاتها العديدة على الناجين منها وعلى أسرهم. فبالإضافة إلى الصدمة التي تنتج من الاغتصاب نفسه، فالاعتداء الجنسي قد يؤدي إلى إصابة جسدية خطيرة، والحمل الجبري والمرض والوفاة ونبذ المجمتع للضحايا.

 

18.           ومازالت العناصر المسلحة في دارفور ترتكب العنف الجنسي، وبعض منهم أفراد في أجهزة تنفيذ القانون والقوات المسلحة. وتبدو الحكومة إما غير قادرة على محاسبتهم أو غير راغبة في ذلك. وحتى هذا التاريخ، لم يقدم معظم مرتكبي هذه الجرائم للعدالة وما زالت الأنظار متجهة نحو ما إذا كانت المحكمة الجنائية الخاصة التي شُكلت حديثا للتحقيق في أحداث دارفور ستعالج هذه الجريمة بفعالية.

 

19.           تحتلف أشكال العنف الجنسي وردود أفعال السلطات باختلاف المنطقة المعنية في دارفور. غير أن هناك سمات مشتركة لجريمة العنف الجنسي كشف عنها هذا التقرير.

 

20.           حسب إفادات ضباط حقوق الإنسان فإن النساء والفتيات اللائي يسكنَّ في معسكرات النازحين يشكلن معظم ضحايا العنف الجنسي. تحرس بعض هذه المعسكرات قواتٌ تتحالف مع المسئولين عن نزوحهم. وتُرتكب معظم الحوادث عندما تخرج الضحايا لجمع  الوقود أو الحشائش (القش) أو عندما يتنقلن برا بين المدن الرئيسية في دارفور. وترتكب مجموعات مسلحة تتحرك على الجمال أو الحصين معظم حالات الاغتصاب. ومن الشائع كذلك الاغتصاب الجماعي لعدد من النساء والفتيات معا. وتتعرض الضحايا للأهانة وللشتم [3] وعادة ما يهددن بالقتل ويعرضنّ للضرب وفي حالات قليلة للقتل. وفي معظم الحالات التي تم التعرف فيها على مرتكبي هذه الجريمة كانوا أفرادا من قوات الحكومة وأجهزة تنفيذ القانون ومليشيات موالية للحكومة.

 

21.           وفي معظم الحالات، فإن الضحايا ومن يمثلوهن لا يتوجهون في العادة للسلطات خوفا من الانتقام أو نظرا لعدم جدوى التبليغ إذ لا يوجد تعويض عن العنف الجنسي. وفي الحالات التي لجأت فيها الضحية للعدالة، فقد لاحظ ضباط حقوق الإنسان أن السلطات عجزت عن تقديم معظم مرتكبي العنف الجنسي للعدالة بل أن السلطات أدت إلى تفاقم الوضع في بعض الأحيان بتعريض الضحية لمزيد من الأذى بإهانتها والتعامل غير المسئول معها.

 

22.           ونظرا لأن ضباط حقوق الإنسان يعملون في بعض المناطق دون غيرها في دارفور نسبة للوضع الأمني غير المستقر، فإنه لا يُبلغ عن جميع حالات العنف الجنسي حتى لبعثة الأمم المتحدة. وحتى في المناطق التي يوجد فيها ضباط حقوق الإنسان، فإن عددا من حالات العنف الجنسي لا تُوثق. فهذا التقرير لا يحتوي على عدد من حالات الاغتصاب التي ارتكبت في دارفور في فترة إعداد التقرير. يركز التحليل على تقييم لموقف السلطات من الظاهرة ولحالات فردية، على وجه الخصوص، للعنف الجنسي التي تابعها ضباط حقوق الإنسان وأبلغت بشأنها السلطات.  وخلصت النتائج إلى أنه وبالرغم من أن الحكومة اتخذت بعض الخطوات إتجاه دعاوى العنف الجنسي، إلاّ أنها وحتى تاريخ هذا التقرير عجزت عن التحري الفاعل في دعاوى العنف الجنسي وحالة الإفلات من العقوبة بحيث يقود ذلك إلى المساهمة في منع الظاهرة من الحدوث.

 

(أ‌)               غرب دارفور

 

23.           في الفترة ما بين أغسطس 2004 ومايو 2005، راقب ضباط حقوق الإنسان 39 حادثة اغتصاب و82 محاولة للاغتصاب والاعتداء البدني. ويضم نصف هذه الحوادث أكثر من ضحية. ويتراوح عمر الضحايا بين 7 و60 عاما. وبلغت أعمار الضحايا في 15 حادث ما بين 5 و12 عاما. فيما بلغت في 17 حالة ما بين 12 و18 عاما. وفي 50 حالة، فاق عمر الضحايا 18 عاما. ويوصف مرتكبي هذه الجريمة في معظم الحالات بأنهم رجال مسلحون يرتدون الكاكي أو أفرادا من مليشيات تابعة للحكومة عادة ما يكونوا ملثمين. وفي معظم الحالات، ترتكب الجرائم في أطراف معسكرات النازحين عندما تخرج النساء والفتيات لجلب الوقود والحشائش لاستخدامه في نشاطات للحصول على الرزق.

 

24.           وتفيد البلاغات بأن عددا من الضحايا قد تعرضن للتخويف لمنعهن من الإبلاغ عن الجرائم وبعضا منهن قد أحجم عن التبليغ بسبب فقادنهن الثقة في السلطات: فلم تقدم 16 ضحية من ضمن 39 ضحية تابعها ضباط حقوق الإنسان شكاوى لدى الشرطة ولايرغبن في اللجوء إلى القضاء. وسجل وكيل النيابة في غرب دارفور البلاغات ضد مجهولين في 6 حالات. وفي 18 حالة، اُودعت البلاغات في مركز الشرطة ولم يتخذ فيها أي إجراء. ورفضت الشرطة تقديم معلومات بشأن هذه الحالات وأنكرت وجود هذه الحالات في سجلاتها. وفي ثماني حالات، رفضت الشرطة أو وكيل النيابة التحري في الشكوى بالرغم من وجود بينة طبية قاطعة. خضع مرتكبي الجرائم للمحاكمة وأُدينوا وحُكم عليهم فقط في حالتين. وتمثلت الحالات في اغتصاب صبية يافعين لفتيات قُصر.

 

(ب‌)          شمال دارفور

 

25.           وفي الفترة ما بين أغسطس 2004 ويونيو 2005، راقب ضباط حقوق الإنسان في شمال دارفور حوالى 20 حالة اغتصاب واغتصاب جماعي ومحاولات للاغتصاب بلغ ضحاياها 29 ضحية. وفي معظم الحالات، فإن هذه الجرائم اُرتكبت بالقرب من معسكرات الجيش.

26.           وفي سبع حالات كان هناك أكثر من ضحية وفي 11 حالة كان هناك أكثر من مرتكب للجريمة. ومعظم الضحايا من الفتيات القصر. وفي خمس حالات، تراوح عمر الضحية ما بين 5 و12 عاما. وفي 14 حالة تراوح عمر الضحايا ما بين 12 و18 عاما وفي 10 حالات تجاوز عمر الضحايا 18 عاما. وفي تسع حالات كان مرتكبو الجرائم أفراداً مجهولين من القوات المسلحة. وفي 7 حالات كان مرتكبو الجرائم إما أفرادا من الجيش أو من الشرطة.

 

27.           وفي حالتين رفضت الشرطة السماح للضحايا أو من يمثلوهن تقديم شكوى. توجد شكاوى لدى الشرطة فيما يتعلق بأحدى عشرة حالة بلغ عدد ضحاياها 17 ضحية. ثماني من هذه القضايا مازال التحري فيها جاريا. ومن ضمن 20 حالة رُصدت في شمال دارفور، قدم مجرم واحد فقط للعدالة. وفي مايو 2005، أُدين ضابط شرطة بجريمة اغتصاب طفل يبلغ من العمر 7 سنوات وحُكم عليه بخمس سنوات سجن و100 جلدة. ولم تتحصل الضحية على تعويض.

 

(ج) جنوب دارفور

 

28.           وفي الفترة ما بين أكتوبر 2004 و30 يونيو 2005م، تلقى ضباط حقوق الإنسان معلومات عن 27 حالة عنف جنسي بلغ ضحاياها 119 ضحية. وسجل أعلى رقم للاغتصاب إبان الهجمات على القرى (قرية حمادى). ورصد ضباط حقوق الإنسان 51 حالة حيث كان فيها 17 ضحية من الفتيات القصر اللائي تتراوح أعمارهن بين 11 و17 عاما. وكان من بين الضحايا صبي قاصر يبلغ من العمر 14 عاما. وتراوحت أعمار النساء الضحايا ما بين 18 و40 عاما. وحدثت معظم الجرائم خارج معسكرات النازحين عند خروج النساء لجلب الحطب والحشائش. وثلاث من هذه الحالات حدثت في أثناء هجوم على مركبات عامة تخللها النهب والسلب. وفي حالة حدث اغتصاب في سجن عسكري غير رسمي. وفي ست حالات كان مرتكبي الجرائم من الجيش والشرطة. وفي 21 حالة كان المرتكبون أشخاصا مجهولين من المليشيات الموالية للحكومة (جنجويد).

 

29.           وفي 13 حالة، رفضت الشرطة تسجيل البلاغات. وهم يعزون السبب، في محاضرهم، لانعدام الدليل بعد إجراء الفحص الطبي. وفي 14 حالة، لم يبلغ الضحايا عن الجرائم للشرطة إما خوفا من الانتقام أو لعدم ثقتهم في كفاءة تحري الشرطة أو الحصول على تعويض بحكم قضائي.

30.           ومن بين 51 حالة تابعها ضباط حقوق الإنسان، وصلت فقط ست حالات إلى المحكمة. وفي حالتين، أُدين مرتكبي الجرائم. ففي الحالة الأولى، أُدين رجلين من الشرطة وحُكم عليهما بخمس سنوات سجن لارتكابهم جريمة الاغتصاب وفي الحالة الثانية كان مرتكبي الجريمة احد أفراد الجيش وآخر من الشرطة وأُدينا بموجب المادة 151 من القانون الجنائي بعقوبة الفعل المنافي للأخلاق بدلا عن التهمة الأساسية وهي الاغتصاب. حُكم على المتهمين الاثنين بالسجن لعام ونصف و80 جلدة وتم تجريدهما من وظيفتهما. ولم يمنح أي تعويض في أيٍ من الحالتين. ومازالت هناك حالتان قيد النظر في المحكمة؛ أول هذه الحالتين نُظر فيها أمام المحكمة الجنائية الوطنية والثانية من المتوقع أن يصدر فيها حكما في 12 يوليو 2005. وهناك حالة بين يدي المدعي والشرطة وهي قيد التحري نظرا لأن مرتكبيها مجهولون. وفي جميع الحالات، يظن أن مرتكبي هذه الجرائم هم أفراد من القوات المسلحة أو جهاز تنفيذ القانون (الشرطة) ومليشيات موالية للحكومة.

 

(3)            عقبات تتعلق بالقضاء

 

31.           يواجه ضحايا العنف الجنسي نفس العقبات التي يواجها الضحايا الآخرون الذين يتعرضون لانتهاكات القوات الحكومية والمليشيات الموالية لها في دارفور. وحقيقة ولا واحدة من هذه الجرائم التي ارتكبت على نطاق واسع ضد المدنيين إبان النزاع في دارفور تم التحري فيها أو معاقبة مرتكبيها حتى تاريخ هذا التقرير. وعلاوة على ذلك، فإن ضحايا العنف الجنسي يواجهن، عند تقديم المذنبين للمحاكمة، تحدٍ نتيجة للتحيز الذي يمارس على أساس النوع في سير القضاء وفي ممارسة القانون. فبدلا عن توفير الحماية لهن وتعويضهن، فإن القانون والممارسات القضائية المتحيزة تعرض الناجين من ضحايا العنف الجنسي لمزيد من الضرر.

 

32.           وبالرغم من أن الحكومة اتخذت خطوات لتحسين التحري في الجرائم وضبط مرتكبيها، فإنه لم توضع استراتيجية شاملة لمنع جرائم العنف الجنسي ولتحقيق الأمن لمن يعيشون داخل معسكرات النازحين في دارفور.

 

 

 

(أ) عقبات تتعلق بالقانون

 

33.           السودان هو أحد الدول القليلة التي لم تصادق بعد على ميثاق القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. كما أنها لم تصادق على بروتوكول الميثاق الأفريقي بشأن حقوق المرأة في أفريقيا والميثاق ضد التعذيب والمعاملة القاسية غير الإنسانية والمذلة والعقوبة. والسودان طرف في الميثاق العالمي بشأن الحقوق المدنية والسياسية؛ والميثاق العالمي بشأن الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية والثقافية؛ والميثاق بشأن حقوق الطفل، والميثاق الأفريقي بشأن حقوق الإنسان. ووقع السودان كذلك على نظام روما الأساسي. وتحتوي جميع هذه الاتفاقات الدولية بشأن حقوق الإنسان أحكاما عامة فيما يتعلق بمنع التمييز على أساس النوع، كما أنها تضمن تكافوء الفرص في الحصول على الحماية في ظل القانون. وبعضها يحتوي على أحكام لمنع العنف الجنسي. على سبيل المثال الميثاق بشأن حقوق الطفل يطلب من الدول الأطراف حماية الطفل بصفة خاصة من جميع أشكال الاستغلال والاعتداء الجنسي (المادة 34).

 

34.           وحسب القانون السوداني فإن جريمة الاغتصاب كما وردت في القانون الجنائي لعام 1991، تقع تحت جرائم الشرف والأخلاق. ويعرف الاغتصاب بأنه الاتصال الجنسي بدون رضاء الضحية[4]. ولا يؤخذ بعامل الرضاء حين يكون لمرتكب الفعل وصاية أو سلطة على الضحية. وعندما يكون الاغتصاب زنا أو لواطا، فيعتبر جريمة خطيرة. وعقوبة الاغتصاب 100 جلدة والحكم بالسجن لمدة لا تتجاوز 10 سنوات. وإذا شكل الاغتصاب جريمة زنا أو لواط، فعقوبته الموت (المادة 149). وإذا تعذر إثبات الاغتصاب، فيعاقب المجرم على ارتكابه "فعل منافٍ للآداب". ويعّرف "الفعل المنافي للآداب" في القانون الجنائي على أنه أي فعل يخدش الحياء أو أي فعل جنسي لا يبلغ حد الزنا أو اللواط (المادة 151)[5].

 

35.           وهناك عقبات قانونية بعينها تقف أمام التبليغ عن جرائم الجنس، فقد تواجه ضحية الاغتصاب نفسها عقوبة الموت. فضحايا العنف الجنسي من النساء يصبحن ضحايا للمرة الثانية عندما توصف الجريمة التي تعرضن إليها على أنها جريمة زنا نتيجة لاختلاف البينة المطلوبة لإثبات الزنا بين الرجل والمرأة. فإذا حبلت امرأة غير متزوجة ولم تستطع إثبات واقعة الاغتصاب، فيمكن أن تطبق عليها عقوبة الزنا. في حين أن إثبات واقعة الزنا على الرجل تتطلب الاعتراف أو شهادة أربعة شهود (المادة 146)[6].

 

36.           ويعتبر غياب عنصر الرضاء، بصفة خاصة، بوصفه بينة تثبت جريمة الاغتصاب عقبة كؤود أما سير العدالة في دارفور. فالاغتصاب يمكن أن يرتكب دون ممارسة قوة بدنية حين تكون الضحية قد رضخت للتهديد أو نتيجة لاستخدام القوة أو للظروف القاهرة التي ولدّها النزاع. وحتى في حالة وجود بينة مادية على الاغتصاب، فإنها تختفي بسرعة قبل ملاحظتها وتسجيلها.

 

37.           علاوة على ذلك، يمثل الإجراء الجنائي المتخذ لجمع البينة الطبية مشكلة. فخلافا لما يحدث في الدول الأخرى، حيث يمكن تقديم تقرير طبي للمحكمة، فأن الأورنيك الجنائي (8) يقوم مقام البينة الطبية. ويستخرج أورنيك (8) فقط في مراكز الشرطة وبعض المستشفيات والمراكز الطبية فيقف ذلك حائلا بين الضحايا وبين الحصول على الأورنيك لتأييد إفادتهن. بالإضافة إلى ذلك، فأورنيك (8) يحتوي على معلومات محدودة (ما إذا كانت الضحية قد فقدت من وقت فريب عذريتها، أو وجود نزيف، أو سائل منوي). ولا يحتوي الأورنيك على تقرير طبي شامل من الطبيب. وفي معظم الحالات، فإن الإصابة لم تسجل بأكملها ولم يجمع الدليل اللازم الذي يساعد في الحكم في جريمة الاغتصاب (انظر أسفله الجدل حول الأورنيك الجنائي (8)).

 

38.           ولابد للحكومة من مراجعة القوانين والقواعد التنظيمية والإجراءات، حسب الضرورة، لضمان فعاليتها في توفير الحماية ضد العنف الجنسي ومعالجة هذا الأمر. وتمشيا مع المعايير الدولية والقانون الدولي، ونظرا لطبيعة هذه الجرائم وظروف النزاع المسلح في دارفور، فإنه يوصى بأن تقوم البينة في هذه الجرائم أكثر ما تقوم على شهادة الضحية[7]. ويعاقب مرتكبي هذه الجرائم بما يتناسب مع حجم الجريمة والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، خاصة تلك المتعلقة بالمعاملة القاسية غير الإنسانية والمذلة وعقوبتها.

 

39.           وتوضح الحالات التالية كيف أن القانون السوداني وطريقة تطبيقه يعرضا ضحايا العنف الجنسي لمزيد من الأذى:

-         ففي يناير 2005، اُتهم 4 جنود من معسكر للجيش في شمال دارفور باغتصاب امرأتين وفتاة تبلغ من العمر 10 أعوام. واعترف الجنود الأربع بارتكابهم الجريمة للمدعي العسكري وحوِّلت القضية إلى للمدعي المدني في الفاشر نسبة لطبيعة التهم الجنائية. وهناك غيّر الجنود أقوالهم فذكروا أن ذلك تم برضاء النساء وأنهم قد دفعوا لهن أموالا مقابل ذلك. ولم تطلب شهادة الضحايا وبالرغم من أحدى الضحايا قاصرا، فقد عدّل المدعي المدني التهمة من جريمة اغتصاب إلى زنا. وفي أبريل، رفع العمدة شكوى للمحكمة الجنائية بشأن عدم صحة الإجراء المتخذ وعجز المحكمة عن سماع شهادة الضحايا أو أي من الشهود. واستجابةً لذلك، أرجع القاضي القضية إلى مكتب المدعي لإجراء مزيد من التحريات ولجمع شهادة الضحايا والشهود. وحسب إفادة المدعي، فإن المحكمة لم تعقد بعد لأن العمدة لم يُحضِر الضحايا والشهود إلى الفاشر. وذكر العمدة أنه لم يتمكن من إحضارهم نسبة للوضع الأمني واحتمال اعتقال الرجال الذين يأتون إلى الفاشر من منطقة تقع تحت سيطرة حركة/جيش تحرير السودان.

 

-         وفي غرب دارفور، اتُهمت امرأة بجريمة الزنا ومحاولة القتل لتركها طفلها الرضيع. وحدث الحمل نتيجة لاغتصابها في مطلع عام 2004 حين هاجم قريتها مجموعة من المليشيات الموالية للحكومة. ويزعم أن نفس المجموعة قد قتلت زوجها وأحد أقربائها. وفي الجلسة الأولي، قرر قاضى المحكمة الجنائية الابتدائية عدم الاستمرار في القضية على أنها جريمة زنا، على إثر إفادة ممثل الدفاع بأن الشاكية قد اغتصبت. وأهم شاهد في هذه القضية هو والدة الضحية والتي كانت موجودة حينما هاجمت المليشيا القرية. وفي الجلسة الثانية، بعد أقل من أسبوع من الأمر بالتحري في مزاعم الاغتصاب، قرر القاضي رفض سماع شهادة الأم قائلا بأنه لا يوجد دليل كاف يؤيد مزاعم الاغتصاب، لاغيا بذلك القضية التي رُفعت حديثا وعدلها لجريمة زنا. ولم يعط محامو الضحية الفرصة لتقديم أي نوع من البينات، بما في ذلك الأورنيك (8) الذي أُكمل بعد أن وضعت الضحية مولودها. وأشار الأورنيك إلى وجود آثار على معصم الضحية وطعنات على قدمها وفقدانها السمع نتيجة للاعتداء عليها. واستأنف محامي الدفاع هذا القرار لثلاثة أسباب: (أ) انعدام الأحكام القانونية في قانون الإجراءات الجنائية وفي الشريعة الإسلامية التي ترفض الاستماع إلى شهادة الأم. (ب) إلغاء قضية الاغتصاب دون الاستماع لمزيد من البينات. (ج) تضمين مواضيع تتلعق بماضي الضحية ليست بذات صلة بالقضية. وفي يونيو 2005، حُكم على الضحية بستة شهور سجن لتركها طفلها وأُطلق سراحها على أن تخضع للمراقبة. وأُسقطت دعوى الزنا وقُبل دفاعها لتأييد ممارسة الجنس دون رضائها. وحسب المعلومات المتحصل عليها، لم يكن هناك تحري لتحديد مرتكبي الاغتصاب المزعوم.

 

(ب) العجز عن إجراء تحرٍ فاعلٍ

 

40.           عامة ما يعجز المسئولون عن تنفيذ القانون عن التحري في الشكاوى بفعالية وعن جمع المعلومات الكافية التي على أساسها يمكن للمحكمة أن تصدر حكما عادلا في القضايا. وهم عادة ما يدعون أن محاكمة مرتكبي هذه الجرائم مستحيلا بسبب أن تحرير البلاغات ضد مجهولين. وهم لا يجرون تحري لتغطية ما نقص من معلومات في شهادة الضحايا والشهود. ويؤدي انعدام إطار زمني مناسب يحدد زمن بدء التحريات ونهايتها للتباطؤ في التحري. وفي كثير من الحالات تستمر التحريات لعدة أشهر بدون اتخاذ إجراء في القضية.

 

41.           وتوضح القضية التالية أنه رغما عن أن قانون الإجراءات الجنائية ينص على إجراء التحريات في وقتها[8]، إلاّ إنه وفي عدد من القضايا الاغتصاب لم يتخذ إجراء سريع وفاعل:

-         في سبتمبر 2004، سجل اعتداء سبعة جنود على فتاة تبلغ من العمر 14 عاما في شمال دارفور. وقد أبلغ شاهد أسرة الضحية فقامت بتبليغ الشرطة فورا. غير أن الشرطة رفضت قبول البلاغ وإجراء تحرٍ بدعوى أن البلاغ جاء في وقت متأخر من الليل. نقلت الأسرة الضحية إلى مكتب وكيل النيابة الذي أصدر أمرا للشرطة بإجراء تحرٍ في جريمة الاغتصاب. وحتى تاريخ هذا التقرير، لم تتخذ الشرطة أي إجراء للتحري في الجريمة بالرغم من الطلبات المتكررة بهذا الشأن.

 

42.           وفي بعض الحالات، تعرضت الضحايا وأقربائهن للسجن والتحرش بهن وترويع السطات المحلية لهم لمحاولتهن التبليغ عن هذه الجرائم:

-         في فبراير 2005، قام ثلاثة رجال مسلحين من المليشيات الموالية للحكومة بضرب واغتصاب شقيقتين في غرب دارفور. وذكرت الشقيقتان بأنهما لم يبلغا الشرطة نسبة للتحرش الذي تعرضا له عندما ذهبا للتبليغ عن جريمة اغتصاب سابقة. احدى هاتين الفتاتين اغتصبتهما مليشيا موالية للحكومة أثناء هجوم على قريتها. وعندما أبلغت الضحيتان الشرطة، اتهموهما بالكذب ولم يقبلوا شكواهما بالرغم من الإصابات الجسدية التي كانت عليهما.

-         في فبراير 2005، وفي جنوب دارفور، اغتصبت مليشيا موالية للحكومة فتاتين تتراوح أعمارهن بين 12 و13 عاما. وقد أبلغت الضحيتان أسرتيهما بالحادث حيث قامت الاسرتان بتبليغ شيخ القرية. وذهب الشيخ ليبلغ الشرطة عن الحادث. فاحتجزته الشرطة لترويجه معلومات كاذبة. تدخل ضباط حقوق الإنسان وأُطلق سراح الشيخ بكفالة بعد أسبوعين امضاهما في الحبس. وفي أعقاب إلقاء القبض على الشيخ، رفضت الفتاتان تقديم شكوى خوفا من انتقام الشرطة بالرغم من التقرير الطبي الذي يؤيد دعواهما.

 

43.           ولم تذهب التحريات في جريمة الاغتصاب لأبعد من ذلك لتصل حد رفع قضية قانونية لصالح الضحايا. فبدلا عن التحري الوافي في الشكوى لضبط مرتكبيها، فقد آثرت الشرطة ووكلاء النيابة إلى رفض دعاوى الاغتصاب بعد إجراء الفحص الطبي على الضحايا. ولابد أن يفهم المسئولون عن تنفيذ القانون أنه ليس من مسئولية الطبيب الفصل فيما إذا كانت الضحية قد تعرضت للاغتصاب أم لا، وإنما هي مسئولية المحكمة أن تنظر فيها بناء على بينات وإن عدم وجود إصابة لا يفضي إلى استنتاج عدم وجود اغتصاب:

-         في 1 أبريل 2005، اغتصبت مجموعة من الجنود أربع نساء أثناء جمعهم حطب الوقود بالقرب من معسكر للجيش في شمال دارفور. في حوالى 10 مساء، نقل خال (أو عم) إحدى الضحايا المصابات بصحبة عدد من العمد لمركز الشرطة في المعسكر. ثم نقلن من بعد لمركز الشرطة الرئيسي لتقديم شكوى بالاغتصاب. ومُنعن من تقديم شكوى بناء على الفحص الطبي. ورفضت الشرطة كذلك تحرير بلاغ بالاعتداء البدني.

 

-         وفي 14 مارس 2005، اغتصبت امرأة في غرب دارفور فتقدمت بشكوى للشرطة. شهد الحادث نساء أخريات. وبما أن المرأة كانت متزوجة وأم لستة أطفال، فقد خلصت الشرطة إلى أن الفحص الطبي لا يؤيد دعوى الاغتصاب وأن القضية يمكن أن تسقط لعدم توفر الدليل الكافي. ولم تتخذ الشرطة أي خطوات أخرى للتحري في القضية.

 

44.           وماتزال الشرطة عاجزة عن منع العنف الجنسي أو التحري في قضاياه لضبط مرتكبيه. وفي أبريل ومايو 2005، تظاهر سكان معسكر النازحين في شمال دارفور مطالبين بقدر أكبر من الأمن والحماية بعد أن رفضت الشرطة التحري في عدد من قضايا الاغتصاب.

 

 

 

(ج‌)           العجز عن تقديم مرتكبي الجرائم للعدالة وعقابهم وتعويض الضحايا

 

45.           كثير من حالات العنف الجنسي في دارفور يرتكبها من يعملون لصالح الحكومة أو أفراد من الجيش أو الشرطة يتمتعون بحصانة ضد التقديم للمحاكمة عن الجرائم التي يرتكبوها أثناء أدائهم واجبهم الوظيفي. علاوة على ذلك، عادة ما يتستر المسئولون الحكوميون على ضباط الأمن أثناء التحريات والمحاكمات بتقاعصهم عن إجراء تحر جاد. والإجراءات المتبعة حاليا تشترط في التحريات وما يتبعها من محاكمات تتعلق بأفراد قوات الأمن الخصولَ على إذن من الأجهزة التنفيذية المسئولة عن سلوكهم. وعادة ما لايجد طلب المدعي بسحب حصانة هؤلاء الأفراد استجابة أو يقابل بالرفض. وعامة ما يوقف هذا الشخص عن العمل في حالة الحصول على إذن لتقديمه للمحاكمة. وبغض النظر عن وضع المتهم، فلابد أن تتفق إجراءات التحري والتقديم للمحاكمة مع معايير الشمولية والمسائلة. إن عجز الدولة عن محاكمة المسئولين عن العنف الجنسي ومعاقبتهم هو عجز عن توفير الحماية للمواطنين.

 

46.           وهناك عقبات إدراية وقانونية تحول دون التحري الجنائي وتقديم أفراد الشرطة والجيش للمحاكمة. تنص المادة 46 من قانون قوات الشرطة على الآتي: "لا يتخذ أي إجراء جنائي ضد أي ضابط شرطة ..لجريمة ارتكبها أثناء تأديته واجبه الوظيفي دون أذن من وزير الداخلية أو من يفوضه". والمنشور الجنائي رقم 3/1995 بشأن محاكمة أفراد القوات المسلحة بالإشارة إلى قانون القوات المسلحة لعام 1986 ينص على أنه عندما يكون المتهم فردا من افراد القوات المسلحة، ترفع المحكمة الجنائية تقريرا عن القضية إلى السلطة العسكرية المحلية (المادة 19)، ومن ثم تقوم السلطة العسكرية المحلية بإجراء تحرٍ ورفع تقرير للمحكمة الجنائية فورا. وإذا لم توافق المحكمة الجنائية على نظر القضية في محكمة عسكرية، فلابد من تقديم طلب لرئيس القضاء للحصول على موافقته فيما يتعلق بنظر المحكمة الجنائية للقضية. وفي بعض الحالات، سمح هذا الإجراء للمجرمين بالهرب من العدالة بسبب وضعهم الوظيفي. ومما يثير القلق أيضا هو أن في كثير من الحالات وفي أثناء التحريات، لا تتخذ إجراءات رسمية ، مثل الإيقاف عن العمل، ضد المتهم.

-         وفي 20 ديسمبر 2004، هاجمت مجموعةٌ من الرجال المسلحين قافلةً من البصات في جنوب دارفور. كان في أحد البصات فتاة تبلغ من العمر 16 عاما متجهة من نيالا إلى الفاشر تحت حراسة شرطي لقضاء عقوبة عامين سجنٍ في إصلاحية للأحداث في جريمة تتعلق بالمخدرات. اغتصبها واحد من الذين هاجموا القافلة. ثمانية من المهاجمين كانوا أفراد في قوات الدفاع الشعبي والاثنين الاخرين من استخبارات الحدود وهي وحدة من وحدات الاستخبارات العسكرية. وفي 10 يناير، وفي أعقاب هذا الحادث، أعادت محكمة الاستئناف النظر في عقوبة العامين ضد الفتاة وقررت قبول الفترة التي قضتها الفتاة على أنها كافية وأطلقت سراحها.

 

-         وفي 19 فبراير 2005، بدأت محاكمة قضية اغتصاب في المحكمة الجنائية الخاصة بشأن أحداث دارفور. وفي 20 فبراير، حولت القضية إلى محكمة عسكرية بطلب من محامي الدفاع الذي ذكر أن المتهمين هم افراد من القوات المسلحة وبذلك يشملهم المنشور الجنائي رقم 3/1995. وفي 6 مارس، قدم محامي الدفاع طلب استئناف ضد أمر التحويل مؤيدا موقفه بأن المتهمين لم يكونوا في الخدمة في تاريخ الحادث. وفي 2 يونيو، أُعيدت القضية إلى المحكمة الخاصة الجنائية بعد التنبيه إلى أن المتهمين أفراد في الجيش ولايجب أن يعاملوا بهذه الطريقة. وفي 12 يونيو، قرر رئيس القضاء أن المحكمة الجنائية الخاصة بشأن الأحداث في دارفور مختصة. وفي 18يونيو عقدت الجلسة الأولي للمحكمة.

 

-         وفي 13 فبراير 2005، اغتصب أربعة جنود فتاتين وامرأة خرجن لجمع الحطب بالقرب من معسكر للجيش في شمال دارفور. ومنعت الشرطة الضحايا من تقديم بلاغ بجريمة الاغتصاب لعدم توفر الدليل في الفحص الطبي (الأورنيك 8)، وحُرر البلاغ على أنه فعل منافٍ للآداب. وبعثت الشرطة بخطاب للمستشار القانوني العسكري في 2 مارس تطلب فيه مثول المشتبه فيهم لطابور حتى يتعرف عليهم. وحسب المعلومات المتوفرة، لم يُنظم طابور للتعرف على المشتبهين ولم تتخذ الشرطة أي إجراءات أخرى. وفي 4 مايو قدم المحامي في هذه القضية عريضة لوكيل النيابة زاعما أن ضابط الشرطة المسئول لم يتخذ أي إجراء في التحري. وحتى يونيو، لم تحرز القضية أي تقدم.

 

47.           وعندما يعقد طابور التعرف على المشتبه فيهم، يحضر ضحايا الاغتصاب، بما في ذلك القُصّر، وجها لوجه مع المشتبه فيهم ويُطلب منهمن التعرف على مرتكبي الجريمة في غياب أي حماية لهن، الشئ الذي يعرضهن للترويع والانتقام. وفي معظم الحالات التي رصدها ضباط حقوق الإنسان، لم تستطع الضحايا التعرف على من اعتدوا عليهن:

-         في 3 يونيو 2005، اغتصب رجل يرتدي زي عسكري بالقرب من معسكر للجيش فتاة تبلغ من العمر 13 عاما في شمال دارفور. ونقلت في اليوم التالي أسرةُ الضحيةِ المصابةَ للمستشفى للعلاج. ونتيجة للاغتصاب كان هناك جرح بين المهبل والشرج مما استلزم خياطة الجرح بثمانية غرز. وتم التبليغ عن الحادث في مركز الشرطة. وذكر رئيس النيابة بأنه في 4 يونيو ذهب وفد يتكون من ممثلين من مكتب المدعي، والجيش وفريق تحرٍ من الشرطة وبعثة الاتحاد الأفريقي إلى موقع الحادث مع الضحية وأجروا تحريات. لم يجدوا أي دليل فعزوا الإصابة إلى ظروف المكان والمناخ. دُعي جميع الجنود في معسكرات الجيش في المنطقة إلى طابور للتعرف على المشتبه فيهم. ولم تستطع الضحية من التعرف على مرتكبي الجريمة. ولم تمنح الشرطة الطبيب الذي عالج الضحية وأكمل الأورنيك الجنائي (8) معدات لجمع الدليل وعليه فقد فُقد دليل قيم كان يمكن أن يساعد في التعرف على مرتكبي الجريمة. وظلت الشرطة تمشط المنطقة حول مكان الحادث ومازالت تبحث عن مرتكبي الجريمة. وبما إن المتهمين من الجيش فقد حُوِّل التحري فيها إلى الاستخبارات العسكرية التي تحاول الآن التعرف على الجنود الذين كانوا في الخدمة في معسكر الجيش في يوم الهجوم.

 

(د) الوصول إلى المحاكم والتمييز على أساس النوع في سير القضاء

 

48.           يواجه ضحايا العنف الجنسي، مثلهم مثل ضحايا كثير من الجرائم صعوبات في الوصول إلى القضاء نظرا لعدم وجود محاكم في بعض المناطق. ويعتبر انعدام الحماية بالنسبة للضحايا والشهود عاملا آخر يعوق سير العدالة. وكما ذكر سابقا فإن الخوف من الانتقام يعد عاملا يمنع الضحايا من التبليغ عن الجريمة والبحث عن العدالة والتعويض. علاوة على ذلك، فليس هناك خدمات خاصة لدعم الضحايا مثل المساعدة القضائية وتقديم المشورة النفسية والاجتماعية.

 

49.           ويعاني النساء كذلك من عقبات أخرى تتمثل في التمييز علىأساس النوع في سير العدالة. فالتمييز على أساس النوع والجهل بطبيعة جرائم الجنس، خاصة الصدمة التي تتولد من اغتصاب الضحية، تحدد الطريقة التي تجرى بها المحاكمات والقرارات الناشئة عنها والعقوبة بما يؤدي إلى خفض معدلات العنف الجنسي.

 

50.           ويتحيز النظام القضائي لصالح الرجال ويوقع عبئا على النساء في اثبات حالات الاغتصاب. ويعامل ضحايا العنف الجنسي عادة بطريقة مختلفة عن تلك التي يخضع لها ضحايا الجرائم الأخرى نتيجة للحذر الذي يتعامل به القضاء في هذه الحالات حيث يطلب تأييد شهادة الضحية بالرغم من قوة الشهادة. وتنطوي هذه الممارسة القضائية على اعتبار أن ضحايا العنف الجنسي، وأغلبهم من النساء، ليسوا أهلا للثقة. وهذا السلوك النمطي وهذا المنطق يمثلان حاجزا تمييزيا وعبئا على ضحايا العنف الجنسي.

 

51.           وتمثل الحالات التالية أمثلة على التمييز على أساس النوع فيما يتعلق بسير القضاء:

-         في 2 مايو 2005، اغتصب جنود من جنوب دارفور فتاتين. وفي 7 يونيو، أُدين المتهمون بعقوبة الفعل المنافي للآداب (المادة 151 من القانون الجنائي) بدلا عن الاغتصاب (المادة 149). وذكر القاضي بأنه لم يجد الدليل الكافي لإثبات جريمة الاغتصاب وبرر ذلك  مستندا على الشريعة الإسلامية والمادة 77 من قانون الإثبات؛ لإثبات جريمة الاغتصاب لابد من توفر شهادة أربعة شهود. وقد اهتم كذلك بالتقرير الطبي للقضية (الأورنيك 8) الذي لم يفصل نهائيا في ما إذا كان هناك اغتصاب. وذكر القاضي كذلك بأنه لا يمكنه إدنة المتهم تحت المادة 149 فقط بناءً على التقرير الطبي دون أن يحصل عى شهادة الأربعة شهود. وذكر عددٌ من المحامين والقضاة في محمكة الاستئناف لضباط حقوق الإنسان بأن القاضي قد أساء فهم المادة 149 حيث إن الجرائم تحت المادة 149 و151 مستقلتان عن بعضهما البعض ولكل منهما قواعد إثبات خاصة بها.

 

-         في 8 فبراير 2005، اغتصب خمسة رجال مسلحون ثلاث نساء في هجوم على بص يحمل 30 راكبا في جنوب دارفور. تكونت المجموعة التي هاجمت البص من 350 رجل مسلح على ظهر الخيول والجمال يرتدون لباسا عسكريا. والبعض منهم كان ملثما. وفي وفي 9 فبراير حُررت شكوى بمركز الشرطة. وقد أيد الفحص الطبي دعوى الاغتصاب. في 10 فبراير، شاهد أحدُ ضحايا الحادث (رجل) واحدا مرتكبي الجريمة، وهو فرد من أفراد استخبارات الحدود، في سوق المواشي. وأُلقي القبض على المشتبه فيه وأُخذ إلى مركز الشرطة الأوسط. وهناك تعرف عليه شهود آخرون. في 9 مارس، بدأت جلسات المحاكمة في المحكمة الجزئية الجنائية بالاستماع لشهادة أربعة من بين 12 شاهدا. وتعرف شهود عيان على المشتبه فيه أثناء الجلسات، وكانوا قد تعرفوا عليه أيضا مرتين أثناء التحقيق. وكانت قد تعرفت الضحايا الثلاثة كذلك على المشتبه فيه وإن لم يمثلوا بعد أمام المحكمة. ووجهت إليه تهمة الاغتصاب وعدد من التهم الأخرى المتعلقة بالحادث. تلقى الشهود عددا من التهديدات حتى قبل أن تصل القضية إلى المحكمة. وفي حالة واحدة على الأقل، كان هناك تهديد من ضابط الشرطة. وعموما، يبدو أن التهديدات تصدر من أفراد من نفس المليشيا المسلحة التي ينتمي إليها المتهم. ونتيجة للتهديدات، فقد عجز الشهود عن حضور عدد من جلسات المحكمة. في 10 ابريل، نُقل القضاة المسئولون عن القضية من جنوب دارفور. وإُجلت المحكمة حتى 23 مايو عندما عُين قاضي من المحكمة الجنائية الخاصة بشأن أحداث دارفور بصفة مؤقتة للنظر في القضية. وتوقف التحري فيما يتعلق بالتعرف على مرتكبي الجريمة الآخرين. ويدعي المتحري أن مرتكبي الجريمة الآخرين مجهولون وعليه فلم يستمر التحري. وفي منتصف يونيو، حُولت القضية من المحكمة الجزئية الجنائية إلى المحكمة التي شُكلت حديثا وهي المحكمة الجنائية الخاصة.

 

52.           ويعرف نظام روما الأساسي في المحكمة الجنائية الدولية، الذي وقع عليه السودان، المعايير الدولية لمحاكمة جرائم العنف الجنسي. ويتناول عددا من المواضيع الإجرائية. وهو لا ينشد فقط حماية الضحايا بل أيضا إنصافهم وإنصاف الشهود في إطار المحكمة الجنائية الدولية. ويتطلب هذا تعيين قضاة ومدعين ذوي خبرة خاصة فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة والطفل بالإضافة إلى تأسيس وحدة للضحية والشاهد. ووضُعت كذلك القواعد التي تتناول البينات اللازم لإثبات جرائم العنف الجنسي. وتحدد القواعد الحد الأدنى من المعايير الدولية لضمان عدم التمييز والمساواة بين الضحايا والشهود فيما يتعلق بجرائم العنف الجنسي في حالة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وعلى ضوء العقبات العديدة التي يواجهها الضحايا عند التعامل مع النظام القضائي في دارفور كما وضح سابقا، يوصى باتخاذ إجراءات مماثلة في المحاكم في دارفور، بما في ذلك تأسيس وحدة الضحية والشاهد، يمكنها أن توفر سبل الحماية والترتيبات الأمنية وتقديم المشورة والمساعدة الملائمة للشهود والضحايا وكل من يتعرضون للخطر مقابل إدلائهم بشهادتهم.

 

53.           وفي غياب المحاكم في بعض المناطق، يمكن أن تستخدم إجراءات قانونية أخرى مثل المحاكم التقليدية بديلا للقضاء الرسمي:

-         في 6 مايو 2005، هُوجمت امرأتان في شمال درافور. اُغتصبت احدهما وقُتلت بعد ذلك وتمكنت الأخرى من الهرب بعد اغتصابها. تعرفت الضحية التي نجت على المشتبه فيه. وفي 18 مايو، اجتمع مجلس القرية لمناقشة الحادث. حضرت الشرطة الاجتماع بالإضافة إلى ممثل عن أسرة الضحية وممثل عن أسرة المشتبه فيه. وقد أُدين المشبته فيه وحُكم عليه بدفع 600000 دينار لأسرة الضحية. ولم تتخذ إجراءات جنائية أخرى ضد المتهم.

 

54.           وبالرغم من أن القانون يسمح بالتسوية بين الأسر، إلاّ إن التعامل مع قضايا بهذا القدر من الخطورة دون اللجوء إلى القضاء الرسمي قد يحرم الضحايا، خاصة الإناث منهن، من أن ينصفوا ومن الحصول على محاكمة عادلة علنية.

 

(4)            الجدل بشأن الأورنيك الجنائي (8): العلاج الطبي والحصول على البينة القضائية

 

55.           يتناول هذا الجزء من التقرير تاريخ الجدل الذي دار حول الأورنيك الجنائي (8). ويوضح أنه رغما عن التغييرات الرسمية التي طرأت على الإجراء الجنائي الذي يضمن حق الضحية في سرية العلاج الطبي، إلاّ إن بعض العناصر استمرت في تجاهل هذا الإجراء وتعريض الأطباء والمساعدين الطبيين والضحايا للتهديد والترويع.

 

56.           ويستلزم القانون السوداني أن يملأ طبيب مسجّل نموذجَ أورنيك البينة الطبية في حالات الاغتصاب وبعض الجرائم الخطيرة الأخرى من نحو القتل والاعتداء البدني. ويهدف الأورنيك الجنائي (8) لتأكيد أن العناصر المطلوبة في البينة قد جمُعت أثناء التحري. ويتطلب قانون الإجراءات الجنائية أن تتخذ الشرطة الخطوات اللازمة في حالة الجريمة المتعلقة بالموت وبالإصابة البالغة لاستدعاء طبيب مؤهل لفحص الجثة أو الشخص المصاب ونقله/نقلها إلى أقرب مستشفى (المادة 48(1)(ج)). على ذلك، لابد أن يحصل جميع الضحايا الذين تعرضوا لإصابة بالغة (بما في ذلك الاغتصاب) على الأورنيك الجنائي رقم (8) من الشرطة بغرض الفحص الطبي وليقوم مقام البينة.

 

57.           في 2004، واستجابة لما أثير من أن هذا الإجراء يمنع الضحايا في دارفور من الحصول على العلاج، أصدر وزير العدل المنشور الجنائي رقم 1/2004 بتاريخ 11 أغسطس 2004. وبالإشارة إلى الظروف في درافور، ينص المنشور على الأتي: "حينما يكون هناك حاجة عاجلة للمساعدة الطبية، فلابد من توفيرها للمريض لإنقاذ حياته ولعلاجه بمستشفي حكومي دون أن يشترط إكمال الأورنيك الجنائي رقم (8)". وعُدل هذا المنشور وصدر آخر يحمل الرقم 2/2004 بتاريخ 11 ديسمبر 2004 ليوضح الإجراء الذي يجب اتخاذه. وينص المنشور الجنائي رقم 2/2004 على أن الإجراءات الطبية لابد من اتخاذها دون التقيد بمتطلبات الفحص الطبي. ويجب أن يملأ الأورنيك (8) قبل تحويل القضية إلى المحاكمة. كما سمح للمستشفيات الخاصة التي تعترف بها وزارة الصحة بتقديم المساعدة الطبية.

 

58.           وشكلت بعثة مشتركة بين الحكومة السودانية وبين الأمم المتحدة لتعميم المنشور الجنائي رقم (8) في دارفور بين 21 و24 مارس 2005. وعملت البعثة على شرح أن على جميع العاملين في المجال الطبي سواء كانوا سودانيين أو دوليين، في المستشفيات الحكومية أو الخاصة التي تعترف بها وزارة الصحة، أن تتيح العلاج دون التقيد بالأورنيك الجنائي رقم (8). ومع ذلك يجب أن يملأ الأورنيك طبيبٌ مصرحٌ له بذلك في مرحلة لاحقة في حالة أن حررت شكوى في المحكمة.

 

59.           صرحت وزارة الصحة لتسعة وعشرين مركزا طبيا خاصا أو يتبع لمنظمة طوعية محلية (5 في شمال دارفور و15 في جنوب دارفور و9 في غرب دارفور) بإجراء الفصح الطبي، ذلك بالإضافة إلى المراكز الطبية الحكومية. ولابد أن تتوفر الشروط التالية في الأشخاص المصرح لهم بملأ أورنيك (8): التخرج من كلية طبية، أكمال 16 شهرا من التدريب بعد إكمال الجامعة، مسّجل في المجلس الطبي السوداني.

 

60.           ذكرت وزارة الصحة أن الأطباء الأجانب لم تتوفر فيهم شروط الطبيب المصرح له باستخراج الأورنيك. علاوة على ذلك، ذكرت أن الأورنيك وثيقة قانونية تستخدم في التحريات الجنائية، فإذا سُمح للأطباء الأجانب باستخراج الأورنيك وغادروا البلاد قبل أن تحال القضية إلى المحكمة، فيكون عندها من المستحيل الاستماع لشهادتهم أثناء سير العملية القضائية.

 

61.           غير أنه، وبالرغم من المنشورات الجنائية، وبالرغم من البعثة التي أرسلت لدرافور، مازال الأورنيك (8) يشكل عقبة أمام الحصول على العلاج بدلا عن تسهيل التحري في الاغتصاب. وقد حاول بعض من المسئولين في الشرطة الإصرار على تقديم المساعدة الطبية بعد تحرير أورنيك (8) وأن فقط الأطباء المخولين بملأ الأورنيك مسموح لهم بمنح الرعاية الطبية لضحايا الاغتصاب. ورفض في بعض الحالات معالجة ضحية اعتداء جنسي قبل الحصول أولا على الأورنيك. وفي حالة معينة، نقل أحد العاملين بأجهزة تنفذ القانون ضحيةً عنوة من المركز الطبي وحملها إلي طبيب مسجل لملأ الأورنيك. ومن غير الواضح ما إذا كان السبب وراء عدم الالتزام بالإجراء الجنائي يرجع للجهل بالمنشور أو خوفا من أن تقع عليهم المسئولية لعدم تبليغهم السلطات. وفي هذا الإطار، من المتوقع أن تصدر وزارة العدل توضيحا آخر في يوليو 2005.

 

62.           ويعتبر العاملون في المراكز الطبية أن أورنيك (8) يمثل عقبة أمام سرية العلاج ويرون أن من حق الضحايا أن يمنحوا الفرصة لاختيار المكان الذين سيتلقون فيه العلاج. وردت أجهزة تنفيذ القانون بأن العنف الجنسي يعد جريمة خطيرة لابد من التحري فيها وأن الفحص الطبي جزء مهم في التحري الجنائي وإذا لم يجر في خلال 72 ساعة فإن معلومات قيمة يمكن أن تفقد. وذكرت الحكومة أن ضحايا العنف الجنسي لا يملأون الأورنيك فعندما يحبلون نتيجة للاعتداء عليهم، لن يكون لديهم دليل لإثبات واقعة الاغتصاب ويمكن إدانتهم بعقوبة الزنا. والتطبيق الصارم للإجراءات الذي اشتمل على نقل الشرطة عنوة لضحايا العنف الجنسي خارج المركز الطبي حتى يعيد فحصهم طبيب مسجل دون رضاء الضحايا قد أدى إلى انتهاك حقوقهن ودل على الجهل باحتياجات ضحية العنف الجنسي. وتظهر المشكلة بطريقة أكثر وضوحا في جنوب دارفور:

-         بنهاية مارس 2005، اغتصبت مجموعة من الأشخاص فتاة تبلغ من العمر 17 عاما في جنوب دارفور. وعندما ذهبت لعيادة تتبع لمنظمة طوعية محلية لطلب المساعدة الطبية تدخلت عدد من الجهات الرسمية دون رضاء الضحية منتهكين بذلك حقها في الاحتفاظ بسرية الفحص الطبي. اقتحمت الشرطة العيادة وأصروا على تقديم الضحية للعلاج قبل أن يكتمل أورنيك (8) وبدأوا بطرح أسئلة على الضحية. وعادوا فيما بعد في نفس اليوم بصحبة 15-20 ضابط شرطة، وأسعاف وثلاثة أطباء من وزارة الصحة الولائية. وأعيد فحص الضحية وترحيلها إلى مستشفى نيالا التعليمي. وأساء أفراد من قوات الأمن الوطني إليها في المستشفى وطلبوا منها التوقف عن الكذب مدعية أنها اغتصب في حين إنها في حقيقة الأمر ارتكبت الزنا. وبعد أن أمضت يومين في المستشفى، نقلتها الشرطة إلى مركز شرطة نيالا واستجوبتها لمدة أربع ساعات قبل إعادتها إلى المستشفى. شكل والي جنوب دارفور، استجابة لهذا الحادث، لجنة للتحري في الحادث. ضمت اللجنة ثلاثة أطباء من وزارة الصحة الولائية كانوا قد فحصوها. وقد اتهمت الشرطة الطبيبين الذين عالجا الضحية بإعطاء معلومات كاذبة[9]. وفي 30 مايو نشرت الصحيفة السودانية Sudan Vision مقالا بشأن القضية: فقد نشرت التقرير الطبي للنظمة الطوعية بأكمله بالإضافة إلى تقرير مستشفى نيالا التعليمي بشأن القضية. وقد ظهر بوضوح اسم وصور الضحية. وذكر المقال أن القضية جزءا من مجهود دولي لفبركة دعاوى اغتصاب كاذبة لتشويه سمعة الحكومة السودانية.

 

63.           ويجب حسم الجدل الدائر حول الإجراء لمصلحة الضحية. وحتى يمكن تجنيب الضحية مزيدا من الأذى، يجب أن تراعى حقوق الضحية الإنسانية في إطار الجهود المبذولة للتعامل مع الأمر قانونيا. ويجب على السلطات احترام حق الضحية في الاحتفاظ بسرية العلاج والرعاية الطبية. ويجب أن يقوم العاملون في المراكز الطبية بتوعية الضحايا بحقهم في اللجوء إلى القضاء والحرص على الإجراءات( ملأ الأورنيك رقم (8)) حتى يستطيعوا اتخاذ ما يناسبهم من قرار في ذاك الوقت. ومن المهم توضيح أن قبول الضحية للجوء إلى القضاء أو رفضها لذلك لن يؤثر في حصولها على العلاج. وإذا قررت الضحية اللجوء إلى القضاء برضائها، فلابد من ملأ الأورنيك وجمع البينة القضائية (ويفضل في خلال 72 ساعة) وإرسالها إلى السلطات المختصة لاستعمالها في القضية.

 

(5)            الحبس والترويع والتحرش بضباط حقوق الإنسان والكادر الطبي

 

64.           كما ذكر آنفا في هذا التقرير، كان رد فعل الحكومة عنيفا اتجاه التقارير التي تفيد باستمرار ارتكاب جريمة الاغتصاب في درافور. واستعمل المتورطون في جرائم الاغتصاب استراتيجيات مختلفة لتغطية جرائمهم ولإسكات الضحايا باللجوء في بعض الأحيان إلى خلق جو من الترهيب للحيلولة دون الإبلاغ ووحصول الضحايا على علاج. وقد بلغت حساسية السلطات اتجاه دعاوى الاغتصاب والعنف الجنسي الحد الذي أصبح يتعرض فيه ضحايا العنف الجنسي والمدافعون عن حقوق الإنسان الذين يعملون على توثيق هذه الجرائم لإبراز حجم المشكلة لإلصاق تهم جنائية بهم:

-         وفي 30مايو، أُلقي القبض على مدير أطباء بلا حدود- هولندا- في الخرطوم بسبب تقرير عن الاغتصاب، ثم أُطلق سراحه بكفالة. واتهم بالتجسس وبترويج معلومات كاذبة تزعزع الأمن. وتعرِّض تهمة التجسس لعقوبة الإعدام في السودان. وفي 31 مايو، ألقت السلطات القبض على منسق أطباء بلا حدود في جنوب دارفور ووجهت إليه نفس التهم وحُول إلى الخرطوم. وسبق القبض عليه تهديد المنظمة في الصحف السودانية. ونتيجة للضغط الدولي المكثف، أسقطت الحكومة التهم في 20 يونيو 2005.

 

65.           وتلقى العديد من التقارير عن الترويع والتحرش ضد ضباط حقوق الإنسان والعاملين في المجال الطبي الاهتمام. وأي فعل للتهديد والترويع والتحرش بضباط حقوق الإنسان والكادر الطبي يعتبر انتهاكا للقانون الدولي ويشكل عائقا كبيرا امام وصول الضحايا للعدالة.

 

(6)            رد فعل الحكومة اتجاه العنف الجنسي

 

66.           شكلت وزارة العدل لجان قضائية وطنية للتحري في دعاوى الاغتصاب في دارفور في يوليو 2004. وقد مُنحت اللجان سلطة إجراء التحريات، وتوجيه التهم، وعقد المحاكمات ومتابعة سير القضايا في المحكمة. وأكملت اللجان عملها بعد ثلاثة أسابيع ورفعت تقاريرها لوزارة العدل بواسطة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. وقد ضمنت اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها مجموعات مسلحة في ولاية دارفور النتائجَ التي خلصت إليها اللجان القضائية في تقريرها. ويفيد التقرير إلى أن تحريات اللجنة القضائية الوطنية أدانت عدد من الأشخاص من بينهم عشرة من أفراد القوات المسلحة. وقد رفعت وزارة العدل عنهم الحصانة حتى يقدموا إلى المحاكمة. غير إن لجنة التحقيق الدولية انتقدت تشكيل اللجان ومنهاج عملها موضحة أن "اللجان المختصة بالاغتصاب لم توضح الأسس التي اعتمدت عليها في نتائجها فيما يتعلق بجريمة الاغتصاب في دارفور، كما أنها لم تحقق شرط التحري في القضايا الخطيرة المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة مرتكبيها (s/2005/60 الفقرة 487).

 

67.           شُكلت لجنة ولائية لمحاربة العنف ضد المرأة في جنوب دارفور بمنشور صادر من والي جنوب دارفور يحمل الرقم 17 بتاريخ 6 مارس 2005 عُدل في 30مارس 2005. شارك في اللجنة بصفة مراقب كل من إدارة حقوق الإنسان ببعثة الأمم المتحدة وبعثة الاتحاد الأفريقي ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية وصندوق الأمم المتحدة للسكان وصندوق الأمم المتحدة للطفولة ومنظمة الصحة العالمية. وأهداف اللجنة تتمثل في: (1) تحليل المشكلات المتعلقة بالتحري في قضايا العنف الجنسي ومحاكمة تلك الجرائم. (2) متابعة القضايا التي يحولها المدعي للمحاكم القضائية. (3) تحديد سبل تطوير أداء السلطات الحكومية المختصة ومتابعته. (4) تحديد عدد القضايا التي أحيلت للمحكمة وعدد القضايا التي حصل فيها على قرار بالإدانة وتلك التي حصل فيها على قرار بالتبرئة. (5) وضع مناهج لمنع حدوث العنف الجنسي ومتابعة هذه المناهج. (6) ضمان حصول الضحايا على العلاج وفق المنشور الجنائي المعدل رقم (8). (7) استلام ومتابعة الحالات التي لم يلتزم فيها بالإجراء. (8) التأكد من أن السلطات تتبع منهجا يؤدي إلى خلق بيئة آمنة تدعم الضحايا وتضمن حصولهم على خدمات صحية ونفسية وقانونية. ولم يحضر ممثلي الحكومة اجتماعات اللجنة في ابريل ومايو 2005 وإن  تحسن حضورهم في شهر يونيو. وأبدوا موافقتهم الشفيه على بعض الأمور التي تتعلق بالأورنيك (8) والمنشور المعدل. غير إنه، يظل على اللجنة فعل الكثير حتى يكون لها تأثير ملحوظ على تقليل حدوث العنف الجنسي ووضع نهاية للإفلات من عقوبة العنف الجنسي في دافور.

 

68.           ومنذ مايو 2005، رصد ضباط حقوق الإنسان عددا من مظاهر التطور الإيجابي على المستوى المحلي فيما يتعلق بالجهود المبذولة لمعالجة الإفلات من القانون في جرائم العنف الجنسي. وبالرغم من أن فعالية الإجراءات لم تقيم بعد، إلاّ أن هناك مؤشرات بأن السلطات قد اتخذت بعض الخطوات لمنع انتهاك حقوق الإنسان ولضمان محاكمة المذنبين.

 

69.           وقد زارت اللجنة الأمنية لشمال دارفور قادة عسكريين حول الفاشر بنهاية مايو 2005 لإطلاعهم بأن عدد من الجرائم التي ارتكبت متهم فيها جنود. ودعى الوفد القادة العسكريين للسيطرة على جنودهم والتأكد من توقفهم عن ارتكاب مزيد من الجرائم. وحتى يتثنى حل مشكلة التعرف على مرتكبي الجرائم، لأن عددا منهم كان يرتدي زي رسمي في حين أنهم لا ينتمون للشرطة أو الجيش، صدر أمرا في بداية يونيو 2005 عُمم على السلطات المحلية، والشرطة العسكرية والأمن يدعوهم إلى التركيز على الأحكام ذات الصلة من القانون الجنائي. ويفيد الأمر بأن أي شخص يرتدي زيا رسميا وليس عضوا في الشرطة أو الجيش يلقى القبض عليه ويقدم للمحاكمة.

 

70.           وفي مايو 2005، وفي أعقاب قرار اتخذه وزير الداخلية، ومدير الشرطة ووزارة العدل، شُكل فريق تحري جنائي ونُشر في جميع ولايات دارفور لتقديم الخبرة ولتأسيس إدارات للتحري الجنائي تماثل الموجودة حاليا في الخرطوم. ونظم فريق مقدمة تدريبا للشرطة قبل وصول فرق التحري الجنائي لدارفور. ومازال التدريب مستمرا. تتكون فرق التحري الجنائي من ضباط بخبرات مختلفة مثل التحري الجنائي، وجمع البينة القضائية واختبارها، والهوية الشخصية (البصمات) والتعامل مع موقع الجريمة. وستوزِّع فرقُ التحري الجنائي على الأطباء معدات لجمع البينات لتستعمل في قضايا الاغتصاب برضاء الضحايا. وسترسل البينات القضائية التي جمعها الفرق لمعمل بالخرطوم لتحليل الحمض النووي. وتكلَّف فرق التحري الجنائي بالتركيز كليا على التحريات بما في ذلك مراجعة القضايا التي لم يجرز فيها تقدما.

 

71.           علاوة على ذلك، أُعيد نشر قضاة ووكلاء نيابة في مدن في شمال دارفور حيث أدى ذلك إلى تحسين فرص وصول ضحايا الجرائم بما فيها جريمة العنف الجنسي إلى العدالة .واستدعي قضاة ووكلاء نيابة من أربع مدن حول الفاشر (أم كدادة، وكتم، وكبكابية ومليط) إلى الحضور إلى الفاشر حفاظا على سلامتهم. وفي يونيو، تقرر أن يُنشر قضاة في أربع مدن، كما نُشر وكلاء نيابة لمدينتين منهما. ويحد تمركز القضاة ووكلاء النيابة في عاصمة الولاية من وصول الضحايا إلى العدالة في المناطق المحيطة بالعاصمة.

 

72.           شكّل وزير العدل المحكمة الجنائية الخاصة بشأن الأحداث في دارفور في 7 يونيو 2005. وبالرغم من ذلك، وحسب إفادات رئيس المحكمة لم تعرض أمامها إلاّ 12 قضية فقط. وأول قضية عُرضت على المحكمة كانت في 18 يونيو 2005 وتتعلق بثمانية من أفراد قوات الدفاع الشعبي واثنين من الجيش وُجهت إليهم عدد من التهم من بينها اغتصاب فتاة تبلغ من العمر 16 عاما أثناء هجوم على بصين في 20 ديسمبر 2004[10]. وقد أُبلغت الضحية ومحاموها ومكتب المدعي بجلسة المحكمة في صباح 18 يونيو. ويأسف المحامون لأنهم لم يبلغوا قبل وقت كافٍ وطلبوا تأجيل الجلسة إلى اليوم التالي. إلاّ أن رئيس القضاء رفض طلبهم محتجا بأنها محكمة خاصة وأن الإبلاغ "حتى ولو كان قبل خمس دقائق فقط" يعتبر كافيا. وانسحب المحامون من القضية احتجاجا على ذلك.

 

73.           وفي عدد قليل من القضايا التي رصدها ضباط حقوق الإنسان، عُرض مرتكبي جريمة الاغتصاب على المحكمة وعقوبوا علي جريمتهم. ويمثل هذا بارقة أمل في معاقبة مرتكبي جرائم العنف الجنسي إذا توفرت الإرادة السياسية اللازمة.

-         في 5 مايو 2005، أدانت محكمة في جنوب دارفور اثنين من رجال الشرطة لاغتصابهم امرأة أثناء عملهم في 17 فبراير 2005. وحُكم عليهم بالسجن مدة خمسة أعوام و100 جلدة. ويقال أن القضية قد حُكم فيها سريعا لأن للضحية صلة قرابة بالمتحري.

 

74.           وتعمل المنظمات النسوية المحلية، والمنظمات المحلية والأكاديميون ومنظمات حقوق الإنسان الوطنية بجد لرفع الوعي بحقوق المرأة وبناء القدارت وتقديم مختلف الخدمات لضحايا العنف الجنسي وتشمل المساعدة القانونية. وقد نظمت المنظمات المحلية النسوية المنابر لجمع القطاعات ذات الصلة (مهنة القانون، الطب، أجهزة تنفيذ القانون والإعلام) لمناقشة سبل منع العنف الجنسي والتعامل معه في دارفور. وخلصت المنابر إلى توصيات سترفع إلى صُنّاع السياسات في فصل الخريف. وتنادي المجموعات الأخرى بإصلاح القانون لمعالجة التمييز على أساس النوع.

 

(7)            ملاحظات

 

75.           وبالرغم من الحكومة قد اتخذت خطوات للتحري في عدد من حالات العنف الجنسي، إلاّ أن هذه الخطوات تظل غير كافية لوضع نهاية لحالة الإفلات من العقوبة بحيث تسهم في منعها. ونتيجة لذلك، يُبلّغ كل أسبوع عن حالات جديدة لاغتصاب الفتيات والنساء.

 

76.           ويعجز المسئولون في أجهزة تنفيذ القانون بصورة عامة عن التحري في الشكاوى بصورة فاعلة وعن جمع المعلومات الكافية التي على أساسها يمكن أن تعقد محكمة ويصدر حكم عادل في كل قضية. ولا يوجد إطار زمني يحدد بداية التحريات ونهايتها بما أدي إلى تعطيل اتخاذ إجراءات حقيقية بشأنها.

 

77.           وفي عدد من الحالات، يكون مرتكبو الجرائم أفرادا في قوات الجيش والشرطة. والإجراءات الحالية التي تتبع في حالة التحري والمحاكمة المتعلقة بقوات الأمن تستلزم الحصول على إذن من الأجهزة التنفيذية المسئولة عن سلوكهم. وعادة ما يقابل طلب المدعي بسحب الحصانة من هذه الفئة بالرفض أو عدم الرد عليه. وبنفس الطريقة، وأقصى ما يمكن أن يتخذ في حالة الحصول على إذن بمحاكمة أحد أفراد هذه الفئة هو إيقافه عن العمل. ومهما يكن وضع المتهم، فإن التحري والمحاكمة يجب أن تتوفر فيهما نفس معايير الشمولية والمحاسبة.

 

78.           ولايتحمس الأشخاص للتبليغ في حوداث العنف الجنسي أو للإدلاء بشهادتهم نظرا لانعدام الثقة في الشرطة والنظام القضائي وخوفا من الانتقام.

 

(8)            توصيات

 

79.           هناك حاجة لإجراءات معينة تستجيب للمطالب الخاصة للتحري وعقد المحاكمات وإصدار الأحكام في قضايا الاغتصاب والأشكال الأخرى للعنف الجنسي لضمان عدم تعريض الضحايا من النساء لمزيد من الأذى نتيجة للقوانين التي لا تعطي اعتبارا للنوع أونتيجة لمعاملة أجهزة القضاء والشرطة. ولابد لوكلاء النيابة من التأكد من أن للمتحرين ما يكفي من الخبرة للتعامل مع مثل هذه القضايا وأن التحري يجري بطريقة توفر على الضحايا وأسرهم التعرض لصدمات أخرى.

 

80.           ولابد من تقوية الآليات القضائية والإدارية لتمكين الضحايا من الحصول على تعويض من خلال إجراءات سريعة وعادلة وغير مكلفة ومتاحة. ويتيح التوقيع على اتفاق السلام الشامل وعملية مراجعة الدستور فرصة لتأسيس إطار قانوني يوفر الحماية الشاملة لحقوق المرأة ويفرض إجراءات تتفق مع المعايير الدولية التي تضمن التعامل الصحيح مع جرائم العنف الجنسي وضحاياه. وتشمل المعايير الدولية إجراءات الحماية في اثناء المحاكمة وتأسيس وحدات للضحية والشاهد لتقدم خدمات لدعم الضحايا.

 

81.           وحتى يتثنى وضع نهاية للعنف الجنسي، فإن حكومة السودان تحتاج للاعتراف بحجم المشكلة واتخاذ الخطوات اللازمة لوضع نهاية لحالة الإفلات من القانون الذي يغذي العنف الجنسي في دارفور. وسوف يتضح لمرتكبي جرائم العنف الجنسي من بعد التحريات الموثوق فيها والتي تجرى في أوانها والمحاكمات الآمنة لقضايا العنف الجنسي بأن الاغتصاب جريمة لن تغتفر بعد الآن. ولابد أن توضع نهاية للحبس والترويع والتحرش الذي يمارس ضد ضحايا العنف الجنسي ومن يدعمونهم.

 

(أ‌)               توصيات لحكومة السودان

 

82.           ترفع التوصيات التالية لحكومة السودان:

·       احترام رغبات الضحية وحقوقها وكرامتها عند اتخاذ ما يلزم لمنع أو الرد على حادث من حوادث العنف الجنسي.

·       التحري السريع والشامل وغير المتحيز في جميع بلاغات العنف الجنسي للتعرف على المسئولين عنها ومحاكمتهم، سواء أن ارتكب الجريمة فرد من العاملين في أجهزة تنفيذ القانون أو مجموعات مسلحة أو آخرون.

·       تأسيس وحدات للضحية والشاهد بالمحاكم لتتيح إجراءات الحماية والإجراءات أمنية وتقدم المشورة والمساعدة المناسبة أثناء التحري والمحاكمة وأي مرحلة لاحقة تستلزم توفير الأمن للضحايا والشهود.

·       إلغاء الإجراءات التي تمنح الحصانة ضد التقديم للمحاكمة للعاملين بالدولة في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان مثل الاغتصاب.

·       اتخاذ الخطوات التأديبية (من نحو الوقف عن العمل) أثناء التحري والمحاكمة ضد أي متهم يعمل في أجهزة تنفيذ القانون والقوات المسلحة.

·       تدريب الشرطة  ووكلاء النيابة والأجهزة القضائية والكادر الطبي فيما يتعلق بعلاج ضحايا العنف الجنسي وفي إجراء التحريات الجنائية وجمع البينة القضائية.

·       تدريب الأطباء والكادر الطبي على قواعد التعامل الطبي مع ضحايا الاغتصاب لضمان جمع البينة الطبية اللازمة وحفظ كرامة الضحايا.

·       خلق بيئة آمنة تدعم الضحايا في بحثهم على الخدمات الطبية والقانونية.

·       تنظيم حملة لرفع الوعي بين العامة ولتوعية الضحايا بحقوقهم في الحصول على تعويض من خلال آليات القضاء.

·       وفي إطار عمل مفوضية الإصلاح القانوني بموجب اتفاق السلام الشامل، تراجع الحكومة مراجعة شاملة الإطار القانوني الحالي المتعلق بجرائم الجنس لضمان فاعليته في محاكمة العنف الجنسي.

·       تعديل البينة المطلوبة في جريمة الزنا لإلغاء التمييز على أساس النوع ولمنع تعريض ضحايا الاغتصاب اللائي يحبلن نتيجة اغتصابهن لمحاكمتهن بجريمة الزنا.

·       ضمان أن العقوبة التي تفرض على مرتكبي الجرائم والتعويض الذي يحصل عليه الضحايا يتناسب مع حجم الجريمة والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، خاصة تلك المتعلقة بالمعاملة القاسية غير الإنسانية والمذلة.

 

83.           يجب على حكومة الوحدة الوطنية أن تلتزم بحقوق الإنسان بمصادقتها على الميثاق ضد التعذيب والمعاملة القاسية غير الإنسانية والمذلة والعقوبة، وميثاق إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة والبروتوكول الاختياري في ميثاق حقوق الطفل بشأن استخدام الأطفال في النزاعات المسلحة وبروتوكول الميثاق الأفريقي بشأن حقوق الأنسان وحقوق المرأة في أفريقيا.

 

(ب‌)          توصيات للمجتمع الدولي

84.           لابد للمجتمع الدولي من:

·       تقديم المساعدة لحكومة السودان لإعادة هيكلة قوات الشرطة وتدريبها وتأسيس قضاء مستقل كفء وغير متحيز، له من الموارد اللازمة لمباشرة عمله بفعالية وعدالة.

·       توفير التدريب لوكلاء النيابة والقضاة والموظفين الآخرين في التعامل مع قضايا الاغتصاب وأشكال العنف الجنسي الأخرى بما يتفق مع المعايير الحالية للقانون الدولي خاصة نظام روما الأساسي بالمحكمة الجنائية الدولية والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا والمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة.

·       توفير التدريب للعاملين في أجهزة تنفيذ القانون والقوات المسلحة وحقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني وحقوق المرأة.

·       تقديم المساعدة الفنية للعاملين في أجهزة تنفيذ القانون فيما يتعلق بالتحريات الجنائية وجمع البينة القضائية.



[1] حسب المعلومات التي أوردتها وكالات إنسانية، فإن طواف مراقبي الاتحاد الأفريقي والشرطة المدنية على طول مسارات جمع الحطب قد أدت إلى انخفاض التحرش بالنساء والفتيات منذ مارس 2005م.

[2]  كما ذكرت لجنة تقصي الحقائق الدولية في تقريرها: "إنه من الواضح من المعلومات التي جمعتها اللجنة وتحققت فيها أن الاغتصاب والأشكال الأخرى للعنف الجنسي الذي ارتكبه الجنجويد وجنود الحكومة في دارفور كان على نطاق واسع ومنظم". (S/2005/60 الفقرة 360).

[3]  بالألقاب المهينة مثل "عبيد" و"زرقة" و"نوبة" وشتائم أخرى تتعلق بالعرق، والقبيلة والإثنية.

[4] حسب المادة 149، يعنى الرضاءُ القبول، ولا يعتبر رضاء إذا: صدر من (أ) شخص تحت تأثير أوعن طريق معلومة خطأ حيث يعلم الشخص الذي يرتكب الفعل بأن الرضاء كان نتيجة إكراه أو خطأ (ب) من شخص لم يصل سن الرشد (ج) شخص غير قادر على فهم طبيعة أو تبعات قبوله لهذا الفعل بسبب اضطراب عقلي أو نفسي.

 

[5] وفق المادة 151، قد لا تتجاوز العقوبة 40 جلدة أو السجن لمدة لا تتجاوز العام أو الغرامة. وحيث ترتكب الجريمة على الملأ أو دون رضاء الضحية، لا تتجاوز العقوبة 80 جلدة أو السجن لمدة لا تتجاوز العامين أو الغرامة.

 

[6]  تعرف الزنا بأنها الاتصال الجنسي بين الرجل والمرأة دون زواج ودون إكراه (المادة 145). والزنا وفق الشريعة الإسلامية كما هي واردة في قانون الإثبات، 1993يمكن إثباتها بالأدلة الآتية: (أ) الاعتراف أمام محكمة قضائية إلا في حالة الرجوع عنه قبل التنفيذ. (ب) شهادة أربعة شهود ذكور. (ج) الحمل في حالة المرأة غير المتزوجة (د) أن يقسم الزوج بأنها ارتكبت الزنا في حين ترفض هي أن تقسم لتكذيب ذلك. وتختلف العقوبات باختلاف الوضع الاجتماعي لمرتكبي الزنا والمنطقة التي أتوا منها؛ من الولايات الشمالية ام الجنوبية. فإذا كان مرتكب الزنا متزوج، تكون العقوبة القتل رجما. وإذا كان غير متزوج فالجلد 100 جلدة. والرجل غير المتزوج الذي يرتكب هذه الجريمة يجوز أن يعاقب بالنفي لعام بالإضافة إلى الجلد. وبالنسبة لعقوبة مرتكبي هذه الجريمة المتزوجين من الولايات الجنوبية، فالعقوبة ثلاتة أعوام (المادة 146).

 

[7]  انظر المادة 96 (2) من قواعد إجراءات وبينات المحكمة الجنائية الدولية لرواندا والمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة التي تنص على: "في حالة الاعتداء الجنسي، لايقبل الرضاء حجة للدفاع، إذا كانت الضحية (أ) تعرضت للتهديد أو كان لها سبب يجعلها تخاف من تعرضها للعنف، أو الحبس، أو القهر النفسي أو (ب) هناك من المنطق ما يدعو للاعتقاد بأن الضحية إذا لم ترضخ، فهناك شخص آخر سيتعرض للتهديد أو التخويف.

[8]  المادة (48) (1) من قانون الإجراءات الجنائية، 1991، تنص بأن على الضابط المسئول عن القضية فورا بعد رفع محاضر الاستجواب، حيث تتطلب طبيعة الجريمة ذلك، : (أ) أن يذهب إلى مكان الوقائع بغرض الاستجواب (ب) يتخذ الخطوات اللازمة للبحث عن المشتبه فيهم وإحضارهم (ج) يتخذ الخطوات اللازمة لاستدعاء الطبيب الكفء، في حالة القضية التي تتعلق الوفاة او الإصابة الخطيرة، لفحص الجثة أو الشخص المصاب أو نقل الجثة أو الشخص المصاب لأقرب مستشفى، عندما يتطلب الأمر ذلك، وأن يطلع أقرب أقرباء الضحية بالوفاة أو بالإصابة وأن يسجل أقوال الأقرباء في محضر الاستجواب.

[9]  وتنص المادة 97 من قانون الإجراءات الجنائية (إعطاء معلوما خاطئة): من يعطي معلومات خاطئة لموظف حكومي وهو يعلم أنها كذلك بغرض تضليل هذا الموظف أو إجباره على القيام بفعل معين، يعاقب بالسجن لمدة لا تتجاوز العام أو بالغرامة أو بالاثنين معا.

[10]  تابع القضية ضباط حقوق الإنسان وعبروا عن قلقهم أزاء محاولة السلطات العسكرية لتحويل القضية من المحكمة المدنية إلى العسكرية في وقت سابق.