دارفور ،، الحقيقة الغائبة..!!

مقدمة

ولما دخلت أوراق فضيحة دار فور وصورها المحزنة مراكز الرصد الغربي والأوربي أصبحت مادة مرغوبة على القنوات الفضائية والصحافة الحرة، وراحت الاقلام تكتب وتدبج المقالات من غير هدى ولا كتاب منير، ومع تزايد الطلب على تناول القضية عالميا ضاعت الحقيقة وسط الزحام الاعلامي، حتي تجاوز الاعلام الحقيقة بتناوله لأبعاد القضية الانسانية في دارفور، وصارت في نظر العرب والكثير من المسلمين قضية استعمار أمريكي يريد ان يبسط سيطرته على الاوضاع في السودان.

هذا الكتيب يفند إدعاءات وأكاذيب النظام في السودان لأسباب نشوب الحرب في منطقة دارفور السودانية الذي وصفه بأنه (صراع حول المرعى) والحقيقة أن اسبابا معنوية وسياسية كثيرة تسببت فيها الحكومة السودانية هي التي خلقت هذة الحرب بسبب تعسفها تارة وتجاهلها تارة أخرى، وفي هذا الكتيب اتعرض بالمعلومات المثبتة تاريخيًا،حيث تربطني بدارفور علاقة قوية ومتينة وقد عملت في صحيفة (دارفور الجديدة 1993-1996م) و كنت رئيسا لقسم الاخبار فيها ومن خلالها وثقت العديد من المناسبات التاريخية الهامة بالنسبة لولاية دافور الكبرى، من خلال عملي في منطقة دارفور توثقت علاقتي بالكثير من قادة المنطقة العسكريين والسياسيين والفنانيين والاعلاميين والقانونيين، علما انني انتمي الي منطقة نهر النيل بشمال السودان من قبيلة الجعليين، واهتمامي بقضية دارفور ينبع من ارتباطي بالحقيقة المجردة كوني صحافيا ولا أجامل في قول الحق وهكذا نشأت وترعرعت والكثير من الذين يعرفونني يشهدون بذلك، ولا يهمني بعد ذلك رد الفعل من الاخرين ما دمت اقول الحق، وقد ظل ابناء دارفور من العام 1995م يرفعون مظالمهم لولاة الأمر، حتي تفاقمت الامور في 1997م، وكانت الحكومة تتجاهل القضية برغم الانذارات التي يطلقها مقربون من سدة الحكم ، وفي 1998م تزايدت المشكلة ولا من مجيب، وفي 1999م رفع ابناء دارفور مذكرتهم الشهيرة متضمنة كل القضايا، وكانت الحكومة تتجاهل عن عمد، واليوم بعد اشتعال فتيل الازمة وتزايد ضغوط المجتمع الدولي، تطلب الحكومة مهلة من الزمن وهي التي تجاهلت نداءات أهل دارفور العقلاء لأكثر من 7 أعوام، مضيعة الفرصة ونحن شهود على ذلك، واليوم تتباكى على اللبن المسكوب.

أرجو ان تكون مادة هذا الكتيب قد اضاءت الكثير من المخفي في قضية السودان المطروحة للمجتمع الدولي، وقد تعمدت ان يكون الكتيب بهذا الشكل غير المنضبط بحثيا لأن مادته هي عبارة عن معلومات أخبارية نشرت بالصحف وتناولتها وكالات الانباء العالمية.

تعريف بدارفور

دار فور بولاياتها الثلاث تغطي الجزء الغربي من السودان وتمثل مساحتها (خمس) 1/5 مساحة السودان حيث تبلغ مساحاتها الكلية 549 ألف كيلو متر مربع وتعادل مساحتها مساحة فرنسا ، أرض بكرة صالحة للزراعة، أما تعداد سكانها حسب آخر إحصائية سنة 1999 قد بلغ أكثر من أربعة مليون.

* تقع ولايات دار فور في أقاصي غرب السودان بين خطوط طول 22 و27 شرقا وخطوط العرض 10 و16 شمالا، ولايات دار فور تشارك الحدود الجغرافية كل من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطي.

وتقول بعض الكتابات التاريخية أن (دار فور) كانت دولة مستقلة ذات سيادة خلال الفترة من 1650م وحتى 1917م وكانت تسمي نفسها (سلطنة دار فور) ومنذ العام 1917م وحتى ما بعد استقلال السودان عن بريطانيا لم تشهد دار فور سوى محاولات ضئيلة لتنميتها اقتصاديا ولقد ساهمت الحكومات السودانية المتعاقبة في الربط الدائم للمنطقة بالنزاعات والجفاف والمجاعات والجهل والأمية المتفشية بين الناس ولم يكن التخلف الاقتصادي وحده الذي لعب الدور في ما آلت إليه الأمور وإنما على المستوي السياسي والثقافي بسبب تجاهل الحكومات المركزية السودانية للمنطقة أهلها حتى تم عزل دار فور عن باقي مناطق السودان، وقد تأثرت هذه المنطقة بالتقلبات السياسية السودانية والتي بدورها ساهمت في هذه العزلة علاوة على تطبيق سياسات خاطئة غير مدروسة من قبل الحكام الذين حكموا السودان، وفي الفترة الأولي للحكم الوطني ما بعد الاستقلال ظلت المنطقة تشهد التجاهل التام من قبل القائمين على أمر البلاد ،إذ كان الصراع السياسي على السلطة هو السمة البارزة للحكومات السودانية بمعنى أن الحكومات كانت تقبع في الخرطوم العاصمة وتتصارع وتصل أحيانا ألي حالات عصيبة فيما بينها، وكما يقول المراقبون للأحداث في السودان انه كلما زادت حدة الصراع السياسي كان مدعاة للعسكريين ان يطيحوا بالنظام .. وبسبب الصراع بين الأحزاب الكبيرة في البلاد لم تتغير الأحوال في مناطق السودان المختلفة ومن بينها دار فور رغم أن المنطقة معروفة بتربتها الزراعية والتي أصبحت يوما ما من اكبر مناطق تصدير سلعة (الصمغ العربي) لأسواق العالم قاطبة، كما هي أكبر مورد للماشية في السودان .

في عهد الرئيس جعفر محمد نميري وفي العام 1982م ُطبق نظام الحكومات الإقليمية على مناطق السودان والذي أدى إلي تكريس تخلف التنمية الاقتصادية في المنطقة وجعل العزلة السياسية والثقافية النسبية في السودان واقعا ملموسا، و منذ زوال نظام الرئيس جعفر نميري وحتى انقلاب (الانقاذ) بقيادة عمر البشير في يونيو 1989م شهدت المنطقة الدار فورية قمة الفوضى السياسية والأمنية ولعبت فيها الأحزاب السياسية السودانية الدور الكبير في إراقة الدماء بين أبناء المنطقة من خلال ما تملكه من أدوات الصراع السياسي والاستفادة من المنطقة في تكبير(الكوم) حتى تتمكن من السيطرة على مقاليد الأمور في السودان وهذه الفترة كذلك أكثر الفترات التي شهدت تدخلات من خارج الحدود السودانية للمجموعات المسلحة في دول الجوار التي استغلت الغياب الامني والعسكري لتتخذ من دار فور ميدان لصراعاتها المسلحة التي تلعب فيها التوجهات القبلية المشتركة بين البلدين العامل المهم.

شواهد

أصبح كل ما ينشر داخل السودان من إنجازات تبقي الصور الحقيقية للاوضاع غائبة عن التناول ومن اجل ذلك يحدث ما يحدث من إراقة للدماء في أماكن عديدة من السودان الواسع الانتشار، ومنطقة (دار فور) دون مناطق السودان الاخري ظلت على الدوام تقدم الشكاوى والتحذيرات للحكومة الاتحادية في الخرطوم حتى تصل النجدة لإيقاف نزف الدماء ولإنهاء التجاوزات الحكومية سؤاء في المال العام او في استخدام القوة لغير ما خصصت له، ومنذ بداية العام 2000م أصبحت الخرطوم تعج بخلافات الحاكمين التي أصبحت غير خافية على احد.

وفي هذا الوقت اجتهد أبناء دار فور المتواجدين في العواصم الولائية وولاية الخرطوم بشكل خاص بعقد الاجتماعات في الهواء الطلق حتى يبينوا لأهلهم ما يجري في مناطقهم وكانوا من فترة لاخري يقابلون المسئولين الاتحاديين ليشرحوا قضيتهم ، ولا يجدوا إلا الوعود الكاذبة وأحيانا الزيارات عديمة الجدوى والتي تزيد الطين بله، وشخصي كصحافي أشهد على العديد من المبادرات التي قام بها أبناء دارفور قبل اندلاع الازمة بسنوات، حيث تربطني علاقات حميمة مع أخواني مثقفي ولايات دارفور، وكنت من خلالهم أعرف كل ما يدور في ساحاتهم من مشاكل، وكيف انهم كانوا يسعون لمقابلة رئيس الجمهورية، ويفشلوا في ذلك، او يمنعوا من ايصال رسالتهم الي الرئيس عمر البشير.

لماذا دار فور ..؟؟!!

دار فور تلك البقعة العظيمة من السودان والتي يوما ما كانت تصنع كسوة الكعبة المشرفة وترسلها من أقاصي غربي السودان إلي مكة المكرمة بيت الله الحرام وهي مزينة بأجمل واغلي أنواع القماش السوداني الأصيل وأروع ما صنعته أيادي السودانيين في ذلك التاريخ ،، هذه المنطقة -دار فور- عانت كثيرا في عهد (الإنقاذ الوطني) كون النظام الذي جاء مبشرا بالمشروع الحضاري (الإسلامي) وقد دفع في سبيل تصدير هذا المفهوم المليارات من مال الشعب السوداني وعشرات الآلاف من النفوس الزكية ،، ولكن للأسف كانت أكثر الأنظمة التي زادت الحال سوءًا لولايات دار فور وللمناطق الاخري التي تشبه دار فور في الحلم والتاريخ حيث صنعت (الإنقاذ) من العنصرية والقبلية نيران تستعر لتحرق أهل السودان الذين اشتهروا بإفشاء السلام بينهم.

الدولة قد بذلت الجهد الأكبر في إعادة القبلية وتعطيل المؤسسات المدنية بجانب إعطاء المشروعية والمسؤولية للقبيلة بدار فور وأوكلت إليها المهام الإدارية والأمنية وباركت تحت إشرافها تسابق القبائل في تجميع شتاتها استعدادا للمناطحة في الحق على الأرض والمكتسبات السياسية وحماية ذاتها من أخطار الأخريات. وقد انتظمت هذه القبائل في مؤسسات عرقية بتشجيع السلطة وإشرافها، فأسست أماناتها المتخصصة وهيآتها الاستشارية وتنظيماتها التي أوجدت لها التمويل واستقطبت لها الاشتراكات وإلى جوارها مضت الدولة في تقليص دور المؤسسات المدنية وتشريد كفاءاتها.

وقامت بإعادة تقسيم وترسيم الأرض حواكيرا للقبائل ولم تراع في ذلك خصوصيات الإدارة (الأهلية) بدار فور بما يتطلب مراعاة الحدود القبلية والإدارية للعشائر والمتعارف عليها منذ استقلال السودان، ولم يكن غريبا أن يشاهد الناس فيما عرف ببيعة أهل القبائل لرئيس الجمهورية حيث كانت تحتشد بين الأسبوع والأخر في (القصر الرئاسي) أو (قاعة الصداقة) حشود القبائل لإعطاء رئيس الجمهورية البيعة وهي بيعة للولاء كما يعرف عنها ويحضرها كل المسئولين في الدولة وكانت تصور وتبث عبر الفضائية السودانية وتصرف عليها الدولة المال الكثير يفوق ال 100 مليون جنية سوداني (حوالي 2،5 مليون دولار أمريكي) على اقل تقدير وهو مبلغ متواضع للغاية بالنسبة لجمع الحشود في زيارات رئيس الجمهورية للولايات وهذا الاهتمام بالقبلية وتكريس هذا المفهوم لدي الناس نتج عنه بشكل مباشر وسريع صراع القبلي بمنطقة الجنينة (غرب دار فور) (بين قبيلة المساليت وبعض القبائل العربية) حيث قتل فيه العشرات من الناس، والعديد من النزاعات الدموية التي جاءت نتيجة لهذه السياسات، وشردت كذلك العشرات من الأسر،، ويبقي الاهتمام بالقبلية و العنصرية من اكبر العوامل الذي فجرت الأوضاع في دار فور وفي كل أنحاء السودان، كل الجهود التي بذلتها الحكومة في أرساء قيم القبلية والعنصرية لم يقابلها 1% من أرساء قيم الوحدة الوطنية ونبذ العنصرية والقبلية، وتشهد بذلك اراشيف الصحف من مخاطبات وزيارات.

بدايات الازمة

في يوم الجمعة 19 يناير من عام 1999م اندلعت اعمال العنف القبلي في ولاية غرب دارفور وصاحبها قتل ونهب ونزوح، و المنطقة التي شهدت الصراع مشهود لها بالهدوء والتسامح والسلم الاهلي عبر تاريخها، بل في ظل الحروب الاهلية والقبلية التي عرفتها دارفور خلال عقد سنوات الثمانينات وقسما من سنوات التسعينات، ظلت تلك المنطقة مثار اعجاب الكثيرين كنموذج للسلم الاهلي، ونتاج صحي للتلاقح العرقي والثقافي، وفي هذه الحادثة هاجم الرعاة المزارع قبل اكتمال الحصاد، وأوقدوا بذلك شرارة الصراع، واندلعت اعمال العنف، وتوالت، هذا هو السبب المباشر، لكن الخلفية التي تأسست عليها اعمال العنف فتعود بحسب عدد من ابناء المنطقة الى التغييرات الادارية والبنيوية التي احدثتها الاجراءات التي اتخذها محمد احمد الفضل الوالي السابق لولاية غرب دارفور، والتي انتقص بموجبها سلطات سلطان قبيلة المساليت الزنجية وأصحاب الأرض، ومنحها لعدد من بطون القبائل العربية الرحل الذين يعتبرون ضيوفا على سلطان المساليت المشهود له بالحكمة والتسامح، وعندما صارت تلك السلطات امرا واقعا طالب ابناء المساليت ضيوفهم بالبحث عن ارض اخرى خارج ديارهم ليمارسوا عليها السلطات التي منحها لهم الوالي السابق. وتوالت الاحداث التي نتج عنها سقوط 108 قتلى بحسب صحيفة (الانباء) الرسمية ( حتى نهاية الاسبوع الاخير من يناير1999م) وعدد لم يحص بعد، من الجرحى والمعاقين، وحرق (100) قرية، ونزوح الآلاف ونهب الثروات والأموال، وتخريب الديار والمزارع.

وفسر المراقبون الازمة فضلا عن المتابعين للأحداث هناك بأنها تعود للسعي الى اقتسام موارد شحيحة وغير متجددة وليست مجالا للبحث والدراسة وغنيمة للأخذ دون عطاء، وهذا السعي أوجد خللا بالغا في حياة الناس، علاوة على اجتهادات الوالي التي لم تراع المعالم الاجتماعية للمنطقة ليس هذا فحسب، بل اكثر منه مأساوية ما يتمثل في اعادة بناء الهيكل البنيوي للادارة الاهلية، فاعادة البناء لم تراع ابسط شروطها، وهي المعرفة بتعقيدات المنطقة وظروفها وتاريخها اذ كيف تسلب سلطات سلطان ظل يحكم هذه المنطقة منذ مايزيد على الــ 120 عاما، منذ ان كانت منطقته دولة قائمة بذاتها الى ان ارتضى ان يكون جزءا من السودان طواعية ؟ يحدث ذلك دون وضع الاحتمالات المتوقعة والانفجارات المحتملة في الحسبان، الأمر الذي ساق الامور تلقائيا الي نشوب الحريق والهجوم على (الضيوف) وما أسفر عنه من تعقيدات، ثم انفجارات ساقت البلاد الي أزمة عالمية، وليس محلية كما كانت تعتقد الحكومة في محاولتها لإخفاء الحقائق عن الراي العام.

وعندما بلغ الامر مبلغا عظيما، كلف رئيس الجمهورية الفريق أول محمد احمد الدابي مسؤولية الامن بالولاية، وصحب معه في زيارته الاولى للمنطقة اللواء طبيب الطيب ابراهيم محمد خير وزير التخطيط الاجتماعي، حاكم دارفور الكبرى السابق للاستفادة من علاقاته الواسعة التي اقامها مع القيادات القبلية والأهلية ابان ادارته لدارفور، لتسهم (علاقاته) في تخفيف حدة التوترات، والفريق متقاعد مهدي بابو نمر وزير الصحة ابن زعيم قبيلة المسيرية (كبرى القبائل العربية بغرب السودان) وأيضا لاستثماره في تخفيف منابع الحريق، وللأسف كما سنعرف لاحقا ان الفريق أول محمد احمد الدابي ممثل رئيس الجمهورية في دارفور لم يكن في مستوى المسئولية، بل زاد النار اشتعالا بتصريحاته غير المسئولة،( راجع مذكرة ابناء دارفور لرئيس الجمهورية).

وهنا لا بد من ان نعيد قراءة تاريخ المنطقة التي نشبت فيها البدايات الاولى بشي من التلخيص غير المخل، هذه المنطقة ( غرب دارفور) حيث تاريخ سلطنة المساليت، السلطنة التي تشمل ولاية غرب دارفور الحالية كلها والتي كانت دولة قائمة بذاتها منذ العام 1870، وتقع بين خطي عرض 22ــ 23 شمالا، في اقصى غرب السودان على مساحة 70 الف كيلومتر، تحدها من الغرب جمهورية تشاد ومن الشرق والشمال سلطنة دارفور ومن الجنوب جمهورية افريقيا الوسطى، وأسسها الفكي (الفقير) اسماعيل. ويشكل المساليت (القبيلة الحاكمة) نحو 80% من ساكنيها اضافة الى القمز والتاما والارتقا وكلها قبائل زنجية، فضلا عن بعض البطون العربية، وكل سكانها مسلمون. وانضمت سلطنة المساليت الى دولة السودان طواعية، بعد ان قتل اشهر سلاطينها السلطان تاج الدين (قاهر الفرنسيين) الذي استشهد في معركة (دورتي) في العام 1910 وهي ذات المعركة التي قتل فيها الكولونيل مول قائد القوات الفرنسية في افريقيا الاستوائية، بعد ذلك بنحو 9 سنوات وفي 1919 انضمت سلطنة المساليت الى دولة السودان وفق اتفاقية (قلاني) التي وقعها السلطان بحر الدين (أندوكة) مع دولتي الاستعمار انجلترا وفرنسا ويحق لسلطان المساليت، وفق الاتفاقية ان ينضم الى دولة السودان، أو تقرير مصيره مع من يشاء. وخاض سلطان المساليت معارك ضارية كتبت صفحة ناصعة من تاريخ النضال الوطني السوداني ضد الاستعمار، وكان المغنون المساليت ينشدون الحماسة ابان معارك السلطان تاج الدين: (تاج الدين، سيفه سنين، يجاهد المشركين، لحدي ما المهدي يبين). ولسلطان مساليت قصر منيف بمدينة الجنينة شيده السلطان بحر الدين في العام 1949، وزاره فيه عدد من الملوك والرؤساء، في طليعتهم الملكة اليزابيث ملكة بريطانيا، والملك حسين ملك الاردن الراحل، والامام عبدالرحمن المهدي مؤسس حزب الامة وأحد قادة الاستقلال، وعلي الميرغني زعيم الختمية والرؤساء ابراهيم عبود، وجعفر نميري، والصادق المهدي وعمر البشير، وكل هؤلاء تزين صورهم مع السلطان قصره الجميل بالجنينة. وقبل ايام عين السلطان عبدالرحمن بحر الدين الذي تجاوز عمره الــ 90 عاما ابنه سعد الذي جاء نتاجا لمصاهرة السلطان لأسرة الهاشماب الشهيرة بأم درمان، عينه سلطانا للمساليت، ليخلفه الحكمة والتسامح عله يعيد الى دار المساليت سمتها البارزة التعايش السلمي والأهلي.

ومن خلال صحيفة (البيان الاماراتية) التي نشرت بدايات وتابعت ما يجري في المنطقة عبر مراسلها من الخرطوم الاستاذ الزميل محمد الأسباط الذي نادى في تغطيته الاخبارية الى تطبيب جراحات الحريق، و التوقف امام هذه الاحداث باعتبار انها علامة فارقة تؤشر الى احتمالات تفتت السودان وهشاشة بنيته، فبقدر ما يمكن للتنوع ان يكون عامل ثراء واغناء، يمكن ان يكون شرارة للحريق الكامل، ان هذه الاحداث تشكل انذارا مبكرا لاحتمالات التفتت، وتنبه ايضا الى ضرورة اغناء التنوع العرقي والثقافي والديني بالحوار والشفافية والعض عليه بالنواجز، وهنا لا بد من التذكير ان الصحافة الخليجية والعربية كانت ترصد وتتابع بدقة ما يجري في دارفور ومنذ البدايات الأولى، قبل ثلاث سنوات بل ظلت تحذر وتنادى وكتب العديد من كتاب الاعمدة في الصحافة الخليجية عن الازمة الدارفورية، كما سنرى لاحقا، ولكن، كان للحكومة رأى آخر..!!

غياب الدولة..!!

ما جرى في التاسع عشر من يناير 1999م في غرب دارفور من صراع دموي كانت له ردود فعل سياسية سودانية كبيرة، حيث طالب د. علي حسن تاج الدين عضو مجلس رأس الدولة المجلس الرئاسي) السابق بضرورة فرض هيبة الدولة، في الوقت الراهن باعتبار أنها فوق كل اعتبار سياسي أو قانوني لأن هذا وحده كفيل بوضع حد للمأساة. وأضاف في تصريح خاص بـ (البيان) الاماراتية(الجمعة 125 فبراير1999م) : ان هيبة الدولة محك، ولابد من ايقاف عمليات القتل والسلب والنهب والبحث عن بدائل لحل المشاكل الحالية، والحيلولة دون تفاقم الأحداث. واعتبر د. تاج الدين أن الدولة لا توجد الآن في غرب دارفور، وطالب موفد رئيس الجمهورية باعادة هيبة الدولة، والعمل على بحث جذور المشكلة توطئة لحلها، وختم بالقول: يجب على الدولة محاسبة كل المتسببين في الأحداث المؤسفة ووضع آلية ديناميكية للحيلولة دون بروز مثل هذه الأزمات التي تهدد بنسف السلم الأهلي.

من جهته قال د. معتصم عبد الرحيم العضو القيادي في المؤتمر الوطني الحزب الحاكم وأمينه العام بولاية الخرطوم" ان ما حدث في غرب دارفور شيء محزن وعميق ومؤسف، وأن سوء الفهم فيه لعب دوراً أكبر مما يعتبره البعض تخطيطا مسبقا" . وأضاف لـ البيان) : ان ما يطمئن ان الامر وجد اهتماما من أرفع مؤسسات الدولة: رئاسة الجمهورية، التي أوفدت الفريق الدابي لتصريف الأمور الأمنية بالولاية كما شمل التفاعل مع الآحداث نواب المجلس الوطني البرلمان) من دارفور، وزاد: ان سفر وفد وزاري رفيع الى دارفور يؤكد جدية الحكومة في معالجة تداعيات الأحداث، كما يؤكد أن حكومة الإنقاذ) لا تعالج قضايا الشعب السوداني من مكاتب الوزراء في الخرطوم، بل من يعملون من موقع الحدث. وكعادة مسئولي النظام في الخرطوم التلميح والاشارات الكاذبة التي ترمي عواقبها عليها وأشار د. المعتصم الى" ان الحكومة انتبهت الى ان بعض الجهات تسعى الى الاستفادة من الأحداث، في عمل يعارض الحكومة ويظهرها بمظهر العاجز، أو يفاقم من معاناة المواطنين، وكانت الأجهزة الأمنية حريصة مما يجعلها تضع أيديها على خيوط التحركات التي أراد مخططوها توجيه الأمن لأغراض توظف ضد الدولة والشعب السوداني لكنه لم يحدد الجهات المعنية بجديته".

الاحزاب السياسية السودانية جميعها ودون استثناء اصدرت بيانات استنكرت فيها ما حدث من قتل ودمار وحريق وطالبت الحكومة بأخذ الاحتياطات اللازمة لمنع اي حوادث مستقبلا، وفي ذات الايام أصبحت الكثير من المنظمات الانسانية العالمية تتابع بدقة ما يحدث في دارفور والبعض منها طالب الحكومة اذا كانت تحتاج الي اعانات ومساعدات انسانية.

 

الوالي الذي تسبب في اشعال الفتنة..!!

عندما أصدرت رئاسة الجمهورية قرارها في عام 1994م القاضي باعادة توزيع الولايات ، وصارت من 9 ولايات الي 26 ولاية كان نصيب ولاية دارفور الكبرى ثلاث ولايات وهي شمال وجنوب وغرب دارفور، حيث كان د. الطيب ابراهيم محمد خير واليا على دافور الكبرى صدر الامر بتعيين البرفسيور التجاني حسن الأمين واليا لولاية شمال دافور وعاصمتها مدينة الفاشر، والعميد طبيب بابكر جابر كبلو واليا لولاية جنوب دارفور وعاصمتها مدينة نيالا، والسيد محمد أحمد الفضل المشهور في دوائر الحركة الاسلامية بود الفضل واليا لولاية غرب دارفور وعاصمتها مدينة الجنينة، وبصفتي مسئول قسم الاخبار بصحيفة (دارفور الجديدة ) كنت أحد الصحافيين المرافقين للوفد الكبير الذي ضم الوزراء والولاة الجدد لولايات دافور وغاب عنهم ود الفضل والي غرب دارفور ، وتحركت بنا الطائرة يوم الجمعة 22 رمضان من عام 1994م وبرفقتنا فريق تلفزيوني بقيادة الشهيد المصور الهادي سيداحمد من تلفزيون السودان ، وفي مدينة الفاشر كان هناك استقبالا جماهيريًا كبيرًا من أجل تعريف أهل الولاية بحكومتهم الجديدة ، وكان والي دارفور الكبرى أعد مؤتمرا كبير للتسليم والتسلم من الولاية الكبرى الي الثلاث ولايات وللأمانة كان هناك جهدًا إداريًا كبيرً ا ، وكان سابقة هي الاولى من نوعها في السودان ان يتم تسليم وتسلم في شكل مؤتمر حضره الولاة والوزراء ، ونوقشت فيه اللوائح الادارية والمالية و أساليب العمل في الوزارات ، والكيفية التي تدار بها الامور لكل وزارة على حده.

واتذكر ان د. الطيب ابراهيم محمد خير الذي كانت تربطني به علاقة قوية ، واحيانا كان يستضيفني في قصره بمدينة الفاشر ، قد أتصل لاسلكيا برئاسة مجلس الوزراء في الخرطوم ليعرف اسباب تخلف والي غرب دارفور ود الفضل عن اجتماعات التسليم والتسلم، واذكر تماما أني سألته عن فحوى اتصاله بودالفضل ، وفهمت منه ان السيد محمدأحمد الفضل استنكر تعيينه في منصب والي غرب دارفور ، بمعنى ان هذا المنصب لا يليق به..!!

فلم يحضر ألبته الاجتماعات التي عقدت في مدينة الفاشر ، ولم يتسلم مهام منصبه الا بعد فترة غير قليلة، وحتى عندما استلم مهامه في مدينة الجنينة واليا على غرب دارفور كان أداؤه دون المستوى المطلوب منه ، كثير الصرف البزخي ، وهو الوالي الوحيد من ولاة دارفور الذي خصص ثلاث سيارات لأسرته في الخرطوم ومن بينها سيارة (لاند كروزر) لزوجته، وكانت صحيفة دارفور الجديدة قد ألمحت كثيرًا إلى هذا التصرف، كما اننا في الصحيفة وبحسب علاقتنا الوطيدة مع الطيب (سيخة) والكثير من المسئولين في الدولة لم نكن نخشى من ان نقول الحقيقة ، وقد كشفنا ذات مرة بالارقام و الوثائق كيف ان ولاة ووزراء ولايات دارفور كانوا ضيوفا على أرقى فنادق العاصمة الخرطوم وعلى حساب ولاياتهم ، كما كشفنا ايضا من خلال عملنا ضياع الاموال الكبيرة في مكوث عدد كبير من وزراء وولاة حكومات ولايات السودان بشكل دائم في العاصمة الخرطوم، وعلى نفقة ولاياتهم...!!!

سبعة أخطاء للنظام فاقمت أحداث دارفور

وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده السيد الصادق المهدي الزعيم السوداني المعارض، رئيس الوزراء السابق الذي دعا اليه الصحافة المحلية والأجنبية،حيث كرس انتقادات لسياسات الحكومة في الأحداث الدموية التي انفجرت في دارفور (غرب) وتناول المهدي قضية الصراع الدموية في دارفور موضحاً ان هناك مستجدات في دارفور لم تكن موجودة في السابق زادت من اشتعال الصراعات وعدد هذه المستجدات في نقاط سبع الأولى هي تظلم أهل الأقليم من الحكام الذين تم تعيينهم من خارجه في حين ان الاقليم كان في الديمقراطية يحكم بواسطة أهله مع تمثيل عادل له في المركز والثانية ان الحكم الفيدرالي تم تطبيقه خطأ واتضح ذلك في التكاليف التي تفتقر للتمويل والتي جعلت حكام الأقاليم يدورون حول العواصم لتمويل الادارة الاتحادية الفاشلة.

وأضاف ان مؤتمر تقييم تجربة الحكم الفيدرالي الذي عقد مؤخراً دار حول القضايا ولم يحلها ولم يعترف بها مع الاعتراف الفردي بتعثر التجربة لدى المسئولين والمشاركين، وقال ان من بين هذه المستجدات التعامل غير المنهجي مع الادارة الأهلية واخضاعها للتكسب السياسي والاسترضاء مما أضعف الكثير من قدراتها على التحرك والفاعلية.

وأبان المهدي نقطة أخرى مهمة تتعلق بما وصفه بنشاط مستحدث خاصة في منطقة جبل مرة يقوم على نمط هجوم بقوات معينة وعلى هيئة معينة وبعتاد معين في فترة معينة لاحراق القرى ووصف هذه الأحداث المستجدة بأنها هجمات نمطية تستهدف قرى بعينها لتحقيق مقاصدها علاوة على ان الميليشيات التي عملت في المواجهات العسكرية بمناطق التماس كانت لها ذاتية خاصة وأصبحت خاضعة لسيطرة الادارة الأهلية وأي جهة ادارية، وأصبحت تستمد سلطتها من بندقيتها وهؤلاء لعبوا دوراً في الأحداث الأخيرة.

والمستمد من محاولات الانقاذ التي كانت ترمي الى تغيير طبيعة الاقليم السياسية ومحاولات استقطاب المواطنين على أساس سياسي لهدم الولاءات القديمة وما أدى اليه ذلك من تنازع على المناصب واسنادها لغير ذوي الخبرة، وقال المهدي ان مؤشرات الأحداث الأخيرة بدأت في 18 مايو الماضي2001م بداية الهجمات، وكانت هذه المعلومات والنذر معروفة ومشاعة ولم تقم الحكومة بأي اجراءات وقائية.

في الفترة من فبراير 1999م وحتي مارس من نفس العام استمرت اعمال العنف والقتل في المنطقة برغم التحركات الحكومية والمناشدات السياسية، وشعر أهل دارفور عامة بشئ من عدم الاهتمام وتزايد المشاكل ولم تكن مشكلة غرب دارفور هي المشكلة الوحيدة التي تواجه الاقليم وكان منزل الدكتور الطيب ابراهيم محمد خير الوالي السابق لدارفور يشهد زيارات مكثفة لشيوخ وعمد وزعماء القبايل الدارفورية للبحث عن حلول جذرية لقضايا وهموم المنطقة التي تفاقمت، وأذكر ان اللواء الطيب ابراهيم محمد خير المشهور بالطيب (سيخة) في أحدى زياراته لمدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور قابلته الحكامة ( على ما اعتقد )خديجة أم رطوط التي كانت تربطها علاقة حميمة مع الوالي السابق فعبرت عن ما بداخلها من هموم وقالت في حديثها بلهجة دارفورية محببة وكانت وصية ورسالة لرأس الدولة عمر البشير عندما قالت:-

الطيب أبو فليجة ** كلم أبو رقيبة ** خليهو يكلم أبو صليبة ** قول ليه الحالة بقت صعيبة

وكانت تقصد بأبو رقيبة الفريق الزبير محمد صالح ، وتقصد بأبو صليبة الرئيس عمر البشير، كانت رسالة مسئولة وصادقة تعبر عن الحالة التي تمر بها دارفور من فقدان للأمن وغلاء في المعايش، مع بداية زحف المجاعة على المنطقة وكان ابناء الولاية يحاربون مع الحكومة في الدفاع الشعبي والفرسان ضد الحركة الشعبية في جنوب الوطن.

وذات الحكامة خديجة أم رطوط كانت قد ساهمت بقوة في محاربة النهب المسلح من خلال رسالتها الشعرية العفوية والتي تجد انصاتا عجيبا من قبل المواطنين وقالت حينها عندما كان الطيب (سيخة) واليا على دارفور

الطيب الوالي ** ضحيت برجالي** ادونا السلاح نجاهدو طوالي

أيضا لعبت الدور الكبير مع آخريات في حملة محو الأمية (1993) التي نجحت نجاحا منقطع النظير أشادت به كل منظمات الامم المتحدة ذات العلاقة بالتعليم في المجتمعات المتخلفة، هذا ان دل انما يدل على أن الانسان الدارفوري أنسان طموح وذو نظرة بعيدة للامور، كما هو انسان مسالم ان وجد السلام وهو مقاتل شرس اذا هوجم واعتدي عليه وعلى أرضه وعرضه، وقد كشفت الاحداث المآساوية في دارفور عن حجم الكفاءات العالية لأبناء المنطقة التي تمثل خمس السودان، والدور المتعاظم الذي يمكن ان يلعبوه في نهضة البلاد اذا وجدت الديمقراطية طريقها الي أرض الواقع.

دارفور تشكو ازماتها للبشير على رؤوس الاشهاد

في يوم الخميس الموافق 18 مارس 1999م نشرت الصحف العربية ومن ضمنها (البيان) الاماراتية فحوى المذكرة التي رفعها ابناء دارفور المقيمين في الخرطوم نحو 1300 شخصية وقعوا عليها والتي رفعت الى رئيس الجمهورية بينهم دستوريون سابقون وطلاب ومهنيون واعيان ادارة اهلية ومثقفون، والمذكرة تلخص بكل وضوح وشفافية قضية أهل دارفور وهي كما يرى القاري شملت فأوعت، وقد اجتهد كاتبوها في تضمين همومهم ، ولم تكن المذكرة الأولى ولا الاخيرة التي يرفعها اهالي دارفور الي قادة الدولة، والامر الذي لا بد من الانتباه اليه ان تاريخ رفع المذكرة الاسبوع الاول من شهر مارس 1999م فهذا التاريخ سيقودنا الي تفنيد الكثير من ادعاءان النظام القائم في السودان عندما يرمي مسئولية الاحداث الي جهات اخرى والي ملابسات اخرى ليس لها اي صلة بالصراع في دارفور، وهذه المذكرة التي انشرها كاملة أشارت اليها صحيفة الخليج (الاماراتية) أما الصحافة السودانية ونسبة للحصار الأمني عليها لم تتمكن من نشر المذكرة كما نشرتها الصحافة الخليجية، ونشرتها وكالات الانباء ومن ضمنها وكالة أنباء الشرق الاوسط التي تابعت الاحداث أولا بأول.

وجاء في المذكرة الآتي:-

استشعارًا منا للمسئولية الوطنية للسودان الوطن الام الجامع وتجاه وطننا الصغير دارفور بمتطلبات واجبات المسؤولية الانسانية والتاريخية امام الأجيال اللاحقة باختلاف أصولنا العرقية وانتماءاتنا القبلية والسياسية وموروثاتنا المحلية المتعددة. رأينا نحن مواطنو دارفور الكبرى بالعاصمة الاتحادية (طلاب ومهنيون وبرلمانيون سابقون واعيان وزعماء ادارات اهلية) الموقعون على هذه المذكرة ان نرفع لسيادتكم ما فيها من مطالب بواجب الدين الحنيف في قوله تعالى (يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله عليكم رقيبا). صدق الله العظيم

السيد / رئيس الجمهورية:

هذه المذكرة تحتوي على الموضوعات الآتية:

أولا: المشكلات القبلية بدار فور من حيث: أ- تاريخ وأسباب هذه المشكلات ب- الصراع القبلي بمنطقة الجنينة بولاية غرب دار فور ج- جدوى التدابير الاستثنائية بدار فور ثانيا التنمية بدار فور من حيث: أ- تصفية مشاريع التنمية وتعطيل الخدمات بسوء تصريف المال العام وإساءة استخدام السلطة. ب- طريق الإنقاذ الغربي ج- النهب المسلح ثالثا: التعايش السلمي بدار فور المشكلات القبلية بدار فور أ- تاريخ وأسباب هذه المشكلات: في عام 1981 تطور قانون الحكم الشعبي المحلي بالسودان بخلاصة ماحدده دستور عام 1974م وفي اهم مبادئه هيكلة الحكم والإدارة على المستويات الثلاثة: 1- المستوى القومي 2- المستوى الإقليمي 3- المستوى المحلي وانه ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن ظل نظام الحكم الشعبي المحلي من المسلمات الدستورية في شرع الحكم وسماته الأساسية بالدعوة للتوسع في تطبيق مبدأ اللامركزية الإدارية وتدعيم مبدأ الديمقراطية الشعبية والمشاركة الجماهيرية.

والمؤسف حقا أن قوانين الحكم المحلي بدار فور لم تجد التطبيق الفعلي أسوة بالمناطق الأخرى حيث كان ولا يزال المركز يضع العراقيل بما لا يتفق مع السمات العامة للقوانين السارية وكأن ذلك بمثابة تعطيل لتطبيقه بدار فور. ثم أن إهمال الحكومة للتنمية وسياستها هي التي أوجدت الخلل الأمني وكرست المشكلات القبلية، فهيأت الظروف السيئة بين القبائل وكانت نتائجها العنف والاقتتال القبلي والتمزق الاجتماعي فلم تسلم الموروثات المحلية التي ظلت لمئات السنين مفخرة جامعه لأهل دار فور ومتوافقة مع الدولة المدنية الحديثة ومواكبة للتطوير.

والمؤسف أكثر أن الدولة قد بذلت الجهد الأكبر في إعادة القبلية وتعطيل المؤسسات المدنية بجانب إعطاء المشروعية والمسؤولية للقبيلة بدار فور وأوكلت إليها المهام الإدارية والأمنية وباركت تحت إشرافها تسابق القبائل في تجميع شتاتها استعدادا للمناطحة في الحق على الأرض والمكتسبات السياسية وحماية ذاتها من أخطار الأخريات. وقد انتظمت هذه القبائل في مؤسسات عرقية بتشجيع السلطة وإشرافها، فأسست أماناتها المتخصصة وهيآتها الاستشارية وتنظيماتها التي أوجدت لها التمويل واستقطبت لها الاشتراكات وإلى جوارها مضت الدولة في تقليص دور المؤسسات المدنية وتشريد كفاءاتها. وقامت بإعادة تقسيم وترسيم الأرض حواكيرا للقبائل ولم تراع في ذلك خصوصيات الإدارة الأهلية بدار فور بما يتطلب مراعاة الحدود القبلية والإدارية للعشائر والمتعارف عليها منذ استقلال السودان. فنظرت القبائل للأرض من حيث نطاق حقها التاريخي والمكتسب خاصة وان الدولة قد أظهرت القبيلة والعشيرة جسما سياسيا متماسكا فيها مصلحة مشتركة لأفرادها أقوى من روابط العقيدة وغيرها من العلاقات الإنسانية الأخرى حتى بدأ المواطن البسيط يعطي أعمال العنف والنهب المسلح والاعتداء القبلي صبغة من المشروعية طالما تم ذلك في إطار الغطاء والعطاء القبلي.

ورغم ان الفيدرالية ظلت مطلب كل السودان إلا أن تطبيقها دون مراعاة لخصوصية دار فور وموروثاتها الإدارية والقبلية ونقل تجارب المناطق الأخرى مع الإصرار عليها رغم ما نتج عنها من سلبيات عمقت الشقة بين القبائل ومن خلالها نظرت القبائل بدارفور للتنظيمات التي تمت في اطار الحكم الفيدرالي من ولايات ومحافظات ومحليات من حيث سلطتها الإدارية وثقلها الاقتصادي والاجتماعي وتواجدها الكمي، فأذكى ذلك الثغرات الضيقة فباتت تنظر للسلطة ممثلة في شاغليها على أساس انهم يمثلون أصولهم العرقية في مواقع اتخاذ القرار السياسي حيث وضح ان روابطها أقوى بكثير من روابط العقيدة فهي على الأقل الشيء الوحيد الذي يستطيع فيه الجميع تناسي كل شيء والاحتراب من أجل اللاشيء بما يمكن أن يفضي لحروب قبلية طاحنة تطال الجميع وتقضي عليهم. ولعدم وجود أكثر من طرح سياسي يستوعب طموح وتطلعات السياسيين في ظل سلطة الانقاذ بخاصة في المناطق التي يتواجد فيها خليطا من القبائل بدارفور، كان العامل الأكبر في اذكاء نعرة القبائل بنظرتها لمعظم الدوائر الانتخابية التي جرت فيها الانتخابات للمرشح على انه يمثل مرشح القبيلة والقبائل المتحالفة معها. وكشفت الدائرة (90) أبو كارنكا ـ الضعين لعضوية المجلس الوطني 1996م فداحة ما خلفتها سياسة الانقاذ بدارفور حيث قام بعض المواطنين بالاعتداء على مراكز الفرز وأخذ صناديق الاقتراع عنوة واقتدارا، ولولا قدرة الله ولطفه لحدث مالا يحمد عقباه كل ذلك لم يجد التقييم السليم حيث تعاملت السلطة مع تلك الأحداث المؤسفة ببساطة متناهية بالغاء نتيجة الدائرة على أساس حدوث شغب على ان يعاد بها الاقتراع لاحقا. وذلك ما لم يحدث حتى الآن، فوقفت السلطة شاهدة على ذاتها بخطورة الظروف السيئة التي أوجدتها سياستها بين القبائل بدارفور. أما السكوت الجماعي فكان عملا اجراميا بحق مواطني الدوائر المسكوت فيها بدارفور إذ تضمن السكوت ترضيات وتوفيق لمصالح ضيقة واطماع عنصرية واسكاتا لأصوات في اطار توزيع الغنائم، حيث لم تكن الكفاءة والمزايا والصفات المطلوبة في النائب البرلماني من ضمنها بأي حال من الأحوال، وحيث لا نظم مؤسسية تضبط الترقي السياسي في الانقاذ وجد بعض المثقفين وحملة الشهادات من أبناء دارفور في هذا الفهم المغلوط واستجابة السلطة الآنية بمكافأة من يتصدرون المواقف وتعلوا أصواتهم بالمطالبة لمناطقهم المهمشة بالتنمية والثروة والسلطة بالمنصب الرفيع ما شجع الطامحين بدوافع ذاتية المكاسب فتولدت من المشكلات المصائب والويلات.

ب/ الصراع القبلي بمنطقة الجنينة (بين قبيلة المساليت وبعض القبائل العربية) من سياسة اعادة ترسيم الأرض بين القبائل وانشاء الادارات الأهلية الجديدة (الأمراء) خرجت الفتنة بغرب دارفور من حيث لا يحتسب أحد وستفضي إذا لم تدرك لتشمل الجميع، ثم ان ما يجري الآن بالجنينة من تقتيل وتشريد هي مسؤولية السلطة الاتحادية أسبابا ونتائج حيث افرز نقل تجارب المناطق الأخرى (الأمراء) والتي جاء بها والي غرب دارفور الأسبق/ محمد أحمد الفضل في عام 1995م من كردفان لمنطقة الجنينة بالمسطرة الكارثة المشهودة الآن (شبيهة بالجرة التي وضعت بين جماعة من الصيادين ليتنافسوا على ما في داخلها من كنز فتقاتلوا فيها حتى ماتوا جميعًا إلا واحدا منهم وبقي حيا ليظفر بها ويدخل يداه داخل الجرة ليجد فيها حية سامة لدغته ومات في الحال) يا الجنينة بؤرة الفتنة والتمزق والقتل الجماعي في اللاشيئية الحقيقية وعظمة الأوهام.

ثم جاءت القرارات الكثيرة والمتلاحقة دون الوقوف على خبايا وحقيقة الملابسات ودراستها وتقييمها بالعلم والمعرفة ثم علاجها فأخذت القرارات تخرج مجافية للمصلحة العامة وكان بعضها قرارات تخض على الفتنة بين أهل دارفور وتدفع بالحركات المعاكسة التي أخذت تطل برأسها. وكان لتكريس الجهل والأمية والتخلف والاحتراب القبلي بتسييس القبائل ونظرتها للادارات الأهلية في مظهرها الجديد بأن فيها مكاسب سياسية وسلطوية الدور الأكبر ما دفع تلك القبائل لتناسي تعاليم دينها الحنيف وقوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم ان الله عليم خبير) صدق الله العظيم. فلم تلتفت لتنظر لتسابق الأمم والشعوب نحو الرفاهية والازدهار بروابط العلاقات الفكرية والانسانية والتكتلات الاقتصادية. فاحرقت القرى والفرقان وازهقت الأرواح ودمرت الحياة البريئة ومزقت الوشائج وقطعت العهود، فتخلخل النسيج الاجتماعي المتماسك بما سيؤدي قطعا في المستقبل إذا لم يتم تدارك الأمر بايقاف اندماج عناصر دارفور العرقية المتباينة مما ينعكس بعد ذلك سلبا على وحدة السودان وقد تهيأ الجميع قوة وعتادًا.

ج/ جدوى التدابير الاستثنائية بدارفور: ومنذ مجيء الانقاذ للسلطة في 1989م وحتى الآن لم ترفع حالة الطوارئ من دارفور حيث يد السلطة طليقة في دخول الأماكن العامة والخاصة والتفتيش دون إذن أو أمر، وتحديد اقامة وحركة تجوال المواطن، والاستيلاء على الأموال والممتلكات الخاصة بحجة اغراض الطوارئ وملاحقة جناة عصابات النهب المسلح، حيث تم استخدام سلطة الطوارئ بأبشع صور الاستخدام ووجدت السلطة عندما تحتاج لمزيد من القمع وبأشرس الوسائل دون ضابط أو حسب ضآلتها في ذلك (الطوارئ)، فكان اعلان الطوارئ مع تعيين العقيد/ الطيب ابراهيم محمد خير حاكما على دارفور الكبرى في أوائل التسعينات، فاستبيح حرمة الأماكن الخاصة وتم انتهاك حقوق المواطنين وملاحقة الأفراد بواسطة أصحاب الأغراض المريضة بحجة الاشراف والمحافظة على شؤون العقيدة الإسلامية، ونورد من تلك التجاوزات المتعددة مقتطفات من أمثلة متنوعة:

1 ــ تم تسور منزل مواطن بالفاشر يعمل في خدمة العدالة والقانون ودعا من قاموا بذلك لمسيرة كبرى باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاطبها الحاكم بالقول بعد التعريض بالمهنة التي يعمل بها الضحية (بانه تم القبض على ذلك المواطن عاريا كما ولدته أمه) وبث الخطاب عبر أجهزة الإعلام المحلية المسموعة والمرئية.

2 ــ تم ايقاف حركة المواطنين بالسيارات (عرف بصمت الحركة) كل أسبوع ابتداء من ليلة الأحد وحتى صبيحة الثلاثاء فتعطل مصالح الناس وكان ذلك بحجة توفير الوقود استعدادا لتحمل المشاق ومحاربة أمريكا، ثم أصبح السماح للمواطنين باستخدام السيارات يوم الصمت (الاثنين) كل أسبوع عن طريق تصديق برسم مالي.

3 ــ تم ازالة بعض منازل المواطنين لأغراض بيع الأرض في خطط استثمارية دون سابق ترتيب وعندما أوقفت المحكمة المختصة تلك الاجراءات لم تعترف بذلك سلطة الطوارئ.

4 ــ تدخل أصحاب النفوس المريضة باسم الاصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أخص خصوصيات المواطنين وكادت أن تحدث الفتنة الدينية عندما لاحق هؤلاء مواطنا بجنوب دارفور (اسمه يوسف) من أم عربية مسلمة وأب مسيحي قبطي بالحبس والجلد لعلاقته بفتاة مسلمة أفضت بالزواج. هذه الأمثلة لكثير مما يحدث بدارفور اكدت أن الطوارئ يؤتى بها لاطلاق يد السلطة دون قيود القانون، فكانت الطوارئ بدارفور في أواخر عام 1997عند نهاية مؤتمر الأمن الشامل بنيالا، ثم الإعلان الثالث في عام 1998م عقب السطو على بنك السودان فرع نيالا وأخيرا وليس آخرا مع أحداث تياريك بولاية غرب دارفور حيث تم تعليق سلطات والي غرب دارفور الأمنية واسناد مهامه لحفظ الأمن والنظام لممثل رئيس الجمهورية.

السيد رئيس الجمهورية

لعل كل الذين تابعوا واستمعوا لتصريحات السيد ممثل رئيس الجمهورية لشؤون الأمن والنظام العام بولاية غرب دارفور (الفريق الدابي) وجدوا في كل تصريحاته وبياناته مع تقديرنا الشديد له ما يمكن ان يقال عنه صب الزيت على النار، حيث لم تشتمل على الجوانب المطلوب بيانها، حيث سار وبكل أسف في ذات الاجراءات والحلول السابقة التي أخذت ذات الوتيرة القديمة (تسابق في الادلاء بالتصريحات والبيانات حول الحدث وسط حظ من التغطية الصحفية والإعلامية الكثيفة فتكوين لجان المساعي الحميدة مصحوبة بالدعوة لعقد مؤتمر صلح جامع بين الأطراف لحضور كبار المسؤولين بالدولة فحضر العلاج في تجميع الديات، والتعويضات لتوزيعها على المتضررين. وحيث شكك بعض أهل دارفور في الظروف والاجراءات التي جاءت بالفريق الدابي ممثلا لرئيس الجمهور لشؤون الأمن والنظام العام بولاية غرب دارفور وبأن فيها تكريس لنظرة الوصاية المعروفة والمرفوضة عند انسان دارفور يدعمون رؤيتهم تلك بما صحب وصول الفريق الدابي لولاية غرب دارفور من امكانيات ضخمة لم تتوفر لمن سبقوه وفي ذات الوقت تم حبس منسق ولاية غرب دارفور بالخرطوم بحراسة الخرطوم شمال لارتداد شيك من حساب الولاية لعدم وجود رصيد. نجد في اعلان الفريق الدابي عن تشكيل محاكم طوارئ خاصة بأحداث الجنينة الأخيرة لملاحقة المشتبه في تورطهم جنائيا ما سيؤدي احكامها إذا قدر لهذه المحاكم ان تنعقد وتصدر أحكاما بشأن هذه الأحداث ما سيؤدي لزيادة الاحقاد واثارة روح النقمة والانتقام، حيث لا تتوفر لهذه المحاكم سوى بيئة الخصومة التي يتطوع أطراف النزاع في تقديمها ضد الآخر.

3/ التنمية بدارفور أــ

تصفية مشاريع التنمية وتعطيل الخدمات بسوء تصريف المال العام واساءة استخدام السلطة. دارفور بولاياتها الثلاث تغطي الجزء الغربي من السودان وتمثل مساحتها (خمس) 1/5 مساحة السودان، أرض بكرة صالحة للزراعة، أما تعداد سكانها حسب آخر احصائية سنة 1999 قد بلغ أكثر من أربعة مليون مواطن يعيشون على الزراعة والرعي في الريف وسكان المدن يعيشون على التجارة والتوظيف الحكومي والمهني. ان أكثر ما تعاني منه ولايات دارفور النقص الحاد في خدمات التنمية وأدوات التعليم والصحة في حالة احتضار تام وتلفظ أنفاسها الأخيرة حيث وضح ان ولاة الأمر بدارفور مهمومون ومشغولون بكل شيء إلا شؤون مواطن دارفور وحقه في التنمية والحياة الكريمة. وطوال عشر سنوات عمر سلطة الانقاذ لم تجتهد السلطة لاقامة ولو مشروع تنموي أو خدمي واحد على الأقل، بل قامت السلطة بتصفية المشروعات القائمة مثل غزالة جاوزت وخزان جديد وساق النعام ومشروع جبل مرة وهيئة تنمية غرب السافنا وخصخصت البعض الآخر مثل المدبغة الحكومية بنيالا.

اما المعلمون بدارفور فيشكون من عدم صرف مرتباتهم لشهور وشهور متعددة وبذلك أصبحت كل السنوات الدراسية مهزوزة والمدارس متوقفة وتمددت المشكلة لتشمل عمال الشؤون الصحية بالاضرابات. هناك تجاوزات مالية واضحة استغل فيها المسؤولون بدارفور مواقعهم السلطوية بالشكل الذي أضر بالمصلحة العامة فأثرت هذه التجاوزات في تعطيل التنمية في دارفور حيث تعطلت برامج التنمية والخدمات لعدم وجود نظم آلية ومحاسبية تضبط مصداقية الجهات المستفيدة حيث يتم الصرف لأشخاص وجهات لا علاقة لها باستهداف المال العام وبسبب تلك الممارسات التي تخالف اللوائح والنظم المالية والمحاسبية، حرمت دارفور من التنمية والتطور، فأثر ذلك على قطاع التعليم والصحة والأمومة والطفولة والشباب والمرأة، وأبلغ دليل على ذلك ما تشهدها ولاية جنوب دارفور من أوبئة وأمراض وتدهور في صحة البيئة والانسان واضرابات لعمال الشؤون الصحية وقطاع التعليم وفي ذات الوقت يتسابق والي ولاية جنوب دارفور في التبرع لمصنع الشفاء الذي دمر بالقصف الأمريكي بمبلغ خمسمائة مليون جنيه، ويقود حملة التبرعات بالولاية رغم رفض مالك المصنع لهذه التبرعات وكان ذات الوالي قد حمل مواطن جنوب دارفور المغلوب على أمره نفقات الصرف البزخي فيما عرف بمهرجان الفروسية والهجن والذي جرى بنيالا في نوفمبر 1997م.

ب/ طريق الانقاذ الغربي:

هذا (الحلم الذي يظل يراود أهل السودان وأهل دارفور خاصة) انكشفت حقيقته الآن، في عام 1995م صدر قانون طريق الانقاذ الغربي بمرسوم مؤقت من المجلس الوطني الانتقالي بموجب ذلك تم تكوين الهيئة العليا لطريق الانقاذ الغربي مسؤولة عن الطريق تحت اشراف رئاسة الجمهورية وترأس أماناتها المتخصصة الوزراء الاتحاديون. وكان ينتظر من تلك الهيئة أن تحقق ذلك الحلم الكبير خاصة وقد قطع رئيس الجمهورية وعدا على نفسه بانجاز الطريق خلال مدة عامين فقط، فتنازل المواطن عن سكره لمصلحة الطريق وفرضت عليه الرسوم في كل خدماته المحلية والخارجية. ولكن وعقب انقضاء أكثر من ثلاث سنوات اتضح ان أموال الطريق تذهب في غير قنواتها المعلنة والمحددة والعمل متوقفا بالميدان ولكن ومن خلال الصحف يكاد يظن المرء ان الطريق قد أوشك على الاكتمال. ان الهيئة العليا لطريق الانقاذ الغربي استخدمت أموال الطريق دون متطلبات الاستخدام الصحيح والمبرمج له فضلت أموال الطريق سبيلها ومن ذلك نورد هذه الواقعة المضحكة والمؤلمة: قامت الهيئة بتقديم شيك على بياض لاسرة المرحوم الزبير محمد صالح عقب وفاته لتكتب ما شاءت من مبلغ ولكن أسرة المرحوم كانت أكبر من أغراضها).

ان الهيئة العليا لطريق الانقاذ الغربي لا تظهر ولا تنشط إلا من خلال اعلانات الصحف في الافراح والاتراح. ولايقاف ما يحدث يتطلب تصحيح مسار طريق الانقاذ الغربي وقيام شركة باسم طريق الانقاذ الغربي أسوة بشركة شريان الشمال للطرق والجسور تضمن وجود جمعية عمومية حقيقية بأطر فعلية محاسبية تصون مال المواطن المهدر وتحقق حلمه الكبير.

ج/ النهب المسلح: مكافحة النهب المسلح مسؤولية السلطة الاتحادية والولائية والمحلية بالتضامن مع الافراد يجب أن لا تترك ليتحمل تبعاتها المواطن خاصة وقد استفحل أمرها بما يتطلب التعامل معها بجدية وحسم شديدين.

3/ التعايش السلمي بدارفور: إن التعايش السلمي بدارفور لا يتم ولا يتحقق الا عند ايقاف اهمال مؤسسات الدولة المدنية وقواتها النظامية ودعمها بالكفاءات والامكانيات التي تؤهلها للقيام بدورها في حفظ الأمن والنظام العام واظهار هيبة الدولة بالقانون وايقاف السياسة الرامية إلى تسييس القبائل.

التوصيات:

ان معالجات الدولة لقضية الأمن والتنمية والتعايش السلمي بين القبائل بدارفور كانت تأتي من باب المظاهرة السياسية والمؤتمرات ولجان ووفود الصلح وتهدئة الخواطر فضلت المسار ولونت الحقائق وعظمت الازمات ففقد المواطن فيها الثقة التامة حيث لم يجني منها سوى فواتير الاحتفالات والولائم الباهظة علما بأن كل مقررات مؤتمرات الصلح والتعايش السلمي بين القبائل التي عقدت بدارفور أصبحت حبرا على ورق حيث لم تجد توصياتها طريقا للتنفيذ فزاد ذلك من تعميق المشكلات. ولما تقدم سيادة الرئيس وللأسباب الواردة في هذه المذكرة نلتمس الاستجابة لهذه التوصيات كمدخل لابد منه لايقاف الاقتتال الحاد بين قبيلة المساليت وبعض القبائل العربية وكفالة الأمن والنظام والسلام العام لكافة أرجاء دارفور الآن وفي المستقبل بخاصة قد بلغت الأحوال مبلغا يهدد وحدة الوطن بما يتطلب مشاركة أبناء دارفور في وضع برنامج استراتيجي يخدم تطبيع الوحدة والعدالة الوطنية سياسيا واجتماعيا وتنمويا وأن تكون هناك توصيات أخرى ضرورية لبدء المعالجة، تنطلق من الحقائق التالية:

1 ــ دارفور استراتيجيا تمثل صمام أمن وأمان السودان ووحدته بما يتطلب ذلك اعتراف الدولة بخصوصية الوضع في دارفور واعادة النظر في سياستها المطبقة حاليا بما يتفق ومراعاة تلك الخصوصية بالآتي:

أ ــ تمثل دارفور بوابة السودان الغربية للتواصل الاقتصادي والسياسي والثقافي ومع الغرب الافريقي.

ب ــ تمثل دارفور حالة ايجابية من التداخل الاثني والانصهار القبلي والثقافي، ضمانا للاستقرار وايجاد صيغ جديدة لادارة الحوار السياسي الوطني. يتطلب ذلك تكييف الأوضاع في الدولة لصالح المواطنة الحقة وعلى ذلك يتعين الأخذ في الاعتبار بالتوصيات التالية:

1 ــ اعادة النظر في الأوضاع السياسية بدارفور بما يتفق ومراعاة خصوصيتها عبر مؤتمر تداولي وطني وسياسي وقانوني في أقرب مدة ممكنة.

2 ــ وضع الخطط العملية اللازمة للاستفادة الجادة من الخبرات السابقة لمعالجة قضايا الانتماء والمشاركة السياسية والاقتصادية، تشارك فيها مؤسسات الدولة وأهل دارفور والمستنيرون من أهل السودان.

3 ــ تصحيح مفهوم الفيدرالية ومراجعتها بما يتفق مع المتطلبات الوطنية الآنية لتضمن تواصل وحدة السودان في المستقبل وحتى لا تبدو الفيدرالية وكأنها عودة للقهر المركزي بوسائل أشرس بجانب التنصل من المسؤوليات.

4 ــ تمكين أبناء دارفور الأكفاء من الإدارة السياسية والتنموية لمناطقهم في اطار الدعوة لحل مشاكل السودان بالتراضي وسلميا وعلى الحكومة ان تستجيب وتتعاون مع أبناء دارفور المستنيرين بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية حتى يتمكنوا من تقديم أطروحاتهم لاعادة تأهيل دارفور سياسيا وتنمويا وفكريا، ورفع الظلم والغبن عن الأفراد والمجموعات بفتح الطريق بالاتفاق والحوار ومحاكمة روح الفتنة والتشرذم.

وختاما: ان أهمال مؤسسات الدولة المدنية وقواتها النظامية بدارفور بجانب تسييس القبائل يتطلب من أبناء دارفور وهم المعنيون أكثر من غيرهم بتأهيل مناطقهم في اطار الوطن الواعد، لذا فإن الدعوة إلى اعادة قراءة ونقد تاريخهم وتكييف أوضاعه باستعادة المبادرة بالنضج السياسي والنصح الرشيد، والتنمية هي أهم أسس التطور الوطني في السودان. انتهت المذكرة

تحذير من خطورة الاحداث

لم ينته دور ابناء دارفور بالخرطوم عند حد رفع مذكرة الي رئيس البلاد، وسيما وان المشاكل تزداد يوما بعد يوم فقاموا بتحذير واضح للحكومة من خطورة الموقف في الاقليم الواقع غربي السودان الذي تجتاحه مواجهات قبلية دامية.

وقال بيان صحفي وزعه الموقعون على المذكرة التي رفعها عدد من ابناء دارفور الى رئيس الجمهورية ان المنطقة تتهددها احداث منها انتشار الاسلحة النارية بين المواطنين. وقال البيان ان نحو 1300 شخصية وقعوا على المذكرة التي رفعت الى رئيس الجمهورية بينهم دستوريون سابقون وطلاب ومهنيون واعيان ادارة اهلية وطالب البيان اهل السودان بالمشاركة في مد يد العون لاغاثة الاف الاسر الهاربة من جحيم الموت بالجنينة وذكر البيان ان النازحين يقيمون في مخيمات منصوبة في العراء قبالة الحدود السودانية التشادية واوضح البيان ان النازحين يعيشون في ظروف صحية وبيئية قاسية ادت الى انتشار الاوبئة والامراض الفتاكة حيث قتل وباء السحائي اكثر من مائة مواطن لعدم وجود الوقاية والامصال. الى ذلك قال أحد الموقعين على المذكرة المثيرة للجدل لـصحيفة (البيان) انهم بصدد تسيير مسيرة سلمية لكنه رفض اعطاء تفصيلات مشيرا الى انهم يعملون الان على رفع عدد الموقعين على المذكرة الى 10 الاف من ابناء المقيمين بالخرطوم، وكان من ابرز الموقعين على المذكرة د. علي حسن تاج الدين عضو مجلس رأس الدولة السابق ود.ادم موسى مادبو العضوان القياديان في حزب الامة الذي يتزعمه الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق فضلاعن عشرة عمد و 16 شيخا من الادارات الاهلية.

في الفترة من مارس 99 وحتي يوليو من نفس العام حدثت الكثير من التطورات بشأن قضية دارفور وأحدثت الحكومة في داخل مجموعة (النائب الاول) العديد من جلسات النقاش أبدت فيها تخوفها من الحركة المكثفة التي يقوم بها ابناء دارفور بشتى شرائحهم من خلال اللقاءات الاعلامية ومع بعض الصحافيين، والتصريحات التي كانت تصدر من شخصيات مثل حامد تورين وزير التربية السابق بولاية شمال دارفورأحد النفعيين الذين كانوا يعملون من أجل الوصول الي كراسي السلطة بأي وسيلة كانت والوسط الصحفي في الخرطوم يعرف الكثير من الاتصالات التي كان يقوم بها والتهديدات التي كان يطلقها لصحف معينة حتي تخدم أهدافه التي كانت معلومة بالنسبة للذين يمسكون بزمام الامور في الدولة، وفي تلك الاثناء كانت الاحوال في السودان بشكل عام تسير نحو الأسوء، فكان ما خافت منه (مجموعة النائب الاول) عندما انعقد المؤتمر التنسيقي لولايات غرب السودان الست الذي حظي باهتمام حكومي بالغ على خلفيات تهديدات حامد تورين، ومكي على بلايل، وآخرون في بالقيام بتأسيس كيان غربي مناهض للحكومة.

ولايات غرب السودان تطالب بـ 20% من عائدات النفط بالمنطقة

عندما شعر أهل دافور وكردفان أنه لا بد من عمل شيئ تجاه المنطقة يساهم في ترقيتها ومن ثم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي قاموا بعقد المؤتمر التنيسقي لولايات غرب السودان الست لمناقشة أهم قضايا المنطقة باعتبارها ولايات مرتبطة ببعضها البعض حيث انعقد المؤتمر في الاسبوع الاول من شهر يوليو1999 أوصى المؤتمر التنسيقي لولايات غرب السودان الست فى ختام اعماله برفض توسيع نطاق برنامج شريان الحياة ليشمل مناطق جبال النوبة الواقعة بولاية جنوب كردفان، وطالب بتخصيص 20% من عائدات النفط للمناطق التي يستخرج منها.

وذكر التلفزيون السوداني ان المؤتمر اختتم اعماله بمدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور وشدد على ان عدم امتداد البرنامج الذى تشرف عليه الامم المتحدة لجبال النوبة يقطع الطريق امام التدخلات الاجنبية فى الشئون الداخلية للسودان بحجة اغاثة المتضررين من الحرب الاهلية كما حدث فى الجنوب. ودعا المؤتمر بدلا من ذلك كل ولايات السودان لدعم جنوب كردفان ومدها بالمعونات الغذائية. وضم المؤتمر الذى تأسس فى العام الماضى ولايات شمال كردفان وجنوب كردفان وشمال دارفور وغرب كردفان وغرب دارفور وجنوب دارفور.

واتخذ المؤتمر ( الذى اثار تأسيسه جدلا طويلا) منحى جديدَا بدعوته أربع ولايات جنوبية للانضمام اليه، وهى ولايات شمال وغرب بحر الغزال وواراب وولاية الوحدة الغنية بمناطق انتاج البترول. وأشار المؤتمر الى ان تلك الولايات الاربع تربطها حدود مشتركة بولايات الغرب، وتوجد اعداد ضخمة من ابنائها بالولايات الغربية الامر الذى يؤسس مصالح مشتركة بين الجميع.

وقد ندد المؤتمر فى ختام اعماله بقرار الكونجرس الامريكى الداعي لفرض حظر جوي على الجنوب ومناطق جبال النوبة. وكانت بعثة الامم المتحدة قد قامت مؤخرا بزيارة تفقديه لمناطق جبال النوبة بموافقة الحكومة السودانية وذلك لتقدير احتياجات سكان تلك المناطق من مواد الغذاء والاغاثه، والوقوف على الاعداد الحقيقيه لسكان المناطق الخاضعة لسيطرة (الجيش الشعبى لتحرير السودان) ، ويضم هذا الجيش فصيلا مسلحا بقيادة يوسف كوه الذى كان ينتمي لتلك المناطق التى يطلق عليها اسم المناطق المهمشة نظرًا لما تعانيه من نقص شديد في الخدمات الاساسية ومشروعات التنمية. وكان المؤتمر قد دعا خلال اجتماعاته الى تعديل الدستور فيما يتعلق بالقواعد المنظمة لترشيح الولاة، كما دعا الى اعادة تقسيم الموارد القوميه وتبنى اقتراحا بأن يؤول 20% من عائدات البترول والمعادن الى الولايات التى تستخرج منها تلك الموارد، وهي القضية التى تتسم بحساسية خاصة فى هذه الايام بعد ان علت نبرتها فى ولايات اخرى خاصة بالجنوب عقب الاعلان عن انتاج وقرب تصدير البترول السوداني. وقد أثار انعقاد المؤتمر مخاوف وتحذيرات مماثلة لتلك التى صاحبت انعقاده الاول، والتى رأت فى تأسيس هذا الكيان نزعة جهوية وتوجهات تشجع على الانفصال فى المستقبل، ويرى الذين عبروا عن هذه المخاوف على صفحات الصحف ان السودان لا ينقصه مجالس جديدة للتنسيق الجهوي، وانه يكفى وجود مجلس للتنسيق خاص بالولايات الجنوبية، وآخر خاص بجبال النوبة، ويخشى هولاء ان يدفع ذلك اخرين بالشرق والشمال للمطالبه بالمثل، ويؤكد اصحاب هذا الرأى ان السودان أحوج ما يكون الان لكل ما يدعم وحدته وكيانه الموحد، وتابعت اعمال المؤتمر الصحف الاماراتية ووكالة انباء الشرق الاوسط المصرية ونشرت كافة ما صدر عن المؤتمر يوم 9 يوليو1999 .

وهنا لابد ان ينتبه القارئ الي ان مطالبة الست ولايات بتخصيص 20% من عائدات النفط للمناطق التي يستخرج منها، كان في يوليو 1999م ولم تكن مفاوضات السلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية قد بدأت بعد، حيث بدأت مفاوضات ماشاكوش في بداية العام 2002م برعاية الايقاد، مما يفند آراء الكثير من السياسيين السودانيين الذين قالوا أن ابناء الغرب عندما رأوء ان اتفاقية نيفاشا قد أعطت الجنوب الحقوق التي كانوا يطالبون بها قاموا بمطالبة الحكومة ب20 % من انتاج البترول للمناطق التي يستخرج منها.. علما ان المطالب التي طالبت بها ولايات الغرب الست هي مطالب منطقية وعادلة ولا مجال هنا للتقليل منها كما يفعل الكثير من اتباع الحكومة والذين صورت لهم افكارهم المريضة ان هذه المطالبة تنم عن عنصرية، سيما وأن أهل الغرب في حاجة ماسة للموارد التي تتمثل في احقيتها في البترول الذي يخرج من اراضيها ما دامت الحكومة في الخرطوم لا تعمل على معالجة قضايا المنطقة ولا تعير حاجات الناس هناك أدنى اهتمام.

تظاهرة في مدينة الفاشر بسبب تأخر صرف مرتبات المعلمين..!!

في آخر فصل من فصول اهمال الحكومة في الخرطوم لقضايا المواطنين، وعدم استجابتها لدعوات الناصحين وطلبات المحرومين والمعدمين كان حادث يوم 12 سبتمبر 2000م في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور حيث قتل ثمانية اشخاص واصيب 16 اخرون في اشتباكات بين قوات الامن السودانية في مدينة الفاشر ومتظاهرين محتجين على تأخر صرف اجور المعلمين ونقص خدمات الكهرباء والمياه، ولم يكن الحادث غريبًا على توقعات المراقبين الذين تابعوا رفع مذكرة ابناء دافور للرئيس عمر البشير في مارس 1999م، بأن الحكومة ستتناسى المطالب، وستتجاهل القضايا العالقة في دارفور والملتهبة، ولكن لم يكن في حسابات الحكومة ان تجاهلها لمطالب دارفور سيؤدي الي هذه النتيجة غير المتوقعة لها، ببساطة لأنها أقل شأنًامن حكومات اتحادات طلاب الثانوي للمدراس ليس لها خططا، وليس لها حس وطني يمكنها من الوقوف علي حاجات المواطنين، بل العكس تماما لها من الاهتمام ما يجعلها تتآمر على مواطنيها وعلى جيرانها وتصرف في ذلك أموال الشعب الطائلة، فالاستراتيجية الوحيدة التي يعمل لها ألف حساب هي استراتيجية حكم القرن الافريقي والمنطقة في العشر سنوات القادمة هكذا يفكر رأس الدولة (الثاني) ومجموعته الأمنية.

وتعليقا على المظاهرة التي خرجت في مدينة الفاشر قالت قيادات سياسية اتصلت بها صحيفة (البيان) الاماراتية في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور ان المتظاهرين الغاضبين من قرارات والي الولاية اللواء عبدالله صافي النور بالدعوة لانشاء المدارس النموذجية في الوقت الذي عجزت فيه حكومة الولاية عن دفع مرتبات المعلمين لأكثرمن ثلاثة اشهر، انخرطوا في اعمال تخريب واسعة شملت مقر الحكومة الولائية واقتحام مقر اقامة الوالي ومباني الشرطة والنيابة العامة اضافة لمحاصرة المستشفى حيث تقبع جثث الضحايا واكثر من 16 جريحا. واكدت ان المتظاهرين اخذوا في ترديد شعارات معادية للحكومة والمطالبة باسقاطها من بينها (تسقط تسقط حكومة الجبهة حكومة الافك والطغيان)، (يا خرطوم ياجبان شعب الفاشر في الميدان).

واضافت المصادر ذاتها ان الاسواق قد تم اغلاقها داخل احياء المدينة وان التظاهرات لم تهدأ الا بعد ان تدخل قائد المنطقة العسكرية وخاطب المتظاهرين وهو يحمل منديلا ابيض في يده (في اشارة للسلام) ولتهدئة خواطر المواطنين الذين خرجوا من كل احياء المدينة. وقالت المصادر ان المتظاهرين الحقوا خسائر بعدد من مباني الحكومة باضرام النار فيها فيما تمكن والي الولاية من اخلاء اعضاء اسرته من منزله المحاصر بصعوبة. ونتج عن الصدامات اصابة 5 جنود من الشرطة و11 مواطنا باصابات خطيرة نقلوا على اثرها للمستشفى، وعلمت ذات الصحيفة ان وزارة الداخلية في الخرطوم ارسلت جوًا تعزيزات من قوات مكافحة الشغب الاحتياطية المركزية لدعم الاحتياطات الامنية الى جانب وفد رسمي برئاسة وزير الداخلية للاشراف الامني.

ووصفت وزارة الداخلية في بيان لها اعمال الشغب بأنها "محاولة لنشاط تخريبي شارك فيه بعض الطلاب وانضم اليهم عدد كبير من الباعة المتجولين وانتهزت فئة مأجورة تلك المناسبة وقامت بتحريض مجموعة من الطلاب بالتظاهر والاعتداء على الممتلكات العامة ونهب ممتلكات المواطنين وحفاظا على ارواح المواطنين تصدت لهم قوات الشرطة وحالت دون توسيع دائرة التخريب" . وقال بيان وزارة الداخلية ان الشرطة باشرت تحرياتها فور انتهاء الاحداث وقامت بتحذير الجهات التي قامت بالتحريض والتخريب، وان التظاهرات اندلعت بعد تنظيم حكومة ولاية شمال دارفور لصلاة الاستسقاء. من ناحية اخرى اصدر المؤتمر الشعبي (حزب الدكتور الترابي) بيانا امس طالب فيه باقالة والي الولاية اللواء صافي النور وانتخاب وال جديد. وقال الدكتور علي الحاج محمد نائب الدكتور الترابي في تصريح (للبيان) ان الاحوال لم تهدأ الا بعد ان احتمى والي الولاية، بقيادة الجيش وقيام اللواء سيد الجعلي قائد الفرقة السادسة مشاة بالفاشر بتولي اعباء الحكومة وتصريفها باعتباره الوالي الفعلي المقبول حاليا للجماهير وقال ان المواطنين كانوا قد تقدموا بمذكرة سلمية الى والي الولاية عقب صلاة الاستسقاء الا انهم واجهوا معارضة من الشرطة التي قامت بمنعهم والاعتراض عليهم بالقوة مما دفع بهم لقذفها بالحجارة ومواصلة التظاهرة حيث توجد مشكلات مستعصية في الصحة والتعليم واستفزازات من والي الولاية الذي رفض استلام المذكرة حسبما قال علي الحاج. وقالت وكالة فرانس برس نقلا عن شهود عيان ان عناصر حزب الترابي يقفون وراء المواجهات. واشارت الوكالة في تقرير لها من الخرطوم الى ان المدارس لم تفتح في هذه المنطقة نهاية يوليو كما هو مقرر بسبب تأخر السلطات في دفع اجور المدرسين. (البيان الاماراتية 13/9/2000م( .

بداية ظهور المجاعة في ولايات الغرب

مع بداية العام 2000م بدأ يظهر من خلال الخلافات بين طرفي الحكومة حجم الفساد الاخلاقي لدي الحاكمين في السودان والاشارات بأن أموالا ضخمة أصبحت تخرج من السودان يمتلكها متنفذين في النظام، وذلك من خلال الحديث عن السلام في السودان ومجي الحركة الشعبية لتحرير السودان الي الخرطوم بقيادة جون قرنق نائبا للرئيس الجمهورية، وعلى ضوء ذلك انشغل اتباع الحكومة في تهريب الاموال الي الخارج تحوطا مما سيجري لاحقا بعد دخول الحركة الشعبية في سدة الحكم، ومع هذه التخوفات وارهاصات القادم الجديد الذي سيسحب البساط من تحت أقدام عشرات الاتباع، أصبحت البلاد تعيش في فوضى أمنية وسياسية والكل خايف على مقعده وموقعه من الحكم، فاشتعلت المشاكل في السودان وفي دارفور بشكل خاص، وغابت الدولة عن ساحة المواطنين حتي أصبح الكثير من مناطق السودان على حافة المجاعة التي ضربت جزء كبير من السودان.

تجاهل التحذيرات بشأن المجاعة يفاقم الاوضاع في السودان

( 6-1-2001م) فرضت الفجوة في الغذاء في عدد من ولايات السودان نفسها على الاوساط الرسمية والشعبية ففي الوقت الذي تؤكد فيه اجهزة السلطة قدرتها على مواجهة الموقف بمواردها الذاتية واشاراتها بان برنامج الغذاء العالمي، غيره من المنظمات التي حذرت من تفاقم المشكلة كانت قد اعترفت ان الحكومة تملك احتياطي حبوب كاف لحل المشكلة فقط يلزم ترحيله للمناطق المتأثرة في هذا الوقت الذي اصبح ترحيل الحبوب مشكلة، حذرت اتحادات المزارعين في ولاية دارفور الكبرى التي سبق ان تعرضت قبل عقد ونصف من الزمان لويلات الجوع وقالت انها لن تقف مكتوفة الايدي تجاه نقص الغذاء والمياه من الولايات الثلاث شمال وجنوب وغرب دارفور.

اتحادات المزارعين حتى لا تلدغ من جحر واحد مرتين وفي (شفافية) طاغية ابانت في بيان تحذيري لها انها ستتابع الموقف عن كثب وذلك حتى لا تتكرر مأساة عام 1984م التي راح ضحيتها مئات المواطنين ونزح الالاف وعسكروا وعششوا في اطراف المدن.

وتشير الصحف الى ان خريف العام 1999م كان شحيحا لدرجة ان الالاف في كردفان ودارفور بحثوا عن الغلال في بيوت النمل في مناظر تدمي القلوب وتدمع المآقي التي جفت من كثرة انهمار الدمع .. وقد شهدت منطقة المويلح جنوب غرب ام درمان فصولا من المأساة التي خلفها الجفاف والتصحر والتي انفجرت في لحظة غالية كان من هم على سدة الحكم يحاولون وفي سوء تقدير وتدبر مداراتها بدفن الرؤوس في الرمال التي طفح كيلها لتلهب الاطراف بانين المرضى من الشيوخ والنساء وصرخات الجوعى من الاطفال، وقد هز الموقف قلب وضمير العالم عدوه وصليحه لدرجة ان الرئيس الامريكي وقتها رونالد ريجان بعث نائبه الرئيس بعده جورج دبليو بوش للوقوف على حجم المأساة فحل بوش مكان البوش الحقيقي وهو خلطة ماء الفول بالزيت والجبن كما يعرف البوش في السودان بانه ملم الاقربين والاحباب عند مناسبات الفرح .. غرف بوش بكلتا يديه لموجات النازحين التي لم تنقطع على مدار الساعة بالمعسكرات. وسجلت تلك الاحداث علامات بارزة في لغة التخاطب بين من يطىء الجمر ومن هو مطالب باطفاء الحريق.

لذلك اشار بيان اتحادات المزارعين بدارفور الى ان الاتحادات نبهت الحكومتين الولائية والاتحادية قبل عامين بخطورة الموقف بالولايات الغربية بيد انهما اي الحكومتان لم تعر تلك التحذيرات اي اهتمام، وذكر البيان ان الاسباب الرئيسية التي ادت الى حدوث الفجوة الماثلة التي يرى فيها الكثيرون مجاعة، وان إطلاق الفجوة عليها جاء للتقليل من حجمها في ظل تردي الانتاج على مدى عامين منذ التنبيه بخطورتها، ان الاسباب تتمثل في السيول والفيضانات التي اجتاحت تلك المناطق العام قبل الماضي ليطبق شح الامطار والآفات العام الماضي على بصيص الامل الذي اغتاله عدم وجود التمويل لاعادة تأهيل البنية الزراعية. ولان الصورة لا تزال على حالها دعا البيان الى تخصيص جزء من العمل الاغاثي لاعادة تأهيل البنية الاساسية للمشروعات الزراعية على وجه الخصوص بشمال دارفور التي يعاني 80% من سكانها مثل 70% من غرب دارفور و 40% من جنوبها من نقص في الغذاء حيث اوصلت الندرة في المعروض من الذرة والدخن في الاسواق، اسعار جوال الدخن الى خمسة وسبعين الفا من الجنيهات في الوقت الذي ابرزت فيه تقارير اتحادات المزارعين ان اكثر من 40 الف بمناطق الفاشر مليط، كتم، وادي صالح زاليخي جبل مره، كاس، ابو عجوزة وشعيرية هم في اوضاع مأساوية تتمثل في عدم قدرتهم على شراء الغذاء الذي لم يكن هو الوحيد في مواجهتهم. اتحادات المزارعين ترى في الاستعداد المبكر للموسم القادم بتأهيل الجسور التي انهارت قبل عامين والتي قدرت تكاليف تأهيلها في ذلك الحين بمبلغ 160 مليون جنيه وتوفير التقاوى وادخال عينات جديدة في التركيبة المحصولية ذكر تقرير المزارعين منها الذرة الشامي والقوار اللذين ثبت نجاحهما لعدم حوجتهما لمياه كثيرة ودعم محطات البحوث الزراعية ومعالجة المسألة الانمائية بخطط عاجلة وبمدى قريب وبعيد لتأهيل بنيات الزراعة في تلك المناطق امر لاغنى عنه وسط مواطنيها الذين يتملكهم القلق من تفجر الاوضاع وانعكاساتها التي ستقود الى نخر النسيج الاجتماعي بما يضعف تماسكه ناهيك عن انفلات امني كنتاج للتنافس المحموم على الماء وغيره من الموارد .

كل هذه المحاذير والالغام باتت كالقنابل الموقوتة امام سباق ماراثوني بين الانفجار ومحاولة ابطال المفعول الذي احاط تقرير لبرنامج الغذاء العالمي ان شدة وطأته ستحل ليس في دارفور وكردفان وحسب بل وهناك مئات الآلاف من الجنوبيين اضحوا بين مطرقة الحرب التي هجرت الملايين منهم وسندان ما يسمى بالفجوة تأدبا والمجاعة بحق وحقيقة. ازاء هذه الاوضاع المأساوية المتفجرة وفي خطوة لتجفيف منابع الخطر، طفقت الحكومة التي لا تحسد على راهنها تسابق الزمن حتى لا تؤخذ عل حين غرة وفي بالها ما أشارت اليه تقارير المنظمات الدولية وتحذيرات اتحادات المزارعين بالداخل من خطورة تجاهل الاوضاع، واعلنت عن علاج وقائي في مقدورها يتمثل في ترحيل الحبوب التي تباهي باعتراف برنامج الغذاء العالمي بامتلاكها احتياطيا منها، ترحيلها الى المناطق التي هي في اشد الحوجة اليها. لذلك اعتمد اجتماع للجنة العليا للعون الانساني ترأسه النائب الأول للبشير مبالغ مقدرة لهذا الشأن كما بلغت خمسة مليارات لتأهيل محطات المياه بتلك المناطق .. لم يقتصر الامر على هذا لنحو الذي يقتضي ترحيل الحبوب في الوقت المناسب قبل حلول ضحى الغد على اهوال المأساة، بل امتد الى أبعد من ذلك التأمين على مقترح تقدمت به وزارة الزراعة يقضي بتنفيذ برنامج عاجل دعامته استزراع اكبر مساحة ممكنة من المشاريع المروية بمحصول الذرة الشامي والرقيقة.

ولم تجد الدولة حرجا بعد تقارير الداخل والخارج في الترحيب بالتعاون والدعم الدولي من المانحين والامم المتحدة والمنظمات الطوعية لمعالجة اسس المشكلة المتمثل في الجفاف الذي ضرب منطقة القرن الافريقي بصفة عامة ومناطق بالسودان شملت ولايات كردفان ودارفور وشرق الاستوائية وجونقلى والبطانة، وتأهيل مصادر المياه ورعاية الثروة الحيوانية في تلك المناطق. من هنا صار امر متابعة الموقف عن كثب كما جاء في بيان اتحادات مزارعي دارفور ضرورة تحتمها اهمية تطويق المسألة بكل ابعادها وبات على الحكومة ان تمارس اكبر قدر من الشفافية في العلاج حتى لا تلدغ من جحر واحد اكثر من مرة وعلى من يطأون الجمر ملاحقتها في كل صغيرة وكبيرة وان يكون شعارهم المرفوع انهم لا يقبلون منها غير الميدالية الذهبية تتويجا لهذا السباق الماراثوني وبدون تلك تكون النتيجة ميتة وخراب ديار.

النظام يقلل من خطورة الفجوة الغذائية

(13 يناير 2001 ) وصف وزير المالية السوداني حجم الفجوة الذي قدرته منظمة الغذاء العالمي بانه مبالغ فيه ولا تستند الى حسابات دقيقة وفي ذات الوقت استبعد الوزير د. محمد خير الزبير وقوع نقص غذاء في السودان مدافعا، في هذا الاتجاه عن سياسات الدولة متمثلة في تحرير انتاج وتجارة الحبوب استيرادا وتصديرا واوضح الوزير ان 17 % من سكان السودان هم دون سن الخمس سنوات ولا يمكن تقدير احتياجهم الغذائي مثل الشخص العادي.

الوزير الذي تعمد عدم التحدث عن الفجوة في مؤتمر صحفي باعتبار ان ذلك يحدث ربكة في اسعار المحاصيل قال ان سياسات الدولة التي تعطي اسبقية قصوى للامن الغذائي تواصلت خلال العشر سنوات الماضية بصور مرضية لتوفير الامن الغذائي بالانتاج المحلي او الاستيراد من الموارد الذاتية وتحرير تجارة الحبوب صادرا وواردا مشيرا الى ان هذه السياسة ستستمر لفعاليتها بجانب انشاء الدولة لجهاز المخزون الاستراتيجي للسلع حماية للمنتجين في مواسم وفرة الانتاج وحماية للمستهلك في مواسم الندرة الناتجة عن الكوارث.

وقال ان الجهاز الذي تشرف عليه وزارته تولى مهامه ابتداء من نهاية العام الماضي. عبر تنسيق مشترك مع القطاع الخاص وجهاز المخزون الاستراتيجي لاستيراد كميات مقدرة من الحبوب خلال النصف الاول من العام للاستهلاك البشري والحيواني معلنا في هذا الجانب عن قرار وزارته باعفاء استيراد العلف الحيواني من الذرة والذرة الشامية من الرسوم الجمركية ورسوم الميناء وكافة الرسوم تشجيعا للقطاع الخاص خلال فترة بناء المخزون الاستراتيجي وفي ذات الوقت اعلن الوزير عن اجراءات لمعالجة النقص المتوقع من الحبوب في ولايات شمال كردفان وجنوب دارفور التي تأثرت بالجفاف الموسم الحالي.

رغم الحديث المطمئن لوزير المالية الذي اشار الى ان الاقتصاد السوداني تعافى من امراضه الاساسية التي ظل يشكو منها لعقود خلت وعلى رأسها الاستدانة من النظام المصرفي التي قال انها تلاشت وصارت صفرا فيما فاض الميزان الخارجي لتدفق النفط مؤخرا رغم هذه الحديث الطيب الا ان تقارير حكومات ولايات دارفور لا تزال مشبعة بالارهاصات والمحاذير التي تعكس نارا خلف الرماد يخشى ان يكون لها ضرام. مثلا جاء في تقرير ولاية شمال دارفور ان حجم الفجوة بها بلغ 112 الفا و 635 طنا متريا وان حوجة المواطنين تحت دائرة الفقر المدقع الذين يتطلبون ويلزمهم توزيع مجاني للغذاء تبلغ 24 الف طن متري.

واشار تقرير الولاية الى ان النزوح بدأ من الشمال باتجاه الجنوب محذرًا من ان وضع المياه سيزداد سوءًا، ويتفاقم مالم يتم تداركه قبل حلول الصيف في مارس 2001م.

لم يخل تقرير ولاية جنوب دارفور من حاجة ماسة الى صيانة كاملة لعدد 175 بئرا كما تحتاج 50 بئرا الى طلمبات جديدة وشدد التقرير ان محافظة شعيرية التي تعتبر اكثر المناطق تأثرا بنقص الغذاء يقع 60% من مواطنيها تحت دائرة الفقر المدقع وقال التقرير ان 50 قرية بالولاية مهددة بالنزوح قبل نهاية يناير الجاري.

الى ذلك دعا اجتماع عقده ولاة ووزراء المالية بولاية دار فور الكبرى الى ضرورة شراء جزء من المخزون الاستراتيجي من مناطق الوفرة بولايات دارفور وذلك لقرب المسافة وقلة وسهولة التخزين وتحريك الاسواق المحلية بتلك الولايات التي قالوا ان الاطمئنان الكامل يتمثل في اعادة المشروعات الكبرى بالولاية كمشروع جبل مرة وساق النعام عبر تمويلها من الخزينة العامة وذلك حتى لا تتفكك مجتمعات لا تزال مضرب الامثال في الطهر والنقاء والتكاتف والايثار وعلى المسئولين ألا يتذمروا عند الحديث عن فجوة في الغذاء او مجاعة ذلك لان الكي افضل من البتر مع ان في الاثنين علاجا تقتضيه مراحل المرض او الكارثة.

 

المجاعة التي أصبحت واقعا رغم أنف الحكومة

السبت 20 محرم 1422 هـ الموافق 14 ابريل 2001 وكالات الانباء – البيان الاماراتية

بين الاعتراف بالمجاعة والاختلاف في تفسيراتها وقع الفأس في الرأس وتكسرت مرآة الريف ومناطق شتى في السودان فانعكست صور شتى للمعاناة تمثل المجاعة (حقيقة) والفجوة الغذائية (تأدبا) وصلت مراحل قساوتها، الى درجة (الادمان) التي اجبرت المعنيين اخيرا الى توزيع الغلال مجانا في ولايات بعينها اعادت الى الاذهان فصول مأساة حلت بها مطلع الثمانينيات حينما داهمت العاصمة الخرطوم وفي منطقة المويلح غربي ام درمان جيوش الجوعى الحفاة مستجيرة بالحضر الذي ساهم بتوفير اسباب الحياة فيه.

وفضل من اثر البقاء تملؤه رغم مرارة الحرمان عزة النفس وكبرياء الشموخ يتكيء على ما جادت به خزائن العالم من اغاثات واغطية شهد على توزيعها في ذلك الوقت نائب الرئيس الامريكي حينذاك رونالد ريجان، جورج بوش الاب الذي شارك النازحين في معسكراتهم مأساتهم التي البستهم الجدب والحاجة.

حدث ذلك لأن من كان على سدة الحكم غفل او تعمد الغفلة بدفن الرؤوس في الرمال بعدم الاعلان عن تردي الاوضاع التي تفجرت وذاع خبرها وعم القرى والحضر وصار كونيا. تقاطرت الاغاثات من كل حدب وصوب لنجدة الملهوفين الذين اثر بعضهم البقاء في الحضر فيما بعد بينما عاد أكثرهم ادراجه حيث مراتع الصبا التي تشهد الآن نفس الفصول المأساوية بكل احداثها والامها.

ويتكرر الشريط ويبدو وكأنه نسخة منقحة لمواكبة الالفية الثالثة؟ فعلى الرغم من صرخات اتحادات المزارعين في دارفور وكردفان الباكرة بضرورة تدارك الموقف البائن قبل فوات الاوان لاسباب اجتمعت لتظهره جليا وبحجمه المأساوي المتفجر الآن اذ اضطر المواطنون معه في تلك المناطق قسرا للتخلص من مواشيهم بعد ان غاب العشب عن ساحاتهم بفعل الجفاف الناتج من قلة هطول الامطار وانعكس ذلك بدوره على المحاصيل التي قلت وندرت الى مرحلة العدم.. هذه المسألة صارت مطروحة وبعنف في اكثر من صعيد .. ومع ذلك ابدى القائمون على الامر استعدادا محمودا لتطويق ما اسموه بالفجوة الغذائية وما اعتبره ماسكو الجمر مجاعة حقيقية فاعلنوا في سبيل التطمين انهم على درجة عالية من القدرة والامكانيات للسيطرة على الاوضاع وان ما يذاع وما يتناقل في هذا القبيل مبالغ فيه وان الانتاج اذا لم يكن كافيا للتغطية ففي المال وسع.

لكن العالم ووفق تقارير ميدانية اعدتها منظماته وبرامجه العاملة في مجال الغذاء ورصد فجواته اقر ان الملايين في عدد من ولايات السودان وخاصة دارفور وكردفان وشمال النيل الابيض وولايات الجنوب في حاجة ملحة الى الغذاء بسبب الجفاف والنزوح بفعل الحرب وويلاتها وحذر من ان تجاهل الامر يؤدي الى مالا تحمد عقباه وهنا نهض المعنيون يفندون الحجج والدعاوى كأن المخاطب يرفل في حلل النعيم والسعادة في الوقت الذي كان فيه اصحاب الوجعة يستعدون للرحيل والزحف نحو الحضر لحاقا بمن فطن مبكرا لوقع السهام اذ ان الامر بات واضحا في ناظريهم اما البقاء مع اسوأ الاحتمالات او ان ينجوا بجلدوهم هربا من الجوع وكفره. وتتابع الحديث والتحذيرات من الداخل والخارج بالتطويق وسط زخم التقارير التي كشفت ان هناك من لا يملك ما يوفر له قوت يومه وانه اذا وصل الغذاء الى هناك فليس بمقدور الكثيرين الشراء وبالتالي اما ان يصلهم مجانا واما ان يترك اولئك الغلابة يضربون في خشاش الارض هائمين على وجوههم.

ومع الاقرار بالنقص في الغذاء لجملة اسباب سلفت الاشارة اليها الا ان عدم الاعلان عنه صراحة دفع المانحين الى التراخي في المدد الامر الذي عده القائمون شكلا من الضغط السياسي يتجاوز بوضعه هذا مسألة تقديم المساعدات.

لكن حينما يلح برنامج الغذاء العالمي ويصر ان عدة مناطق بالسودان مهددة بخطر المجاعة وان حاجتها العاجلة للغذاء تقدر باكثر من مئة مليون دولار يبرز حجم المأساة التي صارت ملهاة صناعة امام وقائع القاصي والداني على دراية بها، تصبح المسألة غير قابلة للتجاهل او التستر عليها.

واخيرا تحت وطأة الجوع وملحقاته وملاحقة البيانات والتقارير المتتابعة اذعنت وزارة المالية لحقيقة الاوضاع المتفاقمة بدار فور التي عكسها خلال الايام الماضية وفد يمثل الهيئة الشعبية لتنمية دارفور لوزير المالية عبدالرحيم حمدي بحضور المفوض العام لمفوضية العون الانساني دكتور سلاف الدين صالح ومدير جهاز المخزون الاستراتيجي وتمخض اللقاء عن توجيه اصدرته المالية يحكى عن ابعاد المأساة وحقيقتها اذ وجهت بتوزيع تسعة الاف جوال من الذرة وتسعة الاف طن اخرى من القمح مجانا للفئات الاكثر تضررا بولايات دارفور الثالث كما وجهت كذلك بتوزيع ستة الاف طن من القمح لولايات كردفان. د. سلاف الدين صالح من جهته اتبع خطوة المالية باعلانه ان هذه الكميات تعتبر دفعة اولى وان هناك بواخر تحمل 90 الف طن من القمح ستصل تباعا حتى نهاية مايو المقبل.

بعين على الوضع المأساوي الماثل واخرى على درء اثار المسألة على المدى البعيد ناشدت الهيئة الشعبية الجهات الرسمية والشعبية بضرورة الالتزام بايصال هذه المنحة الى مستحقيها على جناح السرعة فيما تعد هي العدة لانطلاق نفيرها القومي لدرء اثار الجفاف بغرب السودان وهو اتجاه ينبغي ان يجد الدعم والمساندة من كل الجادين والمعنيين في وقت اعلنت فيه الدولة ان الزراعة هي اولوية اولوياتها وركيزتها الاساسية في مسيرة بنائها.

وتبقى مسألة الحوجة او طلب الغوث والمساعدة من الآخرين عرفا واحدى الثوابت الدولية التي لاحرج في الصدع بها ومن هنا فان الامر اذا كان مقدورا عليه فلا داعي الى دق طبول الهلع بما يمكن وضعه في خانة القرض وبالتالي رهن المساعدات وتقديمها بالاعلان عنه وفضحه وهذا ما تميز به الموقف الرسمي للخرطوم التي تمسكت بقدرتها على السيطرة على المسألة وفسرت تمنع المانحين بانه شبيه بالضغوط السياسية وتعد خطوة توزيع الاف الاطنان من الغلال مجانا على المناطق الاكثر تضررا اشارة على الاحاطة بجوانب المسألة تحسب لصالح ولاة الامر اذا كان منطلقهم من ارضية ثابتة .

اما اذا كان ما حملته تقارير المنظمات هو عين الحقيقة وان تراخي المانحين مرده الى عدم اعتراف القائمين بحجم المحنة فان الحريق سيعم كل الاركان بهبوب العواصف التي سيكبحها ويصدها الاعلان الواضح عنها ان المجاعة او ان شئت فجوة الغذاء لان العالم لن يقف مكتوف الايدي ليتفرج على اناس منوط ببلدهم توفير الغذاء له ضمن قطرين اخرين، ثم لاحرج في ذلك ولا داعي لدفن الرؤوس في الرمال وان كان في التوزيع بالمجان مايدعو الى اعادة ترتيب فصول المسألة في الاذهان، حتى لا يقف الاخذ والرد عند نقطة (ليس في الامكان احسن مما كان).

 

ضعف الطالب والمطلوب

البشير يتعهد بحل مشاكل دارفور، فساد طريق الانقاذ أمام القضاء

وكالات الانباء – صحيفة البيان الاماراتية- الثلاثاء 5 ربيع الاخر 1422 هـ الموافق 26 يونيو - - 2001- شدد الرئيس السوداني الفريق عمر البشير الذي انهى زيارة له إلى مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور على حسم النهب المسلح وانتشار السلاح وسد الفجوة الغذائية واكمال طريق الانقاذ الغربي ومياه الشرب، والتعليم وهي القضايا الساخنة التي تعاني منها ولايات دارفور.وقال ان الدولة ستواصل بكل حسم ومسئولية مع كل من يريد ترويع الآمنين مؤكدا تطبيق الشريعة الاسلامية على كل الخارجين على القانون والساعين للفساد في الارض.

واعلن البشير الذي كان يخاطب لقاء جماهيريا بمدينة الفاشر ان بداية حل مشاكل دارفور تكمن في تحقيق الامن والاستقرار، وقال ان الحكومة تسعى لايقاف النهب المسلح والصراع القبلي والتسليح العشوائي حتى تتحرك «الضغينة» من دارفور إلى بحر العرب ولا يعترض طريقها احد، واضاف لابد ان تغيب البندقية من دارفور ولابد للامن ان يسود حتى نتفرغ للعدو الحقيقي وهو التمرد، واستطرد قائلا كل من يشغلنا عن عدونا الحقيقي سنتعامل معه بحزم وكل من يحمل البندقية ويقطع الطريق سيكون التعامل معه حسب الشريعة الاسلامية.

وقال: «طريق الانقاذ كان قد ارتبط بقضية الفساد والفساد الآن امام القضاء» علما ان فساد طريق الانقاذ قد سكت عليه الرئيس البشير والي هذه اللحظة لم يوجه القضاء السوداني للبت فيه، و طريق الانقاذ الغربي أصبح حكاية تلوكها الألسن بالرغم من ان اهل الغرب وفروا التمويل اللازم لتشييده عن طريق تنازل عن حصص السكر الذي كان من المفترض ان يطرح لهم بأسعار محددة. بينما نجد ان طريق التحدي الخرطوم عطبرة الذي ساهمت خزينة الدولة في توفير الاموال له وتشييد هذا الطريق وجد الدعم والمساندة من رئيس الجمهورية الذي اعلن من قبل بأن يعطى الاولوية ودعا الرأسمالية الوطنية للمساهمة من اجل انشائه، بل فرضت الحكومة مبلغ 50 دولاراً على المغتربين للمساهمة في الطريق. لماذا لم يتم دعم طريق الانقاذ الغربي عن طريق الدولة وحتى اموال المغتربين لماذا لا يحول ولو دولار واحد لمصلحة الطريق، مع العلم بأن ابناءنا رفضوا المساهمة في تمويل طريق التحدي عندما علموا بأن مساهماتهم مخصصة فقط لطريق التحدي. الان اكتمل طريق التحدي الذي سيمتد لمدينة ابو حمد. بينما نجد ان اربعين مليار جنيه تم جمعها من المساكين لطريق الانقاذ الغربي من اهل الغرب لا يعلم احد مصيرها، الا القليل من الناس.

دارفور الحقيقة الغائبة..!!

عندما اندلعت المعارك في فبراير 2003م استخدمت كلمة التمرد لأول مرة، وعندها عرف كل السودانيين ان ما يجري في ولايات دارفور تمرد وليس نهب مسلح ، ولا مجموعة قطاع طرق، كما كانت تزعم الحكومة ، وفي هذه اللحظة في فبراير 2003م أدرك الناس ان الذي حدث هو ما كان يتخوفون منه نسبة لتجاهل الحكومة في الخرطوم ما يجري في هذه المنطقة رغم النداءات المستمرة والملحة، والتي شهد عليها الجميع ، ويؤمن بها قطاع كبير من مؤيدي الحكومة، المهم أدرك السودانيين باختلاف توجهاتهم أن ما يجري في دارفور تمرد مسلح على النظام الحاكم .

وعندما يتذكر الناس الحوادث الدامية في دارفور فإنهم يجدون العذر لحاملي السلاح هناك، فالمنطقة خالية من المشاريع الانتاجية والمصانع والشركات والمؤسسات التي تستوعب ابناء الولاية، وحينما تتجاهل الحكومة في الخرطوم مطالب أهل دارفور المتكررة لا يبقى أمامهم الا حمل السلاح والتمرد على الاوضاع المزرية، سيما وان السلاح متوافر في كل مكان في أطراف السودان ودارفور بشكل خاص حيث غياب الدولة والسلطات، و يحدث ذلك نتيجة لعدم الانصات الي المذكرات المتعددة التي رفعها ابناء المنطقة لرأس الدولة ويشهد عليها الصحافيون والاعلاميون، فالمركز مسيطر على كل شيء كما هم فارض سلطته على الولايات بشكل تعسفي ، وأقرب وسيلة لحل المشكلات في السودان هي الآلة الأمنية والعسكرية ، وهذا ما حدث بالفعل بالنسبة لقيام التمرد في غرب السودان، وقد لا يصدق القارئ الكريم ان ملف قضية دار فور كان ولا زال بطرف جهاز الأمن السوداني، ولم يكن من السهولة بمكان تدخل اي سلطة أو جهة آخرى في هذا الموضوع ما لم يتم الاتصال برئيس جهاز الأمن اللواء صلاح عبدالله، وقد اندهش الكثير من المراقبين والذين حاولوا التوسط بين الحكومة والحركة المتمردة لحلحلة القضية، فوجدوا ان الحكومة كانت متمثلة في جهاز الأمن وليس وزارة الداخلية، ولا وزارة الحكم الاتحادي، ولا حتي رئاسة الجمهورية، والكل هنا متفرج، مؤسسات الدولة الرسمية والشعبية ، ليس لها صلاحيات التدخل الا حين تتنزل الاوامر من أعلى للخروج في مسيرات أو التنديد أو السكوت، والمتحدث الوحيد في الساحة هو جهاز الامن عبر البيانات التي يوزعها على الاجهزة الاعلامية، وكان العقلاء من ابناء دارفور دائما يؤكدون ان القضية سياسية بحتة ويجب حلها في هذا الاطار ، ولكن أصبحت قضية دارفور قضية عسكرية وأمنية من الدرجة الأولى، دليلا على ان القبضة الأمنية هي التي فاقمت المشكلة وأدخلتها في دائرة التدويل، ولا يستغرب المتابع اذا عرف ان جهاز الأمن هو الذي يقود العمليات العسكرية ويتقدم افراده وجنوده أمام القوات المسلحة ، علما أن الذين بقودون العمل الأمني هم ذات الاشخاص الذين أدخلوا السودان في مشاكل وصراعات دولية بدًءا من محاولة إغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا في 1993م ، ومن ثم تهيئة الاجواء لتنظيم القاعدة من خلال استضافة زعيمه أسامة بن لادن على الأراضي السودانية هي الفترة الذهبية للقاعدة التي مكنتها من التخطيط الجيد وخلق شبكات الاتصال مع افرادها في العالم قاطبة، ومن ثم تمكنت من تنفيذ كافة أعمالها الارهابية ومن ضمنها 11 سبتمبر.

وفي ذات الفترة التي صادفت اندلاع الحريق بمنطقة دارفور عام 2003م تشكلت لجنة من مثقفي ولايات دارفور الكبرى بكافة شرائحهم وألوانهم القبلية من أجل العمل على إرساء السلام ، حيث اجتمعوا يوم 23 مارس 2003م في قاعة الشهيد الزبير بالخرطوم والعدد تراوح ما بين 300 – 400 شخص من بينهم وزراء وقضاة واعلاميون وسياسيون، و من خلال النقاش المستفيض توصلوا الي نتيجة مفادها أن المشكلة في دارفور تنموية ، وقالوا نحن نحتاج الي حل آخر غير المؤتمرات التقليدية السابقة متفقين على أن للقضية روافد في الصراع على الكلا والماء والصراع القبلي، وهذه اشياء موجودة في المنطقة منذ زمن طويل موكدين أن البيئة التنموية اذا كانت جيدة لأصبحت هذه الروافد مشاكل فرعية يسهل حلها وديا، لكن صورة البيئة في دارفور كانت متدنية ومتأخرة جعلت القابلية للانفجار كبيرة اذا ما وجدت الاجواء المهيئة لذلك وللأسف كل عوامل الانفجار في دارفور موجودة والتي تتغذى دائما من اخطاء الحاكمين.

ومن الحضور الكبير للاجتماع الذي عقده أبناء دارفور يوم 23 مارس تم اختيار 80 شخصا يمثلون كافة الالوان القبلية في دارفور والمهن المختلفة، غادروا الخرطوم الي مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور بطائرة خاصة حيث اجتمع الوفد لمدة يومين (24-25 مارس 2003م) في الفاشر بحكومة الولاية وبحضور ولاة غرب وجنوب دارفور وحضر اللقاء وزير الداخلية اللواء عبدالرحيم محمد حسين ورئيس جهاز الامن، والمخابرات اللواء صلاح عبدالله، وتناول الاجتماع القضايا الاساسية بالنسبة للصراع في دارفور والسبل الناجعة لحل المشكلة، وخرج المؤتمر بتوصيات ، وسمي هذا الاجتماع ب ( ملتقى الفاشر التشاوري) ومن هذا اللقاء اتفق الجميع على أن السبب الرئيس لمشكلة دارفور هو التردي في التنمية حيث استخدمت عبارة (غياب التنمية) هذه الورقة أجازها وزير الداخلية وقدم كلمة أمام المؤتمرين أمد فيها على كل ما ذكر، وأجاز توصيات اللقاء التشاوري رئيس جهاز الأمن اللواء صلاح عبدالله ومؤمنا على كل ما ذكر ولم ينف أو يعارض ما وصل اليه اللقاء من أن مشكلة دارفور تكمن في غياب التنمية، وعبر اللقاء الفاشر التشاوري اتفق الحاضرون على الانطلاقة الفورية والعاجلة بغية حفظ الدماء السودانية التقتيل، ثم شكل المؤتمرون أربع لجان ( لجنة الاتصال بقبيلة المساليت – لجنة الاتصال بقبيلة الفور - ولجنة للاتصال بقبيلة الزغاوة – وأخرى للأتصال بالقبائل العربية ، ومن ثم معرفة آراء الجميع حول الحلول المقترحة وبالفعل وصلت لجنة الي الاخوة حاملي السلاح في دارفور وقالوا لمن جاءهم بالحرف الواحد " لسنا قوات قتالية ، لدينا قضية، ونحن مستعدون للحوار " وكان ذلك اللقاء في الاسبوع الأول من شهر أبريل 2003م ، وكانت الاتصالات مكثفة مع جميع الاطراف تسير على قدم وساق وبجدية تامة ما بين الخرطوم وجبل مرة في جنوب دارفور وألمانيا حيث تتواجد القيادة السياسية للمتمردين ، وفي هذا الجو والناس في انتظار سماع صوت العقل من أطراف النزاع وبالتحديد في يوم 13 أبريل 2003م حدث لقاء بين الرئيس عمر البشير والتشادي ادريس دبي وخرج لقاء الرئيسين بقسم غليظ بسحق التمرد في دارفور بمساعدة الحكومتين السودانية والتشادية، الامر الذي خيب آمال الخيرين والذين يسعون للملمة الجراحات ، ووقف نزف الدماء البريئة، وفي الفترة من 13 الي 17 أبريل اي بعد يومين أو ثلاثة من لقاء البشير وادريس دبي قامت الطائرات العسكرية السودانية بضرب مواقع بالقرب من مدينة الفاشر بالتحديد في منطقة (عين سيرو ) وتم تكثيق القصف الجوي بشكل لم تعهده المنطقة من قبل، وكانت أصوات الطائرات وهي ترمي باللهب تسمع من مناطق بعيدة أدخلت الرعب في النفوس بكافة مناطق شمال دافور، ولم تكن هناك أي معركة قتالية على الأرض ، فأحبطت كل الآمال التي كانت تعلق على الحركة الدؤوبة التي قام بها أبناء دارفور في العاصمة الخرطوم من أجل نزع فتيل الأزمة.

رد الفعل - تدمير 6 طائرات في مطار الفاشر

ولم يكن رد الفعل متوقعا على الاطلاق بالنسبة للنظام في السودان ،و لم يتأخر ففي يوم 16 و17 ابريل قصف الطيران العسكري السوداني مناطق شمال دارفور ، كان الرد من المتمردين قويا ، ومزلزلا ففي يوم الجمعة الموافق 18 أبريل 2003م هاجمت قوات التمرد مطار الفاشر وكشفت البيانات الرسمية الحكومية عن ضخامة العملية التي اسفرت عن تدمير ست طائرات بالمطار، ومقتل 32 من القوات الحكومية بينهم ضابطان، وبلغ عدد قتلى المتمردين 20 شخصا،ثم دخلت قوات المتمردين الطابية واستلموا كل السلاح الموجود في القيادة العسكرية ، وقاموا بأسر اللواء بشرى قائد سلاح الجو السوداني ، ثم أداروا حلقة نقاش في الفاشر ، حول الحركة واهدافها وتحدثوا عن الظلم الكبير على أهل المنطقة من قبل النظام في الخرطوم. ويبدو ان المتمردين لم يكونوا يستهدفون قتل الناس الابرياء، فقاموا بطرد قائد الدفاع الشعبي من مكتبه وطلبوا منه المغادرة الي بيته، ولم يكن هذا التعامل مع قائد الدفاع الشعبي وحده بل كان مع عدد كبير من العسكريين والحكوميين ان طلبوا منهم الذهاب الي منازلهم حتي لا يصابوا بأذى، فقط كان همهم الاول البحث عن السلاح، ورغم ان الحكومة على لسان الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة أعلنت الهجوم لكنها لم تقل الحقيقة كالعادة في البيانات الرسمية ، الا ان شهود عيان اكدوا أن الخسائر في صفوف القوات الحكومية فادحة وضخمة تتجاوز الارقام الرسمية.

وتعليقا على الهجوم العسكري الكبير الذي قامت به حركة التمرد في دارفور قال وزير الداخلية اللواء عبدالرحيم محمد حسين من جانبه ان مواطني المدينة استيقظوا على اصوات انفجارات عالية في مواقع تابعة للقوات المسلحة قرب مطار الفاشر الذي قال ان القوات الخارجة أحدثت به تخريبًا واسعًا وأكد إحتواء الموقف وإستئناف الملاحة بالمطار، وقال أن القوات المهاجمة إنسحبت خارج المدينة وأضاف ان الحكومة لا تنفي( وجود دور لجهات سياسية) في احداث الفاشر خاصة وان العمل تم تبنيه بواسطة جهات معلومة وامتنع وزير الداخلية عن اسناد الهجوم الى قبيلة أو جهة بعينها، ومن المعلومات التي لا يمكن ان تعلن عنها الحكومة هي أن قواتها التي كانت مرابطة في مطار الفاشر قد هربت وتركت خلفها الآليات المسلحة الثقيلة .

بعض من خلفيات الصراع في دارفور

ومن الحقائق غير المعروفة لدى عامة الناس ان المجموعة التي تسيطر على مقاليد الحكم في السودان بقيادة النائب الاول والدكتور عوض الجاز لا يرضون أبدا مهما كانت الظروف رؤية تطور اقتصادي لمجموعة قبلية او حزبية أو أشخاص ما لم يكونوا موالين لهم في القبيلة والطموح والأفكار الاقصائية، ولا أستدل الا بقصة الاستاذ رجل الأعمال محمد عبدالله جار النبي وهذه قصة طويلة يطول شرحها ولكن المهم فيها أنهم عندما أدركوا ان (جار النبي) وشركته ستكون هي المستفيدة من تصفية البترول السوداني بما يعود عليها بالاموال الهائلة والضخمة وهو اي (جار النبي) الذي فتح للسودان خيرًا كثيرًا من خلال شرائه لحق امتياز شركة شيفرون، وهو الذي إشترى مصفاة البترول من الخارج وخسر فيها مئات الملائين من الدولارات حتي تصل الي أرض الوطن، من أجل ان ستستخدم لتصفية الخام السوداني فما كان منهم الا ان ابعدوا الاخ محمد جار النبي من الساحة ورموه بالكثير من الاتهامات على طريقة تصفية الحسابات من خلال حرب الملفات الخاصة بضرب الخصوم ، ولم يكن جار النبي خصما لهم ، إلا انه من دارفور ، وقد كان الاخ جار النبي يكن لهم كل التقدير والاحترام، كما صدم غاية الصدمة من هذه الفعلة، بل صدم كل من كان يعرف العلاقة بين الطرفين، وكل ذلك بسبب ان (جار النبي) ليس منتميا فكرًا ولا قبيلة لهذه المجموعة.

والاستاذ محمد عبدالله جار النبي يوما ما عندما كانت الحركة الاسلامية مطاردة ايام الرئيس الاسبق جعفر النميري وصودرت أموالها واملاكها، وهو في يوغندا يعمل في مجال التجارة يرسل الأموال حتي تصرف الحركة الاسلامية في الداخل على نشاطها، كما كانت أموال (جار النبي) تصرف على أسر المعتقلين من اعضاء الحركة الاسلامية وظل على هذا الحال السنوات الطوال، حتي عادت الحركة الي وضعيتها هذا طرفا من حقائق أدت بشكل أو آخر الي تنامي قضية دارفور .

يعرف السودانيين وخاصة سكان العاصمة الخرطوم ان أهل دارفور ينشطون في التجارة والاستثمار، ولهم الكثير من الشركات والمؤسسات الناجحة المؤثرة في الاقتصاد السوداني ، وهذا من أكثر الاسباب الخفية التي جعلت المجموعة الحاكمة في السودان تشعر بالقلق من تنامي ظاهرة التوسع الاقتصادي لهذه المجموعات، ولو ان من الطبيعي على الحاكم (الطبيعي) ان يسعد ويفرح عندما يرى ان جزء من الشعب أخذ في الرقي والتقدم الاقتصادي فإن ذلك يساهم بشكل فعال في نهضة البلاد، ولكن (الحاكم) يفكر بالعقلية الامنية والعسكرية، ثم ان الاحصاءات الضخمة التي اوردها (الكتاب الاسود) في الجزئين الاول والثاني تؤكد العنصرية التي يتحلى بها النظام الحاكم ، وما وجد ت المجموعة الحاكمة فرصة الا اختلقت اسباب آخرى لمشكلة دارفور.

ذات السيناريو الخبيث مثلته المجموعة الحاكمة مع رجل الاعمال الفقيد أدم يعقوب بصفته أحد أكبر رجالات المال في السودان وينتمي الي ولاية دار فور، حينما اتهمته بالفساد، حتي تبعده عن النشاط الاقتصادي وقد كان يملك مجموعة كبيرة من الشركات الناجحة في السوق التجاري السوداني ، وهو الذي دعم القوات المسلحة السودانية في أحلك ظروفها ، كما هو من القلائل الذين كانوا يقدمون التبرعات السخية لحكومة (الانقاذ) دون أن يتحدث بها أو يعلن عنها ، كما كانت اياديه سخية لدعم أهله في دارفور ، وما وجد فرصة الا وقدم ما في استطاعته تقديمه، مؤلف هذا الكتيب شخصيا عندما كان يعمل في أحد المؤسسات المرتبطة بالقوات المسلحة قد استلم منه مرارًا تبرعات مالية موجهة الي فقراء العسكريين قبل حلول شهر رمضان المعظم، كما تعود على توفير عدد محدد كل عام من خراف الاضحية والتبرع به للقوات المسلحة ، حتي توزعه على منتسبيها الفقراء الذين لا يستطيعون شراء الاضحية، وأذكر ان الفقيد آدم يعقوب عند كارثة السيول والامطار التي اجتاحت مدينة الفاشر في العام 1996م كان ضمن الوفد الكبير الذي تفقد المتأثرين بالكارثة ، وحمل معه مبالغ كبيرة قام بتوزيعها هناك بشكل سري لم تعلم به السلطات الرسمية، كان سخيا في لحظات الحاجة، لم يتأخر قط عن تقديم المساعدة، نجحت المجموعة الحاكمة في ابعاده نهائيا من العمل في التجارة التي كون منها ثروة كبيرة، تماما كما أبعدت السيد محمد عبدالله جار النبي ، الذي يعمل الآن في استخراج البترول التشادي من خلال شركته الكبيرة.

وأهم عنصر أساسي في مشكلة دارفور وتمثل أمهات القضايا والتي كانت أحدي النقاط الرئيسية في مذكرة أهل دارفور الموجهة الي رئيس الجمهورية، الا وهي قضية(طريق الانقاذ الغربي) والتي يعرف العالمون ببواطن هذه القضية الدور الكبير للنائب الاول لرئيس الجمهورية فيها، وأذكر انني كنت في معية د. على الحاج نائب الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي في زيارة لمدينة كسلا التي اقام فيها الدكتور على الحاج ندوة جماهيرية كبرى (عام 2000م) وتحدث فيها عن الخلاف بين حزبه والحكومة، وفي ختام الندوة فتح باب النقاش للأسئلة والمداخلات وأذكر انها كانت ليلة ليلاء اتسع فيها صدر على الحاج كثيرًا لسماع الاسئلة التي تخصه شخصيا بما فيها قضية القصر العشوائي، ثم جاء سؤال من أحد المواطنين عن دور على الحاج في قضية طريق الانقاذ الغربي متهما على الحاج بالفساد، فرد عليه الدكتور على الحاج بالنص ( قضية طريق الانقاذ دي خلوها مستورة)..!! وبذاكرة متقدة اذكر أنه كان هناك شابا صغيرا في السن يعمل مراسلا لصحيفة (اخبار اليوم) وعلى التو أرسل الخبر وفيه هذه الفقرة بالذات في العنوان (خلوها مستورة) وفي اليوم الثاني خرجت الصحف تتحدث عن خلوها مستورة وتسائل الزميل الاستاذ محجوب عروة في مقاله اليومي (وقولوا للناس حسنا) لماذا نخليها مستورة ومناشدا رئيس الجمهورية الكشف عن (المستور) وقد كثر الحديث عن فساد الحكومة في مشروع طريق الانقاذ الغربي، فقمت بسؤال الاخ على الحاج عن المستور، وللأمانة والتاريخ لم يجبني لأنني رغم علاقتي الحميمة معه و السفر الطويل الذي كنا فيه بأكثر من ثمان ولايات انني في النهاية صحفي، ولكن عرفت فيها بعد الحقيقة التي منعت رئيس الجمهورية ونائبه من فك (طلاسم) المستور ، ومنعتهم الي هذه اللحظة من فتح القضية أمام القضاء برغم وعود عمر البشير الكاذبة والتي مرت عليها أكثر من أربع سنوات .

ولا ادري ان كانت هي الحقيقة أم هناك جهة أخرى استولت على مال المشروع ، وتقول القصة ان ادارة الطريق كانت في حسابها أكثر من مليار جنيه سوداني فجاء الرئيس عمر البشير واستلف منها مبلغًا كبيرًا يساوي حوالي نصف المبلغ على ان يتم ارجاعه ولم يرجعه، وبعد أيام قليلة جاء على عثمان محمد طه النائب الاول واستلف منها مبلغًا كبيرًا حوالي نصف المبلغ الخاص بطريق الانقاذ الغربي ، ووعد بارجاعه ولم يرجعه، وبعد فترة قليلة احتاجت الجهة المنفذة للمشروع للمال الذي بحوزة الرئيس ونائبه ، وانتظرت ارجاع المبلغ فترة طويلة ولا زالت تنتظر الي هذه اللحظة كما سكتت الصحافة السودانية عن المناداة بفتح ملف التحقيق قضائيا ، وسكتت ايضا الشخصيات الدارفورية المقربة من الحكومة في أن تتحدث عن مشروع طريق الانقاذ الغربي، هذا المبلغ الكبير الذي كان يعول عليه في انجاز الكثير من المسافات في الطريق، ولكن الرئيس ونائبه صمتوا صمت القبور، ولا يستحي النظام السوداني أن يتهم جهات خارجية بصناعة أزمة دارفور..!!

اخي القارئ الكريم ..

هناك الكثير من الخلفيات التي تحكي عن مآسي انسانية ، عايشتها بنفسي ومهما أحاول التعبير عن مرارتها ومرارة الذين حدثت لهم لم استطع الي ذلك سبيلا، و هذه الملابسات لم يعرف عنها الشعب السوداني شيئا على الاطلاق ، بل ظل الاعلام الكاذب في الخرطوم يغذي المشاهدين بمعلومات كاذبة بعيدة كل البعد عن الواقع، ويتهم جهات دولية واستعمارية تريد النيل من مكاسب (الانقاذ) والاعلام الداخلي لم يتطرق الي اعمال ملتقى الفاشر التشاوري وما قيل فيه وما خرج به من توصيات أكد وزراء الحكومة على حقيقتها و على عدالتها ، علما أن الجهاز الامني في السودان هو الذي يتحكم في المعلومات الاعلامية، يمنع منها ما يمنع وينشر منها ما يستفيد منه في عيش المواطنين على الوهم.

لماذا الجنجويد

يتساءل الكثير من الناس عن مغزى استخدام النظام السوداني لقوات الجنجويد في حرب دارفور ، والعالمون ببواطن الامور يدركون الاجابة الموضوعية والمنطقية لهذه التساؤلات ، وشخصي الضعيف قد تعاونت ثم عملت بهيئة دعم القوات المسلحة بولاية الخرطوم مديرًا للاعلام والعلاقات العامة وهي الجهة التي تقوم بادخال الافراد للقوات النظامية ( جهاز الامن – القوات المسلحة – الاستخبارات العسكرية – الكلية الحربية – كلية الشرطة والمعاهد ) على مستوى الجنود والضباط حيث كان ولا زال التعيين للقوات النظامية يتم عبر قنوات تنظيمية خاصة ، وليس حرًا ، وأصبح التجنيد في عهد (الانقاذ) وحتي اليوم مضبوط بمفاهيم غريبة على أهل السودان منها ما هو تنظيمي وتلعب فيها الموازنات السياسية والقبلية والعرقية الدور الكبير ، وأذكر في آخر ايامي بالهيئة 1999م تأكد للقائمين على أمر القوات المسلحة أن الشباب السوداني قد أحجم عن الدخول في المجال العسكري ، وحتي أبناء الجنوب و أبناء جبال النوبة ما عادت لديهم الرغبة في الانخراط في الجيش السوداني كالسابق، حيث كانوا هم الارتكازة الحقيقية وعماد القوات المسلحة السودانية، إذ كانت تعتمد عليهم الانظمة في سد الحاجة العسكرية، استغلالا لأوضاعهم البائسة التي خلقتها سلبية السياسات الحاكمة منذ استقلال بلادنا الي هذه اللحظة.

ولذا لم يكن غريبًا للعامة حقيقة أن مدن السودان المختلفة بما فيها الخرطوم يحرسها مجندو الخدمة الالزامية والشرطة الشعبية الذين لا تتجاوز اعمارهم في أغلب الاحيان ال 22 عاما ، وفي السنوات الاخيرة أصبح واضحا للعيان ان القوات المسلحة السودانية كانت تقاتل بمجاهدي الدفاع الشعبي وطلاب المرحلة الثانوية الذين يساقون قسرًا من معسكرات التدريب وقبل اكتمال تدريباتهم العسكرية اللازمة، وحملهم في طائرات والرمي بهم في مناطق الحرب المستعرة بجنوب السودان، وفي اكثر من سابقة لقى هولاء الطلاب مصرعهم جميعا في لحظاتهم الاولى من المعركة و بأعداد كبيرة.

وظلت القوات المسلحة السودانية لأكثر من 6 سنوات تشتكي لطوب الأرض من قلة الداخلين لمعسكرات التدريب التابعة للقوات المسلحة برغم الاغراءات الكبيرة التي كانت تقدم لمن يسجل نفسه للعمل في الوحدات العسكرية المنتشرة في ربوع السودان ، وعندما اندلعت الحرب في الغرب السوداني حدثت مفارقة عجيبة لم يعلم بها السودانيون ، عندما طلبت القيادة العسكرية من قادة الدفاع الشعبي تجهيز مجاهدين للقتال في دارفور بعد ان عبر جنود القوات المسلحة بأكثر من رسالة انهم لا يمكن أن يحاربوا أهلهم في دارفور ، فقامت قيادات الدفاع الشعبي بتحذير الحكومة من مغبة الاصرار على الدفع بالمجاهدين الي ساحة دارفور ، معددين الخطورة التي تلحق بالمجتمع السوداني عامة من هذة الخطوة سيما وأن الاعداد الكبيرة من مجاهدي الدفاع الشعبي من دافور ومن المناطق القريبة منها، وقد اشتهرت ولايات دارفور بمشاركة فاعلة في قتال الحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب، بل أن أشهر القيادات العسكرية التي كانت تقود المجاهدين ضد الحركة الشعبية التي يقودها الدكتور جون قرنق كان من دارفور وهو اللواء الجنيد حسن الاحمر والذي أبعد من السودان مؤخرًا وتم تعيينه ملحقًا عسكريًا بإحدى سفارات السودان في الخارج ، ولم يكن ذلك هينًا على القادة العسكريين وهم يواجهون عدوًا شرسًا ومتمرسًا في القتال بكل الطرق القتالية والدفاعية والهجومية المختلفة، فلم يكن هناك من مفر غير استخدام جهة أخرى لقتال متمردي دارفور سويا مع قوات جهاز الأمن، وليس من خيار غير جلب مرتزقة ، وكانت قريبة منهم قوات الجنجويد ولكنها غير مسلحة وغير مهيئة عسكريا، وهم الذين ليس لهم أدني احساس بالانسانية بشر مجردين من الدين ومن الرحمة ومن الخلق ، وهذا ما يريده النظام الحاكم في السودان حتي يشفي غليله من الذين ركعوا حكومة (الانقاذ) واشعروها بالهوان وبالخزي والعار.

ومن جانبها وافقت قيادات الجنجويد على المطلب ،فقد صادف هوى في نفسها حتي تصفي حساباتها الخاصة من عدد من القبائل ، ولم تتأخر الحكومة السودانية في تلبية المطلوب مع المرتزقة الجنجويد حيث أعدت السيناريو ودفعت الاموال الطائلة والامتيازات والعتاد والتسهيلات اللوجستيكية من قبل الاجهزة الامنية التي يشرف عليها النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه .

وهنا لا بد من التأكيد على ان النظام السوداني اذا لم يتمكن من حل مشكلته بواسطة الجنجويد ما كان سيتردد لحظة في جلب مرتزقة من اي مكان في العالم ، وله استراتيجية في ذلك بل سوابق حية ، وملفات لا زالت مفتوحة في أماكن متعددة ومتفرقة، عندما جلب مرتزقة لإغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا 1994م ، وكانوا ضيوفا على النائب الاول في منزله الخاص..!!

وتعاون النظام السوداني من قبل مع جيش الرب المسيحي الاوغندي من اجل قتال الحكومة اليوغندية وكان زعيم جيش الرب يمكث في أحد أحياء الخرطوم في أحد البيوت الآمنة التابعة لجهاز الأمن، ثم تعاونت اجهزة النظام مع جبهة تحرير الارومو الاثيوبية لقتال النظام الاثيوبي، وكانت الجبهة تعقد اجتماعاتها بحراسة الامن السوداني داخل الاراضي السودانية، كما تعاونت الحكومة السودانية مع الجبهة الشعبية لتحرير أريتريا الفصيل المعارض للحكومة الاريترية ، وكانت تجد الجبهة المعارضة كل الدعم المالي والعسكري واللوجستيكي، كما تعاونت أجهزة النظام مع مجموعات فلسطينية لتنفيذ عمليات ارهابية تحقق أهداف المشروع الاستعماري الجديد في المنطقة الأفريقية ، كل ذلك برعاية و قيادة النائب الأول لرئيس الجمهورية السودانية.

ومن هنا كانت حقيقة الجنجويد واقع ماثل في ساحة دارفور وما تم من حرق للمنازل واغتصاب للنساء وقتل للرجال، وإبادة لسكان دارفور كانت بفعل مرتزقة الجنجويد ، وأي متابع ومراقب لأساليب النظام السوداني بكل وضوح يمكنه رؤية الصورة الحقيقية لما تم في ولايات دارفور، وان لم يطلع على المعلومات لأن الاسلوب المتبع في الجريمة هو ذات الاسلوب الذي عرف به النظام في السودان، حتي في معالجته للقضايا الداخلية (داخل التنظيم الحاكم) من اقصاءات ومن ارهاب وتعسف.

وفي التقرير الذي صدر عن منظمة العفو الدولية Amnesty International بتاريخ 19 يوليو 2004 كشف عن شهادات أدلى بها اللاجئون و اللاجئات في تشاد لأعضاء و عضوات منظمة العفو الدولية ، وقد رفعوا هذا التقرير لمنظمة الأمم المتحدة وحكومات الدول و منظمة الاتحاد الأفريقي و عديد من المنظمات الأخرى وقد ركز التقرير على اغتصاب النساء و الإساءة إليهن وآذيتهن من قبل الجنجويد وقوات الحكومة من القوات المسلحة و الدفاع الشعبي وطلبت المنظمة من هيئة الأمم المتحدة إيفاد لجان تحقيق للنظر في هذه المعلومات ومن بعد تقديم المتهمين للعدالة لينالوا جزاءهم ولتعويض الضحايا عن ممتلكاتهم ومعاناتهم .

وذكرت المنظمة أن الاغتصاب أستعمل من جانب الجنجويد وقوات الحكومة كسلاح من أسلحة الحرب غايته تحقير وأهانة والحاق العار بالمستهدفين فالنساء ينبذهن أزواجهن و ينظرون إليهن كعار لاهلهن ، والرجال ينكسرون لانهم يعيرونهم بأنهم ليسوا رجالا يدافعون عن نسائهم ، وتتغنى الحكامات من الجنجويد بذلك .. ومن تعقيدات الاغتصاب هو حمل بعض النساء ووضعهن أطفالا غير مرغوب فيهم بحسبانهم أولاد العدو والعار ، وهناك أخطار أخرى جسيمة من انتقال الأمراض الجنسية وأخطرها الإيدز ، فعواقب الاغتصاب جسمية ونفسية واجتماعية . والقانون الدولي يجرم الاغتصاب وكذلك قانون العقوبات السوداني ووضع لها عقوبة رادعة ربما تصل إلى الإعدام . و أنقل بعض شهادات الضحايا ، ويمكن الاطلاع عليها في تقرير المنظمة في الإنترنت لمن يقرأون الإنجليزية، وقالت المنظمة إنها رمزت بالأحرف الأولى لأسماء الضحايا واحتفظت بالأسماء الكاملة

لديها نسبة للحفاظ على سلامة الضحايا من انتقام السلطات ومرتزقة الجنجويد .

قالت ( م) وهى امرأة في الخمسين من العمر من بلدة فوربرنقا : "لقد هوجمت القرية خلال الليل في أكتوبر 2003 ، وجاء العرب بالسيارات والخيول وقالوا يجب قتل أي إمرأة سوداء حتي الاطفال.


وفي مقابلة للاجئ من كنيو مع امنستى انترناشونال أجرتها معه في تشاد في مايو 2004 قال أن مقاتل من الجنجويد قال لهم " قال لنا عمر البشير يجب قتل جميع النوبة، لا مكان هنا للزنوج مرة أخرى".


"عبيد ! نوبة ! هل عندكم اله ؟ تفطرون رمضان ؟ حتى نحن أصحاب البشرة الفاتحة لا نراعى الصيام ؟ انتم السود القبيحين تدعون ذلك .. نحن ربكم ! ربكم هو عمر البشير ! . أنتم السود قد أفسدتم البلد . نحن هنا لنحرقكم ، سنقتل أزواجكن وأبناءكن وسنضاجعكن ! وستكونون زوجات لنا "هذه كلمات مجموعة من الجنجويد كما نقلتها مجموعة من نساء المساليت في معسكر (Goz Amer) لللاجئين في مقابلة مع منظمة العفو الدولية في مايو 2004 . لقد أخرج نظام الجبهة شيطان الجنجويد من القمقم فهل يستطيعون إدخاله في قمقمه مرة أخرى ؟

ومما أطلعت عليه كتابات كثير من الكتاب الصحفيين المصريين و كذلك دعوة مرشد الإخوان المسلمين المصريين لمؤتمر إسلامي لبحث مشكلة دارفور ، (مع الأسف شديد) لم تخرج آراءهم عن نظرية المؤامرة الخارجية علي النظام في السودان من أمريكا و اليهود و الصليبيين و يقصدون بهم المسيحيين ، و أنها مقدمات لما حدث في أفغانستان و العراق و انهم يتسابقون للاستحواذ علي بترول السودان ، و مشكلة الكتاب الصحفيين المصريين ، وهم اقرب إلينا من غيرهم ، انهم يجهلون السودان و يعبرون في كتاباتهم عن هذا الجهل، حتى انهم يخطئون في كتابة أسمائنا و أسماء القبائل و المدن ، ومن ذهب منهم مؤخرًا إلى دارفور تبني وجهة نظر الحكومة من أفواه المسؤولين و لم يذهبوا إلى معسكرات المنكوبين في تشاد و لم يشاهدوا القرى المحروقة و لم يتكلموا عن المجازر التي راح ضحيتها الآلاف المؤلفة من المدنيين و اغتصاب النساء ، و السلب و النهب و انتهاك حقوق الإنسان و الجرائم ضد الإنسانية، والانسان السياسي والمتابع يدرك بعين البصيرة الاجندة المصرية الخاصة وهي معروفة لكل صاحب فكر الشيء الذي وما حدث في دارفور وثقته تقارير لجان هيئة الأمم المتحدة و منظمات الإغاثة و المنظمات الإنسانية الدولية و منظمات حقوق الإنسان بالذهاب و العمل في دارفور ولا يزالون يعملون هناك في دارفور و تشاد . لم نسمع منهم تنديدا أو استنكارا أو شجبا -كعادتهم – لما يحدث من بشاعات و فظائع في حق إخوانهم من المسلمين السودانيين و إن كانوا لا يعلمون فسكان دارفور كلهم مسلمين من عدة قرون و كثير منهم حملة و حفظة قرآن.

الموامرة العنصرية .. الانقلاب العسكري .. المحاولة التخريبية

كشف مجتمع السياسة في داخل الخرطوم عن الخطة التي اعدها و عكف جهاز الأمن على إعدادها قبل شهرين منالاعلان عنها على إثر النكبات السياسية والعسكرية المتصلة التى منيت بها الحكومة والضغوط الدولية والإقليمية التى أفرزت موقفا تفاوضيا حكوميا غاية في الضعف والتردد ، عندما اعلنت عن كشف خطة تستهدف قلب النظام في السودان ،والهدف المقصود كان معلومًا لدى الجميع والمتمثل في تصفية الجيش السوداني وجهاز الأمن من أبناء دارفور وكردفان،فأعلنت القيادة العامة عن اسماء ضباط غالبيتهم من سلاح الطيران السوداني والمفارقة انهم من دارفور وقد أشارت البيانات على انهم رفضوا قصف مناطق أهلم وذويهم بالطائرات التي يقودونها ، وأثر ذلك دبرت لهم الاجهزة الامنية خطة للقبض عليهم واعتقالهم على الأقل أبعادهم عن وتحييدهم عن المعركة ، ومن ثم جاءت المعالجات المضحكة التي صاحبتها التصريحات المتناقضة مابين الموامرة العنصرية .. الانقلاب العسكري .. المحاولة التخريبية، ولن كان واضحا للمتابعين أن رفض ابناء دارفور بسلاح الطيران قصف أهلم سيعرضهم للسجن، وبعد تصريحات نارية ومؤتمر صحفي كبير للناطق الرسمي باسم القوات المسلحة الذي شرح فيه (المؤامرة العسكرية) التي استهدفت النظام، مؤكدًا أن (المجرمين) سيحاكموا أمام القضاء، ثم جاءت تصريحات الرئيس البشير بأن محاكمات عادلة يقف أمامها الضباط المعتقلون، وتوالت التصريحات عن المحاكمات العادلة ، وعن العدالة الناجزة التي ستأخذ طريقها ، وكانت الفضيحة كبيرة عندما أعلن وزير العدل السوداني " ان أدلة دامغة أكدت الفعل ، وان تحقيقات جارية لمحاكمة الضباط" وما هي الا أيام قليلة ويطلق سراح المعتقلين، بدون أي محاكمة ولم يكن هناك أي أدلة دامغة وكانت أكاذيب التي تعود علي سماعها الشعب السوداني المغلوب على أمره.

براءة أمريكا وفرنسا من أحداث دارفور..!!

الازمة السودانية التي عرفت عالميا بأزمة دارفور يحاول الكثير من الكتاب العرب والمسلمين البعيدين كل البعد عن الواقع السوداني اضافة الي كتّاب الحكومة السودانية ينشطون كثيرًا في ربط ما يجري في دارفور بصراع القوى العظمى على موارد السودان، حتي يبعدوا إرتكاب الجريمة عن النظام الحاكم ، ويكرر هؤلاء انه "من الصعب للغاية فصل الاضطراب الحاصل في دارفور عن دائرة الصراعات الدولية على النفوذ في إفريقيا وهو صراع فرنسي (أوروبي) – أمريكي تحديدًا. وغالب الظن أن فرنسا التي وجدت أمريكا تقترب من الاستئثار بالنفوذ في السودان بعد أن أشرفت على اتفاق السلام، وفرضت الكثير من شروطه على الحكومة السودانية شجعت تحرك مجموعات معارضة في دارفور من اجل اغتنام الفرصة للحصول على وضعية مماثلة لوضعية حركة تحرير السودان بقيادة غارانغ"،... وبالطبع يبدو غريبًا هذا التحليل ولكنه ليس كذلك وهو غير مستغرب من الكتاب الذين يستلمون معاشاتهم من الحكومة، ويعتمد على مصادر الامن في التزويد بالاخبار والمعلومات،، كما هو غير مستغرب من الكتاب العرب الا من رحم الله، يتقنون البعد عن صلب القضايا وامهاتها، ويتمسكون عمدًا بالقشور لنقص في تركيبتهم، ولمرض عضال في فكرهم الخرب الذي يعكسه الواقع العربي والمسلم في الوقت الراهن.

والناظر للواقع السوداني بعين البصيرة والتجرد يجد أن الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الاوربي والمجتمع الدولي كلهم بريئيين من التدخل في الشأن السوداني، كما يدرك صاحب البصيرة أن الحكومة السودانية هي التي تتحمل كل ما حدث في السودان من كوارث ومن مآسي، وفي نظرة الي قضية دارفور يتضح ان الدول المذكورة آنفا كانت بعيدة كل البعد عن حقيقة الصراع، بل ان مشكلة دارفور تأزمت آخيرا منذ العام 1997م، وكانت بداياتها كما ذكرنا في 1995م الناجمة من قرارات والي غرب دارفور محمداحمد الفضل التي أشعلت الفتنة الحقيقية في المنطقة، وبعدها تم رفع عدد كبير من المذكرات، والمناشدات والمطالبات ولم يكن للولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وألمانيا أي دور في هذه الاحداث كما لم تمنع هذه الدول الحكومة السودانية من الاهتمام بقضية اجتماعية والوقوف عليها ومن ثم إيجاد الحلول لها، والواقع الذي الحكومة السودانية ولمدة سبع سنوات تجاهلت تماما معالجة الجرح وهو ينزف، وتركته حتي مات المريض متأثرا بجراحه، والآن تحاول رمي المسئولية على آخرين لم يكونوا موجودين ساعة الحادث..!!

ويمتعض المرء أيما إمتعاض عندما يتحدث وزير خارجية السودان ويكرر أمام عدسات التلفزة العالمية بأن قضية دارفور صنعتها قوى خارجية تريد النيل من (الاسلام) في السودان، وأحيانا يتهم الادارة الاميركية بأنها تريد تحقيق مكاسب انتخابية على حساب الشعب السوداني، قمة في الاستخفاف بعقل البشر الذين لا يشاهدون الفضائية السودانية، والغريب في أمر المسئولين السودانيين انهم لا يحترمون عقول أهل السودان ، فعندما يتهمون أمريكا بصناعة مشكلة دارفور والاستفادة منها في المعركة الانتخابية في نوفمبر القادم، فذاكرة الناس لا تنسى أن هناك علاقات وطيدة للغاية مع واشنطن ، بعد أن حفيت أرجل وزير الخارجية السوداني الذي لم يترك وزير خارجية أ و رئيس من ان يتوسط لتحسين العلاقات الامريكية مع نظامه ، الذي سعى حثيثًا ليس لتوطيد علاقته مع أمريكا فحسب بل مع دولة الكيان الصهيوني ، وقد بينت بعض المؤسسات الاسرائيلية اللقاءات السرية التي تمت مع أعضاء من الحكومة السودانية، وتمت هذه اللقاءات في أكثر من مكان ومن بينها اثيوبيا الحليف الاستراتيجي للنظام السوداني، واذا جاء الحديث عن فرنسا فهي من أكثر دول الاتحاد الاوربي تعاونا مع السودان، ولها الكثير من المشاريع الثقافية في بلادنا ، وتلعب الدور الكبير في تعليمنا الاهتمام بالآثار وحفظها ، والبحث عن مكنوناتها العظيمة، وللدولة الفرنسية، العديد من أوجه المساهمات والدعومات التي تقدمها للحكومة السودانية من جانب وللشعب السوداني من جانب آخر، وكذلك الحال بالنسبة لدولة ألمانيا الشقيقة فهي أيضا مثل فرنسا لها أفضال كثيرة على بلادنا، وفي كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وظلت على الدوام الدولة الألمانية تقف مع قضايا الشعب السوداني بكل صدق وتقدير للمسئولية، وقد اشتهر كذلك دول الاتحاد الاوربي بشكل عام تحترم خيارات الشعوب، ولم يحدث عن تدخلت في الشؤون الداخلية لأي دولة كانت ، بل العكس تماما هي أكثر الكيانات البشرية في العالم سرعة في نجدة الناس في اي مكان كانوا، تقدم المساعدات دون ان تنتظر كلمة الشكر، ومن الطبيعي ان يتهم النظام السوداني الدول التي تساعده في محنته ، لأنه فاقد للإحساس بالانسانية، ولا يعرف كيف يقدر مساعدات الاصدقاء والأشقاء.

وعندما يتحدث النظام السوداني عن مؤامرة دولية تستهدف السودان ، فإن المتابعين للاحداث في دارفور يدركون ان الدول التي يقصدها المسئولين السودانيين ، لم تظهر اهتمامها بدار فور الا بعد الانتهاكات الانسانية الفظيعة التي حدثت في دارفور والتي إنتشرت صورها المحزنة في اروقة الامم المتحدة في جنيف ونيويورك، ولكن المعروف لدى الكثيرين أن الحكومة هي التي دولت القضية كما هي التي أدخلت مصر في الصراع السوداني ، وقد شوهدت القيادات الأمنية الاستخبارية المصرية تصول وتجول في مطارات دارفور ، كما هي الحكومة السودانية التي تحاول بتكرارها لمسألة (المؤامرة الدولية الصليبية على السودان) ان تستعطف المتشددين والارهابيين للدخول في السودان لمحاربة أمريكا ، وهي بذلك تحاول خلق صورة طبق الأصل للأحداث في العراق .

ما عاد الناس ينظرون للتدخلات الانسانية للدول الغربية في شئون الدول الفقيرة كما السابق، فالغربيين علمونا من التجربة انهم أكثر انسانية منا نحن المسلمين، ويكفي ان أزمة دارفور قد كشفت مدى الحس الذي يتحلى به الغربيون فأول المنظمات الانسانية التي وصلت السودان كانت غربية واوربية، ومؤسسات الغرب الاممية هي التي تحركت لوقف المذابح في دارفور ولولا مؤتمر حقوق الانسان الاخير الذي عقد في جنيف، لكانت قوات الجنجويد قد ألحقت الأذي بكل ولايات دارفور، ولكن التدخل العالمي لحد ما أوقف الانتهاكات الكبيرة والتي كانت تمارس بإشراف الحكومة السودانية واجهزتها الأمنية.

ويوم 1 أغسطس يصادف الذكرى العاشرة لمذابح بوروندي ورواندا في أفريقيا على مقربة من جنوب السودان، وهي المذابح التي راح ضحيتها 800 ألف نسمة بالتطهير العرقي في حروب امتدت بين الهوتو و بين قبائل الهوتو والتوتسي، ويعنى في الغرب وأوربا كتّاب و رؤساء مثل بيل كلينتون، لا يُخفي الشعور بعقدة الذنب، لأنه كان على رأس الولايات المتحدة ، ولم يتدخل لوقف التقتيل، كما أن البرلمان الفرنسي اقترب من أن يوجه لنفسه صوت إدانة، ولصناع القرار لأنهم تفرجوا على هذه المأساة، حتي حصدت الارواح ال 800ألف نسمة ،و الذكرى العاشرة لمذبحة رواندا خلقت مظلة أو مناخاً نفسياً، جعل الضمير العالمي يهتم بالقضايا الإنسانية مثل قضية دارفور، وقبل ايام عقدت قمة في مدينة ( أكرا) للتعاطي مع الحرب الأهلية في ساحل العاج للبحث في إيجاد حل لهذه القضية بذات القدر من الاهتمام بقضية السودان،

سيرة ذاتية للكاتب

- الاسم: خالد عبد الله حسين محمد أحمد
- اللقب الصحفي: خالد أبوا حمد
- المهنة إعلامي شامل
- الميلاد: 23/12/1963م.
- مكان الميلاد: ولاية نهر النيل مدينة عطبرة.
- الخبرة العملية: 20 عام، متخصص في العمل الإخباري  ومثلت السودان في أكثر 15 مؤتمر إقليمي وعربي وأفريقي.
- تدربت بكل من مصر – إيران – الأردن - البحرين
- تنقلت من محرر صحفي إلى رئيس قسم الأخبار، ثم رئيس القسم الدولي في أكثر من صحيفة.
- عملت بالصحف السودانية الآتية:-
الراية - الأنباء – ألوان – السودان الحديث – المخبر – دار فور الجديدة.
في مملكة البحرين عملت في صحف:- الوسط – العهد، ومراسل لعدد من الصحف السودانية.
عملت في السودان بكل من:- منظمة الإيثار الخيرية الخرطوم -   مؤسسة الفداء للإنتاج
الإعلامي _ معد لبرنامج في ساحات الفداء – هيئة دعم القوات المسلحة ولاية الخرطوم- مدير
الإعلام الزراعي بالولاية الشمالية (دنقلا ) مدير إعلام وزارة المالية ولاية أعالي
النيل، ومن المؤسسين لمركز دراسات الشرق الأوسط  وأفريقيا.
-   أكتب في العديد من المواقع الكترونية.
-   مؤسس مركز دراسات التطرف الديني (تحت التأسيس).
-   متزوج و أب لأربعة أطفال.
-   بريد الكتروني
: [email protected]
 
 

◄Back