العمران والإسكان

سبب إنشاء المدن

إن سبب وجود المدن في بلاد البجه وأساس حياتها الاقتصادية ليس لمنفعة البجه، أو للصناعة على مستوى المصانع الكبيرة وإنما للتجارة والاستغلال الاستراتيجي والاقتصادي.

لقد أنشئت هذه المدن لمواجهة احتياجات التجارة مع الدول الأوروبية. ووظيفتها الرئيسية هي أن تستنزف من بلاد البجه ما تنتجه من ثروة زراعية ومعدنية، وأن تكون جسرا لضخ البضائع الاستهلاكية والمواد الانتاجية والطاقة لداخل (السودان). ونقاطها المحورية هي مستودعات المؤسسات التجارية الكبيرة. وأسهم هذا كثيرا في دمار البيئة هنا.

وإلى جانب وظيفة المراكز الحضرية في بلاد البجه كقواعد للتجارة والنقل أو كمدن أسواق، اتخذ عدد منها وظائف الإدارة، وبطبيعة الحال يعد هذا جزئيا نتيجة للطابع الاستعماري للاستغلال، وللحاجة لحماية مصالح الإحتكارات الشمالية والأجنبية الأخرى في مراكزها التجارية الرئيسية، وكذلك لضرورة إنشاء جهاز للقمع يستند على الخطوط الرئيسية للمواصلات، ولمواجهة احتياجات الفئة الشمالية المسيطرة من إدارة وقمع ولمساعدتها على القيام بأنشطتها المختلفة، تم تنفيذ برامج ضخمة لتشييد مكاتب حكومية، ومواصلات سلكية ومكاتب بريد وأندية وفنادق إلى جانب كل الخدمات الاجتماعية والمرافق العامة المعتادة التي تعتبرها الجماعة الشمالية المهيمنة حقا من حقوقها.

سلبيات المدن

اجتذب نمو المراكز الحضرية في بلاد البجه أيضاً مهاجرين من غير البجه يتنافسون مع سكان البلاد الأصليين على الوظائف والخدمات الاجتماعية في مدن البلاد. وهذه المنافسة ليست في صالح البجه يسبب افتقارهم النسبي للمهارات والوساطة والمحسوبية، فأصبحوا يتنافسون بالتالي مع بعضهم البعض على العمل اليدوي المتاح مما يقلل أجورهم. كذلك تراجعت فرص الحصول على الخدمات الصحية والاجتماعية، خاصة التعليم، بسبب المهاجرين غير البجه في هذه المدن وتمتعهم بعلاقات مع المسؤولين فيها عن طريق المحسوبية والعنصرية الجهوية.

وانتشرت في المدن التأثيرات الاجتماعية السلبية مثل التفكك الأسري والبطالة والعلل الاجتماعية الأخرى. واحدى السمات البارزه هي عمل الأطفال وتشردهم، الذي يمثل تغيّراً رئيسياً في قيم وتقاليد البجه الاجتماعية المحافظة. وكذلك ليس ثمة دليل على اندماج البجه مع سكان الحضر والمجموعات الاثنية الأخرى إذ يظل معظمهم مرتبطين بمجموعاتهم القبلية.

لقد أثر التحضر سلباً على أسعار المنتجات الريفية. فقد تراجعت امدادات السلع ذات القيمة السوقية من المناطق الريفية كثيراً تحت ظروف الجفاف والتدهور البيئي حيث تنشأ معظم السلع التي يتاجرون بها من البيئة الطبيعية، إلى جانب هذا تنخفض أسعار الثروة الحيوانية مع الصعود الحاد في أسعار الحبوب.

مشكلة الهجرة والإسكان (9)

إن مشكلة الهجرة والإسكان في بلاد البجه تعتبر حديثة، إذ أنها ارتبطت بالتطور الاقتصادي والاجتماعي، الذي حدث إثر هيمنة الشماليين بعد خروج الإنجليز.

ففي الفترة ما قبل عام 1821م، لم تكن هناك مشكلة هجرة أو سكن على الاطلاق، ولم تكن هناك مدن بالمعنى المفهوم غير مدينة سواكن. كذلك لم تظهر هذه المشكلة لا في فترة الحكم التركي ولا في الدولة المهدية حيث ظهرت بعض المدن الصغيرة.

وفي عام 1905م أنشئت مدينة بورتسودان كميناء رئيسي (للسودان) لتصدير حاصلاته واستقبال وارداته لدعم اقتصاد (السودان) وليس لتطوير بلاد البجه وهكذا عمد الاستعمار البريطاني للقضاء على أقدم مدينة على ساحل البحر الأحمر الغربي وهي سواكن حتى يقضي على الشعور الحضاري لدى البجه.

وبعد خروج الانجليز من (السودان)، بدأت مشاكل الهجرة والإسكان تتفاقم وتأخذ شكلا أكثر حدة. ومن أسباب هذه المشكلة تدمير الريف بواسطة الممارسات الخاطئة للسلطة فانعدم العمل في الريف، بالإضافة إلى وجود فارق كبير في المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين الريف والمدينة. فإن تواجد مصادر الدخل ذات العائد في المدن قد أدى إلى أن تصبح المدن الحضرية مناطق جذب للسكان وافتقار البيئة الريفية وعدم الإهتمام بتطوير الريف جعل منه منطقة دفع للسكان. بالإضافة إلى تمركز كل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية في المدن. كذلك فإن المشاريع الزراعية التي فرضتها السلطات فشلت فشلا ذريعا مما زاد من الهجرة إلى المدن. لقد تضافرت كل هذه العوامل لجعل الريف منطقة طرد للمواطنين البجه فاتجهوا نحو المدن الرئيسية وهي بورتسودان وكسلا والقضارف. كما هاجرت أعداد كبيرة من البجه إلى منطقة توكر وأتبره وخشم القربة طلبا للرزق وهذه أول هجرة في تاريخ البجه الحديث، فالبجاوي بطبعه يحب الأرض التي ورثها من أجداده ولا يفرط في ملكيتها ولم يهاجر إلا مرغماً.

ومن الملاحظ أنه في كثير من الأحيان نجد أن معدل الهجرة الداخلية، أكثر من معدل النمو الطبيعي لسكان المدينة ـ ولقد نتج عن هذا ازدحام في المساكن وزيادة عدد الأفراد في الغرفة الواحدة. وكذلك الضغط على الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية، وانتشار الأحياء الشعبية غير المخططة التي تطلق عليها السلطات (السكن العشوائي) على هامش المدن حيث يقيم البجه المهاجرون من الريف في أكواخ مزرية.

وفيما يتعلق بتوزيع قطع الأراضي السكنية الذي بدأ بعد خروج الانجليز بصورة كبيرة، لم يستفد منه البجه. اذ كان الإداريون الشماليون هم الذين يقومون بالتوزيع. فنجد الأراضي السكنية من الدرجة الأولى في كل المدن الكبرى قد تملكها هؤلاء الإداريون وكبار الموظفين الشماليين الذين استغلوا مراكزهم الوظيفية، وعدم إدراك البجه لقيمة الأرض وابتعادهم للسكن في أطراف المدن. كما قام هؤلاء الإداريون الشماليون بتوزيع الكثير من القطع للشماليين عن طريق المحسوبية والرشوة والفساد، حتى العسكري نصف النمرة كان يحصل على قطعة أرض. ونتج عن هذا امتلاك الشماليين لمعظم أراضي المدن الرئيسية في بلاد البجه دون أن يستوفوا أي شرط من الشروط المشروعة لتملك الأرض، وتركوا للبجه أصحاب الأرض هوامش المدن. وحتى في هذه الهوامش لم يسلم البجه، إذ ظلت تطاردهم السلطات وتهدم مساكنهم بدعوى أن أحياءهم غير مخططة وغير شرعية بدلا من تخطيطها ومدها بالخدمات الأساسية. وفي الذي يتقاتل فيه البجه على قطعة أرض (حادثة مقتل وكيل ناظر البني عامر العام 2003م) تمنح فيه الإنقاذ رشوة مليون متر مربع لدولة إثيوبيا لتوقف دعمها للحركة الشعبية، وستين كيلومترا مربعا لدولة تشاد لتوقف دعمها لثوار دارفور.

مراكز العمران

(10) وفي دراسة مراكز العمران في المدن الكبرى تبين أن المدن الثلاث الكبرى في بلاد البجه هي من أكبر المدن (السودانية) عمرانا وسكانا حيث تضاعف عدد سكانها إلى أكثر من مرتين خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة (عام 1974م) وتتصف المدن الكبرى بازدحام الأحياء السكنية غير القانونية (الشعبية) التي تشكل نصف مساحة وعدد سكان المدن نفسها مثل ما حدث في بورتسودان وكسلا. وتختلف المدن الكبرى في مواقعها والوظائف التي تقوم بها في أقاليمها بل إن بعضها يقوم بالوظيفة الوحيدة في القطر. وشهد مطلع هذا القرن النشأة والتطور الحقيقي لمعظم المدن الكبرى، وإن بعضها لا يتعدى تاريخه أكثر من العشرة أعوام الأخيرة مثل حلفا الجديدة (1972).

وتغطي المساحات المخصصة لأغراض السكن معظم استخدام الأرض، وأصبحت المناطق العسكرية تحتل أجزاءً هامة من وسط وأطراف المدن، بينما تنفرد مدينة كسلا بسيطرة المناطق الزراعية على أكبر مساحة داخل حدود المدينة.

ويظهر التخلف الحضاري بين سكان المدن الكبرى وانخفاض مستوى المعيشة وارتفاع الأمية بين أكثر من نصف السكان. ويتضح التباين بين سكان الأحياء المختلفة من حيث حياتهم ومستوىاتهم الاقتصادية، ويحتل الوافدون والمهاجرون أحياءً كاملة وفي بعض الأحيان مدنا كاملة. ولا تقوم المدن الكبرى على خطة شاملة بل نمت نموا عشوائيا.

وتظهر الخطة الشبكية في شكل المدينة، ويتوسط السوق ومباني الإدارة قلب المدن وتشغل المساكن جميع المناطق المجاورة وتتبعثر بينها مراكز الخدمات الصحية والتعليمية وتقوم معظم مباني المدن من القش والأخشاب والإسمنت.

وتعتمد المدن الكبرى في حصولها على مياه الشرب من مناطق تبعد عنها بمسافات طويلة، وتتمتع نسبة قليلة من المنازل في حصولها على المياه من أنابيب داخل المنازل وتنخفض نسبة المنازل التي تتمتع بالتيار الكهربائي، وتعاني المدن من التخلف الشنيع لنظام مرافق تصريف مخلفات الإنسان ومياه الأمطار والمياه المستعملة. وأدى هذا إلى إنتشار الحميات والأمراض الأخرى مما أودى بحياة الكثيرين. وتخدم بعض المدن أقاليم واسعة المساحة، بينما بعضها الآخر يشرف على أقاليم صغيرة محدودة.

وتعيش المدن الكبرى في ظروف تهددها بالتدمير من حيث مواقعها (مثل ما يحدث لمدينة كسلا نتيجة فيضان نهر القاش) كما أن بعض المدن مهدد من طريقة ومصادر حصوله على الماء (مثل مدينة بورتسودان)، وكذلك من حيث مواد البناء وضعف خدمات الكهرباء ما عدا أجزاء صغيرة منها هي عبارة عن قرى مدنية كبيرة لا تعطي ملامح المدينة الحديثة.

أما مراكز العمران الصغرى في بلاد البجه فهي حديثة النشأة، وتعتبر مراكز عمرانية قليلة في عدد السكان وصغيرة في الحجم، ويقل عددها في المناطق الشمالية ويزداد في الأجزاء الجنوبية، وترتبط في توزيعها بخطوط السكك الحديدية ومناطق الانتاج الزراعي ويظهر التنوع في الوظائف التي تقوم بها.

ومعظم سكان المدن الصغرى من العناصر المختلفة في (السودان)، ومن العناصر الوافدة من غرب أفريقيا، ويسود في القرى السكان من قبائل البجه والشكرية والقبائل العربية والفلاته، بالإضافة إلى اللآجئين من الدول المجاورة ـ خاصة في القرى الواقعة على ضفاف الأنهار الموسمية.

ويسيطر الاستخدام السكني على 95% من مساحة جميع مراكز العمران الصغرى ما عدا مساحات صغيرة لا تتعدى 5% لمبانى الإدارة والخدمات. وقد نمت جميعها عشوائيا بدون خطة موجهة حيث ظهرت على شكل القرى الصغيرة، ويسيطر القش على مبانيها في الجنوب والوسط، بينما تنتشر الأخشاب والصفيح في المناطق الساحلية والشمالية مع خيام البدو المتنقلة من الشعر والبروش. وتحصل مراكز العمران الصغرى على مياه الشرب من الآبار السطحية والارتوازية ومن المجاري المائية على مسافات بعيدة. ولا توجد إضاءة كهربائية ولا يتوفر لأكثر من 25% من عائلاتها مراحيض في المنازل.

وتتشابه مراكز العمران الصغرى إلى حد كبير في أوجه المنشآت والنمو العمراني واستخدام الأرض والتركيب الداخلي حتى يصعب التفرقة ما بين المدن الصغرى والقرى.

وتم تقدير عدد سكان محافظة كسلا (والقضارف) عام 1988م بحوالى 000.700.2 نسمة منهم حوالى 000.700 لاجئ. وتقدر زيادة السكان الطبيعية السنوية لعام 78/88 حوالي 2.3 %. وبينما تبلغ مساحة المحافظة 5% من مساحة (السودان) فإن سكانها يمثلون 9% من جملة سكان (السودان).

قوز رجب

حتى بداية الستينات كانت منطقة قوز رجب (المشروع الهولندي EPKP)، على ضفاف نهر أتبره، مشهورة بثراء اقتصاد حيوانات المرعى فيها، وكانت مدينة قوز رجب تعتبر مركزاً تجارياً وإدارياً. وكانت بها رئاسة المنطقة ومحاكم القبائل الأربع الرئيسية ومجموعة من الخدمات الاجتماعية تشمل مدرسة ابتدائية ومستوصفاً للناس وآخر للحيوانات ومكتباً للبريد وسوقاً كبيرة. وشهدت المدينة التي يسكنها البجه تدهوراً سريعاً واضحاً. والآن اصبحت قوز رجب شبه مهجورة. وأصبحت أراضي المراعي جرداء، وكل هذا بسبب إنشاء خزان خشم القربة لتوطين المستوطنين من النوبة دون أي مراعاة للسكان البجه أصحاب الأرض. وهاجر سكان المدينة إلى كسلا والقضارف وحلفا الجديدة للبحث عن عمل بأجر بعد أن نفدت مواشيهم. ومن 52 متجراً كانوا يعملون في الماضي يعمل منهم الآن ثلاثة فقط. لقد نتج هذا جزئياً من الرعي الجائر ولكن السبب الأساسي هو تجفيف نهر أتبره. وقد زاد الرعي كثيراً جداً فيها بعد تطوير مشروعي القاش وحلفا الجديدة. ونتيجة لأن قوز رجب في متناول هذين المشروعين، فإنها فقدت قاعدتها البيئية كمنطقة رعي هامة. لقد أصبحت منطقة رعي في موسم الأمطار طالما استمر هطولها.

لقد اختفت القاعدة المعيشية للمدينة بإنشاء خزان خشم القربة. وانهارت مزارع الحبوب والبساتين التي على نهر أتبره، لأن الجزء الرئيسي من مياه النهر قد تم تحويله لمشروع حلفا الجديدة. إن منطقة قوز رجب تتميز بمياه جوفيه. وقد كانت تغمر بنهر القاش خلال الفيضانات العارمة. وتطوير هذه المصادر قد يسمح بإحياء محدود للمنطقة. وبالرغم من هذا فإنه يجب ادراك أن مراكز الجذب انتقلت بعيداً عن قوز رجب قبل وقت طويل جداً. وليس لها فوائد منافسة في الانتاج الزراعي والبستاني.

ترييف المدن

عندما يتغير هيكل سكان مدينة ما واقتصادها وقيمها إلى وضع ريفي يسمى هذا XترييفZ المدن. وهذا يرتبط بالهجرة المكثفة من الريف إلى المدن عبر فترة زمنية قصيرة. وفي مثل هذه الفترة، يعتمد نمو المدن جزئياً فقط على نموها الاقتصادي. ويظل عدد كبير من السكان (من 50% إلى 60%) يعتمدون على سد احتياجاتهم من النشاطات الأولية.

يشكل عدد سكان أكبر مدينتين في الولاية، كسلا والقضارف، 80% من السكان الحضر. والبيانات الآتية توضح تطور عملية الترييف في المدينتين. أكثر من 60% من سكانهما هم من المهاجرين من الريف حديثاً ومن المواطنين النازحين واللآجئين. يحتلون أكثر من 70% من المناطق السكنية. سكان المناطق السكنية غير المخططة زاد في القضارف بين 1980 ــ 1986 بنسبة 70%. وخلال نفس الفترة تضاعف عدد سكان مدينة كسلا. وكان نمو المدينتين بنسبة 6% في الفترة من 1956ــ1983، منها 5،3% نتيجة للهجرة من الريف ونزوح اللآجئين.

من المتوقع استمرار عملية الترييف بل ازديادها نتيجة للتدهور المضطرد في البيئة في المناطق الريفية الهامشية. إضافة إلى أن نزوح سكان الأقاليم الأخرى واللآجئين وفرص العمل الكبيرة في المدينتين ستزيد من سرعة العملية.

يؤثر الترييف سلباً على البيئة. وهو لا يشكل فقط ضغطاً على قاعدة مصادر الريف، بل يسرّع تدهور البيئة قرب المدن ويخرب مناخ المدن.

نتائج الترييف

سرعة نمو القطاع الخاص في اقتصاد المدن ــ يعمل معظم المهاجرين حديثاً في هذا القطاع ــ نمو غير مخطط للمدن واكتظاظ مكثف ــ ضغط متزايد على مصادر المياه في المدن وحولها ــ اجهاد لقواعد المصادر في أطراف المدن المباشرة ــ احتياجات متزايده للحطب والأخشاب ــ مصادر المياه ــ الرعي ــ الازدحام يسبب مخاطر جمه للصحة ــ اختلال الأمن واحتكاكات بين الحضر والريفيين ــ تراجع في الوظيفة التي تقوم بها المدن لتطوير المناطق الريفية.

المعايير التصحيحية

تشجيع المراكز الحضرية الثانية ــ تنظيم وإعادة تأهيل وتطوير مناطق الريف ــ حل مشكلة اللآجئين. بالنسبة للنازحين من الأقاليم الأخرى يجب إعادتهم لأقاليمهم أو أن تتحمل حكوماتهم الإقليمية أنصبة لدعم الخدمات والتنمية.

القوى البشرية

تكمن أهمية القوى البشرية في أن التخطيط يعتمد على مسح شامل للأحوال السكانية لمعرفة إتجاهات النمو السكاني وقطاعاته المختلفة وتوزيع السكان حسب الأعمار والجنس والأحوال البيولوجية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من الدراسات. وتشتمل عملية المسح السكاني على تقدير عدد السكان في الوقت الحاضر وتوقع عددهم في المستقبل حتى نهاية الفترة التخطيطية. والتوقع يشمل الزيادة الطبيعية للسكان والهجرة الصافية وتقدير القوى العاملة في المستقبل من واقع خطط التنمية الاقتصادية.

وتمر شعوب الأرض بثلاث مراحل، هي المرحلة البدائية والمرحلة الإنتقالية والمرحلة الاستقرارية. ونجد أن البلاد تمر الآن بالمرحلة الأولى (المرحلة البدائية) حيث يلاحظ ارتفاع نسبة المواليد وارتفاع نسبة الوفيات وكذلك ارتفاع نسبة الوفيات بالنسبة للأطفال الرضع والنساء بعد وأثناء الولادة.

نمط السكان في ولاية البحر الأحمر

نمط السكان السائد (الموسوعة) في ولاية البحر الأحمر يشير إلى أن 5،62% (358،419 نسمة) يقطنون الحضر، و95،37% (978،251 نسمة) يقطنون الريف. يتركز السكان الحضر بصورة أساسية في مدينة بورتسودان وبعض المراكز الإدارية، وأهمها توكر وسنكات ودورديب وحلايب. متوسط الكثافة السكانية في الولاية في العام 1993، كان 1،3 شخص للكيلومتر المربع بينما كان 1،2 شخص في العام 1973. ويقدر حجم الأسرة في حدود 5، 4 أشخاص، بتفاوت بسيط بين الحضر والريف. ويبلغ عدد الأسر في محلية بورتسودان 524،29 أسرة، بينما يبلغ عددها في محلية جبيت 2464 أسرة ريفية، والمقومات واضحة بالنسبة للأولى وضعيفة بالنسبة للثانية.. ويعزى صغر الحجم مقارنة بباقي القطر (6 أشخاص) إلى أسباب اجتماعية واقتصادية، وإلى تدني مستويات الغذاء، وانتشار الأمراض ذات الصلة، وبالتالي ينخفض معدل المواليد ويرتفع معدل الوفيات، خاصة وسط الرضع والحوامل وجميعها مظاهر سالبة تؤثر على سكان هذه الولاية.

ويكشف التركيب العمري للسكان في البلاد كثيراً من الصفات والمعالم الهامة للمجتمع فيبين التوزيع حجم القوى العاملة وأعباء الإعالة التي يلقيها الأطفال والشيوخ على السكان المنتجين إذ أن هذه الفئات الثلاث لها إحتياجاتها الخاصة من السلع الكمالية والاستهلاكية والخدمات.

وتبلغ نسبة أطفال البجه الذين تقل أعمارهم عن 15 عاما 49% يقابلها في دولة السويد 21% والطفل منذ ولادته حتى يكون عاملا منتجا يكون عبئاً على الأسرة يستنفد جزءاً أكبر من ميزانيتها.

أما نسبة السكان الذين تزيد سنهم عن 25 عاما في البلاد فتبلغ 35% يقابلها 63% في دولة السويد.

ويتراوح متوسط الأعمار في البلاد بين 30 ـ 35 عاما وهو منخفض جدا إذا ما قورن بمتوسط الأعمار في الدول المتقدمة الذي يتراوح بين 55 ـ 65 عاما مما يترتب عليه خسارة كبيرة في جزء من الطاقة الانتاجية.

وتبلغ نسبة السكان الحضر في البلاد 25% بينما تبلغ نسبة سكان الريف 49% أما نسبة السكان الرحل فتبلغ 26% (1974). وتبلغ نسبة المستوطنين من غير البجه في المدن 80%. والذين ولدوا منهم خارج إقليم البجه نسبتهم 59%، أما الذين ولدوا داخل الإقليم فنسبتهم 23%، وتبلغ نسبة السكان البجه في المدن 18%.

إن العنصر البشري عامل هام في التنمية الاقتصادية والتطور، فهو الإدارة التي تطوع الإمكانات الطبيعية والإمكانات الأخرى وتوجهها الوجهة الصحيحة التي تؤدي إلى تطويرها وتنميتها بطريقة مثلى لفائدة المجتمع.

وعند أخذنا لعنصر الإنسان في بلاد البجه نجد أن الجهل الذي فرضه عليه الاستعمار والحكومات الشمالية يمثل ثقلا بالإضافة إلى عوامل التخلف الأخرى والتي نتجت عن العنصرية الجهوية في الإدارة والتخطيط.

وبالرغم من وجود البجه سكان البلاد على الساحل الغربي للبحر الأحمر فإن انعدام الوعي الاقتصادي، جعلهم يبتعدون عن البحر، وبالتالي عن العالم الخارجي وحضارته فلم تنمُ صناعة السفن كما انعدمت بذلك الحِرف ووسائل وسبل كسب الرزق المرتبطة بالبحر وموارده الكثيرة، ولم تتطور أساليب وطرق استغلال منتجاته وثرواته المختلفة، في وقت نجد فيه أن بقاعا أخرى من العالم قامت بها الكثير من الحضارات المتقدمة على سواحل البحار، واستفادت الأمم من مواقعها الجغرافية في ممارسة المهن ذات العلاقة بالموقع. ولقد كان من أهم أسباب إبتعاد البجه عن الساحل هو الغزوات الاستعمارية الشرسة التي كانت تأتيهم من البحر وتعرضوا لها على إمتداد تاريخهم الطويل والتي كان آخرها الصراع الدامي الذي دار بينهم وبين جيوش الإمبراطورية البريطانية في القرن التاسع عشر مما كلفهم أرواحا كثيرة وجعلهم يحتمون بالوديان العالية المحصورة بين تلال البحر الأحمر.

إن تعداد سكان البلاد يبلغ حوالى 5 ملآيين نسمة منهم أربعة مليون من البجه ونصف مليون لاجئ والبقية من المستوطنين.

لقد أثرت العوامل الطبيعية على محاور وأنماط التوزيعات السكانية حيث يتركز السكان في خمسة محاور رئيسية توجد على طول السهل الساحلي، وعلى إمتداد خطوط السكة الحديدية وعلى ضفاف الأنهار والأودية الموسمية وفي قلب المناطق الزراعية المختلفة.

وتقل الكثافة السكانية في المنطقة الساحلية وتبلغ 3 نسمة في الكيلو متر المربع الواحد، بينما لا تزيد على نسمة واحدة في الكيلو متر المربع في الأجزاء الشمالية منها وترتفع إلى أكثر من 50 نسمة في بعض المناطق الزراعية المروية (1974).

العمالة

لا يزيد مجموع قوة العمل بين السكان عن 25% منهم 55% يمارسون الرعي ولا يتعدى الذين يقومون بالزراعة 30% بينما تقل نسبة العاملين في الأنشطة الاقتصادية الأخرى إلى 15%، وبالإضافة إلى الرعي والزراعة فإن بعضا من السكان البجه يمارسون الصناعة الريفية المعتمدة على انتاج شجر الدوم وانتاج الفحم والإحتطاب وبيع الألبان ويهاجر الشباب للعمل كعمال عرضيين في المدن خاصة بورتسودان حيث الميناء (1974).

وعندما تطلب الأمر لأول مرة أعدادا كبيرة من العمال بأجر زهيد لتطوير الاقتصاد الاستعماري في الميناء والسكك الحديدية لم تستطع الأجور وحدها جذب أعداد كافية من العمال البجه. ومن ثم تم الإلتجاء إلى وسائل متنوعة مثل الضغط عن طريق فرض الضرائب الشخصية وضرائب القطعان والإقتطاع من أراضي الأهالي البجه والمساعدة التي يقدمها الإداريون الشماليون لأبناء جلدتهم من مقاولي تجنيد الأنفار أو الضغط على بعض رؤساء القبائل لتجنيد أفراد قبائلهم للعمل كعمال عرضيين في المشاريع التي لصالح الشماليين.

 

سوق العمل الحضري

توفر مدينة بورتسودان عددا من فرص العمل في القطاعين الرسمي والخاص. فقد صار نمو الميناء أهم مكان عمل بالنسبة للبجه الريفيين. وقد تطور هذا الوضع منذ الأربعينات والخمسينات مع زيادة نشاط التصدير والاستيراد وتزامنه مع فترات الجفاف في الريف في الأربعينات. ويسيطر على معظم أسواق العمل غير البجه عن طريق الوساطة والمحسوبية وقربهم من مركز صدور القرار.

تستخدم الميناء 9 آلاف عامل تقريباً، 3 آلاف منهم في وظائف ثابتة، بينما يعمل حوالى 5 آلاف بوظائف شبه ثابتة، وينخرط معظم البجه في عمليات شحن وتفريغ السفن.

وينظم العمل اليدوي في ميناء بورتسودان من خلال "الكلة". والكلة هي مجموعة من الرجال يعملون كحمالين في الميناء. ويتراوح عددها من 7 إلى 12 عاملاً، ويقودهم ريس. والأخير وسيط يربط بين إدارة الميناء والعمال ومنظماتهم. ويقوم تنظيم الكلة على القرابة، وتقوم حقوق الإشتراك في الكلة على أساس وراثي. وتقدم الكلة كمؤسسة اقتصادية فرصاً للدخل للمشاركين فيها. ويتم الدفع للعمل على ظهر السفينة باليومية، وحجم الكلات أكثر ثباتاً وللريس أن يأمر رجاله بعدم العمل في نوبة معينة وإعطاء الفرصة لقادمين جدد لم يصبحوا بعد أعضاء في أي كلة. وتسمى طريقه التكافل السلفية هذه "توفير العشاء" دلالة على جانب الدخل فيها. كما قد يشارك الأفراد في العمل على ظهر السفينة وحول الميناء كذلك. ومع ادخال الآلات الحديثة في التفريغ والتحميل خاصة للمعدات الكبيرة، فإن فرص هؤلاء العمال، الذين يطلق على الفرد منهم كلمة "مزوري" تقل بصورة كبيرة. وتتكون 108 كلات (جمع كلة) من الأتمن و10 من الهدندوة و4 من البشاريين و 2 من البني عامر. وقد ظل هذا التوزيع ثابتاً عبر السنين، خلاف عام 1970 عندما تم تشكيل 5 كلات جديدة.

إن هذا النظام ليس فيه أي نوع من التوازن فقد تعجز الكلة عن توفير وظائف لنفسها ناهيك عن القادمين الجدد، خاصة في فترات الجفاف عندما تزيد أعداد الباحثين عن العمل. وبالمثل يتفاوت عرض الوظائف بتفاوت مستوى النشاط في الميناء. ومن ثم فالعوامل الاقتصادية الكلية التي تحدد وضع الاستيراد والتصدير ستؤثر على هذا داخل السودان وفي العالم ككل. وبالرغم من صعوبة الفرص للحصول على هذا العمل فإن العمال يعملون في ظروف قاسية وتحت شمس حارقة ويتعرضون للمخاطر دون أي ضمانات أو تأمينات اجتماعية. ومع العولمة واستخدام الآلات الحديثة فإن عمال الشحن والتفريغ ينتظرهم مصير مظلم خاصة بعد احتكار إحدى شركات الشماليين لأعمال مناولة الحاويات، وبيع مدير الميناء المستودعات، عن طريق استغلال النفوذ والفساد، لشركات وهمية تتبع لأركان النظام من الشماليين بينما تم تسجيلها في دول أخرى لحمايتها عند زوال النظام.

الاستخدام في المشروعات الزراعية

المناطق ذات الأهمية الكبرى بالنسبة لطالبي العمل المؤقت من البجه هي توكر والقاش والقضارف، وقد كانت هذه المناطق في الماضي مراعٍ مهمة للرعاة البجه، الذين أصبحوا الآن عمال زراعيين مؤقتين. وقد أغرت الميزات الطبيعية المواتية حكومات الخرطوم أيضاً على إقامة مشاريع زراعية بالري الفيضي وبالأمطار في هذه المناطق. وهكذا تحولت إلى مصادر للعمل بالأجر والعلف. ينتقل أهل سنكات الى توكر بين شهري ديسمبر ومارس للرعي في المناطق التي تم حصادها من المشروع. وفي اغسطس ومطلع سبتمبر يحدث نوع مختلف من الهجرة، أي الهجرة من أجل العمل، إما للزراعة في أراضيهم الخاصة أو للعمل بالشراكة في المحصول أو للعمل كعمال اجراء في الزراعة. وفي وقت متأخر عن ذلك، من فبراير وحتى مايو ، يوفر موسم حصاد القطن والذرة والخضروات والدخن مثل هذه الفرص. يسمى صاحب الحيازة في توكر "صاحب ضمن" وفي القاش "صاحب ربط" ويديرون حيازات البجه الغائبين.

يستخدم مشروع القاش بين 6 آلاف الى 9 آلاف عامل موسمي معظمهم من البجه. وتقدم دلتا توكر فرصاً لعمل من 12ألف الى 15 ألف عامل موسمي، معظمهم من البني عامر والحباب. ويقدر من يهاجر من سنكات للعمل في هذين المشروعين بين ألفين وثلاثة آلاف عامل موسمي. ويدخل المهاجرون في صفقة معقدة من علاقات الانتاج داخل المشروعين. ويتأثر حجم العمل بالفيضانات فمثلاً كانت دلتا توكر جافة تماماً في عام 1990 بالإضافة إلى نقص المعدات والكوادر الفنية.

علاقات الانتاج في القاش مشابهة لعلاقات الانتاج في توكر. فهناك مؤسسة القاش الزراعية واتحاد المزارعين القاش، وحائزين (أصحاب ربط) وفئات مختلفة من شركاء المحصول والعمال بأجر. وفي القاش هناك تفاوت في صلب نظام الري نفسه، وهو الدورة الزراعية الثلاثية، التي يستخدم فيها نظام القرعة لضمان تساوي الفرص، في القطع ذات الري الجيد. وهذا يشكل مشكلة أساسية داخل المشروع. كما تؤدي نوعية الأرض إلى تدابير مختلفة في الشراكة في المحصول عاكسة المخاطر المحتملة.

البحث عن الضمان

وينبغي أن ندرك أن المزارع أو الراعي البجاوي يكون عادة عاجزا عن إحضار أسرته عندما يحضر للعمل لدى الحكومة أو أي شركة أو مؤسسة يملكها الشماليون. وفي مثل هذه الظروف يكون من المحتم علىه ألا يظلّ بعيدا عن قريته لفترة أطول مما تتطلبه الضرورة المطلقة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من الأمور الحيوية بالنسبة للبجاوي أن يتوافر لديه قدر من الضمان، لا بالنسبة لتقدمه في السن فقط بل أيضا في حالة فقده لعمله أو مرضه أو عجزه عن العمل، وهكذا نجده يكافح من أجل أن يحتفظ بموطىء قدم على أرض القبيلة صونا لحقوقه في حيازة هذه الأرض، ويحتم عليه ذلك العودة لقريته بصورة دائمة من حين لآخر.

وعلى الرغم من أن الضمان لا ينبغي توفيره من خلال العامل الأجير في المدن ولا ينبغي كذلك توفيره في المناطق الزراعية لأن ذلك لم يكن قط من أهداف حكومات الخرطوم. فسياسة الأرض والسياسة الزراعية التي ينتهجها الشماليون تهدف للحيلولة دون ظهور زراعة بجاوية مزدهرة وتحويل البجاوي إلى مثل هذه المضايق الاقتصادية الرهيبة بحيث يترك أرضه ويذهب لدعم اقتصاد الشماليين.

العامل المهاجر

هكذا يتمكن الاستغلال الشمالي عن طريق الإبقاء على اقتصاد يطحنه الفقر في الريف، وكذلك على أجور الكفاف، وعلى الأحياء القذرة والإفتقار إلى الضمان في المناطق الحضرية، من أن يمنع البجاوي أن يجد ضمانا اقتصاديا سواء في المدينة أو الريف، ومن ثم تعبّد الطريق أمام الدورة الدائمة لحركة البجه من الزراعة البجاوية القائمة على الإكتفاء الذاتي إلى الاستخدام لدى الشماليين، ومن الاستخدام لدى الشماليين عائدين إلى الريف. وهي الحركة التي تعد سمة بارزة من سمات بلاد البجه. فالبجاوي يكون في خلال جزء من حياته عاجزا عن أن يقيم أوده وأود أفراد أسرته دون أداء العمل الأجير. كذلك لا يسمح له العمل الأجير بأن يقيم أود زوجته وبقية أفراد أسرته، وهكذا يطحن البجاوي بين شقي الرحى، ويستحيل عليه أن يجد ملاذا في هذا الإتجاه أو ذاك. وليست الأسباب الاقتصادية هي وحدها الدافع إلى الإحتفاظ بنظام العامل المهاجر، بل يوجد سبب سياسي أيضا، وهو الرغبة في منع، أو على الأقل تأخير تكوين طبقة عاملة دائمة غريبة تماما عن النظرة والآفاق السياسية المحدودة لحياة القرية، وقادرة على النضج والتحول إلى قوة متماسكة حديثة تعرف إلى أين تسير، وتكون على درجة كافية من الصلابة تمكنها من الوصول إلى أهدافها، ولا يخفى على الشماليين أنه في مناطق العمل الحضرية تتشكل أعظم التحديات للاستغلال والحكم الشمالي وأن الطبقة العاملة البجاوية ستكون حفارة قبر للإنتهازيين.

إن الإحصاءات بشكل عام تؤكد بصورة صارخة أن السمات الرئيسية البارزة للطبقة العاملة البجاوية، إنما هي السمات التي تتميز بها الطبقات العاملة التي توجد في المستعمرات وتعمل في داخل إطار الاقتصاد الاستعماري. ونادرا ما تمسها ريح التصنيع، إنها طبقة عاملة غير ماهرة أساسا ومهاجرة إلى حد كبير وحضرية بصورة جزئية. إنها تعمل في المزارع الصغيرة والكبيرة، وتنتج البضائع التي يحتاج إليها الشماليون من أجل التصدير. كما تعمل في السكك الحديدية والطرق والموانيء والمطارات كي تنقل الثروة من بلاد البجه و(السودان) إلى دول الغرب وكي توزع البضائع المصنوعة التي يرسلها الغرب بغرض بيعها في أسواق (السودان).

إن كل ذّرة من كيان الطبقة العاملة البجاوية ترتبط بنظام الاستغلال الشمالي.

انعدام الضمان الاجتماعي

إن الأثر الكلي للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي إنتهجها البريطانيون والحكام الشماليون من بعدهم، قد ترك البجاوي في المدينة محروما تماما من أي ضمان اجتماعي فليس هناك مسكن ملائم وهو يعيش على أجر الكفاف، ولا يستطيع أن يشق طريقه صاعدا السلم الاجتماعي ما دام التمييز الاجتماعي قد قرر بالفعل إلى أية درجة من السلم يستطيع أن يصعد. فإذا أصابه مرض لا يجد العلاج الملائم ولا يحصل عادة على إجازة سنوية أو مرضية مدفوعة الأجر، إذا فقد عمله يفقد مسكنه والأمر الأشد سوءا من ذلك أنه لايحصل على إعانة البطالة. وعندما تتقدم به السن يتعين علىه أن يعيش عالة على أولاده، أو أن يتضور جوعا بكل ما في هذه العبارة من معنى والاختيار الوحيد الذي يتبقى أمامه هو أن يعود إلى قريته. وعلاوة على ذلك يكون طيلة هذا الوقت قد ترك زوجته وأطفاله خلفه، وتكون أسرته قد تعرضت بدرجة أو بأخرى للدمار. إن مشاعر عدم الضمان تثقل بوضوح على البجاوي الحضري. إن سياسة السلطة الإدارية فيما يتعلق بمسائل الضمان الاجتماعي ظل قوامها الإعتماد على هيكل الرفاهية التقليدي.

والنظريات التقليدية التي تكمن خلف هذه السياسة هي، أن العامل البجاوي لا بد أن يتلقى عونا مالىا جزئيا من زوجته ووالديه الذين خلفهم وراءه في الريف أو القرية فالعامل ينبغي أن يكسب ما يكفيه لأنه يعول نفسه، على حين أن الأسرة التي تركها خلفه لا بد أن تكون قادرة على أن تعول أفرادها، وكذلك على أن توفر ملجأ ومأوى للعامل الذي تقدمت به السن أو طحنه المرض. بيد أن تدهور الزراعة والمراعي في البلاد في السنوات الثلاثين الماضية كان سريعا لدرجة أصبح من المتوقع معها أن يكون إلتجاء العامل أو المسن في طلب الغوث أو الضمان، إنما هو إلى أسرة زراعية أو رعوية معدمة.

إن العقبة الرئيسية التي يثيرها العامل البجاوي ليست انتاجيته المنخفضة التي يمكن علاجها عن طريق التعلىم، وليست نقص فرص العمالة في بعض المناطق أو في مواسم معينة، وإنما هي قبل كل شئ عدم استقراره المادي والاجتماعي.

كما أن نقص المهارة، إذا كان يوجد فعلا، فهو ليس خطأ البجاوي، وإنما هو الخطأ الذي أسفر عنه إفقاره، وأسفر عنه الاستغلال الذي يعانى منه هو وبلاده. وإن الطعن في عدم كفاية العامل البجاوي لا يعدو إلا أن يكون ستار دخان يستهدف حجب حقيقة البجه، وتبرير انخفاض الاجور التي يحصلون عليها إلى هذه الدرجة البائسة، وتبرير الظروف الاجتماعية التعسة التي يعيشون في ظلها، وتبرير ما ينعم به العامل الشمالي المسنوطن.

الإسكان الملائم

يعد الإسكان الملائم من الأمور الجوهرية بالمثل لتمكين البجه من أن يتوطنوا بصورة دائمة ومستقرة في المدن. وذلك أيضا من الأمور المسلم بها في الدوائر الرسمية وشبه الرسمية. ويشار في التقارير دائما إلى ضروة حصول العامل البجاوي على مسكن مناسب مقابل إيجار يستطيع سداده، ومع ذلك فإن نكص الوعود والتنكر للكلمات من قبل السلطة الشمالية أكثر ممارسة من الإلتزام بها ومراعاتها. في الوقت الذي نرى فيه أن الاستعمار البريطانى كان مهتما بهذه المشكلة أكثر من الحكومات الشمالية الحالية، حيث قام بإنشاء أحياء ومساكن خاصة للعمال البجه (مثل ترب هدل في بورتسودان) يتم تمليكها لهم بأقساط معقولة.

إن الظروف الحالية المفجعة مجرد نتائج متعددة لعدم إهتمام الحكومات الشمالية بالعامل البجاوي، والأجر المنخفض والفقر اللذين يواجهانه. كما أن برامج الإسكان في البلاد يتم تخطيطها على افتراض أن العامل البجاوي ليس له وجود ويكفيه أن يعيش في كوخ من الأخشاب والصفيح خارج المدن، وأن قوة العمل البجاوية قوامها الرجل الذي يعيش بمفرده ويجب أن يستمر كذلك.

إن أجور العمال البجه شديدة الإنخفاض، وهي من بين الأسباب الهامة لسوء المساكن. وارتفاع أجور المساكن هو في حد ذاته سبب لاكتظاظ المناطق السكنية الشعبية وقيام الأحياء السكنية غير المخططة على هوامش المدن، وذلك إلى جانب ارتفاع تكلفة الطعام في المدن مما جعل الحياة الأسرية مستحيلة بالنسبة للعمال البجه. هذا بالإضافة إلى مطاردة الحكومات الشمالية لهم وهدمها لمساكنهم بحجة أن هذه المساكن غير مخططة. وهكذا يعيشون في دوامة، فلا توفر لهم السلطات المساكن ولا تقوم بتخطيط أحيائهم الحالية، ولا حتى تتركهم يعيشون فيها بأوضاعها الراهنة، بينما يقومون هم بكل الأعمال الشاقة التي يعتمد عليها الاقتصاد والتجارة ولولاهم لتوقفت هذه النشاطات. وفي المقابل فإن الأراضي السكنية توزع على الموظفين والعمال والتجار الشماليين عن طريق الإداريين الشماليين والرشوة والاستغلال.

وهكذا فليست الأجور ولا الضمان الاجتماعي، ولا تسهيلات الإسكان ناهيك عن الحقوق القانونية على مستوى يسمح بتشجيع أو تيسير استيطان العمال البجه مع أسرهم بصورة دائمة في المراكز الحضرية. فحياة المدن بالنسبة للبجه عبارة عن كابوس للفقر ونضال مستمر ضد البؤس والتضور جوعا والموت مرضا.

الحياة الأسرية في المدن

في بلاد البجه تعد النسبة غير المستوية للرجال البجه إلى النساء البجاويات في المدن، وكذلك نقص الأطفال النتيجة المترتبة على الدمار الذي لحق بالريف، حيث يسود المسنون والنساء والأطفال، ويندر وجود الشبان وفي كلتا الحالتين يكون سوء التناسب المبالغ نتيجة مباشرة لنظام هجرة العمال. وإن نسبة الرجال العالية إلى النساء في المدن تعد تعبيرا عن عدم الاستقرار الأساسي لقوة العمل، وذلك للحياة غير الطبيعية التي تفرضها مثل هذه النسبة تعني أن الرجل سيعود عاجلا أو آجلا إلى الريف ليكون مع زوجته وأسرته، أو ليتخذ له زوجة وتكون له أسرة يرعاها.

المعاناة الأسرية

ويحجم الرجال البجه عن اصطحاب أطفالهم وزوجاتهم معهم إلى المناطق الحضرية نسبة لبشاعة الظروف التي يرغم هؤلاء الأطفال على العيش في ظلها بداخل هذه المناطق. وهكذا يكون العامل البجاوي ممزقا، فإما أن يصطحب أفراد أسرته معه ويشاهدهم بعينيه وهم يقاسون ويتضورون جوعا، وإما أن يتركهم خلفه في الريف ويعيش حياة وحيدة عازبا يعاني أقسى صور الحزن والكرب لعلمه أن أسرته التي هجرها إنما تتمزق ألما انتظارا لعودته.

ازدياد البطالة

وبما أن الأمية تتفشى بين البجه بنسبة تزيد عن 90 % فإن معظم الباحثين عن العمل منهم من الأميين الذين يعملون في مجال الأعمال اليدوية التي لا تتطلب أي مهارة. ونسبة تعيين هؤلاء في وظائف، لا تتعدى 3 % ، ولقد ضاعف من هذه المشكلة ظروف الجفاف التي حلت بالبلاد، وقضت على معظم الحيوانات التي فقدت مراعيها لصالح المشاريع الزراعية المملوكة للشماليين، دون أن تتدخل الحكومات الشمالية للمساعدة في تخفيف الآثار، مما جعل البجه، سكان الريف، يهاجرون إلى المدن للبحث عن وسيلة لكسب الرزق. خاصة بعد فشل المشاريع الزراعية مثل القاش وتوكر بالإضافة إلى وفود مئات الألوف من اللآجئين والمهاجرين من الداخل والخارج.

لقد أثرت عوامل الجفاف وتقليص المراعي على الريف، مما أدى إلى إنخفاض الانتاج الزراعي والحيواني، وبالتالي إنخفض دخل سكان الريف، هكذا كبر حجم العطالة في المناطق الريفية، مما دفع بسكان الريف للهجرة إلى المدن بحثا عن العمل بالإضافة إلى توفر الخدمات العلاجية والتعليمية وتركز السلطات الإدارية بالمدن الكبرى.

العمل في بورتسودان

إذا أخذنا مدينة بورتسودان كمثال للاستخدام لأنها أكبر مدينة في البلاد. فإن تنوع فرص العمل ينشأ من ازدياد حجم العمل التجاري في مدينة بورتسودان. ومجالات العمالة المختلفة المرتبطة بحركة الصادرات والواردات التي تمركزت بالمدينة، بإعتبارها الميناء البحري الأول للبلاد. وتهيمن على النشاط التجاري قلة من أصحاب الأموال القادرين على إدارة هذا النشاط الذي تسيطر علىه فئة من الشماليين وبعض رعايا الدول الأجنبية، ولكن القطاع التجاري مثله مثل القطاعات العليا في المجال الصناعي والإداري في المؤسسات الحكومية والشركات الأخرى لا يستوعب إلا نسبة ضئيلة من الأيدي العاملة، وإنما يتركز معظم سوق العمالة في المجالات التي تستوعب عددا أكبر من الأيدي العاملة، التي لا تتمتع بمهارات خاصة غير الطاقة البدنية، وتتمثل في الغالبية الساحقة من أبناء قبائل البجه الوافدين إلى مدينة بورتسودان.

وتتوزع القوى العاملة على الأنشطة الاقتصادية المختلفة الآتية:

النقل والمواصلات والتخزين والإنشاءات والتصنيع والتجارة والمناجم والفنادق والمقاهي والمطاعم والخدمات العامة.

وتستوعب هيئة الموانيء البحرية وجمعيتا عمال الشحن والتفريغ داخل البواخر وخارجها 50% من مجموع الأيدي العاملة بمدينة بورتسودان ولا يتوفر لهؤلاء العمال أية ضمانات اجتماعية أو صحية بالرغم من خطورة العمل الذي يقومون به.

ويبلغ متوسط أيام العمل بالنسبة للعمال في الميناء سبعة أيام في الشهر الأمر الذي يعكس إنخفاض دخل الفرد في هذا القطاع، كما أن هناك نظام مزدوج للأجور يتقاضى فيه العمال البجه أجرا أقل من رصفائهم من الوافدين من الشمال.

عمال الشحن والتفريغ

ظل عمال الشحن والتفريغ داخل البواخر (محمد أوهاج آدم، دراسة 1993) يعملون في ميناء بورتسودان قرابة قرن من الزمان على ظهر السفن الأجنبية، يشحنون الصادرات (السودانية)، ويفرغون الواردات من منتجات ومعدات تنمية. وأكسب هذا التعامل المستمر العامل مهارة عالية، مكنته من أداء هذا العمل بصورة متقنة، مما أعطى لميناء بورتسودان سمعة عالمية طيبة في سرعة عمليات الشحن والتفريغ، نتج عنها استقطاب مزيد من الخطوط العالمية الملاحية، والذي بدوره ساهم بفعالية في انعاش اقتصاد (السودان). استمر هذا العامل البجاوي يعمل بتفان ونكران ذات، في ظروف قاسية تنقصها أبسط متطلبات الأمن الصناعي، ويتقاضى أجر الكفاف ليعيش في فقر مدقع بلا ضمانات اجتماعية أو صحية، بينما يتحول كل جهده وعرقه إلى رخاء ورفاهية لصناع القرارات الشماليين في الشمالية والخرطوم.

بدأ عمال الشحن والتفريغ داخل البواخر العمل في ميناء بورتسودان منذ افتتاحه عام 1909. ونسبة لنقص الأيدي العاملة محلياً، جلبت شركات الملاحة الأجنبية عمالاً يمنيين من اليمن. وبتوجيه من الإدارة البريطانية، شجع زعماء البجه مواطنيهم للهجرة من الريف إلى بورتسودان للعمل في الميناء. لقد أضر هذا العمل بالبجه ودمر الريف، حيث تركوا مزارعهم وقطعانهم وحياة الاكتفاء الذاتي في الريف، ليعملوا في الميناء في ظروف قاسية ودون أية ضمانات أو تقدير لتضحياتهم الجسام في سبيل رفاهية (السودان).

وفي السنوات الأخيرة، فإضافة لتغول الحكومات الشمالية على مراعي البجه وتجاهلها للتنمية الريفية مما سبب الجفاف والقحط، واجبر السكان على الهجرة لمدينة بورتسودان ضمن مدن البلاد الأخرى. فزاد الاقبال على العمل في الميناء، وتضاعف عدد العاطلين.

العمل النقابي والتنظيمي

في بداية عمل عمال الشحن والتفريغ داخل البواخر، نظمت الإدارة الأهلية والانجليز هذا الاستخدام، ووزعت القبائل على مجموعات عمل XكلاتZ. وتم إنشاء أول مكتب عمل بديم العرب في عام 1949، وذلك لتنظيم عمل الكلات. وتكونت نقابة سميت نقابة البجه تهتم بشؤون عمال الشحن والتفريغ داخل البواخر.

كانت هذه النقابة هي ثاني نقابة في تاريخ (السودان) بعد نقابة السكة الحديد. وشارك ممثلوها في المؤتمر الثالث لنقابات السودان في عام 1954.

في عام 1964، في عهد حكومة الفريق عبود، جرت أول محاولة لتحسين أوضاع عمال الشحن والتفريغ داخل البواخر، وذلك من قبل اللواء محمد نصر عثمان السواكني وزير الاستعلامات والعمل آنذاك. فقد كان أول شخص يقوم بفتح باب المفاوضات الجماعية بين شركات الملاحة ونقابة عمال الشحن والتفريغ داخل البواخر. وشجع العمال على تحسين مظهرهم لأنهم يمثلون واجهة البلاد. وقامت النقابة بمحاولات لإزالة التفرقة في الأجور.

قامت الخطوط البحرية بعد إنشائها عام 1963، باستيعاب 4 كلات في الخدمة المستديمة. وتضرر عمال الشحن والتفريغ داخل البواخر منها لأنها خفضت نسبة تشغيلهم.

في عام 1975 طالبت نقابة عمال الشحن والتفريغ داخل البواخر بتحسين أوضاع أعضائها. وتكونت لجنة وزارية قدمت توصيات ماتت في مهدها. ثم تكونت لجنة وزارية ثانية عام 1982 توصلت لنفس نتائج سابقتها ومصيرها. وهكذا تهمل مطالب العمال البجه من كل الحكومات الشمالية العنصرية التي تستغل جهدهم وعرقهم.

جمعية العمال التعاونية

إن عمال الشحن والتفريغ داخل البواخر عانوا ولا زالوا يعانون ويدفعون ضريبة رفاهية (السودان) التي تستمتع بها الشمالية. وأدت مساعيهم الحثيثة لتحسين أوضاعهم إلى قيام جمعية تعاونية انتدب لها تعاونيون من عام 1978 إلى عام 1986. وبالصبر والإصرار شيدت عمارة عام 1980 وذلك من مساهمات الأعضاء. كذلك منحت الجمعية قطعة أرض بالشاحنات بالكيلو 8 بالدرجة الأولى، وذلك لبناء مصنع للثلج والمياه الغازية. ومع دخول الآليات الحديثة وتحويل بعض البواخر إلى ميناء سواكن، قل الطلب على العمال، وتردت أوضاعهم المعيشية المتدنية أصلاً. وتأثرت مشاريع الجمعية الاستثمارية. وبالرغم من هذا لم تهتم الدولة بمن خدموا نهضتها لقرابة القرن من الزمان. واليوم مع ابتداء العولمة واستخدام الحاويات التي احتكرها الشماليون ، فإن مصير هؤلاء العمال سيكون الفناء.

عمال الشحن والتفريغ داخل البواخر

جاء في دراسة بعنوان Xإدارة العمل ودورها في التنمية إعداد حسين عبد الرحمنZ ما يلي: بدأ عمل هذه الشريحة من العمال بصورة منظمة عام 1909، وكونت لها لجنة لتسيير عملها، وتضم تلك الشريحة مجموعة عمل موحدة من الآتية:-

سائق كرين أو الدرك. الأشرجي وكذلك الطلبجي، رئيس الكلة ومجموعة العمال ثم العداد. ويدار هذا العمل بواسطة لجنة شؤون عمال الميناء ولجنة الاتحاد وفقاً لنظام ميزانيات محددة وضوابط عمل واضحة، ويسود العمل نظام المقاولات لتحسين الأجور.

ونسبة لعدم وجود تكافل اجتماعي أو ضمانات اجتماعية فإن نظام الوراثة عند الوفاة يسود، باعتباره استمراراً لإعالة الأسرة. ولهذا النظام أضراره الاجتماعية إذ جعل الهدف الأساسي هو العمل بالكلة بدلاً من وظائف تكون ذات فائدة في الأجر واستقرار العامل. وفي هذا العام خطونا خطوة في سبيل ادخالهم مظلة التأمينات الاجتماعية إلى جانب الصندوق التكافلي للذين لا تشملهم مظلة التأمينات الاجتماعية والهجرة من الريف التي استمرت لسنوات طويلة. ويتم التعايش بين عمال الكله وإخوانهم القادمين من الريف لمنحهم أيام عمل للإعاشة وسد الرمق. لقد قل العمال في الموانيء بسبب ادخال الآليات ولا بد من البحث عن مجالات جديدة للعمل خاصة مع الهجرة المكثفة من الريف.

عمال الشحن خارج البواخر

كانت هذه الشريحة من العمال تعمل بأجور زهيدة تحت استغلال مقاولي الأفراد الذين يأكلون ثمرة جهودهم، وانتظموا في جمعية تعاونية يجلبون العمال للشركات والهيئات، ويقومون بصرف الأجور نيابة عن الشركات والهيئات ويحصلون على 10% من الأجور. وأجور العمال ضئيلة رغم تعديلها كل عامين بواسطة لجنة الأجور. وينتشر هؤلاء العمال في الأحياء، مما جعلهم منفتحين على المجتمع فاكتسبوا عادات وتقاليد جديدة أدت لتنمية قدراتهم وتعلموا مهن أخرى إلى جانب مهنة الشحن.

عمال الشحن والتفريغ في ميناء الأمير

جاء في نفس المرجع السابق ما يلي:- هذه الشريحة من العمال هي من ضمن الشرائح الموجودة ببورتسودان. ولكنا وضعنا لها أسس علمية جديدة تتحاشى سلبيات التكوين التي تطبق في بورتسودان. وبالتالي تم دمجهم في مجموعة عمل موحدة تعمل داخل وخارج البواخر بصورة منظمة لتنمية التداول في كل المواقع. وبالتالي استطعنا أن نوحد العمال في بوتقة واحدة. وكما أن مجموعة العمل لم تكن على أساس قبلي وإنما تم جمع العمال جميعاً في مجموعات عمل يشرف عليها رؤساء مجموعات، وهم يتناوبون على العمال دون أن يكون لهم عمال معينيين، وبالتالي أبعدنا رؤساء المجموعات عن الضغوط التي كان يتعرض لها رؤساء الكلات Xمجموعات العمال، المفرد كلا أو كلةZ. كما أن جعلنا رئيس المجموعة لا يتحكم في تعيين العمال حيث إنتهى الإنتماء إلى القبيلة وأصبحوا يمثلون قومية واحدة مشدودة إلى العمل بدل القبيلة. كما أن رئيس (الكلا) كهدف يسعى إليه الجميع قلل من السعي إليه بعد الإلغاء مما يجعل العمال يتجهون إلى العمل بشتى أنواعه وخاصة المهن الحرفية، وسوف تشمل مظلة التأمينات كل عمال ميناء سواكن عند التطبيق.

الرؤيا المستقبلية لتحسين الظروف الاجتماعية والمعيشية لعمال الشحن والتفريغ:

1 ــ تقوية جمعياتهم التعاونية والتخطيط لإرتياد آفاق جديدة لمصلحة هؤلاء العمال، وإيجاد مصادر تمويل لها لتطرق المجال الزراعي والمجال الخدمي.

2 ــ تخطيط مشروعات زراعية وتسجيلها وبناء مساكن نموذجية ليتم استقرار أسرهم وإنشاء مراكز للخدمات.

2 ــ وضع خطة لتدريبهم على مهن أخرى للاستعانة بهم عند نقلهم من هذه المهنة بصورة تدريجية.

4 ــ التحديث المستمر للموانيء ولمواقع العمل الأخرى سوف ينتج عنه فائض عمالة تترتب عليه آثار اجتماعية سيئة، ولا بد من معالجة هذا الوضع بعد الحصر، ثم استيعابهم في المشروعات التنموية التي تقام في المحافظات الثلاث.

الاستخدام المؤقت

بالإضافة إلى مجالات الاستخدام التي سبق ذكرها فهنالك الاستخدام المؤقت في المشاريع الكبرى مثل خط أنابيب البترول وطريق بورتسودان الخرطوم وتشرف على العمالة في مثل هذه المشاريع شركات (مقاولة الأفراد) الشمالية التي تعمل كوسيط بين الشركة المنفذة للمشروع والعمال وتقوم هذه الشركات باستغلال العمال البجه بمنحهم ربع الأجر الذي يستحقونه بينما تتقاضى من الشركة المنفذة للمشروع ثلاثة أضعاف ذلك.

 

مركز التدريب المهني

جاء في نفس المرجع السابق ما يلي:- تخرج من مركز التدريب المهني ببورتسودان منذ إنشائه (2229) طالباً في سبع دفعات أولها عام 1982. وتخصص منهم 967 في برادة الصناعة، و687 في ميكانيكا السيارات، و451 في كهرباء السيارات، و69 في التبريد والتكييف، و55 في الإلكترونيات.

 

1 ـ (11) ـ نحو إيجاد حل لمشكلة القوى العاملة في بلاد البجه يجب إنشاء مراكز تدريب مهنيين ببورتسودان وكسلا والقضارف لتدريب خريجي المدارس الثانوية العامة والعاملين حالياً في المهن لرفع مستوى أدائهم وكفاءاتهم ولسد إحتىاجات البلاد.

2 ـ إنشاء دور للثقافة لتثقيف العاملين وربطهم بالانتاج ورفع مستوى وعيهم النقابى وتكثيف محو الأمية وتعلىم الكبار الوظيفي بين فئات العاملين.

وبما أن نوعية العمل الذي يؤديه عمال الشحن والتفريغ كعمال عرضيين تؤدى إلى تذبذب في مستوى دخولهم من شهر لآخر الشيء الذي لم يساعد في تحسين مستواهم الاقتصادي والاجتماعي، وبما أنهم يمثلون ما يقارب نصف العاملين بمدينة بورتسودان ويلعبون دورا هاما في تشغيل الميناء فإننا نرى:

أ ـ العمل على استيعاب عمال الشحن والتفريغ داخل البواخر في الخدمة المستديمة.

ب ـ أن تقوم إدارة الميناء بسد إحتياجياتها من العمال المستديمين من بين عمال الشحن والتفريغ خارج البواخر، حتى يمكن حصر الأعداد المتبقية لتسهيل مهام استفادتهم من الخدمات التي تقدمها الجمعيات التعاونية المنتمين إليها، والشروع في إنشاء مجلس محلي يرعى شئون عمال الشحن والتفريغ بمدينة بورتسودان اقتصاديا واجتماعيا، ويمكّنهم من أداء دورهم بكفاءة وإقتدار واشراكهم في التأمينات الاجتماعية.

وبالنسبة للتعيينات الجديدة في الخدمة يجب أن يتم التعيين من أبناء البجه. كما يجب الإهتمام بتدريب الكوادر التي تعمل في مجال الأعمال البحرية بغرض تجويد الاداء ورفع الكفاية.