العادات والتقاليد

كانت البجه قبل اختلاطها بالعرب المسلمين تورث ابن البنت أو ابن الأخت دون ولد الصلب، وكانت هذه عادة متفشية بين الأفارقة الوثنيين وربما يولد البجاوي ولا يسمى إلا بعد أن يبلغ أشده، فتكون صفته هي اسمه. فلما جاء العرب وانتشر الإسلام بأرض البجه تركت التسمية بالصفات وتلاشت إلا الألقاب وأصبح لكل بجاوي اسم.

وهناك تقاليد يلتزم بها الرجل البجاوي ولا يحيد عنها، فالرجل إذا حلب دابة لا يشرب مما حلب حتى يذوق اللبن إنسان آخر، وهو مسئول عن رعاية المواشي وسقايتها وزراعة الأرض. وفي بيته لا يأكل مع زوج ابنته ولا يجلس على فراش زوج ابنته، وأحيانا يعامل زوج الأخت بنفس المعاملة. وإذا حدث خلاف بين أخوين أو عائلتين فكل رجل يقف بجانب أقاربه.

والرجل إذا كثر علىه العمل أو طال زمنه يقطعه بالأغانى، والرجل لا يزوج ابنه إلا بابنة أخيه على شرط أن يدفع الوالد المهر إلا إذا كان الابن غنيا فإنه يندر أن يخضع لرغبة والده. ويكرم الرجل ضيوفه وإن كانوا من أقاربه فإنه لا يقدر أن يعين لهم يوما للسفر ولو مكثوا أعواما.

ويتولى الرجل خطبة المرأة لابنه بعد أن يأخذ معه بعض الأجاويد، وموافقة أم البنت شرط أساسي. ولا يأكل الرجل مع زوجته أو مع أمها، والنسيبة لها إحترام خاص عنده، ولا يتلفظ بإسم زوجته وكذلك هي لا تلفظ اسم زوجها أو أبيه، وللرجل عند زواجه أصدقاء يسمون وزراء. وإذا كان للرجل قضىة ضد أي بجاوي يرفعها إلى المجالس الخاصة ويجتهد في البعد عن دار الحكومة. وإن مات رجل عظيم من البجه تذهب النائحات حاسرات الرؤوس إلى دور الحكومة حيث كان يتردد المتوفى. والرجل لا يرد على المرأة ولو أساءت إلىه أو أهانته.

وجرت العادة ألا يتعشى الرجل لوحده، فإذا لم يجد ضيفا ذهب بعشائه إلى جاره ويأكلان معا عشاءهما.

وللمرأة أيضا عادات لا تحيد عنها، فهي لا تحلب المواشي إطلاقا ولا ترعاها ولا تغسل ولا تقابل أي أجنبى وتحتجب عن غير محارمها. والعروس لا تكلم عريسها إلا بعد أن يدفع لها شيئا كهدية ولا تقابل زوجها وجها لوجه ولا تقابل زوج ابنتها أبدا وهي محل احترامه دائما، ثم إنها لا تأكل مع زوجها أو زوج ابنتها، وعلىها مسئولية البيت كله، وتتولى تربية الأطفال. ولهذا فللمرأة إحترام خاص عند البجه.

الفكر والمعتقد والشخصية

جاء في كتاب (يوميات باحثة مصرية في حلايب) للدكتورة نادية بدوي، ما يلي عن الفكر والمعتقد والشخصية بالنسبة لشعب البجه (تتصف قبائل البجه بالثبات والاستمرار النسبي، ويبدو هذا واضحاً من استمرارها بنفس الاسم وبنفس الموطن لمدة تزيد على ستة آلاف عام. والثبات على نفس النظم القديمة التي ورثوها عن أجدادهم القدامى. فمن ناحية النظام الاقتصادي نجدهم مارسوا الصيد والقنص من عام 4000 ق. م. وحتى عام 500 ق. م. وبعد أن دخل الجمل مصر عرفوه ومارسوا الرعي حتى اليوم. ومن ناحية المعتقد نجد أن الديانة البجاوية وهي خليط من الديانة الفرعونية والرومانية والزنجية ما زالت تعيش وتحيا وتمارس من خلال العادات والتقاليد التي تمارس في الزواج والميلاد والوفاة والحياة اليومية بالرغم من إعلانهم بالإعتقاد بالدين الإسلامي. وتعتبر اللغة البجاوية العائق الأساسي الذي يعوق البجه عن فهمهم العقيدة والشريعة الإسلامية.

وكان للبيئة أثر عظيم في عزلة هذا الشعب داخل الصحراء وحفظه بعيداً عن المؤثرات الثقافية التي يموج بها وادي النيل، ونتيجة لتلك العزلة أضحى لدينا شعب مميز في شكله الفيزيقي والذي يقترب كثيراً من ملامح المصريين القدماء، وأيضاً في ثقافته ولغته حيث تعتبر اللغة البجاوية شقيقة للغة الفرعونية وينتميان لأسرة واحدة هي أسرة اللغات الكوشية.

ويتميز البجاوي بالروح القتالية، فحب القتال قيمة أصيلة ومتأصلة فيه يحرص عليها، وترجع جذورها إلى العصور القديمة حيينما خرج من شعب الصحراء الإله (منتو) الذي عبده قدماء المصريين وجعلوه إلهاً للحرب ورفعوه لمرتبة الآلهة العظمى وجعلوه زوجاً لـ (إيزيس) ولنا أن نتصور حال الشعب الذي إنحدر من إله الحرب ــ فالحياة في فلسفته هي الحرب ... والحرب هي الحياة، ويشهد التاريخ على تلك الصفة فهو مليء بالمعارك الكثيرة بين فروع البجه، وبينها وبين جيرانها. وإذا كان حب القتال هو محور الشخصية البجاوية، فإن الملامح الأخرى للشخصية تتمم وتكمل تلك الصفة مثل الصلابة والكبرياء وعدم الخضوع وأيضاً الجمود العاطفي.

ومن خلال العرض السريع لفكر ومعتقد وشخصية البجاوي، نتأكد من أننا أمام شعب يحتاج لأسلوب وفكر خاص يساعدهم ويعينهم على التنمية التي تأخذ بأيديهم لركب التطور وفي الوقت نفسه لا تعرضهم لأزمة فقدان الذات والتوافق الطبيعي الذي حققوه مع البيئة والحياة الاجتماعية خلال ستة آلاف سنة. ومن هذا المنطلق أطرح تصوري لتنمية المنطقة بشكل متوازٍ من خطين. الأول يتم فيه استغلال وتطوير الثروة الحقيقية التي تملكها الصحراء دون استحداثها، والخط الثاني يتم بتنمية الشخصية البجاوية دون إلغائها أو تشويهها.

حـيـاة الـبـجــه

توجد بعض الاختلافات البسيطة بين البني عامر وبقية قبائل البجه الأخرى في نمط الحياة، خاصة المسميات، نسبة لإختلاف اللغتين التبداوية والبني عامرية. وسنورد أولاً ما يخص قبائل البجه الأخرى ثم نتبع ذلك بما يخص البني عامر.

جاء في كتيب (نمط الحياة) من إصدار جمعية الثقافة البجاوية بالقاهرة حول نمط حياة البجه الآتي (للبجه في تجوالهم للرعي ثلاث رحلات، رحلة الخريف لمنطقة جنوب خور عرب ومشرق نهر أتبره وحول القاش وسيتيت (اللون الكبدي) ومداخل إريتريا وإثيوبيا ــ وتسمى (تَمارَ)، وفي الشتاء يتجه الرعاة إلى ساحل البحر الأحمر حيث موسم الأمطار وهناك تسمى المنطقة (قُنُب)، وفي الصيف يتجهون إلى أعالي الجبال وبطون الأودية في وسط منطقتهم حيث يكون الجو معتدلا وحيث تثمر الأشجار وتخضر وتتوفر المياه في الآبار، وهي المنطقة التي يستمر استقرارهم فيها أكثر من أي منطقة أخرى خلال تجوالهم وتسمى (دَامَرْ). أثناء ترحالهم ينقلون العروس (تُدُوبَا) أو المرأة الحديثة الزواج (قَيِت دُوبَاتْ) في هودج (أتفْات) على جمل أليف ويزينون الهودج بريش النعام والحرير والسكسك والودع ويعلق فيه جرس (كَلَأْ).

تبدأ التحية عند الرجال بالسلام والمصافحة بالأيدي (تُو شُوبْ). وتسمى تحية النساء (تُ رْهَبَ). تصافح المرأة المرأة الأخرى باليد اليمنى مع وضع خدها على خدي الأخرى ثلاث مرات، تبدأ بوضع الخد الأيمن على الأيمن ثم الأيسر على الأيسر وأخيرا الأيمن على الأيمن. بعد المصافحة عند أي من الجنسين يدخلون في السؤال عن أحوال الطرف الآخر (دَبَيْ دِلْهَيْتْ) والتفاصيل الأخرى.

 

المساكن

يتخذ البجه بيوتهم من البروش والشمال وعيدان السدر والسيّال. يبنى البيت على ثلاث ركائز (هُمَّرْ) بأطوال مختلفة تسند على شعبة (فُوت) أمامية ووسطى وخلفية (رْادَايتْ فُ)، وتدق أربعة أوتاد (قَسَنِ). تفصل شملة بين سرير النوم (تَرَنيبْ)، وبين الجزء الخارجي (تيفُ)، ويسمى السرير الكبير (أمباجيب). وفرشة النوم (بأَدِيبْ) من الحصير وجلد الجمل (قَلُوتْ). يسمى اللحاف (دِلئِكْ) والوسادة من الخشب المنحوت (أُمِترْأَسْ) وفرشته (تُومبأَسْ) تصنع من الجلد، والبرش المزين (مَشكِيتْ). ويستخدم في زينة المنزل (تُ سَاكْوِ) السعف المزين بالشعر والحرير والودع والستارة الأمامية (ت هَبَرَ). الجراب الذي تخزن فيه الأشياء الثمينة يسمى (مِسْوَدْ). يستخدم الجزء الأمامي من المسكن كمجلس ويفرش بالبروش (باد) و(هلس) أو (بأيديب). ويخصص الجزء الأيمن (مَيْ قْوَدْ) لخصوصيات الرجل والأيسر (تَرَهَ قْوَدْ) للمرأة. وتبنى مضيفة صغيرة (اليكَ) خارج المسكن تعرش بلحاء الأشجار (أَتْفَ).

الأدوات المنزلية

يصنع البجه أدواتهم المنزلية من الفخار والأخشاب والحجارة ومن مشغولات السعف والصوف والجلود. فالمطحنة (المرحاكة) تصنع من الحجارة ويسمى (شقا الرحى) الشق الأسفل (تُورْيَ) والحجر (تِيَولابْ)، وكذلك يد الفندق (كُوتَنَ) ومقداحة النار (نِتَادْ) المكونة من حجر يدق عليه بحديدة على شكل سوار بيضاوي يمسك بقبضة اليد وله فتحة في المقدمة يبرز فيها طرفا السوار للخارج بشكل دائرتين صغيرتين. ويستخدمون ثلاثة حجار أثافي (دَقِينَاتْ) يضعون عليها إناء من الفخار للطبخ (تُو وْأَ). ومن الفخار يصنع أيضا إبريق القهوة والمبخر (تُوتْفَ)، وإناء العجن (كَلهُوتْ) وإناء البليلة (كَلِيوتْ) والأزيار والأباريق والركوة. ويصنعون من الجلود القرب (إسَرَ) وفرشة للدقيق أثناء الطحن (مَمَرْ)، و(تُ هَوَتْ) للسمن والحليب، و(هَلْبَتِ) للسمن والعسل، والدلو (تُ دِرْكْوَ)، والجراب (نَفِيتْ) و(مسود) وهو جراب كبير، و(إينِيسْ) وهي مساند الجمل، و(ت مِبْرَرْ) وتلقى على عنق الجمل عند ركوبه، ولزينة الجمل عند ركوبه (ت هََيْفُ)، وحزام ربط السرج على الجمل (قَارَتِيتْ)، ويزينون رأس الجمل بــ (هَسَكَاتْ)، و(تُ أَرْسِ) للفرش فوق سرج الجمل وتصنع من فروة كثيفة الصوف. ومن الجلود كذلك يصنعون الصنادل التي تشبه الصنادل الفرعونية في شكل سيور متعارضة، وغمد السيف (تُ بَرْشَمْ)، وجفير الخنجر (يَقْ)، و(أُهَبَ) وهو حزام عريض يلبسه الرجل ويضع فيه خنجره المسمى (سُوتال) أو (شُوتال)، وحزام الخصر لوضع النقود (كَمأَرْ)، ومحفظة النساء (تُ كِيسْ) والمصلايات. ويصنعون من الأخشاب قدح يسمى (كُوبَاتْ)، ومنه نوع كبير للضيوف (أُسْ)، والهاون (فِنتِكّوْ)، وسرج الجمل الأسود (إيكُورْ)، وسرج الحمار (تِكُولْ) والسلوكة (شَلّوكْ)، والملاعق الصغيرة (مْؤُيتْ)، لأكل البليلة، والملعقة الكبيرة (مؤي)، وأداة هز الشجر لإسقاط الثمر (هَايْتْ) لإطعام دوابهم، ومن الخشب أيضا يصنعون مقبض الخنجر (أَدِيرْ). ومن السعف ينسجون البروش الكبيرة (بأداب) والصغيرة (أتنيت)، ويصنعون أواني الحلب (أَمُولْتْ) و(كَفَلْ)، و(تَرْ) لنظافة الذرة، وحبل الدلو (أُنَوَرْ)، والمصلايات (سِيلِيِلنَيَتْ)، وعقال الجمل (تَدُو) وقد يصنع من الجلد أيضا. وينسجون من الصوف الشمل، وأنواع من الحبال وعنان الجمل (هَسَالْ) وحبل الدلو (أنور)، وحبال لتثبيت الخيمة واستخدامات أخرى (يَيْتْ)، والجراب (تُوِشْ)، ولحفظ الذرة أو الدخن (تُ أَرارَه)، وأكياس مزخرفة للحمل على الجمل (مُكْلاتْ) تتدلى على جانبه الأيسر.

يوم من الحياة

يقيم البجه مساكنهم في مناطق الآبار. ويبدأون يومهم بالصلاة ثم بشرب القهوة ثم يتناولون بعده وجبة الإفطار. يتكون أكلهم من عصيدة الدخن أو الذرة المغمورة بالحليب. يقوم الصبية من الجنسين برعاية صغار الماعز والضأن قريبا من الفريق. ويقوم الكبار برعي الإبل في المراعي البعيدة، حيث يطلقها ويجلس تحت شجرة يشرب القهوة ويعزف على الناي (أمْبِيلهُيْتْ) أو النآي (باسَنكْ). أما النسوة فيقضين يومهن في الأعمال المنزلية مثل، جلب الماء من البئر، استخراج السمن من اللبن، شرب القهوة، رمي الودع وتجهيز الغداء حيث يلتئم فيه شمل الأسرة.

يختلف موعد حلب البهائم عند رعاة الإبل (إمِشْأرِ) عن رعاة الغنم (إيَتِيقَ) الذين يحلبون البهائم بعيد المغرب، ثم تطلق صغار البهائم لترضع المتبقي في ضروع البهائم. تربط البهائم الصغيرة عند أفول نجمة في الأفق الغربي (ت أباب هاكْولِ)، ومعناها الإجمالي النجمة التي تربط عند أفولها صغار البهائم. أما رعاة الإبل، فينيخونها حتى يتجمع الحليب في ضروعها (هـ أمْدِ). عندما تحن الإبل (أُنْأتِ) تصدر أصواتا (هـ أريِّتِ)، يتم حلبها على دفعتين. الأولى، بعد المغرب عند غياب نجمة المشتري (شْآمِدْ) أو (أمدُويتِ هَيُوكْ) وتعني النجمة التي تجمع الحليب في الضروع عند أفولها. يتم الحلب الثاني بعد فترة تسمح بتجمع الحليب في الضروع مرة أخرى. يهجع البجه للنوم مبكرين بعد العشاء إلا في المناسبات.

الولادة ومراسمها

تتم الولادة في البادية عن طريق الحبل. يربط حبل في الشعبة الرئيسية في المسكن (أُهُمَّارْ) لمساعدة الحامل على تحمل آلام الطلق ودفع الجنين إلى أسفل. تمسك الحامل بالحبل وتجلس على سرج الجمل (بَسُورْ) وتستند على إمرأة أخرى وتجلس إمرأة ذات خبرة باعتبارها مولّدة. بعد خروج الوليد، وربط سرته، يأتي الأب فيعمده بأن يؤذن في أذنه اليمنى، وينطق بإقامة الصلاة في أذنه اليسرى. بعضهم عند التعميد يقول الأب في أذني الوليد ما معناه، كن رجلا حامل سيف أو رمح أو درع، كناية عن الدفاع عن الأسرة والقبيلة. يسمي الأب بعدها ناقة أو جزء منها كهبة للوليد. يسمى ذلك (أتْفَاي وَاكْ) ومعناها قطع السرة. تأخذ المشيمة (أُهلاَسْ) مجموعة من النسوة يمشين في شكل زفة يغنون (ت أَمْنَايْ وأُورُوكْ إمُومِ يّكِ) من وإلى شجرة عالية تربط فيها المشيمة، أو ترمى في البحر إذا كان قريبا، هذا بالنسبة للولد. أما بالنسبة للبنت، فتدفن مشيمتها قرب الشعبة الخلفية من البيت دلالة على رجاء استقرارها في البيت. من طقوس ذلك اليوم، بعد ذبح الكرامة، التحنيك (تُ أكِيكَ)، ويقوم فيه شخص من الأسرة يكون معروفا بالشجاعة أو الكرم أو الورع بتذوق لبن بقصد مباركته ثم يعطيه للوليد قائلا كن شبيها بي أو أحسن مني (تَرُ تْئثيهِيب تَرُ هَيِسَهِيبْ). تقام السماية للمولود ذكرا كان أو أنثى في اليوم السابع. ويسمي الأب المولود. تدفن سرة الأنثى خلف البيت، للدلالة على رغبتهم في مكوثها في البيت. أما سرة الذكر فتدفن قرب مسجد رغبة في تدينه، أو ترمى في السيل رغبة في أن يكون خيّرا. يكون الختان في نفس اليوم للذكر. أما الأنثى فيتأخر ختانها قرابة الشهرين، ويكون فرعونيا ويفضل له يوم السبت، لإعتقادهم بأن الجرح سيلتئم بصورة أسرع مثل نطق السبت (تُو سب). تضع الأم مولوديها الأول والثاني في بيت أمها، وتظل هناك فترة تسمى (أمنوُيتْيَ) وهي فترة النفاس ولا تقل عن أربعين يوما لا يراها فيها الزوج وتذبح في نهايتها بهيمة صدقة ويحضر هدايا لزوجته وأمها.

في التنشئة

يتغذى الطفل إلى جانب حليب أمه بالزبدة والسمن. ومن العادات أيضا تعليق سيف، مسحوب قليل من غمده، فوق رأس الوليد، ويحتفظ بجرس (كلأ) يدق قرب الطفل الذكر في الصباح والمساء، وترسم على جبهة الوليد علامة زائد تسمى قدم الغراب (كِيكْآيْ رَقَدْ) لمنع الحسد عنه. وعندما يبلغ الطفل السادسة يرعى صغار الغنم مع أنداده ويلاعبهم، ويجالس الكبار ليتعلم منهم الرعي والفروسية والحكمة.

ولا يدخل الصبي أماكن النساء. أما البنت فتكون مع أمها لتتعلم أمور البيت، ويحلق شعر البنت بحيث يبقى بعض الشعر في مقدمة الرأس وبعض آخر في المؤخرة على الجانب الأيمن، وقبيل بلوغها يحلق كل شعرها فيما يسمونه (أشكُوتْ) ويترك لينمو بعد ذلك. ويمشط الشعر عند البلوغ حيث يطلق على البنت (شِنْدَاويايتْ).

أما الصبي فيحلق له في البداية مثل البنت، وفي سن العاشرة يترك له شعر في أعلى الرأس ويحلق الباقي، وعند بلوغه يحلق كل شعر الصبي ثم يترك لينمو ويجدل بعضهم الجزء الخلفي من الشعر.

ألعاب الصبية

منها ما هو معروف مثل (الاستخباء) والتي يسمونها (هَمَشَى أَنقلُوىْ)، ومعناها البعير الأعمى، والسباق، والمصارعة (ألوقَ). ومن ألعابهم القفز الطويل (تُو يَاسْ)، والرماية (هلب) أو (هَدوبابْ)، والمدافعة بقدم واحدة (أندويتْ)، والتهديف (أتميتْ)، ولعبة الحفر ونرد من عدد من قطع الخشب وتسمى (تُ سِدِّءِ).

ألعاب البنات

وتلعب البنت لعبة (كُلتابْ) أو (كْوندبيتْ) بسبعة أو خمسة حجارة وهي جالسة تلقي ببعضها في الهواء ثم تتناول التي في الأرض، وتسمى المرحلة الأولى منها (أبِسم) والثانية (أمْهيْ)، والعاشرة (بِيلَ)، والأخيرة (تَلوْ) أي البرق. ومن ألعابهن أيضاً القفز إلى أعلى في وضع جلسة القرفصاء (تِفِدئيتْ).

طقوس الزواج

يسمون الزواج (دُوباتيبْ)، ويزوجون أبناءهم وبناتهم في سن مبكرة، وهو من مهام الآباء، ويكون من داخل الأسرة وغالباً ابنة العم. وتقدم هدايا في الخطبة (سِليليتْ) أو (اْمسَيْتْ). وعند حفل الزواج يذبح حمل أبيض (إيلَ هُوب)، ويسمى اليوم الأول في الاحتفال (سنكواب). وتدق النسوة على الطبل. ويتم عقد القران (أُو سَفْ) مساءً، وفيه يدفع العريس الصداق الشرعي (تَمنَيْتْ). وقد يدخل العريس في شراكة مع زوجته (مِتلويبْ) بدفع قدر صداقها. أما المهر العرفي، ففيه تأخذ أم العروس ناقة أو قيمتها، ويأخذ الأب جملاً (قِرْمايْ أبِكِ كَامْ). كذلك يدفع العريس من 6 إلى 12 معزة أو نعجة (قَوِيتْ نْأيْ) أي مراح البيت، ويهب اسمياً سبع من الأغنام للسيف وسبع للدرع وسبع للحربة. ويمنح الضيف الذي من قبيلة أخري تكريماً له الجانب الأيسر من البهيمة (قّودبْ). يلبس العريس شال أحمر على رأسه (أُسبيبْ) أو (أُدوبْ)، وعقد نسائي من الذهب (مِسكيتْ)، ويلبس في يده اليمنى سوار من الفضة (كِوليلْ) وسوار من السعف في يده اليسرى كما يلبسه أصدقاؤه (دُوباي أَرْ). ويحمل العريس سيفاً ويلازمه إثنان من أصدقائه الشبان، يفضل أن يكون أحدهم متزوجاً.

يسمى اليوم الثاني في العرس (تَمِبْرْ) أو (تَمرتْ)، وتذبح فيه الذبائح ويدقون على الـطبل مصحوباً بأغاني الفروسية وسباقات الهجن، إلى جانب العروض الأخرى مثل رقصة العنق (كويت)، والرقص بالسيف والدرع (أدريت)، والقفز (بيبوب) وعزف الربابة. وهناك أيضاً رقصة الفروسية (هوسييت) بالسيف والدرع. وفي المساء تغني النساء على إيقاع الـطبل بحضور الزوج في البيت الجديد. وتزف العروس لزوجها فيلمس جبينها (تروت تهْ) فيتلو بعض الآيات والدعوات.

في اليوم الثالث أو الخامس تذبح الذبائح، وتستمر الاحتفالات لكشف رأس العروس (قِرماي نِقول). ويدخل العريس المنزل ويخلع عنه أصدقاؤه المنديل الأحمر وينزع السوار والعقد ويوضع الشحم على رأسه ويتدهن الحضور بـ (الودك) وهو الشحم و(ضريرة) وهي خليط من مسحوق من جزوع الشاف والصندل، وضريرة النساء يضاف لها المحلب ومسك وجوزة وظفر وبعض العطور المخلوطة بالصندل. وتجلس النسوة عند مدخل البيت ويجلس الزوج وأصدقاؤه بالداخل حيث تدور حوارات طريفة بين الفريقين. في اليوم الرابع يهدمون بيت الزوجية ثم يعيدون بنائه بشكله النهائي. ولا يعاشر الزوج زوجته تلك الليلة. وبعدها تأتيه بعد صلاة العشاء وتخرج بعد صلاة الصبح وهكذا حتى تضع الزوجة.

عند بعضهم، تتم مراسم كشف الرأس في اليوم الثالث ويذهب العريس بأصحابه (دوباي آر) بعيداً ويذبحون بهيمة يغطون من شحمها رأس العريس، ويبيتون هناك بعد خلع المنديل والسوار. وفي مساء اليوم الرابع يأتي العريس وأصحابه للبيت الجديد. وتستضيفهم النسيبة. ويغادر الأصحاب صبيحة اليوم الخامس ما عدا إثنين منهم، يتركونه في المساء. وبعد أسبوع يغادر العريس لمنزل أبيه وهو لم يقرب عروسه قط. ويعود بعد سنة.

 

 

الحمل

لا تظهر الحامل حملها حتى لأقرب الناس إليها، وتستشفه والدتها. ومن ثم تحرص النساء على القيام بالأعمال المنزلية نيابة عنها.

الـوفـاة

تتم مراسم تحضير الجثمان للدفن وفق الشريعة الإسلامية، ولا تخلو من عادات قديمة جداً، إذ يحرصون في بعض المناطق على الغسل بلحاء السدر. وأثناء ذلك إذا كان المتوفى ذكراً، تجهز النسوة قدحاً كبيراً من نبات القرع (كبور) وتطرق النسوة عليه وينتحبن وينثرن التراب على رؤوسهن ويعددن مناقب المتوفي، وتلبس قريباته ملابسه (أُ ــ هبل). وتستمر المراسم ثلاثة أيام حيث ترقص قريبات المتوفى بالسيوف وهن يرتدين ملابسه (مِستهْ). وإذا كان المتوفي شخصاً له أهمية خاصة، تضاف النقارة للمراسم، وتطوف النساء بمكاتب الدولة بالسيوف المسلولة. وفي المأتم لا تقدم القهوة أولاً كعادتهم، بل يقدم الطعام ثم بعده القهوة. ولا تبارح الأرملة بيتها، فترة العدة الشرعية، وترتدي ثوباً أبيضاً وحذاءً قديماً ولا تتطيب ولا تستحم إلا أيام الجمع، ويصفف شعرها في ضفائر غليظة (كيدوب). ومن عاداتهم ألا يبكوا ولا يفرشون على من مات مقتولاً، حتى يقتل قاتله. ويهدمون بيت المتوفى ويعيدون بنائه بعد الأربعين وبعد قلب بروشه.

أسـلـحتـهم

يكنونها (تِين)، تحاشياً لذكر اسمها المباشر وتعني الكلمة (الأشياء). وأسلحتهم هي السيوف والرماح والدروع والخناجر والعصي، وتشتهر أربعة (تين فدق) وهي السيف والدرع والرمح والعصى. ويسمى السيف (مأدد)، ومن السيوف المزين بالفضة والحرير (أوكار)، والطويل ذو النجمة (أ ــ سليمان)، والذي عليه هلالان (إيراب نافيب)، إضافة إلى (متكور) و(دامشا). ويسمى الرمح الحديدي (تُ نِديتايْ)، وغيره (هِندياي) و(جِسر يَاي) أو (يِسرياي) ويكون من الخشب ونصله من الحديد. والدرع عندهم دائري من الجلد مع بروز في وسطه لقبضة اليد التي تلبس بالحديد. والدروع ثلاثة أنواع هي: (كُربياي) وهو سميك وأثقل وكان يصنع من جلد الفيل، والثاني (داشكاب) ويصنع من جلد التمساح، والثالث (تُ ايسنتياي) ويصنع من جلد فرس البحر، وهو أكبر ممن سبقاه، ويوجد أيضاً نوع آخر يسمى (أقباياي). وتسمى العصي الجمع (كوليات)، ومنها (رَبَ كولي) وتكون ضخمة وطويلة مستقيمة، وتصنع من شجر السلم (دَلاو) أو من شجر (لشم) أو (زُو نهِ) وهي عصى لا تقطعها السيوف. أما الـ (بلبل) ويعرفه البعض بالصبروب فهو مقوس حاد الجانبين يصنع من السلم. وتنقسم الخناجر إلى ثلاثة أنواع. الأول (هنجر) ومقبضه من الأبنوس ورأسه مقوس. والثاني (هُوست) ويقل تقوسه عن الأول وهو أصغر الثلاثة. والثالث (شوتال) ويكون ضخم رأس النصل محدودباً.

عادات بني عامر

من رسالة ماجستير بعنوان (طقوس العبور عند قبيلة البني عامر)، للأستاذ إبراهيم صلاح الدين إبراهيم آدم (أكتوبر 1996).

(إن الموطن الحالي لهذه القبيلة هو منطقة ريفي كسلا ومنطقة ريفي توكر. وينقسم السكان في منطقة ريفي كسلا إلى قسمين من حيث الموقع، فهناك مناطق وقرى في شرق القاش وهناك مناطق وقرى أخرى في غرب القاش إذ أن مجموعة كبيرة من السكان تنتمي لقبيلة البني عامر مع وجود مشاركة بسيطة من القبائل الأخرى من القبائل مثل الهدندوة والأرتيقة والرشايدة والتكارين.

ومن قرى شرق القاش التي تسكن بها هذه القبيلة: ود شريفي، ود شريفي غرب، المشاريع، الرديف، شنبوب الاستراحة، سلكياي شرق، الماريا، دار السلام، عواض، قلسة، أب حشيلة، فرجول، عد يعقوب، عد الهشيت، دمن، جبل هورة، حلة موسى دبت، كرتيّ، حلة موسى، قديياب، أب علقة المدرسة، سلكياي غرب، تل أويت القاش، بيت بعشو، حمد شيخ قموت، سبدرات عد شات، سيدنا عبد الرحيم، عد قيء وعد كلو، عد ايدان، سبدرات، عد أقلوب، حفرت سبدرات، شللوب، كراييت، عد عمر، ود شريفي المشاريع، عد همجور. ومن قرى غرب القاش التي تسكن بها هذه القبيلة: كموياي، تاجوج شمال والهوسا، السبيل بني عامر شرق، سرسور الجديدة باشكاب، اللفة، تاجوج جنوب، عمارة، عدادات وعد أقلوب، عد فضل وآدم بشارة، الجيرة، دبل أويت غرب، دبل أويت شرق، المشعليب، عجيليت، أب روف، سروبياي، أبو جمل، سرسور الجديدة، سرسور القديمة، دبل أويت المدرسة، السبيل بني عامر غرب.

ومن قرى منطقة جنوب توكر، التي تعتبر منطقة خاصة بهذه القبيلة،: مرافيت وعقيق وعدوبنه وعيتربه وعيت وعدارت وعقيتاي وقلهنتي ورِّكب وعندل وقرورة إلخ.

دورة الحياة عند قبيلة البني عامر

الحمـل

تختلف مرحلة الحمل حسب حالة المرأة ما إذا كانت بكراً أو ثيباً. فالأولى تخفي حملها عن زوجها كنوع من الدلال، وأول من يعرف هي أمها. ويعرف الزوج بعد ظهور الحمل. ومن طقوس الحمل المشتركة بين البكر والثيب، اطلاق عبارة (الولد تحنن) أي أن الجنين قد دبت فيه الروح، ويشعرون ويخبرون الأهل والعشيرة بأن هناك حمل، وذلك بطهي البليلة أو ذبح كبش أو بهيمة. وتهتم الأم برعاية ابنتها الحامل. وفي الشهر السابع تقدم عصيدة دقيق الذرة والروب للصديقات والقريبات اللائي يساعدن في تمشيط وتسريح الحامل. في الشهر التاسع تربط الحبة السوداء تعويذة ضد الحسد. ولا تخرج الحامل من البيت ولا تقابل أهل زوجها وإذا رأت والدته تغطت منها. ترتدي الحامل ملابس بكل الألوان ما عدا اللونين الأبيض والأسود. تخصص للحامل مرافقة خاصة لها، وفي كل يوم تعد لها وجبة من (مديدة) السمن وعجينة البلح وعصيدة من دقيق الذرة والروب، ويشمل الغذاء عادة السمن والعسل واللبن واللحم. وتهتم أم الحامل برعايتها وتغذيتها نسبة للمخاطر التي تحف بعملية الوضوع مع تعقيدات الختان الفرعوني وسوء التغذية أثناء فترة الحمل حيث ينتج عنه نقصاً حاداً في نسبة الحديد والهيموجلوبين في الدم، وهذه عوامل مشتركة في كل نساء البجه حيث يقضين بسببها. وتقدم لها وجبة خاصة (القشيشة) وتتكون من الذرة أو القمح الذي يطحن في المطحنة (المرحاكة) ثم يعجن ويصب عليه السمن أو اللبن. إذا تم ذبح أي ذبيحة في القرية يرسل منها جزء للحامل للاعتقاد بأن هذا يجنب سقوط الجنين قبل موعد ولادته. ويقدم للحامل قبل الوضوع ماء يعزم عليه شيخ بقراءة المعوذتين والإخلاص وآية الكرسي وسورة ياسين ليسهل لها الوضوع استشفاءً بالقرآن الكريم.

الميـلاد: يمر الميلاد بمرحلتين أساسيتين

أولاً: لحظة الميلاد (الوضوع)

هناك قابلة تعرف محلياً بـ (الداية) وتكون لها خبرة طويلة ومعروفة في المنطقة وتسمى (داية الحبل) هذا بالنسبة للريف. حيث توضع الحامل على سرير خشبي كبير يسمى (أرقي سفدي). ومعلق من فوقه حبل كي تمسك به الحامل أثناء الوضوع ليساعدها. وتضع المرأة دائماً في بيت أمها ويكون معها القابلة (الداية) والأم وأخواتها، ولا يمكن للنسيبة الدخول معهن في الغرفة مهما كان السبب.

يربط للنفساء ما يسمى (الكجرة) أمام السرير وهي ستارة. ويعلق جرس في مدخل الغرفة وذلك كتعويذة من العين. وتوقد كل مساء خارج البيت نار لمدة أربعين أمسية، للمولود الذكر فقط، كذلك هناك تعويذات ونذر لأجل المرأة الوالدة إذا وضعت بالسلامة. ومن العيب أن تصرخ المرأة أثناء الوضوع مهما كان الألم شديداً. ويذبح لها في ذلك اليوم بهيمة (أبات أبات) وتعني بهيمة بلغة البني عامر، وهي بمثابة صدقة. ويستخلص من اللحم حساء يقدم للنفساء ولا يقدم لها اللحم وهذا يساعدها على إخراج المشيمة. ولا يسمح للرجال بمقابلتها إلا بعد أن تخرج بعد أربعة أشهر. ويستعمل الكحل في رسم علامة الخلود لدى الفراعنة على جبهة المولود بعد ثلاثة أيام من ولادته وتسمى التحميدة. ويؤذن كبير العائلة في أذن المولود. وإذا تعسرت الولادة تذهب أم الحامل إلى شيخ ديني وتطلب أن يشفي ابنتها بالقرآن الكريم حيث يدعو لها ويعطيها (محاية) (الماء الذي يمحى به لوح القرآن) لنصوص من القرآن الكريم. ولا تذهب الواضع إلى بيت الزوجية إلا بعد مولودها الأول، لذا بعد فترة (النفاس) لا بد أن يقدم الزوج ذهباً أو مالاً أو ملابس ويكافيء المرأة التي قامت بخدمة زوجته ثم بعد ذلك يسمح له بأخذ زوجته إلى بيته.

في فترة ما بعد الوضوع، تخلع المرأة كل ما إرتدته من زينة وتلبس زينة من السعف (سعف الدوم). وبعد ذهابها مع زوجها تقدم وليمة صدقة تكون عادة عصيدة من دقيق الذرة أو القمح (القراصة). تخرج مع زوجها في جنح الظلام، وإذا كان المكان بعيداً يمكنهما الخروج في الصباح الباكر، وذلك كي لا يراهما الناس وهذا عُرف متبع.

ما يُفعل للمولود

إذا كان المولود ذكراً تزغرد النساء (إعلال)، سبع زغرودات. أما إذا كانت أنثى فلا يزغرد لها، وهناك تفرقة واضحة بين الجنسين من المواليد. ويلبس المولود أدوات زينة مثلاً من الفضة عند المفاصل والعنق، ويعتقد بأن الفضة معدن نبيل يقي من الجنون والأرواح الشرّيرة. وبعد أسبوع من ولادة المولود، من الجنسين، يعلق له حجاب (السِبْعَاتْ) وبه آيات من القرآن الكريم. ويعلق به أيضاً مادة خشبية قوية مكسية بالجلد وفي داخل الجلد مادة مُطهرة وذات رائحة زكية وتتكون من نبات (النقيع) والمحلب. والغرض منها أن يعضها المولود حتى تقوى لثته وتنمو أسنانه. وتزين المولودة بالخرز (السكسك) و(الديبيريت). بعد أن يرضع المولود أول رضعة له يسقى مادة شديدة المرارة لتساعده على الهضم، وتستخلص من نبات (جابُر).

كان أهل القبيلة في الماضي يثقبون أذن المولود الذكر ويلبسونه حلقاً من الذهب بوزن شعره الذي يحلق. أما الأنثى فينضد لها عقد من حجارة كريمة (السوميت). ويدهن ويمشط شعر المرأة النفساء ويكثروا لها من اللبن والسمن والمديدة (مشروب كثيف من الدقيق) والحساء تحت إشراف والدتها. وإذا كانت النفساء لا ترضع تحل محلها الأخت أو إحدى قريباتها. في فترة ما بعد الولادة مباشرة (الحُرُس)، فإن الأواني التي تستخدمها النفساء لا يستخدمها أو يمسها شخص آخر. هناك بعض الأصوات التي يتشاءمون منها في الأيام السبعة الأولى مثل صوت الحمير والبوم. فإذا حدث هذا تقوم أم النفساء بأخذ عصى وتضرب بها شعاب البيت سبع ضربات، وفي نفس الوقت يتفاءلون ببعض الأصوات مثل صوت الديك. وفي بعض الأحيان ترمي أم النفساء بشيء من الجلد أو القماش كنوع من الحماية والتفاؤل للمولود الجديد. وكان في الماضي يتم كي المواليد في صدورهم بعد أسبوع أو شهر من الولادة لمداواة السعال ولاعتقادهم بأن المولود سيكون شجاعاً.

ثانياً اختيار الاسم (السماية)

تتم تسمية المولود بمشاركة جماعية من أهل القرية أو المنطقة. وأول شيء يعمل للمولود، هو حلاقة شعره بالموسى (العقيقة) وهي سُنة، وذلك بواسطة أحد الأطفال، شرطاً وجود أبواه على قيد الحياة. فإذا لم يستطع الطفل الحلاقة لخوفه أو اضطرابه، يضع الموسى على رأس المولود، ويجيء أحد الأشخاص الموثوق بدينه ونقاء سريرته فيكمل حلاقة شعر المولود. ولا يهمل الشعر المحلوق قط، بل يؤخذ ويوضع في قطعة من الجلد بها سعفة وعود (شنكي باي) ويعلق على الخيمة أو البيت. تنصب العصى إلى أعلى إذا كان المولود ذكراً، أما للأنثى فيكتفى بتعليق الشعر فقط.

إذا لم يكن للأب أو الأم اسم معين لمولودهما، تؤخذ سبع ورقات من شجر العشر ويكتب على كل منها اسماً مختلفاً. ثم ينادى على صبي يشترط أن يكون والداه حيان، فيختار واحدة من أوراق الأسماء ويكون ساعتها الأطفال مجتمعين وأياديهم متشابكة، ويعطونهم لبناً وماءً وذرةً وقشاً، ويرشوها بالأيادي على النار. وبعد أن يختار الصبي الرسم يجري الأطفال في إتجاهات مختلفة معلنين الاسم قائلين: إذا كان الرسم محمد مثلاً يقولون (محمد لعبيب) أي محمد كبر، أما بالنسبة للأنثى فيقولون مثلاً (فاطمة تعبي) أي فاطمة كبرت. وفي بعض الأحيان ترجع النسوة إلي الشيخ الديني، ويسألنه عن الاسم، فيقول لهن في اليوم كذا سمّوا كذا ... وهلم جرا، ولكن ليس هناك اسم محدد لكل يوم ولكنه ضرب من التفاؤل. وفي الغالب يكون الأب مسؤول عن التسمية، ويسمون في الغالب على أسماء الرسول (ص) فنجد أن كل الأخوة في العائلة الواحدة يحملون اسماً مركباً يبدأ بمحمد، مثل محمد سليمان ومحمد علي إلخ، أو يسمون بأسماء الأنبياء الآخرين أو الأباء والأجداد أو الأبطال والفرسان والشيوخ الصالحين. ولا تذكر المرأة اسم والد زوجها احتراماً وتوقيراً، حتى ولو سُمي عليه أحد أبنائها فإنها لا تناديه إلا بلقب أو كنية.

وتذبح ذبيحتان إحداهما للتسمية والأخرى صدقة. ويذبح خروف التسمية في حفرة، وكل مخلفاته وعظامه تجمع وتوضع في الحفرة ثم تغطى. ويذهب عادة خروف التسمية إلى النساء ويطهى لحمه لوحده. ولا يسمح بإلقاء أي عظمة منه خارج الحفرة حتى لا تأكلها الكلاب إذ يعتقدون بأن حفظ العظام حفظ على سلامة المولود، لذا يقدم خروف التسمية للنساء لأنهن أكثر حرصاً من الرجال على العادات. ويفطم عادة المولود بعد عامين وأول سقاية له تكون من حليب الماعز وذلك في فنجان صغير أول الأمر. وبالنسبة للمولودة الأنِِثى فإنه يكتفى بالسماية دون الطقوس الأخرى.

التنشئة والإعداد

ينشأ الأبناء الذكور مع أبيهم، والبنات مع والدتهن. ويأكل كل جنس لحاله. أما إذا كانوا صغاراً في السّن فلا مانع أن يأكلوا مع بعضهم البعض. وفي كلتا الحالتين لا تأكل الأم مع زوجها وهذه عادة قديمة. ويصاحب الطفل جده وهذا يساعده على تفسير الظواهر الطبيعية والحكمة وما يتعلق بحياته. ويذهب إلى الخلوة ثم إلى رعي البهائم عند سن العاشرة، ويدرب على الفروسية واستخدام السيف والدرع والحربة وركوب الخيل والجمال. وتهتم الجدة بالبنت، ويمكن أن ترد الماء وتجلب الحطب عند سن العاشرة، وبعدها لا تخرج إلى أي عمل إلا بمصاحبة أمها أو جدتها.

عند وصول سن البلوغ، يكون للولد خيمة منفصلة ينام فيها، وعادة ما يجتمع أبناء الحي ليلاً للنوم سوياً منفصلين عن أهلهم. ويتابع الولد والده في كل تحركاته وأعماله لمساعدته والتعلم منه. أما البنت فتمكث مع أمها لتتعلم الأعمال المنزلية. ولا تستعمل الزينة قبل الزواج إلا الزمام (نقليب) الذهبي أو الفضي، حيث كان يثقب أنف البنت في الماضي. وكان خصر البنت يربط بحزام من جلد الماعز ليضمر ولا يسمح لها بالنوم على ظهرها حتى تكبر عجيزتها. ويستعمل للشعر دهان يسمى (الكاركار).

الختان (كشبو)

يسمى الختان بالتقرية (كشبو). ويترك شعر الولد المختون لينمو في كل مساحة الرأس، أما غير المختون فيحلق الشعر من الأطراف لتترك جزيرة من الشعر في الوسط وتسمى هذه الحلاقة (قست). وكان الأولاد يختنون في سن الرابعة، ومنهم من يختن بعد سن البلوغ، ولكن الآن يتم بعد السماية. ويختن الولد على ظهر سرج بعد أن يكون قد استحم وفطر من عصيدة الدخن المخلوطة بالسمن لكي يقوى على تحمل ألم الختان. يحاول الأب والأخوال والأعمام التخفيف على الصبي بوعده بإعطائه الناقة الفلانية والبقرة الفلانية، وينادونه فارس، فارس لك (كبيل أو بهيري) وهما نوعان من النوق. ومن ألفاظ تشجيع الصبي (أرييب، ادّال، شاري). وتؤول البهائم التي وهبت للصبي إلى ثروته ويسمها بوسمه. وبعد الختان يُحمل الصبي إلى الخارج ويطرق سبعة أبواب منازل برمحه، ثم يلبسونه بعد ذلك (تكت) عقد (السوميت) وهو حجر كريم يعتقد بأنه يخفف الألم ويهيل الجراح، وبه حلى من الفضة وتصنعه النساء. ترتدي أم الصبي المختون جلدة ختانه في اصبع قدمها الكبير حتى تجف وتسقط لوحدها. أما البنت فتختلف عادات ختانها. وتختنها القابلة على الختان الفرعوني الذي يفرز متاعب ومخاطر كثيرة في المستقبل.

الزواج (هداي)

يعتبر الزواج من أهم العادات بالنسبة لوالد العريس، إذ أنه المسؤول عن زواجه من حيث التقدم للخطبة والتكاليف وربما الاختيار أيضاً. وفي الخطبة يتم تقديم هدايا ونقود وثوب أبيض (ساكوبيس) لأهل العروس. ولا يرى الخاطب خطيبته وتتوارى عن أنظاره إذا صادفته في مكان ما. ويكون بيت العروس من سبعة بروش. وهناك أشياء من مسؤولية العروس تجهيزها مثل، أواني المطبخ والزينة و(الكرار) برش عليه نقوش و(المفاقر) قماشة مثل المصلاة. والسرير على العريس، ويكون من جريد شجر الدوم، ويجلد بجلد الماعز الناعم وتنسجه النساء ويستغرق هذا وقتاً طويلاً.

تسمى الخطبة (فريه)، الزهرة، أو (حطاي). وتقدم الهدايا للعريس من النوق، كما تقدم للخطيبة ناقة هدية. وخلال فترة الخطوبة لا يأكل الخاطب مع نسيبه. ويرتبط موعد الزواج بالنجوم. ويمتنعون عن الزواج في عيدي الفطر والأضحى وشهر رمضان وصفر وأيام الجمع، ويتزوجون في الأيام التالية من الشهور الهجرية: الثالث والسابع والتاسع والثالث عشر والخامس عشر والسابع عشر والتاسع عشر وذلك تفاؤلاً بهذه الأيام لأنها آحادية. بعد الخطبة تجهز العروس الهودج (الباشور) وتتبخر بالكثير من الدخان (تَسُس) وهو نوع من الأخشاب. وتتخذ العروس وزيرة (دلت مسو)، والعريس وزيراً (ماداي).

من أدوات زينة العروس، الحجول، و(مروت بيسوت) وهو من الذهب يلبس على الجبهة، والزمام (فاي أنف) والزمام الصغير (مدليت)، و(شلاشل) ومثلث من الذهب، وقلائد على العنق (برقناب) و(دعفت)، وعلى الرأس تضع (تليكيت) بها خرز وأحجار كريمة (تققُوت)، وحزام من الجلد والخرز (دبيريت).

المـهـر

هو الصداق، ويكون خمس أو سبع أو تسع بقرات. بالإضافة إلى الهدايا الأخرى (وقرات). ويتلقى العريس في معظم الأحيان مساعدة أقربائه، إذ يهبونه النوق والأبقار. ويتم تقسيم الأبقار بين العروسين، فتأخذ العروس أربع بقرات، ثم ثلاث أخرى إضافية يسهم بها العريس فتصبح الثروة مشتركة بينهما. أما إذا قدم العريس في الصداق، ثلاث نياق فقط، فلا يحق له مشاركتها فيها.

ملابس العريس والإحتفال

تتكون ملابس العريس من جلباب قصير (عراقي) وسروال طويل وصديرية وعمامة وحذاء ويرتدي في يده اليمنى سواراً (فكت) من السعف. ويحمل العريس سيفاً لمدة أسبوع. وتقام الاحتفالات لمدة أسبوع، ويرقص الرجال والنساء منفصلين عن بعضهم البعض. ويرقص الرجال رقصة السيف و(بيبوي) و(ياسيت) و(دينات)، والمبارزة بالسيف والدرع.

من الأشياء المرتبطة ببيت الزواج، بيت البرش (بيروب). ويتكون من سبعة بروش مقلوبة وبها علامات مكتوبة بالدم. ويقوم طفل حي الأبويين بهدم البيت الأول، ويسمى (انقال هديب)، ثم يبنونه ثانية ويسمى (دلالة). تزف العروس إلى بيتها الجديد على هودج، ويسمى عطفة. وتكون بداخله أشياء العروس ومنها: مكحلة، وإناء (قلع)، وسلة من الحبال للتعليق (مشلعيب)، ووسادة (مطرأسيت)، وسلاسل للعطفة (نفايات)، وأساس البيت (فوت)، وحبل (مسرط)، وشعبات (تاكيات)، وأوتاد، وعمد (طمد)، وبرش مزين (كرار)، وطست (طيشو)، وإناء لحلب البقر أو النوق (عمور)، وإناء لحلب الأغنام (إفا)، وإناء من السعف (حروم)، ومعشر أو خلال، وسيف ودرع.

تكون الدخلة بالعروس (بيئيت) بعد عام من الاحتفالات، وهي مهلة تستعد فيها العروس لحياتها الجديدة. تتغير طريقة تصفيف شعر العروس عن الفتيات وتعلق حلية من الذهب (شريفييب) برأسها، وترتدي في خصرها حزاماً مزيناً بالسوميت (حقو)، كذلك ترتدي وزاراً (قرباب).

المـوت

يذكر البنو عامر الموت طوال الوقت لإيمانهم بأنه حق آتي، بالإضافة إلى ما يحدق بحيواتهم من مخاطر. ويقومون بتجهيز الأكفان ووضعها على أهبة الاستعداد لأنهم في حالة ترحال دائم. ولديهم مقابر جماعية ومن النادر أن يدفن متوفى في منعزل. وبعضهم يضع حجارة بيضاء تضيء ليلاً على قبر القتيل الذي أخذ ثأره. ويتم تحضير الجثمان والدفن وفق الشريعة الاسلامية. وأثناء المأتم، تقوم النساء بالنحيب والعويل، ويهلن التراب على رؤوسهن، ويحلق بعضهن شعورهن، كما يرتدين الخيش. وترقص بعض النساء بالسيوف وهن يرتدين ملابس المتوفي على إيقاع طبول النساء. وينشدن أنا معك حتى الموت (قوكان ليكو)، وأنا خرجت من أهلي (عديّ فقر كو). وللصغير ينشدن (قطعت مصاريني) (أنبحي قاكن كو). تخرج الجنازة من الباب الخلفي، وتتبعها النساء النادبات من بعيد.

ينشر خبر إعلان الوفاة بواسطة المناداة من على قمم الجبال حيث يتناقله الأفراد من قمة إلى أخرى. وقد تمتد فترة الحداد من أربعة أشهر إلى عام يمشي فيها بعضهم حفاة الأقدام، كما يؤجلون أي زواج لعام كامل. ويقوم بعضهم بزيارة القبور وتوزيع الصدقات) ا. هـ.

حـرفـهم

البجه رعاة إبل وبقر وماعز وضأن. ويمارس بعضهم الزراعة في الأودية والمشاريع الزراعية. ويعمل بعضهم في الحرف الصغيرة والأشغال اليدوية مثل المنتجات الجلدية ونسج السعف والصوف، وغالباً ما تمارسها النساء، وكذلك يصنعون الفخاريات والسكاكين والسيوف والدروع ويتاجرون في اللبن والسمن في المدن. وبالرغم من وجودهم على ساحل البحر إلا أنهم لا يأكلون مستخرجات البحر ولم يمتهنوا صيد السمك أو الإبحار إلا قليلاً.

 

 

أسلوب حياة البجه

التكيف مع البيئة

يتسم تكيف البجه المعاصرين مع بيئتهم شديدة التقيد، بالإدارة النفعية لقاعدة موارد تتسم بالتقطع والتناثر الواسع والتشتت المتباعد. وهي الآن وإلى درجة كبيرة ذات ما كانت عليه على مدى قرون مضت، حتى لو كان نطاق الهجرة أقل بفعل المشاريع الزراعية وغيرها. ولا يزال السهل الساحلي "القنب" يلعب دوراً هاماً بوضعه ملتجأً شتوياً للرعاة، كما تلعب الأودية والتسرب في الأجزاء الوسطى (مثل أودروس وهدرباب) دوراً هاماً كملتجآت صيفية للماشية الجالحة والكالئة وداخل مجاري الوديان توجد مجموعات أشجار ومياه مصدرها المياه السطحية.

الأسرة البجاوية

تتكون الأسرة البجاوية من الزوج والزوجة والأطفال وربما الجد أو الجدة وأخت أرملة وغير ذلك. وترتبط الأسرة المعيشية المتكونه من وحدة عائلية بموردين إنتاجيين أساسيين. قطعان الماشية، والأرض من أجل زراعة الذرة أو الدخن ولرعي الحيوانات. ويشكل هذان النمطان لاستخدام الأرض جوهر التكيف الرعوي الزراعي في المنطقة. وبما أن الوحدة تعمل داخل سياق اقليمي يسود فيه العمل الحضري والمأجور والعمل في المشروعات الزراعية الحديثة نراها أيضاً تتجه صوب توظيف عملها في هاتين الجبهتين. وعلة ذلك أن التأثير الناتج عن الجفاف، مع تزايد الطلب على المنتجات الصناعية الاستهلاكية مثل السكر والقهوة والملابس وغير ذلك من السلع، يقلل باضطراد من قدرة الاقتصاد الرعوي على تلبية الاحتياجات وبالتالي تجبر الأسرة المعيشيه على تكوين دخل نقدي عبر الاتجاه للعمل داخل النظام الإقليمي، حتى يمكنها تلبية احتياجاتها الأساسية.

المرأة

ينظر للمرأة البجاوية كتابع خاضع للرجل. فالمرأة هي التي تقوم بمهام رعاية أطفال الأسرة المعيشية وإعداد طعامها ونسج الحصر، علاوة على بناء الخيمة في الترحال. وتساهم المرأة البجاوية أيضاً بشكل مباشر في دخل العائلة، من خلال إنتاج وبيع منتجات الألبان وبيع القهوة والحصر التي يصنعونها. ومع الزيادة في هجرة الذكور بحثاً عن العمل، وجدت النساء انفسهن في وضع المسؤول الوحيد عن توفير احتياجات الأسرة. (تزداد هذه كظاهرة لذا يجب حماية ومساعدة النساء بتوفير العمل الشريف لهن ليساعدن أسرهن، المؤلف).

الاقتصاد التقليدي للبقاء

إن البجه يعيشون في سياق يمكنهم من تدعيم وجودهم والمحافظة عليه داخل نظام إنتاجهم التقليدي. فهم يعتمدون على المكانة الاقتصادية لآبائهم، الذين يمنحونهم الماشية خلال حياتهم، ثم يرثونها بعد مماتهم. كما يعتمدون أيضاً على سياق علاقات اجتماعية أوسع، تشكل ظاهرة المشاركة في الحيوانات جزءاً هاماً منه، ويساعد الأهالي على الحفاظ على قدرتهم على البقاء اقتصادياً. ويضاف إلى ما سبق وجود عوامل متأصلة داخل الوحدات الإنتاجية، مثل عدد الأطفال ونوعهم وعمرهم، ويؤثر هذا على قدرتها لادارة الموارد التي تملكها.

تمثل الأرض الأصل الإنتاجي الثاني الهام لدى البجه. يزرع الصغار الأرض مع ابائهم، وعندما يتزوجون يمنحون مزارع خاصة بهم. وقد يقرر البعض الهجرة بحثاً عن حرفة جديدة. إن العمل الزراعي أكثر فردية من العمل الرعوي، والعائلية أكثر اعتماداً على عملها الخاص، هذا رغم وجود مؤسسة العمل الجماعي (كوبن) لدى البعض مثل الهدندوة.

التكافل السلفي

عندما تخسر إحدى عائلات البجه ماشيتها، يمكنها تعويض خسارتها باستعارة ماشية من إحدى العائلات الثرية. وتتخذ تلك الاستعارة شكلين، شكل النقل التام الكامل لملكية الماشية. وهو ما يعرف باسم (تيت)، وشكل نقل الملكية بوصفها قرضاً وهو ما يسمى (دنقيت) حيث يستفيد المقترض من المنتجات فقط دون الحيوان.

العمل التعاوني السلفي

يمكن عادة للفرد البجاوي في حالة احتياجه أن يحصل على العمل من خارج نطاق العائلة، عبر استخدام مؤسسة العمل التعاوني (كوبن)، التي يمكن عبرها من تعبئة أعضاء البدنه وغيرهم من الجيران من أجل أداء أعمال زراعية معينة. وعلاوة على ذلك يستطيع ملاك الأرض اللجوء إلى تنظيمات المشاركة في المحصول، وتختلف نسبة المشاركة التي ينص عليها الاتفاق، من المشاركة بنسبة النصف، الى المشاركة بنسبة حصول المالك على نسبة 3/4 وأحياناً 4/5 المحصول للمالك والباقي للمزارع.

في أحد أشكال المشاركة في المحصول، يقوم المالك بتزويد المزارع المستخدم بالأرض والبذور، في مقابل قيام المستخدم بأداء العمل الزراعي بما في ذلك الأعمال السابقة على الزراعة مثل قطع الأشجار وإعداد وتجهيز قنوات الري. وفي هذه الحالة يوزع الناتج النهائي مناصفة على طرفي العلاقة وتوجد أنواع أخرى من المشاركة.

استخدام الأرض

يمارس حق استخدام الأرض الزراعية والموارد الأرضية عامة، عبر توسط الإنتماء الاجتماعي للبدنه أو القبيلة مالكة الأرض. ويوجد نمطان من حقوق استخدام الأرض والموارد. حق الاستخدام من خلال امتلاك الحق الأصلي (أسل) وحق الاستخدام من خلال الحصول على حق الإنتفاع (إعارة) عبر تفويض إحدى البدنات لحقها الأصلي لأعضاء بدنة أخرى. ويتم الأخير بعد دفع هبة (قودب)، لمالك الحق الأصلي.

استخدام المنتجات الطبيعية

لا تزال المنتجات الطبيعية تلعب دوراً هاماً في الحياة اليومية (المشروع الهولندي EPKP): الأخشاب العاليه القيمة للأثاث، الفواكه البرية لغذاء سكان الريف، الحشائش الطويلة لصنع السجاجيد والأسوار، النباتات والحشائش للأدوية العشبية والصمغ العربي للتصدير. وبالطبع فإن إمكانات المنتجات الطبيعية تنكمش نتيجة لتراجع البيئة وإزالة الغابات.

النظام الاقتصادي التقليدي

أدت التطورات في القرى إلى ظهور أنماط اختلالات جديدة داخل نظام البجه للبقاء. من خلال التقدم الذي شهدته الخدمات الصحية وتراجع الحروب مما أدى إلى زيادة السكان. وهناك أيضاً تأثير الحياة المستقرة ونمو المدن الدائم والسريع خصوصاً بورتسودان. ثم وفر النظام الخارجي فرصاً جديدة للأهالي في التوظيف في المدن والعمل في مشروعي القاش وتوكر. وخلقت هذه العوامل ضغوطاً جديدة على نظام البجه للبقاء. واحدى النتائج العامة هي أن تلك الفرص الجديدة، لم تخفف الضغط على طريقة الحياة التقليدية والمراعي، عبر استيعاب الأهالي في الأنشطة الرعوية، وبدلاً من ذلك حافظ الأهالي على مصالحهم داخل موارد النظام الرعوي التقليدي، مما أدى إلى تصاعد الضغط داخل النظام.

 

 

الصراع من أجل البقاء

تكيف الأسرة

إن الهدف الأساسي للوحدة الاقتصادية البجاوية هو توفير الغذاء لأفرادها، ثم المحافظة على مكانتها كوحدة اجتماعية ــ ثقافية، أي الحفاظ على كرامتها وعلى كونها مسلمة، وتأمين مستقبل أبنائها، والقيام بإستثمارات تحميها من مخاطر مثل الجفاف، والتعامل مع معلومات المراعي والتوظيف وغيرها. وينبغي للبجاوي الإستعداد دائماً للجفاف. إن تكيف البجه مع فترات الجفاف يتحول من استراتيجية مواءمة عادية إلى استراتيجية تأخذهم بعيداً عن موطنهم وتحولهم إلى متسولين ومشردين، ثم ينتهون إلى معسكرات الإغاثة أو الموت جوعاً.

إن ملكية الأسرة البجاوية لزراعة الذرة تتراوح مساحتها من فدان إلى ثلاثة أفدنة. وتصل إنتاجية الأسرة الآن إلى 180كلغم من الذرة في الموسم. وقد تفشل الأسرة حتى في توفير هذه الكمية التي لا تغطي إلا جزءاً من احتياجاتها، نتيجة لشح الأمطار أو الآفات وغيرها. يحتاج الرجل في العام من الذرة إلى 250 كلغم والمرأة 250 كلغم وثلاثة أطفال 250 كلغم، أي ما مجموعه 750 كلغم من الذرة في العام. ويعني هذا أن الأسرة تشتري ذرة من السوق لسد الفرق بين إنتاجها واحتياجها. كذلك تحتاج الأسرة إلى عشرة من الأغنام وجمل أو إثنين.

الأسرة الوحدة الاقتصادية

إن آفاق استمرار حياة البجه في ظل الأوضاع التي تتطلب سنوياً 750 كلغم من الحبوب للأسرة ومتوسط 10 رؤوس من الماعز بائسة تماما. فبيع كل القطيع في يناير 1991 يجلب عشرة أرباع من الذرة، أي جزء مما تحتاجه الأسرة سنويا. كان سعر الجوال الواحد من الذرة في مدينة سنكات عام 1976 هو 8 جنيهات وهو أعلى بنسبة 25% من متوسط السعر في كل مناطق السودان الأخرى.

التباين داخل اقتصاد مختلط

ان استمرار بقاء البجه يتم عبر سلسلة من فرص الدخل. فالزراعة ــ الرعي المحلي يقدم اكتفاء ذاتياً جزئياً فحسب، حتى في السنوات الجيدة نسبياً، ويقل جداً في فترات الجفاف لهذا فإن استمرار بقاء البجه يتم فقط عن طريق انخراطهم في سلسلة من فرص الدخل الإضافية، فالخيارات المدارة بالشكل الأمثل هي التي تحدد استمرار الوحدة العائلية الاقتصادية.

ولأن هذه النتيجة تحوي درساً حول استمرارية البجه، وهي مهمة أيضا لوكالات التنمية، فالاتجاهات المحلية نحو مدخلات التنمية ستحددها ضرورة مزاوجة عدة مصادر للدخل. وكثيرا ًما يتعارض هذا مع النظرة القطاعية التي تتبناها الوكالة التنموية. ومن ثم يجب تقييم رغبة الناس في المشاركة في أنشطة جديدة على أساس إدراك مدى تأثير أي نشاط جديد على قدرة الراعي البجاوي على إدارة هذه المجموعة المعقدة التي تشكل أسلوب بقائه.

وبالنظر إلى مختلف الخيارات، تكون مختلف الوحدات في أوضاع مختلفة فيما يتعلق بقدرتها على استغلال الفرص المتاحة للدخل. لذلك لن تنجح كل الوحدات في لعبة الصراع من أجل البقاء وسيتم دفعها خارج القطاع الرعوي نحو حياة مستقرة في هامش المدن يتجرعون فيها الفقر والمرض والحرمان. وستبقى وحدات أخرى على تكيف يقوم على مصادر دخل تقليدية. إنها مباراة للبقاء فيها فائزون وخاسرون. والفائز هو القادر على البقاء داخل التكيف الرعوي حيث مصدر الدخل المحلي لأي راع بجاوي يلعب دوراً هاماً.

ومع مرور الزمن تتراجع قدرة الناس على التكيف والنجاح. لقد أصبح الإتجاه العام نحو مصادر دخل غير المتولد محلياً من الحبوب والحيوانات جزءاً أساسياً من استراتيجية بقاء البجه.

إن عملية انسلاخ مجموعات من البجه من مجتمعهم الرعوي تتكثف خلال فترات الجفاف. ومن الطبيعي أن تتراجع الكتله الحيويه خلال الجفاف وكذلك المياه ويصبح البقاء في بيئة طبيعية صعباً. وعلاوة على ذلك نجد فترات الجفاف تؤدي إلى شروط تجاره غير طبيعية نسبياً في العلاقة بين الحيوانات والحبوب. ومن ثم تصبح العمليات في السوق أساسية في زيادة عدد الخاسرين، لأن أسعار الحيوانات تتدنى وأسعار الحبوب والأعلاف ترتفع.

التواؤم مع الجفاف

في المرحلة الأولى من المجاعة يبدأ الناس بيع الحيوانات الذكور والإناث التي لا تلد للحصول على الغذاء ولتقليص الحاجة إلى العلف. وبعدها يبحثون عن مصادر تنويع الدخل بما في ذلك استخدامات النباتات البرية التي لا تؤكل عادة والاستراتيجية الثالثة هي الهجرة. ورابعاً يعتمد الناس على علاقاتهم الاجتماعية وقراباتهم والاقتصاد في الغذاء.

في المرحلة الثانية من الجفاف يبدأ الناس بيع حيواناتهم الإناث وهذا يؤثر بشدة على طاقة تكاثر القطيع. وثانياً يبيعون الممتلكات والأدوات الضرورية. وثالثاً يستلفون المال والسلع من خارج أقاربهم مما يعني تراكم الديون عليهم. ورابعاً يصلون إلى درجة متزايدة من الاعتماد على الإحسان.

في المرحلة الثالثة من الجفاف تحدث هجرة واسعة خارج مناطق المجاعة. وفي هذه المرحلة تحدث هجرة واسعة بحثاً عن الغذاء، إلى المدن وعلى امتداد الطريق السريع بوجه خاص. وفي هذه المرحلة لا شيء يبقى فالعائلة كلها تهاجر. وهذه هي (المجاعة القاتلة). وحيث أن جفاف 1984 كان جفافاً واسعاً على نطاق بلاد البجه وغيرها، فقد ظهرت فيها مراحل الجفاف المختلفة وظهر كيف يكون رد فعل الناس مع اشتداد حدة المجاعة. وكذلك تزايد عدد الناس الذين عجزوا عن التوائم عبر مختلف المراحل.

لكن الجانب المهم في فترات الجفاف هذه أن الحيوانات لا تموت كلها ولا ينتهي كل الناس إلى التشرد. وأثناء فترات الجفاف تكون هناك إعادة توزيع كبيرة للحيوانات وأنواع الممتلكات الأخرى بين الملاك. لذلك لا يقود الجفاف إلى تشرد الكثيرين فحسب، وإنما إلى إثراء القلة أيضاً، لذا فالجفاف يؤثر كثيراً على وضع المساواة بين البجه أنفسهم والبجه وغيرهم.

الإنتماء للعرق والأرض

إن الإنتماء الإثني لدى البجه يرتبط بالإعتقاد في الإنتماء لأصل مشترك هو حقيقي وهذه الوحدة تقوم على الدم (بوي). فعلاقة الدم هي أساس القرابة وهي موروثة من الأسلاف لذلك يجب الحفاظ عليها. وأحد سبل ذلك هو الزواج داخل القبيلة. والرمز الثاني لوحدة القبيلة هي الأرض المشتركة التي ترمز إلى المنجزات التاريخية للأسلاف. وهنا تجب حماية الأرض وإدارتها بطرق تحافظ على الشرف الجماعي للقبيلة.

الأرض أرضنا (أوهاش هاشون)

تمثل الأرض بالنسبة للبجه الهبة التي يتوارثونها عن أجدادهم الذين فازوا بها من خلال القتال المشرف ضد الآخرين. لذلك فهي تتكىء على فكرة الميراث الذي يجب أن يحموه، ورمزاً للكرامة يعزز مكانتهم الاجتماعية والسياسية. وعن تمسكهم وتقديسهم للأرض قال أندرو بول (الانطباع (الخاطيء) الذي يخرج به المشاهد عن البجه اليوم، هو الإنعزالية والكسل والتفرغ الكامل لقضاياهم الخاصة والارتباط الشديد، من غير تنازل أو مساومة بوحدة أراضيهم وحقوقهم القبلية، لذلك فهم ينظرون للأرض التي ترعى فيها ماشيتهم وتنمو فيها غلالهم البسيطة بأنها إحدى المقدسات التي لا يسمح بالمساس بها أو النيل منها ولا يسمح بإنتزاعها إلا بالقوة. غير أنهم لا يمانعون في أن ينتفع بها من يرتضونه وبرضاهم أو عن طريق الإتفاق والموافقة المسبقة شريطة أن لا يكون هناك مجرد نقاش إلى من تؤول ملكيتها. لذلك فهم يتصفون بعناد شديد في المحافظة على ملكيتهم للإرض ولا يترددون في استعمال القوة للحفاظ عليها). ويتمثل تمسك البجه بالأرض في قولهم (أوهاش هاشون وتعريبها الأرض أرضنا).

التحضر وتغيير المفاهيم

الشرط الأساسي للمشاركه في طريقة الحياة الشريفة للبجه هو الإقامه والمشاركه في التكيف التقليدي البجاوي. فعبر المشاركه يصبح الفرد عضواً كاملا. وهذه الفكرة تجد تعبيرها الواضح في المفهومين البجاويين (البداويت) و (البلويت). يشير الأول لأسلوب حياة البجه المثالي. ويرتبط هذا الأسلوب بالشرف. ومن الناحية الأخرى يرتبط البلويت بالحياة بعيداً عن جبال البجه وفي المدن بالتحديد، إذ ينظر للحياة الحضرية بوصفها تحوي مبادىء وسلوك مناف لمبادىء وسلوك حياة القبيلة. فالمدينة تحوي رذائل تتناقض مع قيم البجه. ولا يعتبر سكان المدن قبيلة بل هم أخلاط من البشر في شكل تجمع. وتمثل المدينة أيضاً العالم الغريب غير البجاوي لكونها تسيطر عليها الحكومة، وهي القوة التي تحاول السيطرة على البجه، وتجبرهم على التبعية وتستغلهم وهذا يتناقض مع فكرة الشرف.

وبالرغم من هذا فإن عمليات التحضر والروابط الأقوى بأسواق العمل الحضريه والاعتماد الاقتصادي المتزايد على المدن لها دور هام للبجاوي. ويتم تهميش حياة البجه التقليدية مع قاعدة الموارد البجاوية الريفية المتضائلة بالإضافة إلى ظروف الجفاف وعلاقات السوق غير المواتية. ويعني هذا أن عدداً متزايداً من البجه يتحركون بين العالمين كوسيلة للبقاء. وهذا يتيح تغييراً محتملاً لمنظور وفرصة الحصول على بدائل للقيم والأعراف القبلية.

يتفاوت تمسك البجه بالقيم القبليه. ويشكل المهاجرون منهم إلى المدن مجموعة تعتنق باضطراد أنماطاً جديدة من القيم، مثل الزواج من خارج القبيلة، وعدم احترام الاستشارة المحلية (أو مكر) وارسال الأبناء للمدارس الحكومية لا إلى الخلاوي.

وقد يتيح هذا فرصاً جديدة للنساء أيضاً. وقد يؤدي هذا للطلاق ووجود عائلات على رأسها نساء، ثم دخول النساء في معترك الحياة العملية. وهكذا يخلق التحضر أنماطاً أخرى من العمليات التي تقود إلى تغير اجتماعي - ثقافي بين البجه. ويظهر التزاوج من خارج القبيله وتختفي الخيمه ليحل محلها المنزل المستقر وتهجر الخلاوي لمدارس الحكومة مما يحد من نفوذ شيوخ الدين.

والاتجاه المهم جداً هو أيضاً التطور نحو أنماط القيادة. فالزعيم التقليدي الذي هو رجل مبجل في الريف والجبال، يظهر كرجل مهمش في المشهد الحضري، غير متمكن من اللغة العربية ولا قواعد السلوك المطلوبة في هذا النوع من البيئة. وهكذا فهناك أنماط جديدة من (البين - بين) بين هاتين (الساحتين الثقافيتين). وفي العقد المنصرم ظهرت أشكال جديدة من القيادات. وفي التغيرات السياسية في السودان يمثل المتأسلمون أحد هذه الأنماط. ويؤثر هذا على التوازن بين التصورات المتأسلمة وتصورات البجه التقليديه عن العالم. وبالمثل اكتسبت الكوادر التي دربتها واستخدمتها وكالات الإغاثة مهارات مهمة أثناء وجود هذه المنظمات. وقد تم السعي لهم بحثاً عن النصح وفض النزاعات في منافسة مع القيادات التقليدية.

ومثلما تختفي استراتيجيات التكيف القديمة، تتغير الخصائص الاجتماعية - الثقافية الأساسية. ويبدو أن الناس الذين يعيشون داخل التكيف التقليدي القائم على الرعي الزراعي في المناطق الريفية يخسرون باستمرار.