المـواصـلات

(28) تعتبر وسائل المواصلات في أي بلد من المقومات الأساسية التي تساعد على تنمية واستغلال ثرواته الطبيعية والبشرية. وكذلك فإن التبادل التجاري ودرجة نشاطه بين أجزاء البلاد يعتمد أساسا على مدى توفر وسهولة وسائل النقل بأنواعها المختلفة. لقد كان لشبكات الطرق البرية التي تربط المدن بالقرى الزراعية دور فعّال في توفير الطعام لسكان هذه المدن حيث ساعدت على نقل الخضر والفاكهة والحاصلات الزراعية التي تنتجها القرى إلى هذه المدن وفي نفس الوقت ساعدت على نقل الأجهزة الميكانيكية الزراعية. كما مدت الزراعة بحاجتها من الأسمدة الكيماوية والبذور والمبيدات الحشرية، بالإضافة إلى أنها ساعدت على تقريب الفوارق بين الريف والحضر على أن يراعى في الطرق سلامة البيئة.

(29) إن وجود الطرق المعبدة وتوفر وسائل النقل من العوامل الهامة لتطور أي منطقة. والمواصلات هنا تمثل تحدياً  للتنمية. فالطرق هنا لا تعدو أن تكون أما ممرات من الصخور أو الرمال وهذه الرداءة لها آثارها على نقل المواد التموينية وترابط السكان وسرعة تحركهم، مما أدى إلى العزلة والتشتت على أطراف البلاد المترامية وتبع ذلك عدم مواكبة السكان للتطور الذي يحدث حولهم وعدم الانفتاح إلى آفاق أخرى خارج قوقعتهم لتلقي ما هو مفيد، لذا اعتمدوا على الوسائل البدائية في كل مرافق الحياة وهذا قاد إلى تخلفهم.

(30) يظهر من دراسة طبيعة وسائل النقل والمواصلات أنها متنوعة، ولكنها لا تفي بحاجة البلاد، وشكّل سوء وضعف المواصلات والنقل أهم العقبات التي تعترض خطة التنمية الاقتصادية. ويوجد بالمنطقة أطول خطوط للسكك الحديدية أكثر من أي اقليم آخر في (السودان). وأن جميع الطرق البرية غير مرصوفة، أو معبدة وتغلق الطرق الرئيسية والهامة أمام حركة النقل بأوامر ادارية في خلال موسم سقوط الأمطار. وتقوم السلطات المحلية سنويا بمسحها وإعدادها لحركة السيارات بعد نهاية تلك الفترة من العام وأصبح ميناء بورتسودان الوحيد لا يتحمل حركة السيارات بعد نهاية تلك الفترة من العام لإمكاناته المحدودة مما أدى إلى قيام ميناء سواكن الجديد.

ولقد تم في السنوات الأخيرة الماضية تشييد الطريق البري للسيارات الذي يربط بورتسودان بالخرطوم ويمر بكسلا، ونسبة لضيقه وعدم وجود إرشادات مرورية عليه، أو وجود دوريات أو مراكز لشرطة المرور، فلقد كثرت حوادث السيارات وذهبت أرواح كثيرة نتيجة لرداءته ولعدم وجود سيارات اسعاف أو مستشفيات قريبة منه.

ويمثل النقل الجوي أحدث وسائل النقل حيث يربط الخرطوم مع المدن الكبرى في البلاد ويعتبر مطار بورتسودان أكبر مطار في البلاد. وبقية المطارات ليست معدة إعدادا حديثا بالتسهيلات الضرورية ويمكن القول بأن جميع وسائل النقل والمواصلات تتأثر بل تتعطل في فصل سقوط الأمطار خاصة في منطقة جنوب توكر وغيرها، مما يجعل بعض مناطق البلاد في عزلة تامة عن باقي المناطق مما يصعب معه إسعاف المرضى أو مد المنطقة المنكوبة بالغذاء وتتساوى في ذلك السكك الحديدية والطرق البرية مع حركة النقل الجوي.

إن عدم وجود طرق معبدة للمواصلات تتخلل كل البلاد يشكل أكبر العوامل التي ساعدت على استمرار الانغلاق الحضاري وعدم الإنفتاح. كما أنه ساهم في ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الضرورية لارتفاع تكاليف الترحيل إلى مناطق تتسم بإنخفاض الدخول والفقر.  تعتبر الطرق من أهم البنيات الأساسية للتنمية (م. عبد الله محمد عثمان، دراسة 1993). وقبل الشروع في التنمية لا بد من بناء الطرق أو على الأقل تمهيدها. وبالرغم من أن تكلفة الطرق باهظة ولا توفر عائداً مباشراً غير رسوم الطرق، إلا أنها تدعم الاقتصاد القومي بالتوفير في استهلاك الوقود وقطع الغيار، وتساعد على نقل البضائع والخدمات والناس. وتساعد الطرق الجيدة في تنمية المجتمع وربطه بالحضارة، وزيادة دخل الأفراد من الخدمات التي تقدم للعابرين. ويظهر هذا في المناطق التي يمر بها طريق بورتسودان الخرطوم.

وتفتقر البلاد إلى الطرق المعبدة، والطريق الوحيد الذي أنشيء، الهدف منه نقل الواردات والصادرات وفرض الأمن. كذلك أسهم بناء الطرق بدون دراسات في تدمير البيئة.

ولهذا يجب الاهتمام بالطرق الفرعية التي تخدم أغراض استغلال الموارد الطبيعية.

(31) كذلك فتح الطرق في المنطقة الشمالية الغربية وصولا إلى ربطها بمناطق التعدين وبقية أجزاء البلاد. كما وأن الطرق التقليدية الوعرة بالبلاد والتي تكلف صيانتها مبالغ سنوية كبيرة تحتاج إلى عمليات ضخمة لتعبيدها ورصفها وحمايتها من الرمال المتحركة عن طريق الأحزمة النباتية لتضطلع بدورها الهام - ومن أهم احتياجات ساحل البحر الأحمر في مجال المواصلات بناء طريق ساحلي طويل يربط كل الساحل من الشمال إلى الجنوب، وكذلك الاهتمام بالمراسي الساحلية الصغيرة، لربط الساحل بحريا بمدينة بورتسودان في حالة إنقطاع الطرق البرية، وبالإضافة إلى تسهيل المراسي لعملية تصدير المعادن في المناطق الشمالية والجنوبية مثل الحديد والاسبستوس والغاز في منطقة قرورة.

الصحــة

(32) تقاس قيمة المجتمع بقدر ما يتمتع به أفراده من صحة تساعدهم على العمل وتجعلهم قادرين على حماية حقوقهم وحقوق المجتمع الذي يعيشون فيه. فالفرد العليل الذي لا يستطيع أن ينتج أو يساهم في الإنتاج المثمر يكون خسارة مادية على بلده.

ولذلك كان تحسين صحة الأفراد ضرورة أولى في عمليات التنمية الاجتماعية التي تحتاج إلى تخطيط طبي شامل، ويشمل هذا أهدافاً عاجلة وأخرى على المدى الطويل.

تتفشى في بلاد البجه أمراض سوء التغذية والسل الرئوي الذي يحصد الأرواح. والدرن واحد من الأمراض التي اختفت من الوجود فيما عدا بلاد البجه وثلاث دول أخرى. وهو يفتك بالآلاف ويبيد أسراً بكاملها، وتسبب في مآسي اجتماعية مؤلمة، كالطلاق، والتشرد والتفكك الأسري (بتصرف من تحقيق أجراه الأستاذ التاج عثمان من صحيفة الرأي العام في اكتوبر 2001م) والوصمة الاجتماعية التي تلحق بالمصاب وأسرته!

وينتشر الدرن الرئوي بصورة مكثفة في ولاية البحر الأحمر لأسباب عديدة. ومن هذه الأسباب الفقر حيث تضعف مناعة الإنسان ويصبح فريسة للمرض وهذه نتجت أيضاً من موجات الجفاف والتصحر والمجاعات المتكررة، كذلك قدومه مع اللآجئين والنازحين من الولايات الأخرى بسبب الحرب أو الجفاف حيث تجتذبهم ولاية البحر بموانئها التي هي سبب كل المصائب. ومما عمق المشكلة عدم اهتمام الدولة، إضافة إلى عدم انتظام المرضى في العلاج، وعدم وجود احصائيات بالمرضى، وتخفي الأسر مريضها عن الأطباء. وبلغت نسبة الوفيات بين المرضى عشرة في المائة. ويوجد الآن خمسة عشر مركزاً للدرن منتشرة في ولاية البحر الأحمر الشاسعة وهو عدد قليل بالنسبة لمساحة الولاية.

وقد اختصرت وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية فترة علاج المرض من (12ـ 18) شهراً إلى ثمانية أشهر. وتبلغ تكلفة العلاج خمسون ألف دينار.

جاء في صحيفة الخليج الإماراتية عدد 19/9/2002، أن عدد المصابين بمرض الدرن في ولاية البحر الأحمر في النصف الأول من العام 2001 بلغ 270 حالة إصابة، منها 20 حالة وفاة، وتم شفاء 198 حالة، وفي النصف الأول من العام الحالي بلغ عدد الحالات المسجلة 333 حالة درن رئوي إيجابي معدٍ و136 حالة درن رئوي غير معدٍ، و140 حالات درن خارج الرئة. 

 وبلغت جملة الوفيات الناجمة عن مضاعفات السل الرئوي في البلاد عام 1973، 1078 حالة في (السودان) كله، وللبجه نصيب كبير في هذا الرقم نسبة لحالة الفقر المدقع الذي يعيشه معظم السكان البجه وعدم توفير الرعاية الصحية الكافية. ويتضح هذا من بيان نصيب الفرد من الخدمات الصحية ففي المدن الكبرى هناك طبيب واحد لكل سبعة آلاف شخص، وسرير واحد لكل أربعة الآف شخص. أما في الريف والمدن الصغرى فهناك طبيب واحد لكل ثمانين ألف شخص، وسرير واحد لكل خمسة عشر ألف شخص (1974). لا بد من الإشادة بالجهود الشخصية للأطباء طه بليه ومحمد أحمد علي واسماعيل نابري، وحالياً الأطباء عبد الله أحمد عمر  وسيد أحمد وأبو آمنة وخليل محمد علي وغيرهم.

ويعد قصور الخدمات الصحية في البلاد واحداً من العوامل السلبية التي ساعدت على عدم اقبال المواطنين علىbالإنتفاع بالخدمات الطبية الحديثة واستمرار الاستعانة بوسائل العلاج التقليدية. ولا يوجد عدد كاف من الأطباء العموميين أو الأخصائيين في البلاد ووجودهم رمزي في عدد من التخصصات التي يحتاجها المواطنون.

وبالرغم من أنه نتيجة للهجرة للمدن وقيام أحياء هامشية حولها تدهورت صحة البيئة إلى حد ما، إلا أن السبب الرئيسي لتفشي الأمراض من حميات وأمراض صدرية وغيرها نتج بصورة أساسية عن وجود الميناء ومستودعاتها والفقر المفروض على البجه، وما يسمى بمشاريع التنمية من صوامع غلال ومصفاة بترول ومقاصب (مسلخ) ومطاحن غلال ذات انتاجية عالية، والمحجر الصحي الذي يحتل 60 فدانا إلخ، حيث لا تراعى في هذه المشاريع لا سلامة صحة البيئة ولا السكان. وبالرغم من أن هذه المشاريع تدر للخزينة العامة المليارات، فإن العاصمة لا تخصص لهذه البقرة الحلوب نسبة لدرء مخاطر الأمراض التي تسببها مشاريعها. ومن المفارقات أن يقوم مدير هيئة الموانيء بصرف الملايين لتعمير ميناء في حلفا للكسب الوظيفي والسياسي، بينما لا ترصد أية ميزانية لتصحح الأضرار البيئية التي سببتها، أو حتى تحسن مصادر المياه والكهرباء التي تسببت في ضائقتيهما. وعجزت السلطات عن تقديم الخدمات اللآزمة للمواطنين خاصة البجه سكان الريف وأطراف المدن، عكس ما تقوم به في الجزيرة حيث تخصص ميزانية من المشروع للتنمية والصحة وغيرها.

ونجد بدلا من التقدم والتحسن، اللذين تروج لهما السلطات في تبجح زيادة مطردة في سوء التغذية، وتدهورا متزايدا في بنية البجاوي وفي نمو السكان، وهذه شواهد محددة على أن الظروف تصبح أكثر سوءا. وتشير الإحصائيات الدولية إلى أن عدد البجه انخفض إلى النصف في العشر سنوات الأخيرة (1994).

ومن المسلم به الآن بشكل عام، أن سوء التغذية الخبيث يعد سببا هاما من أسباب الإجهاد البجاوي - إن النساء البجاويات يكون لديهن عادة حوض أصغر مما لدى النساء عند بقية الشعوب، وذلك في حد ذاته يرجع إلى سوء التغذية خلال فترة النمو العظمى عندما كانت المرأة نفسها طفلا - ونتيجة ذلك ليس ولادة محفوفة بالمخاطر المتزايدة فقط، ولكن حجم الحوض وسوء التغذية في فترة الحمل يسفران عن طفل صغير الحجم بصورة استثنائية، وهو طفل يعاني من نقص في تكوين أعضاء داخلية معينة، ويكون وزنه أقل من الوزن الطبيعي. وثمة علامات أخرى تصاحب هذه الحالة مثل التغيرات في الدم، وفي البروتينات الموجودة بالسائل الدموي وفي هضم جميع أشكال الطعام وفي الكبد وفي البنكرياس والكلى أيضا. ولا يقتصر سوء التغذية على سلب البجاوي طاقته وجهده، فهو بالإضافة إلى ذلك يجعل منه فريسة سهلة للأمراض، التي ترجع مباشرة إلى نقص التغذية وكذلك الأمراض التي يعزى استسلامه لها إلى عجز جسده المتضور جوعاً عن توفير أي مقاومة لها. وتكشف الحقائق جميعا أن الصحة السيئة والمرض هما مصير البجاوي وقدره.

 وبالنسبة لعدد المؤسسات والكوادر الصحية الموجودة حالياً في بلاد البجه فتوجد الإحصائيات  الآتية:-

المرافق الصحية في ولاية البحر الأحمر

يوجد في الولاية 17 مستشفى، وعدد أسرتها 860 سريراً، ويقابل كل سرير 502 شخصاً في مدينة بورتسودان، وسرير لكل 2028 شخص في بقية الولاية، أما في توكر فيقابل كل سرير 9729 شخص وهي أعلى نسبة. وتتركز المستشفيات في بورتسودان. ويوجد 6 مستشفى ريفي، و30 مستشفى خاص،  ومجموع المراكز الصحية العاملة 17، والمتوقفة إثنان. الشفخانات العاملة 26، والمتوقفة 4. نقاط الغيار العاملة 25، والمتوقفة4. وحدات الرعاية الصحية165، والمتوقفة 21. ويوجد بنك واحد للدم في كل الولاية. ويستشف من هذا أن محافظتي حلايب وتوكر هما الأفقر من حيث الخدمات الصحية.

بالنسبة للأطباء فيوجد 28 أخصائياً، يقابل الواحد منهم 036،24 شخصاً، و30 نائباً يقابل الواحد منهم 433،22 شخصاً، و36 طبيباً عمومياً يقابل الواحد منهم 694،18 شخصاً، و4 أطباء أسنان يقابل الواحد منهم 250،168 شخصاً. وهذه النسب لا تعطي صورة حقيقية للواقع، حيث يتركز كل الأطباء الأخصائيون في بورتسودان. ويندرج هذا الواقع على مراكز الأمومة والطفولة وغيرها من الخدمات الصحية، حيث هي فقيرة جداً في الريف، خاصة منطقة حلايب التي تعد الأفقر صحياً ولا يوجد مستشفى بين بورتسودان وحلايب بالغم من كبر المساحة والموجود في حلايب لا يمكن أن يسمى مستشفى.

أما بالنسبة لكوادر مجال الطفولة والأمومة، فيوجد 6 أخصائي نساء وتوليد، و32 زائرة صحية، و155 قابلة قانونية، و28 ممرضة قابلة، و7 مساعدة زائرة، و163 قابلة تقليدية مدربة، و3 قابلة تقليدية غير مدربة، و5 ضابط تغذية، و53 مرشدة تغذية (2000م).

صحة البيئة

خدمات صحة البيئة بولاية البحر الأحمر تعتبر نشاطاً حضرياً، حيث تنعدم في أرياف الولاية، ويندرج هذا على كل ولايات البجه. وبالرغم من هذا، فإنها ضعيفة أيضاً في المدن الحضرية. فالمدن تعاني من تدهور مريع، تتمثل مؤشراته في إنتشار الأوبئة والأمراض البيئية مثل الملاريا، وتراكم النفايات الصلبة والأوساخ وتوسع رقعة الأحياء الشعبية والميناء بمستودعاته ومخلفاته وكيماوياته، مما جلب الداء للسكان. يقابل كل مفتش صحة أكثر من 72000 شخص، ويقابل كل ضابط صحة 37000 شخص في محافظة البحر الأحمر (في كل من بورتسودان وسواكن).

 المرافق الصحية في ولاية كسلا

ويوجد في ولاية كسلا (11) مستشفى وعدد أسرتها (1113) (منها إثنتان متخصصتان). ويوجد (37) مركز صحي، و(81) شفخانة، و(56) نقطة غيار، و(153) وحدة صحية. وبلغ عدد المترددين على المستشفيات والمراكز الصحية خلال العام الماضي (321668) مريض. ويعمل في هذه المؤسسات الصحية (31) طبيب إمتياز وعمومي، و(9) أخصائي، و(7) أطباء أسنان، و(5) صيادلة، و(110) مساعد طبي عمومي، و(19) مساعد طب أسنان، و(7) سسترات، و(42) زائرة صحية، و(280) قابلة قانونية، و(190) قابلة تقليدية، و(6) ضابط تغذية، و(22) مرشدة تغذية، وواحد ضابط تحصين ولاية، و(6) ضابط تحصين منطقة، و(13) مفتش وضابط صحة، و(61) ملاحظ صحة، و(70) مساعد ملاحظ صحة، و(120) عامل ملاريا، و(72) عامل بلهارسيا. من هذه الإحصاءات يتضح ضعف الخدمات الصحية في الولاية، خاصة في مجال الوقاية، حيث يوجد طبيب واحد متخصص في هذا المجال، وأيضاً في مجال رعاية الحوامل فعدد القابلات والزائرات الصحيات ومرشدات التغذية وبقية العاملين في هذا التخصص القاتل قليل جداً بالنسبة لعدد السكان وتفشي الوفيات أثناء الولادة.

المرافق الصحية في ولاية القضارف

عدد العاملين في صحة البيئة في ولاية القضارف هم 4 مفتشي صحة، و(4) ضباط صحة، و(75) ملاحظ و(811 مساعد ملاحظ، و(262) عامل. والمؤسسات الصحية العلاجية بالولاية:- (15) مستشفى، و(27) مركز صحي، و(17) مركز طفولة وأمومة، و(50) شفخانة، و(73) نقطة غيار، و(107) وحدة صحية، و(23) منطقة صحية.

  وفي كثير من مناطق البجه تنتشر أنواع الأمراض المعوية. وتعد الملاريا والسل من الأوبئة الرئيسية، وفي كثير من المناطق تسجل الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، ومن بينها مرض السل، معدلا رهيبا. والبجاوي العادي يكون أقل من الحجم الطبيعي ومصابا بالانيميا وفريسة للأمراض. (وصلتنا الإحصائيات الصحية والتعليمية المنشورة هنا بجهود مقدرة من الأستاذة الفاضلة نعمات مصطفى محمد، الأستاذة سابقاً بكلية التربية بجامعة كسلا، وللأستاذة نعمات دراسات قيمة عن اللغة البجاوية وجهود مقدرة لتطوير البجه).

(33) وفي سبيل الوصول إلى مجتمع ينعم بالخدمات الصحية فيجب تعميم الوعى الصحي والتغذية السليمة والطب الوقائي والاجتماعي وإنشاء وحدات للأمراض المستوطنة، وللتثقيف الصحي. ومناشدة هيئة الصحة العالمية للعمل على استئصال السل الرئوي والزهري والملاريا من البلاد. وكذلك إنشاء وحدات علاجية ووقائية متنقلة في الريف وبين قبائل الرحل حتى يتسنى التوازن في الخدمات بين الريف والمدن.

كما يجب الاهتمام بالأمومة والطفولة إذ أن كثيراً من الأطفال حديثي الولادة وأمهاتهم يروحون ضحية سوء التغذية، وانعدام الوعى الصحي. ونشر مراكز رعاية الطفولة والأمومة في الأرياف والمدن، وتدريب الكوادر الفنية من أبناء وبنات الريف في مجالات الصحة الوقائية والعلاجية للعمل بمناطقهم. وأيضا إنشاء وتدعيم وحدات الإحصاء الصحي للقيام بالمسوح والدراسات لتحديد حجم المشاكل الصحية، وتوفير الدواء بالمستشفيات العامة لتكون في متناول المرضى.

أما بالنسبة للأرياف فيجب إنشاء وحدات علاجية متنقلة ومد المراكز الريفية بسيارات إسعاف مجهزة بأحدث الوسائل. كذلك يجب الإهتمام بسلامة البيئة لدرء الأمراض.

الأمراض ومكافحتها

أوضحت تقارير مستشفى بورتسودان (من دراسة للأستاذ محمد الأمين حمد في ديسمبر 1992، وهو من زعامات البجه المتعلمين وتولى مناصب عامة عديدة وأسهم في محاولات تطوير البجه) الحقائق الآتية:

ــ عدد وفيات الأطفال هذا العام (1993) بلغت 8،12%.

ــ عدد المصابين بسوء التغذية في 12/1990، 31%، وبلغ 7،19% في6/ 1992.

ــ أما السل الرئوي الذي انتشر بصورة فظيعة في مدينة بورتسودان (وبشكل مكثف في الأحياء العشوائية ــ الشعبية) فقد بلغ 1638 حالة في شهري أكتوبر ونوفمبر 1992. كما بلغ عدد المصابين بالسل الرئوي الذين جاؤوا من الريف 1302 حالة في نفس الفترة.

ــ بلغت وفيات النساء الحمّل في بورتسودان وحدها 8% عام 1991. والصورة أكثر فظاعة في الإحصائيات التي تستخلص من بقية بلاد البجه، هذا إذا كانت توجد هناك مستشفيات، أما الريف حيث من المؤكد أنه لا توجد مستشفيات ولا احصائيات فإن البجه يموتون من هذا الداء اللعين ولا عين رأت ولا أذن سمعت!

وهذا كله يقودنا إلى حقيقة أن حجم الخدمات الصحية مع مقارنتها بالرقعة الجغرافية التي تشملها هذه المحافظات وحجم التشتت السكاني فيها، فإن ما يقدم يعتبر هامشياً مثل، احتفال ولاية البحر الأحمر في شهر فبراير 1999 بتدشين 12 سيارة إسعاف لخدمة المناطق الريفية في الولاية. وتستغل هذه السيارات في تنقلات المسؤولين والساسة وأسرهم إلخ.

طرق مكافحة الأمراض ومسبباتها

Xمن مذكرات بروفسير دينيس بيركتسZ

إن تطور المعرفة العلمية قد زاد البراهين على أن كل الأمراض تقريباً ناتجة عن عوامل في البيئة. وبالرغم من هذا يمكن أن يتراوح تأثيرها حسب قابلية الفرد أو مقاومته ضد عوامل البيئة المختلفة. وهذا ليس صحيحاً فحسب في الأمراض التي تتطور بعد الولادة، ولكنه صحيح أيضاً في الأمراض الموجودة عند الولادة والتي تعرف بالأمراض الخلقية. وهذه قد تنشأ في بيئة ضارة داخل الرحم، وهذه النماذج تتمثل في بلاد البجه في التشوه الجنيني الذي تسببه الأمراض التي تتعرض لها المرأة أثناء الحمل، وسوء التغذية الذي ينتج عنه نقص المقاومة ضد الأمراض.

وبما أن المسببات الرئيسية للأمراض موجودة في البيئة التي نعيش فيها، فهذا يعني أن طريقة تجنب الأمراض والاحتفاظ بصحة سليمة، يجب أن تكون في إتجاه تحديد سبب المرض ثم تخفيف حدته واستئصاله، أو توفير الوقاية ضد العوامل الضارة الكامنة بالبيئة.

وبالإمكان على نطاقات مختلفة الإفلات من الآثار المرضية للعوامل المضرة في بيئتنا بطريقتين، تخفيف المسببات وتوفير الوقاية. كما يمكن استخدامهما معاً في آن واحد.

إن خطر العدوى بالكائنات المجهرية يزداد عن طريق الإزدحام والذي يسهل نقل العدوى من شخص لآخر، وكذلك التصريف غير الصحي لمياه المجاري. وإلى حد بعيد مياه الشرب الملوثة التي تنتشر في بلاد البجه. ولقد أصبحت الصحة العامة المطوّرة والمحسنة عاملاً رئيسياً في الإقلال من الأمراض المعدية.

ويمكن استعمال جهاز المناعة في الإنسان لتوفير مناعة محددة ضد أمراض معينة عن طريق حقن الجسم بجرعات آمنة من الجراثيم المسببة تحفز أعضاء جهاز المناعة إلى الاستعداد والهجوم. وبهذه الطريقة فإن أمراضاً كثيرة تنتشر في بلادنا، مثل الدفتيريا والسحائي والجدري والحمى الصفراء وحتى الحصبة يمكن تخفيف آثارها أو حتى القضاء عليها بالتحصين الوقائي، وهذا عائد إلى أن كل الأمراض تقريباً في بدايتها ، هي نتيجة للعوامل البيئية، وبالتالي فإن إنقاص هذه العوامل أو إزالتها يعتمد كثيراً على تحديد نوعيتها ومحاصرتها أو استئصالها.

القضاء على الأمراض المعدية

إن الأمراض المعدية ـ وهي التي تسببها البكتيريا والفيروسيات والجراثيم الطفيلية المتعددة الأشكال ـ هي من أكثر مسببات الوفيات في بلاد البجه.

ولهذا فإن درهم وقاية خير من قنطار علاج. وبالرغم من هذا، فإن لدى كثير من الناس فكرة خاطئة، هي أن العلاج الأفضل والطب المطوّر المتقدم قاما بدور حاسم في القضاء على الأمراض المعدية، ولكن تاريخ تداعي هذه العلل الصحية يوضح جلياً بأن الحال ليس هكذا. إذ أن السبب الرئيسي لتحقيق هذا الإنجاز في البلدان المتقدمة هو الصحة العامة المطوّرة وعلى وجه الخصوص التصريف الصحي الأفضل للمياه سوية مع الاشتراط على مياه شرب نقية وحليب خالٍ من الدّرن ـ والذي ينتشر في بادية البجه ـ كما أن الإسكان المحسن المزّود بتجهيزات غسل أفضل وتخفيف الإزدحام السكاني أسهمت مع التدابير الأخرى في الإقلال من مخاطر الإتصال بالمرض وتقليل الكائنات العضوية.

وكما سبق وذكرنا فإن أكثر أسباب الوفيات في بلاد البجه هي الأمراض المعدية.

ويمكن إنقاص الأمراض الوبائية بتدابير توجه لتحديد نوعيتها، وتخفيف مسبباتها. أما الأمراض التي تنتج عن التلوث الغائطي فيتم إقلالها بتصريف مياه البالوعات بصورة صحية أفضل، وتلك التي يتم نقلها بواسطة الحشرات، مثل الملاريا الخ . . فيتم تقليلها بمهاجمة الحشرات الناقلة لها وبالنسبة للبلهارسيا فيتم تقليلها بالقضاء على القواقع الناقلة للميكروب، إذ أن إبادة الوسيط (الناقل) للجراثيم يخترق دورة إنتقاله.

إن ما تجنيه الصحة في بلاد البجه من فوائد ينتج عن توفير إمدادات الشرب النظيفة والتصريف الصحي السليم للمياه وتوفير دورات مياه عامة صحية في السكن الشعبي (العشوائي) وهذا يفوق كثيراً الفوائد التي تنتج عن بناء مستشفيات ذات تقنية متقدمة في البلاد. وبالرغم من الحاجة لكليهما فإن ترشيد الإنفاق يجب أن يتم حسب الأسبقية، وليس كما هو الحال الآن، أو كما يعتقد الكثيرون.

إن النقطة الهامة هنا، هي أن صحة الجماعة تعتمد على جهود الوقاية من المرض أكثر من محاولة علاجه. ولقد عمل الطب العلمي المألوف وما يعرف بالطب البديل، عملا كثيراً على معالجة أو تخفيف المرض مع اهتمام قليل لتحديد المسببات واستئصالها.

أولوية الوقاية في ترقية وتحسين الصحة

إن الافتراض الشائع عند العامة وحتى عند كثير من العاملين في المجال الطبي ـ من الذين يستثمرون أمراض الناس في جمع ثرواتهم ـ بأن الطب العلاجي له أثر عظيم على صحة المجتمع وهذا بالطبع غير صحيح. فالطب العلاجي هو طب إلتئامي، وهو بطبيعته يعمل على مداواة المرض وليس على الوقاية منه. وعن طريقه تم تخفيض تواتر عدد قليل جداً من الأمراض، بخلاف الأمراض الشديدة العدوى عن طريق تطوير نوعية العلاج. ولهذا فإن الأولوية تكون للوقاية من الأمراض بإزالة مسبباتها في البلاد،والتطعيم والتحصين.

يقول الدكتور فؤاد حيدر Xإن تدني المستوى الصحي هو سبب للتخلف، إلا أنه سبب محدود، فالتحسن العميق للحالة الصحية لا يمكن تحقيقه بوسائل الوقاية الصحية والطبية فقط. فالحالة الصحية لمجتمع من المجتمعات ترتبط بالذهنية العقلانية وبالتربية، لأنه إذا تم التوصل إلى تحسينات ملموسة على مستوى الأوبئة والأمراض فإن الإنتقال إلى مستوى أفضل، يفترض تربية وذهنية عقلانية ووقاية صحية لا يمكن أن تأتي إلا كنتيجة للتطور، إن بناء المستشفيات الفخمة المتقدمة لا يحسّن المستوى الصحي، بل من الأنسب تعليم السكان طرق ووسائل الوقاية الصحية.Z

وباء الكلازار في ولاية القضارف

ذكرت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها من جنيف أن 2500 مريض بالكلازار (اللشمانيا) عادوا مراكز أطباء بلا حدود في القضارف بين أكتوبر وديسمبر 97، وأن 200 إلى 250 شخصاً منهم توفوا، عدا كثيرين آخرين توفوا خارج المركز بسبب عدم توفر العلاج لهم. وقد تضاعفت نسبة الإصابة بالمرض بمعدل 400 في المائة بالنسبة للفترة نفسها من العام 1996، وإن كان منتشراً بشكل خاص بين اللآجئين من المناطق الحدودية. ومن أعراضه فقر الدم ونقص في كريات الدم البيضاء وارتفاع درجة الحرارة وانخفاض وزن الجسم وتضخم الغدد الليمفاوية والكبد، وهو من الأمراض التي تصيب كل الأعمار، إلا أن معدلات الإصابة ترتفع لدى الأطفال والشباب. ولولا كشف منظمة الصحة العالمية لهذا الوباء، لتسترت عليه حكومة الخرطوم كالعادة. وقد أدى هذا الكشف إلى توجه حملة للاستهلاك السياسي إلى القضارف تتكون من نائب رئيس الجمهورية ووزير الصحة الإتحادي. ويذكر أنه تم تسجيل أول حالة كلازار في (السودان) في محافظة القلابات بنهر عطبرة (جريدة البيان الإماراتية بتاريخ 26/12/1998)، وفي عام 1997 شكل المرض أكبر المشكلات الصحية في الولاية، وبالذات في جنوب الولاية على ضفاف أنهار الرهد وعطبره وسيتيت. ومن الاحصاء الصحي اتضح أن المستشفيات تستقبل ثمانية آلاف حالة في العام. وقد ارتفعت نسبة الوفيات مؤخراً لاتساع الخريطة الوبائية وعدم توفر وسائل المكافحة ومن ثم أصبحت محافظتا الرهد والقلابات هما الموبؤتان. وتصل تكلفة علاج الفرد إلى نصف مليون جنيه. وتنفق الولاية شهرياً مليون و200 ألف جنيه في معالجة حالات الكلازار. وقد عم الآن المرض في كل الولاية في مساحة 72 ألف كيلو متر مربع، ووصل عاصمتها القضارف. إن هذا الوباء يهدد بالإنتشار في كل بلاد البجه نتيجة للتجاهل الذي تلاقيه من الوالي وحكومة الخرطوم.

المجـــاعـات

السبب الرئيسي

لقد أثرت المجاعات في ثقافة البجه وأصبحت لها أدبيات نسبة لكثرتها وضررها. واطلقت عليها مسميات مثل، مجاعة 20/ 1921 فقد سميت XكرباجيتZ لأن السلطات استخدمت السوط لتنظيم الصفوف، أما مجاعة 40/1941 فسميت XفوليهZ لأنه تم توزيع الفول المصري عليهم، ومجاعة 49/ 1950 فسميت Xسرار هيوكبياZ أي النجمة أم ذنب التي تزامن ظهورها مع المجاعة، ومجاعة 59/ 1962 فسميت XأمريكانيZ لتقديم أمريكا إغاثة للبجه، ومجاعة 69/ 1972 فسميت XكيلويتZ لتوزيع الإغاثة بالكيلو، وسميت مجاعة 84/ 1985 XخواجهZ لتوزيع الأوربيين للإغاثة، وكذلك يطلق عليها XأدروبZ وتعني الأحمر نسبة للون الأوروبيين. Xراجع التواؤم مع الجفاف في باب أسلوب الحياةZ.

فالمجاعات ليست بالشيء الجديد على البلاد، فقد ظهرت مع دخول الاستعمار البريطاني للبلاد. وزاد تواترها نتيجة للتخطيط الاستغلالي والإدارة الفاسدة من قبل الحكومات الشمالية العنصرية التي تسمى زيفاً وطنية. وظهرت المجاعات لإهمال الريف وقيام المشاريع الزراعية على حساب المراعي في بلد معظم سكانه من الرعاة. وقبل قيام هذه المشاريع كانت المراعي كافية في مساحات شاسعة. وظهرت أول مجاعة معروفة عام 1913/ 1914، ثم توالى ظهور المجاعات في الأعوام 1918و1919 و1920 و1942، وأشهرها في أيام الحكم البريطاني هي مجاعة عام 1948، أي بعد فترة وجيزة من قيام مشروعات الزراعة المطرية في القضارف، حيث تضرر سكان المنطقة الرعاة من هذه المشاريع. فقد أدى اغتصاب المراعي وتدمير البيئة إلى فناء الثروة الحيوانية فأصبح الرعاة يهيمون بلا حيوانات بعد أن قضت من الجوع ولم يجدوا بديلا لها للإرتزاق. كذلك فإن إقامة المدن الكبيرة من موانيء وغيرها، تبعه قدوم أعداد كبيرة من الشماليين وغيرهم إلى بلاد البجه، وجلب الشماليون معهم عاداتهم وممارساتهم الضارة، مثل صنع الكسرة ومأكولات أخرى يستخدم في طهيها الحطب كوقود. ونتيجة لكبر حجم الوافدين فقد زادت الحاجة إلى حطب الوقود لتتدخن به نساؤهم ولخبز الكسرة وللاستعمال في أفران المخابز. ولمقابلة الاستهلاك الضخم، وصل التعدي حتى الأشجار الخضراء. وساعد إنشاء الطرق الحديثة على الوصول إلى الغابات البعيدة. وهكذا قامت المشاريع الزراعية والمدن ومشاريع التنمية، التي لا يراعى فيها مصالح سكان المنطقة، بتدمير البيئة التي يعيش عليها البجه من خلال رعي مواشيهم. إن بلاد البجه لم تشهد أي مجاعة مؤثرة قبل قيام المشاريع الزراعية الكبيرة وإنشاء الموانيء والمدن الأخرى وتشييد الطرق. من هنا يتضح أن المجاعات هي من صنع الحكومة الحالية وسابقاتها. بل تسعى الحكومة الحالية للقضاء على البجه بسرعة وبكل الطرق، مثل تسميم الأرض كما في مناجم الذهب، وتدمير البيئة وتلغيم المراعي وحظر تحرك الرعاة ومصادرة مواشيهم، وتجويعهم وتركهم فريسة للأمراض حتى تستحوذ على أراضيهم وثرواتهم من بعدهم.

ولمكافحة حدوث هذه المجاعات، وإيقاف فناء البجه، يجب إزالة كل المشاريع الزراعية الكبيرة والصغيرة، والمؤسسات والمنشآت التي تسمى تنموية، خاصة الموانيء التي جلبت للبجه الحميات والأمراض والتلوث ولا يستفيدون منها شيئاً، بل هي لرفاهية الخرطوم والشمال، كما أنها جلبت لهم من يزاحمهم في بلادهم وأرضهم ومائهم. أما التعدين عن الذهب وغيره وميناء البترول وخطوطه والمنطقة الحرة فيجب إزالتهم على الفور لتدميرهم السريع للبيئة ومساهمتهم في تسريع فناء البجه.

جاء في كتاب Xكفاح البجهZ للمناضل الأستاذ محمد دين اسماعيل البجاوي عن المجاعة، ما يلي:(وأما المجاعة فقد لعبت دوراً هاماً في أواسط المجتمع البجاوي كغيرها من الأزمات والكوارث التي تصاب بها المجموعات البدائية الساذجة، ووجدته ضعيفاً هزيلاً فقيراً بعد تلك السنوات التي قلّت فيها الأمطار وهلكت مواشيه. ونتيجة لذلك حاول البجه اللجوء إلى المدن، بحثاً عن الطعام. وبدلاً من أن تشملهم السلطات بما يستحقونه من اللطف والرحمة، استعانت برجال الأمن كبارهم وصغارهم لتطردهم من الطرقات وساحات المدن الكبرى حتى Xكما تقول السلطاتZ لا يجدوا فرصة ليستفزوا غيرهم بمناظرهم المؤذية في هذه الجنان وحتى لا يشاركوا غيرهم في النعيم والخيرات، لذا اعتبرتهم السلطات أعداءً للإنسانية، ومجرمين في عرف الدستور وحق القانون، وأناساً يأتون بشيء نكراً، نتيجة لجهادهم لكسب القوت بهذه الوسائل التي كانت لا تتعدى النجدة والتوسل ــ لهذا اعتبرتهم الحكومة المركزية بأنهم يسببون الاشمئزاز لغيرهم من المواطنين، ويخلّون بالأمن العام، لذا لم تترد هذه السلطات وخاصة في الثغر لإخراجهم بقوة السلاح واللسان من حدود المدينة. هكذا حاربتهم الحكومة في المدن كما حاربتهم المجاعة في البادية). ا. هـ

   المجاعات في عهد مايو

منذ عام 1969 بدأت تلوح في الأفق مؤشرات المجاعة نتيجة للجفاف والتصحر حيث حدثت مجاعة كالحة في جنوب توكر. وبالرغم من علم السلطات بها فإنه لم يتم اتخاذ أي إجراء لتطويق المشكلة أو مكافحة آثارها. وفي منتصف عام 1984 استفحلت المجاعة بصورة لا تمكن من السيطرة عليها - وبالرغم من استفحالها فإن نظام مايو المباد قام بالتستر عليها ومنع أي إعلان عنها حتى لا ينكشف النظام أمام الرأي العام العالمي الذي تسرب إليه الخبر بالرغم من التكتم الشديد عليها وكل ذلك خوفا من مساءلة النظام المباد عما كان يتلقاه من دعم وإعانات وما كان يدعيه من أن (السودان) سلة غذاء العالم - وأعلن السيد ادوارد صوما بأن هناك مليون وأربعمائة ألف شخص يتعرضون للمجاعة في شرق (السودان) - وانتقل الحال بالناس من التضور من الجوع إلى الإصابة بالأمراض نتيجة لإنعدام الغذاء وذهبت نفوس كثيرة وبلغ عدد الموتى مائة شخص في اليوم الواحد. وأمام هذه المأساة الإنسانية هبّ بعض المحسنين من أبناء البجا فقدموا ما جادت به أياديهم من إعانات للمتضررين وقامت الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ملكا وحكومة وشعبا بإرسال الإعانات العاجلة من غذاء وكساء ودواء إلى البلاد - ولقد كان دور المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز دورا إنسانياً كبيراً فلقد تم تجنيد كل وسائل الإعلام لجمع التبرعات كما تم تكوين لجنة لإغاثة المتضررين برئاسة وزير الداخلية وقام الهلال الأحمر السعودي بإنشاء مراكز للإغاثة في بلاد البجه وتم الإشراف المباشر من قبل السعوديين على هذه المعسكرات حتى يؤمنّوا وصولها إلى المقصودين الحقيقيين بعد أن اقتنعوا بفساد النظام. كذلك قامت كل من الكويت وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة بإرسال معونات ومساعدات مقدرة خففت من حجم المأساة.

المجاعات في الصحف

استغلال الجوعى لينتجوا للصوص

جاء في صحيفة الخليج الإماراتية في شهر أكتوبر العام 1996 تقرير إخباري عن المجاعة في بلاد البجه بعنوان Xالمجاعة في شرق السودان تهدد ربع مليون نسمةZ ما يلي: (تعاني مناطق واسعة في شرق السودان من خطر المجاعة نتيجة الجفاف وعدم هطول الأمطار على مدى عامين متتالين. وتشير التقارير إلى أن عدد المتأثرين بالمجاعة بلغ مائتين وستة وسبعين ألف نسمة، فيما يقدر حجم المطلوب من الحبوب بصفة عاجلة للمنطقة تسعة عشر ألف طن من الذرة ونحو ثلاثة آلاف طن من الزيوت والبقوليات.

وقد وجه الفريق الزبير السلطات السياسية والشعبية بولاية كسلا بضرورة قيام حملة تعبوية وسط المواطنين المتأثرين من النقص الغذائي للتحرك للعمل بمواقع الإنتاج في المشاريع الزراعية للإسهام في سد الفجوة، مع جدولة المبلغ المتبقى البالغ ثلاثمائة وأربعين مليون جنيه سوداني من جملة خمسمائة مليون جنيه، هي الدعم المقدم من الحكومة المركزية بالخرطوم إلى حكومة الولاية. Xيلاحظ أن الحكومة لا تعترف بوجود المجاعة التي هي موجودة أصلاً وتطلق عليها مسميات دبلوماسية مثل ــ فجوة غذائية ــ وهذا رياء منها، كما أنها تطلب من المتضررين أن يعملوا في المشاريع الزراعية التي تدر عليها العملات الأجنبية. فكيف يستطيع الإنسان الجائع أن يعمل، ليس هذا فحسب بل تريده الحكومة أن يعمل بعيداً عن أسرته الجائعة وتريد أن تستغل جوعه وحاجته ليعمل لديها وينتج لها ويترك خلفه أسرة تتضور من الجوع. كان يتوجب عليها أن تقوم بمده بالغذاء ليعمل في مزرعة خاصة به حتى يحصد إنتاجه، وليس للعمل في المشاريع التي تتحدث عنها الحكومة التي هي سبب المجاعة لأنها انتزعت من مراعيه فقلصتها مما تسبب في موت مواشيه وتعرضه للمجاعة. أما موضوع الدعم من الحكومة المركزية للحكومة الولائية فهو تلاعب بالألفاظ الهدف منه تهرب الدولة من مسؤوليتها نحو مواطنيها ــ المؤلف)

وكان وفد يمثل الولاية برئاسة واليها أبو القاسم  قد أطلع السلطات المركزية على الموقف الأمني والغذائي في الولاية وضرورة إيجاد الحلول المالية لتعمير وتأهيل دلتا القاش وإيجاد الآليات العاملة لحصاد الموسم الزراعي الجديد.

وقد تم إعداد تقرير بواسطة لجنة مسح شملت وزارة الشؤون الاجتماعية والثقافية بولاية البحر الأحمر وشمال شرق السودان والمنظمات العاملة في الولاية ووزارة الصحة والزراعة. كما شمل المسح محافظتي توكر وسنكات، وجنوب بورتسودان.

المجاعة والإغاثة في توكر وضواحيها

كتب الأستاذ التاج عثمان في صحيفة الرأي العام في شهر سبتمبر 2001م عن المجاعة والإغاثة في بلاد البجه، وعن توكر وما حولها بالتحديد ما نورده بتصرف. وجدت للأسف توكر التي كانت قصبة زاهرة، تعج وتمتليء بشاحنات الإغاثة التي سارع بها المجتمع الدولي عبر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، لإنقاذ أهلها من الجوع.

توجد سبعة مراكز داخل توكر لتوزيع الإغاثة، وشاهدت فيها مظاهر البؤس والفقر والعوز في أحلك صورها، والتي حاقت بسكان هذه المدينة الغنية الفقيرة. وبعد عمليات المسح التي أجريت في فبراير 2001م بواسطة برنامج الغذاء العالمي، ومفوضية العون الإنساني، ووزارة الصحة، بالمناطق المتأثرة بالمجاعة، وضح أن عدد المتأثرين بها في ولاية البحر الأحمر بلغ (223) ألف مواطن (الإحصائيات الدولية تقول أنهم 950 ألف مواطن ـ المؤلف) تقرر توزيع مواد غذائية لهم لمدة شهرين فقط، إضافة إلى (573،17) نازحاً، توزع عليهم المعونة الغذائية شهرياً طيلة عام .. وتم تقديم توصيات لتقديم معونات غذائية بحجم (1174) طناً مترياً لمدة شهرين فقط، لحوالى (74) ألف مواطن بسنكات .. وفي أطراف بورتسودان بلغ عدد المتأثرين بالجفاف والمجاعة حوالى (35) ألف مواطن، وزع عليهم البرنامج نحو (556) طناً مترياً خلال مايو ويونيو 2001م.

أما داخل مدينة توكر فبلغ عدد المتأثرين بالمجاعة نحو (480،44) مواطناً، إضافة إلى (13) ألف مواطن بخور بركة و(280،11) مواطناً بسواحل توكر، حيث دخلت مدينة توكر (185) شاحنة محملة بالمواد الغذائية في الفترة من 13 إلى 19/9/2001م، بمعدل (26) شاحنة يومياً .. وبمنطقة XأوزورZ بلغ عدد المواطنين المتأثرين نحو (217،19) مواطناً .. وهذه المناطق تمثل شمال توكر فقط، وبلغت جملة الكميات التي وزعها البرنامج من المواد الغذائية  نحو (1827) طناً مترياً (ذرة شامية + زيت + خلطة XيونيمكسZ). كما أشارت المسوحات إلى أن المتأثرين بالمجاعة في منطقة حلايب بلغ (600،12) مواطناً، ستوزع عليهم خلال أكتوبر القادم نحو (657) طناً مترياً من المواد الغذائية لمدة شهرين ... أما في جنوب توكر، حيث تضررت هذه المنطقة من الحرب والمعارك بين الحكومة والمعارضة وزرع الألغام والقتل والنزوح، فقد بلغ عدد المواطنين المتأثرين نحو (500،13) مواطناً، (كل سكان هذه المنطقة تأثروا ويبلغ عددهم على أقل تقدير 60 ألف شخص ـ المؤلف)، ستوزع عليهم نحو (704) طناً مترياً.

أرقام مكتبي (برنامج الغذاء العالمي) في بورتسودان وتوكر تذكر أن ما وزعه وسيوزعه البرنامج على ضحايا المجاعة في ولاية البحر الأحمر هذا العام، يصل إلى حوالى (16) ألف طناً مترياً، تم توزيع (10) آلاف طناً مترياً منها على المناطق المذكورة أعلاه،  كما تذكر التقارير بأن عدد القرى المتأثرة بالمجاعة بكل الولاية يبلغ (113) قرية!!

إضافة إلى لذلك فإن البرنامج يوزع (260،45) طناً مترياً من الأغذية لحوالى (3900) مواطناً بالولاية، في إطار برنامج الغذاء مقابل العمل) .. وهناك (20) ألف تلميذ وتلميذة بمرحلة الأساس، و(450) طالباً بداخليات مدارس الأساس والثانوي يستفيدون من مشروع (التغذية المدرسية) الذي ينفذه البرنامج بالولاية .. كما يقدم البرنامج سنوياً (6،228) طناً مترياً لمساعدة (1500) مريض بالدرن الرئوي.

ونسبة لشح محصولي الذرة والدخن في العام الماضي، فقد بلغت كمية الفجوة الغذائية (60) ألف جوال ذرة ودخن، وقامت المنظمات الدولية بمسح منطقة توكر فقط، باعتبار أن منطقة جنوب توكر يعمل فيها برنامج شريان الحياة، وتم حصر (103) ألف مواطن بشمال محافظة توكر، اعتبر (88) ألف منهم أكثر فقراً وتأثراً بالمجاعة، ويستهدفهم البرنامج حالياً دون الباقين الذين يتعرضون للهلاك.

واستلمت توكر من المخزون الاستراتيجي حوالى (2716) جوال قمح و(1387) جوال ذرة شامية، تم توزيعها على المتأثرين بجنوب المحافظة. (كل هذه المساعدات الغذائية لا يصل منها غير النذر اليسير إلى المستحقين الحقيقيين حيث يستشري الفساد في كل أجهزة حكومة الإنقاذ التي يتاجر أركانها في أقوات وأرزاق الضعفاء ومن المؤكد أن هذه الكميات لم تغادر بورتسودان وإلا لما ظل سكان هذه المناطق حتى الآن عبارة عن أشباح بأرواح ـ المؤلف).

لم يشمل المسح الذي قام به برنامج الغذاء العالمي مناطق عديدة من المحافظة ولذلك فإن أرقامه عن المتأثرين جاءت متواضعة، وبالتالي أصبح سكان تلك المناطق خارج دائرة المعونة الغذائية. وقد تعلل البرنامج بعدم زيارة تلك المناطق ليشملها الإحصاء، إما لأسباب أمنية أو لإنعزالها بمياه خور بركة، ويرفض البرنامج تقديم الإغاثة لهذه المناطق إلا بعد إجراء المسح والحصر، والمشكلة أنه لا يمكن الوصول إلى المناطق المعزولة إلا بواسطة الجمال، ولكن موظفي البرنامج يرفضون ركوب الجمال للوصول للمواطنين المتأثرين. وبرغم كل هذا فإن الحكومة تحكم البلاد وتركت واجبها نحو مواطنيها للبرنامج ووقفت تتفرج دون أن تقدم لهم أي مساعدة بل وتسرق المساعدة التي تقدم لهم! ويقدر عدد المعزولين بخور بركة حوالى (1972) مواطناً، يقطنون خلف خور بركة، وربما ترسل لهم المحافظة معونة من احتياطيها!

ويخشى أحد المسؤولين أن تؤثر الإغاثة على العمليات الزراعية، لتشجيعها بعض المواطنين على عدم الزراعة (الحكومة تتبع سياسة تجويع المواطنين لتجبرهم كي يعملوا في مشروع القطن بتوكر ليوفروا لها العملات الأجنبية ـ المؤلف). ويرى البعض أن الإغاثة لا تناسب العادات الغذائية لمواطني البحر الأحمر، إذ أن الإغاثة التي وصلت عبارة عن ذرة شامية، وهي غير مرغوبة في المنطقة!

فظائع احتكار الأرزاق

وأوضح التقرير أن محافظات الولاية لم تشهد أمطاراً تذكر منذ عامين وأن الحالة العامة للمراعي فقيرة حيث تلاحظ قلة الغطاء النباتي في الولاية إلى جانب استمرار عملية التحطيب مما كان له الأثر الكبير في قلة الأشجار ولجوء المواطنين إلى الذرة في تغذية مواشيهم، مما رفع تكاليف تربيتها، وأدى هذا إلى عرض أعداد كبيرة من المواشي للبيع لعدم توفر الأعلاف وارتفاع أسعار الذرة وانخضت بالتالي أسعار الماعز والإبل والأبقار إلى النصف تقريباً. Xلم ينف هذا التقرير وجود مجاعة رهيبة ولكنه ألقى اللوم على الطبيعة والأهالي ونسي واجب الحكومة نحو مواطنيها ودورها في درء الأخطار عن الناس بالإجراءات الوقائية والمكافحة، كذلك أغفل التقرير دور تجار الجبهة الذين احتكروا تجارة الأرزاق الأساسية من ذرة ودخن وغيرها وصاروا يرفعون أسعارها في الداخل ويصدرونها للخارج ليثروا بالعملات الأجنبية التي يستثمرونها بالخارج خوف مجيء يوم يستعيد الشعب سلطته على البلاد. كذلك يستفيدون من تدني أسعار المواشي بسبب رفعهم لأسعار الحبوب التي تربى بها حتى يبيعها الرعاة بأرخص الأسعار فيشتريها تجار الجبهة ويصدرونها أيضاً للخارج. إن هذه الطريقة في بيع المواشي بلا تمييز يقضي على نوعيات التكاثر منها ــ المؤلفZ.

التدهور الصحي

ويضيف التقرير بأنه نتيجة لذلك حدثت هجرات للمواطنين إلى المدن للبحث عن فرص للعمل إلى جانب الهجرات التي تمت بسبب المجاعة. كذلك اجبرت أعداد كبيرة من الأسر على الرحيل من مواطنها، حيث سجلت سنكات رحيل 220 أسرة ودورديب 73 أسرة وتهاميام 34 أسرة وجبيت 25 أسرة.

وأظهر التقرير تدني الأحوال الصحية في المنطقة، وإصابة الأطفال بسوء التغذية بنسب تراوحت بين 17% و38% وأوصى التقرير بتوزيع 19878 من الحبوب و1488 طناً مترياً من الزيوت ومثلها من البقوليات وهي كمية تكفي لمدة ستة شهور بواقع أربعمائة غرام للفرد توفر كمية السعرات الحرارية المطلوبة للفرد يومياً.

وطالب التقرير باستمرار عمليات المسح كل ثلاثة شهور بواسطة المنظمات الطوعية ووزارة الصحة وبدعم الزراعة التقليدية بالبذور والمعدات وتحسين المراعي بنثر البذور وتوفير المعدات وصيانة الآبار وحفر آبار جديدة والاستمرار في توزيع الذرة المدعومة Xتشترى من تجار الجبهة بالتأكيد، لأنهم يحتكرون هذا الصنف، ويستفيدون حتى في ظروف المجاعة حيث تشتري منظمات الإغاثة الأجنبية الذرة بالدولارات التي تنتهي لتجار الجبهة ــ المؤلفZ. إلى جانب مساعدة سكان الساحل على إقامة دورات تدريبية في الصيد ومدهم بالأدوات المساعدة للإنتاج) (أ. ش. أ).

وجاء في صحيفة الخليج الإماراتية في شهر نوفمبر العام 1996م، عن المجاعة في بلاد البجه أيضاً ما يأتي (أعلنت ولاية البحر الأحمر الشهر الماضي أن 277 ألف مواطن من مجمل سكانها البالغين 690 ألفاً قد تأثروا بموجة الجفاف التي ضربت الولاية. وأنهم في حاجة فعلية إلى عون غذائي عاجل.) تنكر حكومة الإنقاذ دائماً حدوث المجاعات، وعندما أعلن محافظ حلايب في يونيو العام 2003م حدوث مجاعة في حلايب فما كان من حكومة الجبهة العنصرية إلا أن أدانت تصريحه، وفي نفس الوقت فإن وكالات الإغاثة الدولية تؤيد حدوث المجاعة. راجع ما نشرته سودانيز نيوزأونلاين:

الصليب الأحمر:  آلاف الأشخاص يعانون من الجفاف بشرق السودان

سودانيز اون لاين

20/7/2003

جنيف - أ ش أ

قالت منظمة الصليب الأحمر الدولية أن فترة الجفاف الطويلة فى محافظة البحر الأحمر فى شرق السودان تركت مئات الألاف يعانون من نقص حاد فى الغذاء والماء وعرضة لسوء التغذية والأمراض.

ونقل راديو العالم الأن عن المتحدث باسم المنظمة دينيس ماكلين قوله ان المنظمة أصدرت نداء بتوفير الأغذية لأكثر من ألف شخص غير أنه وصف مساعدات الجهات المانحة بأنها متواضعة للغاية.

وقال ان معدل سوء التغذية العالى فى البحر الأحمر يبلغ الأن تسعة وعشرين وستة من عشرة فى المائة وخمسة وثلاثين فى المائة فى بعض المناطق وأن الأسر لا تتناول سوى وجبتين فى اليوم من الذرة الرفيعة.

وقد أثر ذلك على الحياة الاجتماعية وأدى الى الفقر والجوع والى تخلف الأطفال عن الذهاب الى المدارس وقلة النشاط الزراعى ونقص أعداد الدواجن والماشية .

نزوح جماعي

وذكرت تقارير نشرتها الصحف أن مئات الأسر هجرت قراها نحو المدن وأن آلاف الرؤوس من الثروة الحيوانية قد نفقت. وذكر تقرير أعدته لجنة ولائية أن محافظات الولاية لم تشهد أمطاراً تذكر منذ عامين وبصفة خاصة ريفي بورتسودان وحلايب. وذكر التقرير أن 80% من سكان سنكات، و90% من سكان جنوب توكر و25% من سكان شمال توكر،50% من سكان حلايب و90% من سكان ريفي بورتسودان و10% من سكان مدينة بورتسودان في حاجة إلى عون غذائي عاجل من الحبوب والبقوليات والزيوت. وقدرت اللجنة الاحتياجات العاجلة للستة أشهر القادمة بحوالى 19878 طناً مترياً من الحبوب، و1488 طناً من البقوليات، و1488 طناً من الزيوت).

وفي تحقيق لصحيفة السودان الحديث الحكومية، قال مدير الرعاية المحلية بسنكات، إن 86% من السكان البالغ عددهم 53 ألف نسمة في حاجة إلى عون غذائي عاجل).

ونشرت صحيفة البيان الإماراتية في عددها الصادر يوم 29/6/1997، بأن الصليب الأحمر الدولي حذر بأن هناك مجاعة تهدد 300 ألف من البدو البجه في شرق السودان، وأنهم بحاجة ماسة لمساعدات عاجلة وأن هناك خطر حقيقي يهدد بفنائهم.

في يونيو العام 2001م، ضربت المجاعة شمال البحر الأحمر  وهددت حياة أكثر من 700 ألف شخص، وبرغم إعلانها من المنظمات الدولية إلا أن الحكومة لم تهتم كالعادة. وفي أغسطس العام 2001م قامت منظمة الفاو بتوزيع 65 طنا من بذور الذرة المحسنة لمحافظة سنكات وهي جزء من المعونة الأمريكية.

وعن المجاعة في بلاد البجه في العام 1985م، جاء في صحيفة الأيام بتاريخ 14 يونيو 1985  ما يلي:

الصورة في شرق (السودان) كالحة أيضا، فلقد ورد في تقرير، مفصل سلمه وفد التجمع النقابي ببورتسودان إلى أمانة التجمع ومجلس الوزراء والمجلس العسكري عن وضع المجاعة في البحر الأحمر ما يلى:

ولعله من المناسب أن أبدأ بنبذة قصيرة توضح خلفية مشكلة نقص الغذاء في هذه المديرية وما ترتب عليه من مشاكل سوء التغذية. فقد أعد فريق من العلماء السودانيين من كلية طب المجتمع بجامعة الخرطوم وبعض الخبراء الأجانب من هيئة الصحة العالمية دراسة استطلاعية أولية للمنطقة الغربية التي تشمل مناطق سنكات وهيا ودورديب وهي المنطقة التي تم اختيارها للاستفادة من المنحة المقدمة من الحكومة الايطالية البالغة خمسة مليون دولار من منظمتي الأمم المتحدة للأطفال (اليونسيف) وهيئة الصحة العالمية.

وقد اتضحت الحقائق المذهلة التالية بعد هذه الدراسة وهي:

1) إن الحالة الغذائية لأكثر من 85 في المائة من الأطفال دون الخامسة من العمر أدنى من المتوسط المقبول.

2) أوضحت الدراسة ايضا أن 54 في المائة من جملة الأطفال يعانون من قصور خطير في النمو، إذ يقعون خارج حدود النمو المقبولة وأن 27 في المائة من جملة الأطفال دون الخامسة في أدنى من ذلك وهذه نسبة نادرة الحدوث في العالم مما حدا بالباحثين إلى خلق درجة رابعة من سوء التغذية في هذه المنطقة. وللدلالة على خطورة الموقف فإن الدراسات المماثلة التي أُجريت بقرى مديرية الجزيرة قد أوضحت أن 1% فقط من الأطفال يقعون في الدرجة الثالثة من سوء التغذية.

3) أوضحت الدراسة أيضا أن نسبة أمراض سوء التغذية العلاجية يعاني منها 5% من مجموع الأطفال وهذه نسبة عالية إذا قورنت بأي بلد في العالم.

4) من مؤشرات الدراسة أيضاً أن معدل نقص فيتامين (أ) وصل إلى 107 من الألف من مجموع الأطفال وبلغ 283 من الألف أيضاً حسب المستويات العالمية وبالرغم من أن النقص في فيتامين (أ) من الأمراض التي يسهل تشخيصها وعلاجها في الأطوار الأولى إلا أن تأخير العلاج قد يؤدي إلى العمى الكلي المستديم ومن ظواهره الأولية العمى الليلي الذي انتشر مؤخراً بهذه المناطق بدرجة كبيرة.

وقد كان متوسط نسبة الهيموجلوبين عند إجراء الدراسة 4،60% وهذه نسبة لا مثيل لها إلا في حالات المجاعات وهنالك قطاع من الأطفال تقل نسبتهم عن 40% ولم يوجد طفل واحد تزيد نسبة الهيموجلوبين عنده عن 74%.

برزت هذه الحقائق المخيفة بعد الدراسة العلمية المتأنية في مارس من عام 1983م وازداد الجفاف حدة في خريف نفس العام وفي العام التالي 1984م، ومن المؤكد أن الموقف كان أحسن بكثير مما هو عليه الآن، وفي أكتوبر من العام الماضي حيث بلغت نسبة قسوة الجفاف ذروتها وتدهورت البيئة وانعدم الغطاء النباتى وقد أثرت كل هذه العوامل سلبيا على المرعى وتربية الماشية والزراعة المطرية، وانهارت بذلك الدعامة الأساسية لمقومات الحياة الضرورية وتوفير الإحتياجات الغذائية. ومن ثم أصبحت الهجرة الجماعية والنزوح من الريف إلى المدن والقرى الكبيرة والطرق الرئيسية من المظاهر المألوفة ولم يتخلف إلا من قعدت به الظروف الصحية وعدم وجود وسائل الترحيل .

ومع بداية أكتوبر من العام الماضي أُقيمت معسكرات علاجية وغذائية بهذه المناطق لمكافحة الحالات الخطرة من سوء التغذية والنقص الحاد من الفيتامينات والمواد الحديدية والنزلات المعوية والأمراض الوبائية. وتم تكثيف كافة المجهودات وتسخير الإمكانات المتاحة لإنقاذ الموقف، وتم تكوين ثلاث فرق صحية برئاسة أطباء من المستشفى لمسح كل مناطق المديرية لاستقصاء أبعاد المشكلة وحجم المواطنين الذين تأثروا أكثر من غيرهم والتوصية بالخطوات اللآزمة لعلاج الموقف بشقيه العلاجي والغذائي.

الأسعار والماشية

مع مجيء فترات الجفاف والمجاعة، يزداد التأثير المأساوي للوضع البنيوي للبجه. فخلال تلك الفترات يتلقى الرعاة ضربات قاسية، مع تغيرات أسعار السوق، و مع هبوط أسعار الحيوانات وارتفاع أسعار الحبوب. وفي كثير من الأوقات نجد أن الأوضاع التجارية المناهضة للرعاة، هي التي تؤدي إلى خسارتهم للماشية وليس تأثير الجفاف نفسه. وتنتهز جماعات الرعاة الأغنياء الفرصة لتحقيق مكاسب من الموقف، حيث يشترون الحيوانات بأسعار زهيدة ويتاجرون فيها تماما كما يفعل التجار ورجال الخدمة المدنية.

إن السياقات التي تعمل في اطارها العمليات التكيفية، هي من صنع البشر، فمثلا عمليات إعادة توزيع الأرض بين مجموعات الأهالي، أو انتزاعها من أجل المشاريع التنموية القومية، أو الموجهة نحو الرعاة، فإنها تنطوي على عمليات استغلال للبجه أصحاب الأرض من قبل الحكومة المركزية أو الأجانب الذين يستثمرون في المنطقة مثل كسلا وغيرها. ومن شأن هذا أن يقيد العمليات التكيفية للبجه. وهناك وجه خاص لهذه العلاقة الاستغلالية، نجده في العلاقة بين الدولة والسكان فبينما كانت الدولة تنتزع أراضي السكان كانت في بعض الأحيان، أمام ضغوط الرأي العام العالمي، تهرع لنجدتهم في فترات الجفاف والمجاعات، أما الآن فإن المساعدات توقفت وأخذ الوجه الاستغلالي للدولة يزداد عنفاً وسفوراً.

المجاعة وقطع الأخشاب

خلال أعوام المجاعة في الثمانينات تزايدت ممارسات قطع الأخشاب وهي تشكل الآن أخطر التهديدات للبيئة الطبيعية ولبقاء البجه أنفسهم.

تدخلات المنظمات غير الحكومية

دخلت بعض المنظمات غير الحكومية بلاد البجه عقب إعلان المجاعة عام 1984 للمشاركة في عمليات الإغاثة وقد تسجلت 17 منظمة بالإضافة إلى 4 منظمات من الأمم المتحدة، التي اقتصر دورها على الإمداد بالأغذية والتنسيق، ومنظمتان سودانيتان اعتمدتا كلياً على موارد المنظمات الأجنبية ووكالات الأمم المتحدة وكان هدفهما الأساسي الكسب السياسي. واشتهرت أوكسفام بالعمل في منطقة توكر حيث تباشر مشروعات لمساعدة السكان على كسب العيش بعد المجاعة والجفاف، وقد توقفت نشاطاتها بعد مارس 1997 نتيجة للحرب الدائرة هناك. وتقدم منظمة سودان بلان والحكومة الهولندية إعانات للتنمية في منطقة كسلا.

المنظمات الطوعية

سيلاحظ القاريء الكريم العدد الهائل للمنظمات الطوعية، ولكنه لن يلاحظ أي مردود إيجابي مؤثر في المنطقة، وقد يكون ما يصرف في إدارة هذه المنظمات الكثيرة كافياً لتقديم شيء ملموس أفضل لو كانت هناك جهة تنسيق واحدة كفوءة تتولى إدارة كل المنظمات. من المنظمات الطوعية التي تعمل في ولاية البحر الأحمر المنظمات الآتية مع تواريخ دخولها ونشاطاتها:- الساحل البريطانية (1994)، تنمية خور أربعات، أكورد أكشن (1984)، تمويل حرفيين وأسر منتجة وتدريب وتنمية هياكل محلية. رعاية الطفولة (برتغالية 1986)، وتشيد دورات مياه. أوكندن فنشر  (1982)، دعم اللآجئين والنازحين بالتدريب المهني. الإيثار الخيرية (1992)، رياض الأطفال، ودعم الأسر الفقيرة. أوكسفام (1984)، التنمية الاجتماعية وبناء القدرات، ودعم الأسر الفقيرة والنشاطات المدرة للدخل والخدمات الاجتماعية. برنامج الغذاء العالمي (1985)، الإغاثة، المياه، الخدمات الصحية. مفوضية الأمم المتحدة للآجئين (1979)، الإغاثة، إمداد المياه، المدارس إلخ. إتفاقية العمل الأوروبي (1982)، دعم المشروعات الصغيرة، التدريب المهني. الصليب الأحمر النرويجي (1986) في منطقة سنكات، المياه، الزراعة، غرس الأشجار، حفظ التربة، الأنشطة النسائية، التدريس والأنشطة المدرة للدخل. مساعدة المجتمع في الخارج {CAA} (1986) شمال توكر وبورتسودان، الخدمات الاجتماعية للآجئين والأنشطة المدرة للدخل. الهلال الأحمر السوداني، الإغاثة من برنامج الغذاء العالمي. العون السوداني (1985) بورتسودان وسواكن، التغذية التكميلية. رابطة الهلال الأحمر والصليب الأحمر، الإغاثة. الصليب الأحمر البريطاني، بورتسودان وهيا ودورديب (1983)، صحة وتنمية المجتمع. الهلال الأحمر الفلسطيني (1983م)، تسيير مستشفى سنكات. الهلال الأحمر السعودي (1983) سنكات وهيا، الإغاثة. المحسنين السعوديين (1985م)، الإغاثة والزراعة. الأطباء الدوليين المتطوعين (1985) هيا، الإيواء. أطباء بلا حدود، هولندا (1985م)، الصحة. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (1982). كير (1985م) بورتسودان. المنظمات الطوعية التي تعمل في ولاية القضارف هي:- دوقاب، وأطباء بلا حدود، والبر الدولية، ووحدة السودان للتعليم المفتوح، منظمة الدعوة الإسلامية، والمنتدى الإسلامي، عيون الحياة، وتعمل في حفر آبار مياه الشرب بولايات البجه، والجمعية الطبية الإسلامية، وإيثار الخيرية. في العام 2000م، بلغ اجمالي تبرعات المنظمات الطوعية لمشروعات ولاية كسلا أكثر من مليوني دولار (5 مليار جنيه) وهذا ما يقارب ميزانية التنمية في الولاية. وفي المناطق المحررة التي تقع تحت سيطرة مؤتمر البجه تعمل عدة منظمات منها:  الوكالة السودانية للإغاثة (شرا)، منظمة البجه للإغاثة، منظمة السودان للرعاية الإجتماعية (أمل)، جمعية السودان للإغاثة والتنمية (الشروق)، منظمة العون الكنسي الهولندي، منظمة لجنة الإنقاذ الدولية، منظمة الأثر العالمي، ساماريتان بيرس للإغاثة الدولية. 

المنظمات الخيرية البجاوية

توجد منظمات بجاوية خيرية أنشأها أفراد وجماعات من البجه، وتقوم بتقديم مساعدات على نطاق محدود للمنطقة حسب جهودها وإمكاناتها. وظهر في بعض المنظمات أشخاص من ضعاف النفوس يقومون بجمع التبرعات من مغتربي البجه وغيرهم في الخارج، ثم يقدمون هذه المساعدات بأسمائهم الشخصية لتحقيق مكاسب خاصة، وهذا يسيء للعمل الطوعي. ومن المنظمات البجاوية العاملة بالداخل: جمعية عقيتاي الخيرية، وجمعية البحر الأحمر والقاش، وجمعية أرياف، وجمعية تطوير المرأة البجاوية، وكذلك جمعية أبو هدية الخيرية، وهذه أسسها الدكتور محمد بدري أبو هدية، وتهتم بالمرأة بصفة خاصة، وتنشيء الداخليات للطالبات الجامعيات في الخرطوم وأم درمان وغير ذلك من الأعمال التي تحتاجها المرأة. ومن ضمن مساهمات البجه بالخارج، قدم المؤرخ الأستاذ ضرار صالح ضرار ستين مضخة ماء لإحدى الجمعيات العاملة في حفر الآبار بالمنطقة. توجد بالخارج منظمة إغاثة البجه وهي تابعة لمؤتمر البجه بالخارج، وتقدم الإغاثة والمساعدات للمناطق الخاضعة لسيطرة المؤتمر. أما مؤسسة العشي الخيرية فقد أنشأها السيد علي العشي، وهو من أبناء مدينة بورتسودان الذين تفاعلوا مع مجتمعهم. وقد شيّد مدرسة ثانوية للبنات ومستشفى في مدينة بورتسودان. كما قام، من خلال منظمة الساحل التي أسسها، باستقدام منظمة (اس أو اس) لتطوير خور أربعات. وقامت المنظمة خلال ثلاثة عشر عاماً بتشييد ستة مشاريع وزرعت مئات الكيلومترات المربعة بالأشجار. وتقوم حالياً بتنفيذ مشاريع لتطوير البجه وتنمية مناطقهم، ولها مؤسسات صحية رائدة ومتقدمة. كذلك توجد منظمة عالمية لتطوير وتعليم البجه مسجلة ببريطانيا. وتفرض الحكومة جمارك ورسوم على كل الإغاثة والمساعدات المرسلة للبجه حتى المصاحف التي أرسلتها في أبريل العام 2000م، بينما تعفي كل ما يخص الشمالية من هذه الرسوم، بل وتوفر لهم حتى النقل مجاناً من الخارج بالبواخر والطائرات وكذلك في الداخل، وتقوم بتحويل بعض المساعدات المرسلة للبجه للشمال، وأثار هذا العمل سخط دولة عربية أرسلت مساعدات لولاية كسلا تم تحويلها للشمالية.

برنامج أوكسفام لشمال توكر

ترى أوكسفام منطقة شمال توكر بأنها: منطقة قليلة الأمطار، ولا يعرف موعد سقوط الأمطار فيها. والسكان هم من البجه. ويعيش البجه على الزراعة ورعي الجمال والضأن والماعز. ولكن سنوات الجفاف الطويلة قضت على أعداد كبيرة من الحيوانات، مما جعل من العسير على البجه الإعتماد الحيوانات فقط في العيش. ولقد تضررت الأرض أيضاً كثيراً، ليس بسبب الجفاف فحسب، ولكن أيضاً بفعل الرعي الجائر نتيجة لتقليص مساحات المراعي لصالح المشاريع الزراعية الآلية ونزوح اللآجئين الإريتريين بحيواناتهم لمراعي البجه وقيامهم بقطع الأشجار للوقود وإقامة المعسكرات التي دمرت مساحات هائلة من مراعي البجه. وأمام تدهور مصادر دخل البجه بسبب موت حيواناتهم قاموا بتدمير الغابات من أجل الحصول على دخل بديل من بيع حطب الوقود والفحم النباتي، وذلك نتيجة للاغراءات المادية التي يقدمها التجار الجشعون والنازحون إلى مشاريع التنمية في المدن التي زاد سكانها وبالتالي زاد طلبهم على الوقود، كذلك أدى تعبيد الطرق وتحسنها إلى تقريب المسافة بين الغابات النائية والأسواق البعيدة مما دمر البيئة على مساحات أكبر. (هكذا نرى أن مشاريع التنمية من زراعية وتشييد للطرق أضرت بالبجه ودمرت مصادر رزقهم من أجل رفاهية الخرطوم والشمال ــ المؤلف).

يعمل برنامج أوكسفام لشمال توكر بالتعاون مع لجان القرى والإدارات الحكومية المحلية ويهدف إلى تطوير وتحسين الاقتصاد المحلي، ومساعدة السكان على التعايش مع الجفاف، واكساب البجه المهارات والمعرفة. ويساعد البرنامج الناس على كسب العيش بطريقة إضافية للإعتماد على تربية المواشي، وليست بديلة لها. ويشمل هذا صحة الحيوانات، وذلك بتدريب السكان المحليين على المهارات البيطرية البسيطة وعن طريق تزويدهم بالأدوية ومدهم بمصادر المياه النقية للاستعمال في المنازل ولسقيا الحيوانات وأيضاً للزراعة، ويعمل البرنامج كذلك على تدريب السكان على مهارات جديدة مثل صيد الأسماك بالشباك من المياه العميقة في البحر الأحمر. وحماية مناطق الغابات. يشمل برنامج أوكسفام أيضاً مساعدة البالغين على تعلم القراءة والكتابة وتشجيع المرأة على القيام بدور أكبر في المجتمع. وتوقف عمل أوكسفام في هذه المنطقة بعد إندلاع الحرب الأهلية فيها منذ مارس 1997م.

البرنامج النرويجي للبحر الأحمر

بدأ برنامج منطقة البحر الأحمر في منطقة سنكات عام 1987م وهو برنامج نرويجي يقدم مساعدات تنموية نرويجية لاعادة الأوضاع إلى حالتها الطبيعية في أعقاب الجفاف والمجاعة. يتكون البرنامج من دعم للمنظمات الدولية بحوالى 50% من التمويل ودعم للمنظمات الأهلية النرويجية بحوالي 40% ودعم المؤسسات العلمية النرويجية ببقية التمويل أي 10%. ويهدف البرنامج عموماً إلى تحسين الناتج الغذائي المحلي والأمن الغذائي وتحسين القاعدة البيئية لتطوير أنظمة إنتاج مستدامه. أما الأهداف الخاصة فهي بحثية لتحسين الأبحاث لتطوير عملية التنمية والكفاءة العلمية.

بعد الدراسات الميدانية والأكاديمية التي قام بها البرنامج، توصل إلى أن المجاعات لا تحدث بسبب الجفاف، ولكنها نتيجة لسياسات الحكومة الخاطئة. فهي تسن القوانين التي تقلص المراعي لصالح المشاريع الزراعية القومية، ويصبح الرعاة البجه بدون مراعٍ كافية. ويرى البرنامج أن المشكلة سياسية في المقام الأول، فالسلطات تهمش البجه، ولا تستمع لهم ولا تشركهم في السلطة وإتخاذ القرارات، وتعتبرهم كرعاة ليس لهم أثر إيجابي على الاقتصاد.

سلبيات منظمات الإغاثة

تعد المنظمات الطوعية ضمن منظمات المجتمع المدني وتعد في الإسلام جزءاً من نظام التكافل الإسلامي. وظهرت هذه المنظمات في الغرب لأسباب كثيرة منها إنسانية ودينية وسياسية واقتصادية. ولكل منظمة أجندة خفية وراء الشعارات التي ترفعها. فالمنظمات الغربية تهدف في نهاية المطاف إلى تنصير الناس، أما المنظمات التي تمولها المؤسسات الاقتصادية الغربية فهي تهدف إلى تحويل الناس إلى مستهلكين لسلعها بعد أن تقوم بتعويدهم على استهلاكها، وهناك منظمات غربية أخرى تهدف لجعل الناس مستهلكين لعقاقيرها بمدهم بأغذية تسبب أمراضاً عديدة وبصورة خاصة الأمراض الغربية مثل السكري والضغط .. إلخ إذ تمدهم بمأكولات مثل الزبدة والسكريات والدقيق الأبيض وغيرها. وتصرف المؤسسات الاقتصادية الناس عن الاعتماد على النفس بمدهم بالإغاثة فينصرفون عن الإكتفاء الذاتي ووسائل كسب الرزق التقليدية التي جبلوا عليها من زراعة ورعي، وبعد فترة ينسون هذه الوسائل وأكلاتهم التقليدية ويصبحون فريسة لمنتجات هذه المؤسسات الاقتصادية الغربية بعد أن يكونوا قد تعودوا على تناولها. وبالنسبة للمنظمات الطوعية الإسلامية والعربية، فإن أفريقيا تأتي في آخر قائمة أولوياتها، بالرغم من أنها أول دار للهجرة في الإسلام. وتهدف بعض هذه المنظمات إلى الكسب السياسي أو الإعلامي ومنح المساعدات عبر القنوات الفضائية ولذوي العيون الخضر والشعر الأشقر.

وبعد حدوث المجاعة في بلاد البجه، كان أهم أهداف المنظمات غير الحكومية والأجنبية الحفاظ على حيوات الناس وساعدت على بقاء 40% من السكان على قيد الحياة فقط من خلال الجهود الإغاثية. ومع موت حيوانات الرعاة والجفاف هجروا الريف إلى المدن. وبما أن المنظمات أقامت مراكز توزيع الأغذية في المدن فإنها أسهمت في هجر الريف والتكدس في المدن. باءت محاولات المنظمات الأجنبية بالفشل ولم تحقق غير القليل في مجال التحول نحو التنمية بعيدة المدى. ومن أهم أسباب الفشل التصورات الخاطئة لهم لأسباب التدهور البيئي في بلاد البجه ووسائل منع المجاعات، أي المعطيات التنموية لهذه المنظمات. وقد كان المبدأ الرئيسي الذي يكمن وراء الجهود التنموية لمعظم المنظمات غير الحكومية في المنطقة هو أن الأزمة كانت ترتبـط بالجفاف ومشكلة التدهور البيئي وليس الإعتراف بالعمليات الأعمق المتعلقة بتجاهل السلطات العامة في السودان للقطاع الرعوي. والفكرة الأخرى الخاطئة هي وضع البجه في المؤخرة حيثما كانوا قبل الجفاف، وبالتالي غض الطرف عن المؤشرات المتغيرة مثل النمو السكاني والتكنولوجيا والتحضر والهجرة. والفكرة الثالثة الخاطئة، هي النظرة المحلية لحل المشكلة والتنمية من داخل بلاد البجه في شكل متشظي عزل مناطق البجه عن باقي البلاد وأولى اهتماما محدوداً بالمتغيرات داخل مرتفعات البجه، بالرغم من أن الهجرة تطرح بشكل بارز في كل تقارير المنظمات غير الحكومية.

الإخفاق في تنسيق أو ادماج أنشطة المنظمات غير الحكومية مع أنشطة المصالح الحكومية، ومن ناحية الموارد بين هذين النوعين من المؤسسات، عوق غياب البنية التحتية الأساسية عمليا المصالح الحكومية وهي البنية التي امتنعت هذه المنظمات على الدوام من تقديمها لها. ونتيجة لذلك نشأت علاقة عدائية دائمة بين الطرفين، مما أدى إلى إنهيار العديد من مشروعات المنظمات غير الحكومية وغياب سياسة شاملة للتنمية لبلاد البجه. وقد قلص هذا كثيرا احتمال استدامة أي مشروعات ناجحة تنشئها المنظمات غير الحكومية.

شكلت بعض العوامل الفنية الملازمة لهيكل المنظمات غير الحكومية وطرق عملها عائقا كبيرا أمام التنمية. وتشمل هذه العوامل:-

مركزية صنع القرار التي تغمط حق متلقي القرار في القيام بأي دور قيادي لتنسيق العون. الأفق الزمني القصير والحيز المحلي لعملها الذي يمليه عدم اليقين حول التحول وميزانياتها المحدودة. الإنخراط في أنشطة ومجالات متنوعة افتقرت المنظمات غير الحكومية بسببها للمدخرات الفنية اللآزمة في غياب التنسيق مع المصالح الحكومية المختصة. غذى نظام التقييم الشخصي الذي تبنته معظم المنظمات بعض المنافسة بين وداخل المنظمات غير الحكومية وقلل الحافز على التدخل في الجهود التنموية طويلة المدى.

تأثير تدخل المنظمات غير الحكومية

بالرغم من أن تدخل المنظمات غير الحكومية أنقذ حيوات الكثيرين خلال فترة الجفاف، إلا أن تأثير هذا التدخل على العملية التنموية على المدى الطويل مشكوك فيه، سواء كان تدخلاً مباشراً (تأثير العون الغذائي) أو بشكل غير مباشر، بتأثيرها على الأوضاع الاجتماعية المحلية. لقد صاحب العون الغذائي وبرامج الغذاء مقابل العمل نتائج عكسية تمثلت في تقليص الحوافز للعمل ورفع الأجور وتراجع أسعار الغذاء في السوق المحلية وتمزيق أنماط هجرة العمل المستقرة في المجتمع المتلقي. لقد كرست التواكل والعطالة.

وتزايد اعتماد الدولة والأفراد على العون الغذائي. كما سلمت معظم المصالح غير الحكومية المحرومة من الموارد الأساسية بعض واجباتها الأساسية كلية إلى هذه المنظمات. وهيمنت المنظمات بمواردها الضخمة نسبياً على دور الدولة في بعض المناطق ما عدا مجالات الأمن والتعليم. ومن أمثلة ذلك الصليب الأحمر النرويجي في ناحية سنكات واوكسفام في ناحية توكر. وعزز هذا الفجوة الغذائية إذ  لم توجه أموال الدولة الموفرة نحو إنتاج الغذاء. ومن ناحية أخرى هز ثقة الناس في جهاز الدولة كما هز ثقتهم في زعاماتهم التقليدية. وقد رسخت مجهودات هذه المنظمات قيماً غريبة جديدة تشكك في التعاليم الدينية.

ونتيجة لهذا، أفرز تدخل هذه المنظمات نقلة مهمة في تركيبة السلطة، بعيداً عن الدولة والزعامات التقليدية ولمصلحة البجه المتعلمين المقيمين في الحضر الذين يستطيعون الوصول إلى موارد هذه المنظمات. لقد كانت هذه النقلة في تركيبة السلطة رغم أنها كانت بسبب غياب الآخرين، قوية لدرجة استخدمتها سياسياً الجبهة القومية لحشد الدعم وسط البجه من خلال تنظيماتها الطوعية لغزو ما كان منطقة مغلقة لحزب الختمية. وكان هذا التحول البداية لتولي البجه المتعلمين، بعد انقلاب 1989، قيادة اللجان الشعبية التي شكلتها الحكومة في الحضر. والمؤشر الآخر المهم لذلك الإرتباط القوي بين المنـظمات غير الحكومية والموقع الاجتماعي، هو أن شيوخ الخلاوي، حولوا خلاويهم إلى مراكز لتوزيع الإغاثة (ظهر عدد جديد منها أثناء فترة توزيع الإغاثة) لكي يستعيدوا موقعهم الاجتماعي. وأضعف هذا سلطة الإدارة الأهلية خاصة وسط من هاجروا إلى المدن بحثاً عن الإغاثة. وبالرغم من هذا استمر دور الإدارة الأهلية في حل النزاعات والوساطة. إن تدخل المنظمات غير الحكومية كان أحد العوامل الهامة في تغيير التحالفات السياسية المحلية التي تم السعي لها لتدبير المطالبة؛ بالسلطة السياسية والموارد الاقتصادية.

الإغاثة (العملية نفسها وجوانبها)

إن إغاثة المجاعة ليست عملية جديدة في تاريخ البجه، إذ تم تقديم مثل هذا العون في العديد من فترات الجفاف التي ضربت المنطقة. ففي عام 1928 تم توزيع مئات الأطنان من الذرة كإغاثة لعمال المناجم وغيرهم في منطقة جبيت المعادن شمال بورتسودان. وفرضت مجاعة همشكوريب 1947-1949 توزيع الإغاثة، فتم توزيع ما يزيد على 3 آلاف طن من الذرة. وخلال أواخر الستينات ومطلع السبعينات تم ترحيل عشرات الألوف من الجبال إلى بورتسودان والمراكز الحضرية الأخرى في المنطقة. وقد شاركت المجالس الريفية في هذه المنطقة في توزيع الإمدادات الغذائية منذ عام 1968، واستمر هذا النشاط لمدة خمس سنوات. وفي صيف عام 1973 تم توزيع أكثر من 500 طن من الحبوب في الجزء الشمالي من بلاد البجه. وفي السنة المالية 1972 ــ 1973 جمعت سلطات المحافظة أكثر من 70 ألف جنيه لشراء حبوب إضافية.

تم ضخ العون الغذائي أثناء جفاف الثمانينات أساسا من خلال (صورة لفساد الحكم المركزي والمحلي) وكالات الإغاثة الأجنبية. فقد تقاعست الحكومة المركزية عن الاستجابة بالرغم من إلحاح السلطات الإقليمية الرسمية والأهلية. وكانت أكثر العناصر فعالية في عمليات الإغاثة هي اليونسيف ممثلة في برنامج العون الغذائي المشترك.

كان نقل مراكز توزيع الإغاثة من مدينة سنكات إلى المستوطنات المبعثرة (أي نقل الإغاثة مباشرة من بورتسودان إلى المعسكرات المتأثرة) قيداً للجدل، لأن هذا يمنع تسربها لغير المستحقين وربما المتاجرة فيها.

وقد نظر المستفيدون للقائمين على توزيع الإغاثة في سنكات بوصفهم فاسدين وغير عادلين في تقسيم الحصص. واتهمت الوكالات مسؤولي المجلس بأنهم بيروقراطيين وغير منظمين (أي أنهم قللوا من شأن حدة المجاعة).

لكن المسؤولين السودانيين احتجوا على الصلة المباشرة بين وكالات الإغاثة والمستفيدين. وكان هاجسهم الأساسي هو أن وكالات الإغاثة أصبح ينظر إليها بوصفها وكالات منخرطة في منافسة مباشرة مع المجلس الريفي على توزيع الغذاء. فقد هددت الوكالات الأجنبية، بمواردها المتفوقة، صورة الدولة بين الأهالي هناك. لقد ثبت عمليا للأهالي عدم مسؤولية الدولة وفسادها بالرغم من تدثرها بعباءة الإسلام. غطى العون الغذائي أكثر من 40% من حاجة السكان الغذائية وقد فاق في كثير من الأحيان احتياجات السكان. لذا فإنه بهذا القدر له أهمية كبرى في تكيف الناس في هذه المنطقة. فهو أولاً يقدم الفرص للناس للبقاء في مواطنهم. وفي نفس الوقت هو قرار سياسي ذا أهمية كبرى حيث كانت السلطات قلقة من تأثير العون المتزايد من الذين شردتهم المجاعة الذين يتجولون حول المدن وعلى طول الطريق البري السريع. وكانت النتيجة غير المتعمدة، بالطبع، هي أن الإغاثة أتاحت للناس البقاء في مناطقهم مكتفين غذائيا، مما دفعهم إلى الإنخراط في حرق الأشجار لصنع الفحم النباتي للحصول على النقود التي يحتاجونها لسد احتياجاتهم الأخرى، وقد أضر هذا كثيرا بالبيئة. ثانيا يوفر غذاء الإغاثة العلف للحيوانات مما يقلل معدلات موتها. ثالثا، وفرت هذه الإغاثة الفرص للبجه ليواصلوا حياتهم الاجتماعية بتوفير الموارد للزيجات والمناسبات الاجتماعية الأخرى.

بدائل وكالات الإغاثة

ترى وكالات الإغاثة أن حل مشكلة الرعاة والمزارعين التقليديين البجه يجب أن تتم داخل مناطقهم أي يجب أن توفر للناس فرص دخل بديلة مثل الصناعات اليدوية المحلية وتحسين الزراعة المحلية. وركزت وكالات أخرى على الأنشطة داخل القطاع الرعوي مثل صيانة الآبار والخدمات البيطرية وإعادة تكوين القطعان على أساس أن الرعي ظل هو المخرج الوحيد لبقاء الناس في هذه المناطق المهمشة. وشكلت المشروعات التنموية الآلية الرئيسية التي يمكن من خلالها التصدي لهذه المشكلات. والمشروعات المقترحة صغيرة وتقوم على المجتمع المحلي مع التركيز على المشاركة والتكنولوجيا الملائمة. ويجعل نظام ملكية الأرض لدى البجه وتعريف المجموعة الملائمة ونظم إدارة الموارد أو التنمية المحلية مهمة تنفيذ مشروعات التنمية المقترحة صعبة، لأنه يمكن بسهولة إنشاء مجموعات على الأرض لا تعمل وفق النظام التقليدي المفترض حمايته. وقد كشفت فترة العون الغذائي (1984 ــ 1988) عن دلالات واضحة في مستوى استجابة الأهالي لنظام حاول أن يستخدم الهياكل المحلية لتنظيم توزيع غذائهم. وقد ظهر العديد من Xشيوخ الغذاءZ ناسبين الزعامة لأنفسهم. وبالمثل زاد عدد الخلاوي في سنكات وحدها من 50 في منتصف الثمانينات إلى حوالي 150 بحلول عام 1988م. وهناك قناعة بأن معظم هذا ارتبط مباشرة بالهياكل المحلية التي استغلها الأهالي أنفسهم ليحصلوا على الغذاء الذي اشتدت الحاجة له. ويمكن الاستفادة من تجارب بعض الدول التي استعانت بالإدارات الأهلية والزعامات الدينية في توصيل المعلومات والارشاد وتوزيع الأغذية لما يتمتعون به من مكانة تراكمت عبر سنوات طويلة وأن يتم ربط الغذاء بالتعليم الديني الذي يضاف إليه تعليم مدني.

ويعتبر التركيز المحلي للتنمية مشكلة أخرى، إذ أن الرعاة البجه يعتمدون على المراعي البعيدة، ويتأثرون بالسياسات المتخذة في تلك الأماكن البعيدة لأسباب مختلفة ومتناقضة تماماً مع رفاه الرعاة البجه. ففي بلاد البجه تتزايد المشروعات التي لا تتصدى لقضايا تطوير البجه ولا تتضمن دعماً للخدمات المحلية التي تحسن قدرة البجه على العمل، بل تتجاهلهم وتدمر البيئة التي يحيون عليها وتستغل أرضهم.

استغلال موارد البجه وتهميشهم

تسيطر على مصادر العائدات الرئيسية مثل مشروع الرهد والقاش وتوكر والقضارف وحلفا الجديدة، مؤسسات حكومية تقع تحت السيطرة المباشرة للخرطوم. ويتدفق عائد هذه المشروعات إلى الوزارات المركزية في الخرطوم، ولا تستفيد بلاد البجه منها بل على العكس فهي تضر بالبيئة والسكان. والفائدة التي تزعم الخرطوم أنها تقدمها للبلاد هي مرتبات تذهب لكبار الموظفين من غير البجه الذين تم توظيفهم عن طريق المحسوبيه والفساد. وفي هذا الوضع يذهب نصيب الأسد من الميزانية إلى البقاء على موظفي الحكومة. والمشكلة الثانية هي عدم القدرة على التنسيق بين السلطات المحلية وسلطات المشروعات الزراعية التي في بلاد البجه. ونفس الوضع بالنسبة للعمال في ميناء بورتسودان التي تديرها الحكومة المركزية. والمسألة الأخيرة أن نظام الإدارة الحالي لا يمكن للناس الوصول إليه ولا يسمح لهم بالدفاع عن مصالحهم وقلّص مشاركتهم في الحكم المحلي بقوانين تكرس السلطة المركزية في الخرطوم  التي تعين  المسؤولين البجه في النظام فيدافعون عنها للاحتفاظ بمناصبهم، بدلاً عن الدفاع عن أهلهم الذين لولاهم لما وصلوا إلى هذه المناصب. وقد أثبتت تجارب المجاعات والجفاف أنه لا الحكومة المركزية ولا الحكومات الإقليمية تكترث لمشاكلهم.