السـودان

تعبير (السودان):

(1) استخدم المؤرخون العرب تعبير (بلاد السودان) للدلالة على الأراضي الواقعة في افريقيا جنوب الصحراء، ويستخدم الجغرافيون المحدثون تعبير (السودان) للدلالة على حزام السافنا غير الممطرة والمناطق شبه الصحراوية الممتدة عبر القارة من الشرق إلى الغرب، وتشمل جمهورية(السودان) الحالية جزءا من هذا الإقليم وتضم الأراضي التي خضعت للحكم الثنائي منذ عام 1898م حتى عام 1956م. ويعد (السودان) كيانا إداريا حديث العهد لا ترجع اصوله إلى أبعد من بداية القرن التاسع عشر.

ولقد استعمل البروفسير يوسف فضل لفظة (السودان) الشرقي للدلالة على قطر (السودان) الحالي مما يدل على أن (السودان) يشمل اقليما أكبر من الدولة الموجودة باسمه حاليا. أما (السودان) الشرقي فلقد عرفه البروفسير فضل بالآتي (السودان الشرقي ونعني به المنطقة الواقعة جنوب مصر والصحراء الكبرى).

وفي بداية الستينات عندما استقلت دول غرب افريقيا استعمل زعماء هذه الدول لفظة (السودان) للدلالة على بلادهم فكونوا ما كان يعرف(الاتحاد السوداني) وهو الاتحاد بين مالي والسنغال ... الخ.

وجاء في كتاب تاريخ (السودان) الحديث حول الممالك التي كان (السودان) الحالي يتكون منها (وفي حوالى القرن العاشر كان(السودان) منقسماً إلى ثلاث ممالك هى: مملكة المقرة في الشمال وعاصمتها دنقلا، ومملكة علوة على النيل الأزرق وعاصمتها سوبا، ومملكة البجه في شرقي (السودان) ومقر ملكها في هجر).

وحتى في القرن السادس عشر لما كانت دولة الفونج في سنار تحكم بعض أرجاء (السودان) الحالي استمرت بعض الممالك السابقة في ممارسة سيادتها وفق ما جاء في المرجع السابق حيث يقول (وفي عهد سلطنة الفونج كانت الاقاليم تحت سيطرة زعماء القبائل الذين كانوا يتمتعون بسلطات واسعة على أقاليمهم، ولكنهم كانوا يدفعون جزية وهدايا إلى سلطان الفونج في سنار).

كتب السيد الصادق المهدي، رئيس الوزراء السوداني السابق في صحيفة البيان الإماراتية عدد يوم 25/8/1999م مايلي Xوجدت في أراضي سودان اليوم حضارات وثقافات متنوعة منذ الأزل، منها الحضارة النوبية والمسيحية في الشمال، والتبداوية (البجاوية) المرتبطة بحضارات حوض البحر الأحمر في الشرق، والثقافات النيلية المرتبطة بالثقافات البانتونيلية في الجنوب، والثقافات الزنجية المرتبطة بشريط السودان التاريخي وبغرب افريقيا في الغربZ.

وعن تكوين الاستعمار لدولة (السودان) ذكر Xالغزو التركي للسودان عام 1821 م أقام أول دولة مركزية فيه، وترك أثرا ثقافيا محدودا ومحصورا في الطبقة الحاكمة وسدنتها في بعض الحواضر، فبدت ثقافة حاكمة موالية للأجنبي فتعاملت معها الدولة المهدية كقشرة خبيثةZ. واقترح سيادته حلولا لهذه التناقضات منها Xالتخلي عن الأحادية الثقافية واعتماد السودان وطنا متعدد الديانات والثقافات والإثنيات. ابعاد الدولة الدينية أو القومية بمفهوم إثني لصالح الدولة المدنية التي تقوم على المواطنة أساسا للحقوق الدستورية. الاعتراف بوجود فجوة ثقة لا تسمح بافتراض الوحدة مستمرة تلقائيا، وتوجب تجديد الثقة في الوحدة أو نفيها عبر استفتاء حر. لقد كان للاختلاف حول الملف الثقافي دوره الهام في هدم الجسور وتمزيق الثقة بين حراس ثقافة المركز والمجموعات السودانية الأخرى. لذلك يرجى أن يكون للإتفاق حول الملف الثقافي دور هام في ترميم جسور الثقةZ إ. هـ .

وجاء في صحيفة البيان الإماراتية عدد يوم 8/8/1999م عن ندوة الثقافة والتنمية الذي عقد في القاهرة من 4 إلى 7 أغسطس 1999م، قال السيد الصادق المهدي Xوالآن رغم محاولتنا لترميم الأوضاع لخلق تجربة جديدة ديمقراطية نسمع أصواتا تحاول أن تستخدم الكارت الإثني، وهكذا فإن السودان الذي عانى من الأصولية اليسارية والأصولية الأسلاموية، سيعاني من الأصولية الإثنية، وخوفا من تلك الأصولية الإثنية أنه جاء الندوة للتقدم بمشروع لصد تلك الأصولية المغامرةZ.

وجاء في الإعلان الثقافي لهذه الندوة Xضرورة الإعتراف ــ قولا وممارسة ــ بالتعدد الثقافي المتمثل في التنوع الإثني والديني واللغوي، والتعبير عنه بكل الوسائل المتاحة والممكنة. تأكيد حقوق المواطنة القائمة على الإنتماء إلى أرض السودان دون تفرقة بسبب الدين أو العرق أو الأصل الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو اللون أو النوع. ونسعى من أجل المساواة التامة بين المواطنين من خلال تكافؤ الفرصZ.

نحن المشاركون نرى أن خيار اللامركزية أو الفيدرالية هو الحل الفاعل لحكم وإدارة قطر في مثل تنوع واتساع السودان، وأن يمنح هذا الخيار أقصى السلطات للمواطنين في مناطقهم المختلفة لتمكينهم من حكم أنفسهم، (المواطنون في المناطق المهمشة يريدون حكم السودان كله للمشاركة في إتخاذ القرارات ومن ثم تحمل مسؤولية نتائجها وليس مناطقهم فقط حيث تأتيهم الأوامر المقدسة من المركز ــ المؤلف) مع توفير ضمانات الممارسة الديمقراطية على مستوى القواعد الشعبية، وألا يكون الحكم الإقليمي مجرد هدر للإمكانات وتوزيع للفسادZ إ. هـ.

وعلى نطاق الصحافة العالمية كتب جون إيبفر أحد أعضاء منظمة التضامن المسيحي في صحيفة (ول استريت جورنال) الأمريكية عام 1992م مقالاً يدعو فيه إلى تقسيم (السودان) إلى أربع دويلات نسبة لأنها كانت دولاً مستقلة وذات أقليات عرقية وثقافية مختلفة. وجاء في مقال إفتتاحي لصحيفة (ذا ديلي تلغراف) اللندنية عدد يوم 20/7/1998م أن (السودان) كيان اصطناعي نشأ نتيجة خطأ تاريخي صارت بموجبه الأغلبية الإفريقية تحت سيطرة حكومة عربية من الشمال.

وكل هذا يؤكد أن (السودان) لم يعرف شكله الحالي إلا بعد أن غزاه محمد علي باشا الألباني خديوي مصر عام 1821م. كما جاء في كتاب Xتاريخ السودان الحديثZ - إن تكوين (السودان) الحالي ظهر لأول مرة في التاريخ عندما قام محمد علي باشا بفتح (السودان) (كذلك لم يكن (السودان) بحدوده المعروفة الآن قد سقط في يد محمد علي باشا دفعة واحدة، ولكن أجزاء منه هي التي كانت تحت حكمه).

Xومن محاسن إدارة محمد علي باشا أنه أعطى السودانيين حكومة مركزية موحدة قوية بسطت سلطتها وقانونها على مساحة شاسعة من البلاد، وهى وإن لم تكن حكومة مستبدة عادلة إلا أنها وضعت الأسس لتوحيد (السودان) من الناحية القومية والإدارية والمالية والقانونية، فقوضت بذلك أركان الممالك الصغيرة العريقةZ.

وفي عهد الاستعمار البريطاني المصري عرّف مشروع الإتفاق الثنائي بين مصر وبريطانيا (السودان) بما يلي:

(38) (تضمنت المادة الأولى من المشروع تعريفا للأراضي التي يشملها (السودان) وقسمته إلى ثلاث مناطق، الأراضي التي لم تدخلها قط القوات المصرية منذ عام 8821م. وقال كرومر إن الغرض من هذا النص هو ادخال وادي حلفا ضمن مصطلح (السودان).

الأراضي التي كانت تحت إدارة الحكومة المصرية وفقدت منها مؤقتا بسبب الثورة ثم استردتها الحكومة المصرية والحكومة البريطانية بالاتحاد وهذه تشمل كل الأراضي التي تم استرجاعها حديثا).

وقد اُريد بهذا استبعاد جزء من مديرية خط الاستواء وأملاك مصر في سواحل البحر الأحمر (سواكن ومصوع).

ونصت المادة الثانية من مشروع الإتفاق المقترح على رفع العلم البريطاني والعلم المصري معا على كل أجزاء (السودان) ما عدا سواكن التي أبعدها الإتفاق لأنها كانت تخضع لنظام المحاكم المختلطة.

وجاء في الإتفاق الثنائى بين مصر وبريطانيا، وحيث أنه تراءى من جملة وجوه أصوبيه إلحاق وادي حلفا وسواكن إداريا Xلاحظ إداريا فقط ــ المؤلفZ بالأقاليم المفتتحه المجاورة لهما:

( مادة 1 ): تطلق لفظة (السودان) في هذا الوفاق على جميع الأراضي الكائنة جنوبي الدرجة الثانية والعشرين في خطوط العرض.

أولاً : الأراضي التي لم تدخلها قط الجنود المصرية منذ 1882م.

ثانياً: الأراضي التي كانت تحت إدارة الحكومة المصرية قبل ثورة (السودان) الأخيرة وفقدت منها وقتيا ثم افتتحتها الآن حكومة جلالة الملكة والحكومة المصرية بالاتحاد.

ثالثاً : الأراضي التي تفتحها بالاتحاد الحكومتان المذكورتان من الآن فصاعدا.

(مادة 2): يستعمل العلم البريطاني والعلم المصري معا في البر والبحر بجميع أنحاء (السودان) ما عدا مدينة سواكن فلا يستعمل فيها إلا العلم المصري.

(مادة 8): فيما عدا مدينة سواكن لا تمتد سلطة المحاكم المختلطة على أية جهة من جهات (السودان) ولا يعترف بها فيه بوجه من الوجوه.

(مادة 9): يعتبر (السودان) بأجمعه ما عدا مدينة سواكن، تحت الأحكام العرفية.

وفي إتفاق لاحق في 10 يوليو 1899م الغيت النصوص الواردة في إتفاق 19 يناير الخاصة باستثناء مدينة سواكن من الخضوع لأحكام النظام الذي تقرر في الوفاق الأول.

حدود (السودان)

إن حدود (السودان) الحالية تم تحديدها منذ عهد قريب ولا زال النزاع الحدودي مشتداًbبين (السودان) وجاراته خاصة التي لا تعترف بحدود (السودان) الشمالية الحالية. أما بقية الدول المحيطة بالسودان فإننا نجد البروفسير محمد عمر بشير يذكرها فيقول Xفلقد تم تعيين الحدود بين (السودان) واريتريا فيما بين عام 1899م إلى عام 1902م - وتمت معاهدة بين الحبشة وبريطانيا في عام 1902 م لتعيين الحدود بين (السودان) واثيوبيا. وفي عام 1906 تم الإتفاق على الحدود بين (السودان) والكونغو الحرة كما تمت تسوية الحدود مع أوغندا عام 1913مZ.

(1) وجاء في دستور (السودان) المؤقت لعام 1956م المادة 2 الفقرة 2 (تشمل الأراضي السودانية جميع الأقاليم التي كان يشملها (السودان) الإنجليزي المصري قبل العمل بهذا الدستور مباشرة). وبهذا تصبح سواكن خارج حدود دولة (السودان) الحالية.

وهذا دليل على أن الجماعة الشمالية التي حكمت (السودان) بعد خروج الإنجليز قد اعتبرته ميراثا من الاستعمار دون مراعاة للشعوب المختلفة التي تعيش فيه والدول المستقلة التي كانت قائمة قبل غزو الاستعمار لأراضيها.

(نشأ (السودان) بشكله الحالي على يد الاستعمار البريطاني في عام 1898م. وقبل دخول الاستعمار الأوروبي في أفريقيا، كانت هناك مئات الوحدات السياسية المستقلة من الجماعات العشائرية وجماعات الدم والممالك المستقلة وغيرها، وبعد خروج الاستعمار من أفريقيا ترك حوالى خمسين وحدة سياسية أنشأها خلال فترة حكمه، وأصبحت لكل وحدة منها حدودها السياسية الثابتة في معظم الأحيان.

جاءت الحدود السياسية انعكاساً عملياً للعلاقات بين القوى الاستعمارية الأوروبية، أو نتيجة لسياسة جماعات المصالح في الدولة الاستعمارية أو محصلة لاعتبارات الملاءمة الإدارية فقط، دون الأخذ في الاعتبار الانقسامات بين الدول الأفريقية، ولذلك فإن الحدود الأفريقية في مجملها حدود مصطنعة غير طبيعية صنعتها القوى الاستعمارية، وهو ما أدى إلى تعارض الحدود السياسية مع الأوضاع البشرية في القارة، نظراً لاهتمام الاستعمار الأوروبي بالجوانب الاقتصادية والاستراتيجية بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى، سواء كانت عوامل اجتماعية أو ثقافية أو دينية، ومن ثم فهي حدود مفروضة لم تنشأ وفق التطور الطبيعي والتفاعل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وهذا ما جعل شعب البجه ينتهي إلى أن يكون خاضعاً لهيمنة أجنبية. فقد نشأ (السودان) الحالي على أيدي الاستعمار البريطاني، حيث جرى ضم مجموعات من الشعوب والقبائل والأعراق داخل كيان سياسي مصطنع لخدمة أهداف الاستعمار الأوروبي).

لقد كان الاستعمار جائراًbفي حكمه كما كان جائرا في وضعه لحدود (السودان) الحالية. ولم يكن الاستعمار البريطاني يود غير تحقيق مطامعه بتكوين دولة مفبركة استعماريا تضم بلاد البجه، التي عاداه شعبها وأنزلوا به هزائم ماحقة، وتجمع شعوباً متناقضة الثقافات مختلفة الأصول والتاريخ وتحمل بذور فنائها منذ ميلادها، حتى تتاح له الفرصة في المستقبل للتدخل فيها، وحتى لا تهدأ الشعوب وتظل تتحسر على استقرار وهمي كانت تنعم به في ظل المستعمر البريطاني.

شعوب (السودان)

إن خروج الاستعمار البريطاني من (السودان) لم يكن نتيجة لنضال ضاري، ولكنه جاء نتيجة لأن تكاليف إدارته صارت باهظة وعبئا ثقيلا على خزانة بريطانيا، كما أن موجة التحرر القومي بدأت في ذلك الوقت تتبلور في افريقيا والعالم أجمع مما حدى بالشعوب المستعمرة إلى المطالبة باستقلالها. بالإضافة إلى هذا فإن وجود الاستعمار البريطاني في(السودان) لفترة 60 عاما مكنته من تنشئة طبقة شمالية عميلة أورثها حكم (السودان) لتنوب عنه استعماريا وتستمد بقاءها من الاعتماد عليه والسير في ركاب الامبريالية العالمية.

وحول الشعوب التي تسكن (السودان) جاء فيbكتاب (تاريخ الحركة الوطنية فيbالسودان) Xينقسم سكان (السودان) إلى أربع مجموعات رئيسية هي: النوبيين والبجه والمتزنجون  والعربZ.

كما جاءbفيbكتاب العالم في أرقام ـ ذي ايكونومست لعام 1978ـ ما يلي حول سكان (السودان) (الأجناس البشرية فيbالسودان، الزنوج 25% والعرب 50% والدينكا 11% والنوبة 8% والبجه 6%).

إن سكان (السودان) فيbواقع الأمر ينقسمون إلىbقسمين شعوب أفريقية أصيلة كانت لها ممالك ودول مستقلة مثل البجه ومملكة تقلي وسلطنة الفور التي أزيلت من الوجود عام 1916م وغيرها، وقبائل مهاجرة استوطنت فيb(السودان).

فالشعوب الأصلية هيbالتيbعاشت فيb(السودان) منذ آلاف السنين وتمتعت باستقلالها وترجع إلى أصول إثنية معينة، كما أن لها لغاتها وثقافاتها الخاصة بها. وهذه الشعوب هي النوبيين والمحس والدناقلة فيbشمال (السودان) والبجه فيbالشرق والنوبة وبعض شعوب دارفور بالإضافة إلىbقبائل الجنوب الأفريقية العريقة.

يتضح مما سبق ومن السياق التاريخي، أن بلاد البجه كانت دولة ذات سيادة تتمتع باستقلالها الكامل، واغتصب الاستعمار هذا الاستقلال بالقوة وضم بلاد البجه لما أسماه (السودان) دون أخذ رأي أهلها. فالمسألة إذن هي مسألة سيادة مغتصبة أو بمعنى أدق، هي استعمار لا يزال مستمرا. إن خروج بريطانيا من بلاد البجه لا يعني إنتهاء الاستعمار. ويجب أن تستعيد بلادنا استقلالها السليب. أما موضوع حقوق البجه القومية في تقرير المصير فهي إضافة لا تتعارض مع النضال من أجل استرداد سيادة شعبنا، وكما منحت بريطانيا الشمال حق تقرير المصير في تكوين دولة منفصلة عن مصر، فيجب أن يمُنح البجه نفس هذا الحق.

اللغات (4)

تتمثل في (السودان) مجموعة اللغات السودانية القديمة ولغات الماندنجو اليمباره، ولغات تمتد مناطقها من كردفان إلىbمصب نهر السنغال ومجموعة اللغات الحامية، ومجموعة اللغات السامية ـ ويرىbبعض الباحثين أن مجموعة لغة البانتو تتمثل ممتزجة بغيرها من لغات سكان جبال النوبة في الغرب. وهناك لغات كثيرة فيbمناطق كردفان ودارفور ودار فونج لا تزال فيbحاجة إلىbكشف ودراسة.

من المعروف أن اللغة النوبية هىbإحدىbاللغات الحامية فيbالسودان وهي التيbيتكلمها الآن النوبة والكنوز والسكوت والمحس وأهل دنقله ويرجع زمن ظهورها فيbهذه المناطق إلىbالقرن الثالث قبل ميلاد المسيح.

ومن اللغات الحامية فيbالسودان كذلك لغة الـ(تبداوي)bوهى لغة البجه الذين يقيمون إلى تلال البحر الأحمر من مصر إلىbكسلا وهذه اللغة بفروعها الخمسة هي أوسع اللغات الحامية انتشارا وما حدث للنوبية من صراع بينها وبين العربية، حدث هنا أيضا فما زالت العربية تشق لها طريقا مع التبداوية، وتضيق من نطاق نفوذها حتىbرأينا أن معظمهم يضطرون إلىbتعلم العربية والتكلم بها مع الاحتفاظ بالتبداوية.

أما فيbالسودان الغربيbفقد حدث للغة العربية ما حدث فيbالشرق، ففيbالغرب كانت تسود لغات حامية خالصة أو حامية ممتزجة بالزنجية أو زنجية خالصة. ويرىbالباحثون أن بعض القبائل قدموا من شمال افريقية وكانوا يتكلمون اللغة البربرية وهيbلغة حامية كالطوارق فيbدارفور، وبعضهم هاجروا من بلاد النوبة ومعهم اللغة النوبية كالتنجور فيbدارفور. وهناك قبائل أخرىbتتكلم لغات تشبه لغة النوبة والكنوز فيbالسودان الأوسط.

إن هذه الشعوب الافريقية الأصيلة لا زالت تحتفظ بلغاتها وثقافاتها العريقة حتىbاليوم رغما عن مجاورتها للقبائل المهاجرة مما يثبت أصالتها.

(وتفاوت تأثير العرب علىbالأقاليم من إقليم إلى آخر ومن قبيلة إلى أخرى. وعلىbالرغم من النفوذ القويbالذي وجدته اللغة العربية باعتبارها لغة الإسلام وفرص التجارة التي فتحت، إلا أن اتخاذها بواسطة الأغلبية لغة للحضارة استغرق عدة أجيال. ذلك أن النوبيين والبجه وهما من أوائل أهاليbالسودان الذين ربطتهم بالعرب علاقات متصلة قد استمروا في استخدام لغاتهم الخاصة للتخاطب ولا زالوا يستخدمونها حتى اليوم).

أما القبائل المهاجرة فهىbتلك التي هاجرت من مصر وشمال أفريقيا واستقرت بالسودان الشمالي وهي قبائل: الشايقية ومجموعة الجعليين والشكرية في الشرق.. الخ.

يقول البروفسير يوسف فضل حول الهجرة العربية لشمال (السودان) فيbخلال القرون السبعة التيbتلت فتح العرب لمصر وتوقيعهم لعهد النوبة إثر هجومهم على دنقلا في عام 651 ـ 652 هـ تسرب العرب جماعات وأفراداً وفيbيسر وبطء إلى مملكة النوبة وعلوه المسيحيتين سعيا وراء المرعىbوطلبا للتجارة.

ويعتبر العهد المملوكي فيbمصر (1250 ـb1517م) البداية لدخول قبائل الشمال (للسودان) فلقد جاءت ضمن جيوش الغزو المملوكيbفي العام 1275م أعداد كبيرة من المقاتلين العرب الذين زهدوا في الحياة بمصر بعد تسلط المماليك عليها.

وضاقت بهم سبل العيش، كما أن المماليك أنفسهم ـ وربما للتخلص منها ـ قد شجعوا تلك المجموعات العربية أو (العربان) علىbإتباع الجيوش. ففي الحملة التيbأرسلها السلطان المنصور قلاوون عام 1288م خرجت أعداد كبيرة من بني أبي بكر وبني عمر وبنيbشريف وبنيbشيبان وبني الكنز وبني هلال وغيرها.

وباعتلاء بني الكنز عرش النوبة عام 1323م إنهار السد المنيع الذيbكان يحول دون توغل العرب فيbحوض النيل الأوسط.

ونزح (42) بعضها من الشمال عن طريق واديbالنيل وهو الذيbأدى إلى تكوين القبائل العربية التيbتعيش حول نهر النيل في شمال (السودان) ووسطه. ونزح بعضها من الشمال الغربيbأو الطريق الليبيbالذيbكان مصدرا لكثير من الهجرات القديمة والحديثة، والطريق الثالث وهو الليبيbفلعله لم يكن مصدرا للثقافة العربية إلا بعد الإسلام.

ويذهب البعض إلى أن (السودان) لم يعرف العروبة إلا منذ خمسة قرون مضت أو أكثر قليلا، أما قبل هذا التاريخ فقد كان (السودان) لا يعرف إلا العناصر الزنجية والحامية وغيرها من العناصر الافريقية. وليس في المدونات السودانية الوطنية إشارة لهجرة عربية حدثت قبل الإسلام غير هجرة البلويين إلى بلاد البجه.

إن أكبر مجموعة عربية هاجرت إلى (السودان) هيbقبيلة جهينة التي امتزجت بها بعض قبائل شمال أفريقيا مكونة قبائل شمال (السودان) من شايقية وجعليين وغيرهم، ممن يزعمون لأنفسهم الأصل العربيbوبالرغم من ادعاءbبعضهم الانتماءbإلى بعض القبائل العربية ذات النسب العريق، لدرجة جعلت المستر ريد البريطانيbالذي كان يعمل بالسودان يقول (يزعم معظم السودانيين الشماليين أنهم من سلالة النسب الشريف).

ولقد اكتملت هجرات هذه القبائل فيbالقرن السادس عشر عند قيام سلطنة الفونج فيbسنار عام 1504م.

    المتعلمون والتعليم

بعد أن دانت البلاد للمستعمر البريطاني عسكرياً وسياسياً بدأ في السيطرة على العقول بإنشاء تعليم يخدم أهدافه الاستعمارية، ويخرّج متعلمين يعاونون المستعمر البريطاني في إدارة البلاد (52) (وفي 5 يناير من عام 1900م وضع اللورد كرومر حجر الأساس لكلية غردون التذكارية، ولم تفتح الكلية أبوابها إلا في عام 1902م ونشأ حول الكلية نظام حديث للتعليم الابتدائي والأوسط والصناعي والفني. وكان نظام التعليم عملياً في أغراضه. فلقد كان الانجليز يرون أن التعليم الأدبي والاكاديمي هو الذي أدى إلى الحركات الثورية في الهند. ومن ثم فإن حكومة (السودان) راغبة في تطوير نظام ملائم لاشباع حاجاتها المباشرة في حدود إمكاناتها المالية نظراً لقصور الموارد المالية).

وأسست أول مدرسة إبتدائية في مدينة أم درمان كما أسست أخرى بمدينة الخرطوم وكان تلاميذ المدرستين من أبناء المقيمين بالخرطوم وأمدرمان من السودانيين الشماليين الذين تعاونوا مع الاستعمار وأعانوه أو تخاذلوا عن المهدية، وكذلك من أبناء العسكريين والمدنيين الأجانب الذين وفدوا مع جيش الغزو واستوطنوا بالبلاد. وهكذا كافأهم المستعمر على خدماتهم له بتعليم أبنائهم ليتولوا مراكز ومناصب هامة في المستقبل.

وكان الغرض من هذه المدارس تخريج طبقة تصبح فيما بعد قادرة على إدارة الوظائف الصغرى في دواوين الحكومة. وعلى هذا فإن أبناء من تعاونوا مع الاستعمار من الشماليين أو ممن وفدوا معه قد أُريد لهم منذ العهد الاستعماري الباكر الالتحاق بخدمة الحكومة في الوظائف وأخضعت عقولهم وأرواحهم تحت إرشاد وإشراف المدرسين الاستعماريين البريطانيين لتلقي تعليم استعماري لا يحتوي على أي منهج وطني ينمي الشعور القومي.

وبالإضافة للمدرسين البريطانيين فقد تم تعيين مدرسين مصريين تم اختيارهم بدقة بواسطة مستر (جلاس دنلوب) وكيل وزارة المعارف المصرية آنذاك.

والتعليم الذي حُظي به هؤلاء المتعلمون لم يستطع أن يطور ملكاتهم النقدية إذ خلّف (53) اتجاهاً عقلياً يبلغ في دركه الأسفل الحسد. وفي أحسن صوره إحساساً بالانحراف نحو السفسطة والرومانسية).

وكان المتعلم السوداني وفقاً لرأي أحد النقاد (موظف صغير ذو مرتب بسيط. ولد في أحضان جماعة بدائية ينطوي قلبه على احتقارها. ولكنه ملزم خلال ممارسته لحياته العائلية العادية بقيود من الأعراف غير المستنيرة. وهو يشعر في أعماق ذاته أن ثقافته ما هى إلا قشور وأن آماله أضغاث أحلام. وهو يستعيض عن احساسه بالانسحاق بخلق اسطورة عن ماضيه المجيد ويرى نفسه بطلاً لنهضة أكثر عظمة. وهو لا يمكن أن يعترف بأن رفاهية بلاده يمكن أن تتم بمعزل عن مصالحه الذاتية المباشرة).

ولم تكن الانتلجنسيا (السودانية) في نظر الحاكم العام سايمز هدامة أو ثائرة، وفي رأي سايمز أن فئة المتعلمين تبالغ في تضخيم نفسها بعد ترك الدراسة إذا تركت لشأنها، مما أدى إلى ترسيب احساس بالنقص العرقى بالنسبة لرؤسائهم البريطانيين ورأى أن حوادث عام 1924م كانت صدمة للمثقفين السودانيين أدت بهم إلى محاولة (ملائمة أنفسهم مع النظام أو حتى التعاون معه بإعتبار أن التعاون أفضل فرصة لتأييد مثلهم. ومن ثم مطالبتهم بالتعليم وبنصيب أكبر في إدارة دفة البلاد السياسية).

وفي رأي سايمز أيضاً أنه وجب تشجيع مثل هذا الاتجاه والسماح بتطويره وازدهاره. وبوجه أخص بعد الظروف الجديدة المترتبة على معاهدة 1936م.

لذلك شجع على زيارة فريق من السودانيين الشماليين لبريطانيا وإرسال بعثات من الطلاب السودانيين للدراسة في جامعات بريطانيا وبيروت وتأسيس نادٍ للثقافة.

 ولا ننسى (55) ما كان للأندية العلمية من أثر فيbنشر الثقافة الجديدة، والسودان قبل عام 1918م لم يكن يعرف هذه الأندية، وإنما كانت في الأقاليم أندية يأوى إليها الموظفون وبعض التجار فراراً من مقاهي الاغريق وسواهم وكانت إلى جانبها أندية خاصة محدودة.

وفي عام 1938م قام أول نادٍ في (السودان) (نادي الخريجين بأمدرمان) يمثل الطبقة المثقفة من الوطنيين الذين يسكنون في العاصمة المثلثة (التي تتألف من مدينة الخرطوم عاصمة الإدارة الحكومية في البلاد) ومدينة أمدرمان العاصمة الوطنية، ومدينة الخرطوم بحري أحد أطراف المثلث) واحتفل بإفتتاحه رسمياً واسندت رئاسته الفخرية إلى نائب مصلحة المعارف آنذاك (وهو المستر سمبسون).

لقد كان إنشاء هذا النادي يؤكد سير المتعلمين في ركاب الاستعمار الذي كان يرسم لهم مسبقاً كل خطط سيرهم والا فما معنى أن يكون رئيس النادي بريطاني الجنسية كما أن متعلمي الخرطوم لم يهتموا بالاقاليم بل انحصروا في العاصمة حيث السلطة الاستعمارية التي كانوا ينتظرون أن يحلوا محلها.

لقد عرف المستعمر البريطاني نقاط ضعف المتعلمين الشماليين وسعيهم لأن يرثوا السلطة بعد خروج بريطانيا غير ممانعين في إتخاذ كل الوسائل التي تمكنهم من ذلك حتى ولو كانت الولاء والطاعة العمياء لبريطانيا، وإنتهاج خطها السياسي الاستعماري بعد خروجها من السودان، ووجدت سياسة سايمز ترحيباً حاراً من جانب المثقفين الشماليين.

واستطاع أن يؤثر على الانتلجنسيا التي لم تعد مترددة في بدء الحوار مع الإدارة البريطانية. وكان المثقفون الشماليون متلهفين للاستفادة من سياسات وإتجاهات سايمز لخلافة الموظفين البريطانيين. واستطاع سايمز أن يؤثر على نشاط الانتلجنسيا بعد عام 1924م فكانت كل نشاطاتهم في أندية الخريجين وغيرها بتأييد وتشجيع من الحكومة بعد أن اتفق الشريكان المستعمر البريطاني والانتلجنسيا الشمالية على اقتسام الغنيمة.

لقد حالفت الانتلجنسيا الشمالية الاستعمار البريطاني بصورة اقنعتها باستحالة العيش بلا بريطانيا كما يقول محمد عمر بشير (وأضحى كل من محمد عثمان القاضي ومعاوية محمد نور أكثر اقتناعاً بأن المستقبل في ظل وزارة المستعمرات يعتبر أفضل حل لمشكلة السودان. واتفقا علىbأن وضع (السودان) غير المستعمر ضار للمثقفين السودانيين الشماليين ذلك لأن كل ما يمكن أن يتطلعوا إليه هو الحصول على عضوية بمجلس الحاكم العام. وقد خشيَّا بأنه إن عجز البريطانيون والانتلجنسيا عن التعاون فإن المجال يكون مفتوحاً أمام زعماء القبائل الذين يحكمون في الحلبة السياسية).

لقد اقتصر نشاط حركة المثقفين السودانيين على العناصر الموجودة في العاصمة الذين اقتسموا فيما بينهم كل الغنائم ونصبوا أنفسهم أوصياء على بقية أقاليم (السودان) وذلك بدعم من الاستعمار. ومن أمثلة ذلك ما ذكره محمد عمر بشير (وإنعقد الاجتماع التأسيسي لمؤتمر الخريجين في 12 فبراير 1938م وحضره 1180 خريجاً واشتمل كل الخريجين المقيمين بالعاصمة المثلثة تقريباً وقلة من خارج العاصمة).

ونجد أن الاستعمار البريطاني شجع مؤتمر الخريجين كحليف محلي له كما ذكر محمد عمر بشير (ولهذا السبب. ففي المذكرة التي بعث بها السكرتير الإداري للمديرين ورؤساء المصالح كتب يقول بأنه ليس هناك ما يدعو للخوف متى كانت الحركة (في أيدي أكثر الأعضاء إتزاناً في صفوف الخريجين) وفي رأيه أن مؤتمر الخريجين عبر عن رغبة حقيقية صادقة من جانب الطبقة المتعلمة الشمالية للتعاون مع الحكومة لتدعيم ما تتصوره) ومن أمثلة تعاون مؤتمر الخريجين مع الاستعمار البريطاني البيان الذي أصدره المؤتمر عام 1940م مناشداً فيه الأهالي بتأييد المجهود الحربي البريطاني والمشاركة في دعم الخطط الرامية لتقوية الدفاعات البريطانية في الحرب العالمية الثانية. إن المتعلمين في (السودان) لا يهمهم شيء غير مصالحهم الشخصية والثراء على حساب الجماهير الكادحة (راجع كتاب السيد الصادق المهدي Xالهجرة الثانيةZ) وكل تهم الفساد في كل الحكومات وجهت لمسؤولين من المتعلمين ولم توجه غير تهمة واحدة لعمدة من الإدارة الأهلية طوال تاريخها (1999م).

إن المتعلمين السودانيين بدلاً من أن يحاربوا الطائفية وهم يتقولون بمساوئها تمسحوا بأذيالها في سبيل الوصول إلى السلطة وتحالفوا معها للسير في ركاب الاستعمار.