بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة مفتوحة الي رئاسةالحمهورية حول قضية ابويي

بقلم : حسين جبريل القوني

[email protected]

مقدمة :

 منطقة ابويي تلك المنطقة الوادعة في جنوب غرب ولاية جنوب كردفان التي ظلت ولا زالت تحتضن قبيلة المسيرية ودينكا نقوك وغيرهم منذ غابر الزمان في ود ووئام يعكس التعايش القبلي السلمي في ابهى صورة،قفزت فجأه لتحتل صدر الاخبار وتستقطب الاهتمام الدولي قبل المحلي .ترى ماذا هناك؟هل هي لعنة ثروة الزراعة والبترول الذي تتميز بة المنطقة؟ هل ستصدق نبوءة الذين يرشحون هذه المنطقة لتكون كشمير السودان في المستقبل القريب بسبب تقاطع مصالح الدول الغربية مع المصالح الشخصية لبعض المتعلمين من ابناء قبيلة نقوك؟

ان قضية ابويي هي في الاساس قضية قومية قضية بلد بحالة ان يبقى او لا يبقى ... وليست قضية المسيرية وحدها التي شاءت الظروف ان تكون هي  رأس الرمح فيها. لذلك فانة يمكن القول انة اذا لم يتم تحكيم العقل وتعطيل العواطف عند معالجة هذه القنبلة الموقوتة التي زرعها خبراء لجنة ترسيم حدود ابويي ، ستنهار اتفاقية السلام الموقعة  بين  حكومة السودان والحركة الشعبية وسيخسر السودان وشعبة كل المكاسب التي حققتها هذه الاتفاقية من حقن للدماء وتوفير للامن والإستقرار الاقتصادي والسياسي .

يجب الا تنظر رئاسة الجمهورية إلي تقرير خبراء لجنة ترسيم حدود ابويي علي انه ملزم ونهائي لانه ليس قرآناً منزلاً من الله تعالى ولا إنجيلا ويكفي ان المتغيرات والصعوبات العملية قد حالت دون التطبيق الحرفي والالتزام بنصوص اتفاقية السلام  بل يجب أن تنظر اليه بمنظار رجل الدولة الذي يغلب المصلحة العامة على المصلحة الحزبية او الجهوية او القبلية. فالتقرير عجز عن حل المشكلة (المفتعلة) بل سعي لتعميقها وجعلها قنبله موقوتة بينما كان بامكانه إقتراح معالجة الاشكالات والتناقضات التي وردت في بروتوكول ابويي كما كان يمكن  ان يقدم المقترحات المناسبة لتنفيذ المهمة بما يحقق استمرار التعايش القبلي بين المسيرية ودينكا نقوك في مودة ووئام كما هو الحال منذ عشرات السنين. ولكن الحقيقة المره هي ان لجنة الخبراء الاجانب ومن هم  وراءهم لم يكونوا يهدفون للمساعدة في تحقيق السلام بل كانوا يهدفون لتفتيت وحدةالسودان . لقد اعترفت لجنة ترسيم حدود ابويي (المكونة برئاسة السفير الامريكي السابق بالسودان وعضوية خبراء من بريطانيا وكينيا واثيوبيا وجنوب افريقيا) في تقريرها الذي سلمتة لرئاسة الجمهورية،انها عجزت عن تحديد المنطقة التي حولت الي كردفان من بحر الغزال عام 1905 وهي منطقة مشيخات دينكا نقوك التسعة كما ورد في بروتوكول ابويي ويعزو التقرير ذلك الي عدم وجود خريطة توضح المنطقة المعنية بالتحديد.وهذا اعتراف بفشل خبراء اللجنة في اداء المهمة التي كلفت بها والمتمثلة في تحديد وترسيم منطقة مشيخات دينكا نقوك التسعة التي ضمت لكردفان من بحر الغزال عام 1905 . وهي المنطقة التي تقع جنوب بحر العرب حسب التقارير الادارية الرسمية لولايتي كردفان وبحر الغزال وقتئذ وحسب الخرط الرسمية للبلاد آنذاك.

لقد إشتملت نصوص بروتوكول ابويي والملحق الخاص به على العديد من المواد المتناقضة، والمتعارضة،وكذلك على العديد من المواد التي تحمل اكثر من تفسير او معنى في آن واحد،كما ان الصياغة القانونية لم تكن جيدة، فضلا عن ان تلك النصوص لم تكن شاملة حيث انها قد اغفلت العديد من الجوانب، الامر الذي يفتح الباب على مصراعية للإجتهادات والمغالطات القانونية  والجدل الدستوري . وعلى صعيد اخر فقد اتسم تقرير خبراء ابويي بسلبيات وتناقضات وتجاوزات عديدة وعدم توازن. كما انة اشتمل على مغالطات تاريخية وجغرافية مخالفة للوقائع التاريخية والوثائق والخرط الرسمية. ربما اراد ان تصل به الى النتيجة التي وصل اليها.

إن السلبيات العديدة التي اتسم بها كل من  بروتوكول ابويي والملحق الخاص به وكذلك تقرير الخبراء والنتائج المترتبة على هذه السلبيات ، تجعل من المستحيل تنفيذ ترسيم حدود ابويي وفقاً لما ورد في تقرير لجنة الخبراء وتحول بالتالي دون تنفيذ بروتوكول ابويي .اما اذا ما نظرنا الى الآثار الاجتماعية والإقتصادية والامنية المرتبطة بهذا الامر فإننا نجد ان ان معالجة الامر تتطلب الحكمة والعقل والموضوعية والتدبير المتأني وصولاً لاقل الخسائر...

 

نستعرض فيما يلي بإيجاز الجوانب القانونية والاجتماعية والاقتصادية والامنية المرتبطة بقضية ترسيم حدود ابويي علها تعكس لنا حجم المشكلة الحقيقي وتبصرنا بالآثار والنتائج التي يمكن ان تترتب على ترسيم حدود ابويي حسبما ذهب إليها خبراء اللجنة في تقريرهم الذي قدموه لرئاسة الجمهورية:

 

اولاً: الجوانب القانونية:

1- اعترفت لجنة الخبراء انها فهمت  التفويض لتحديدالمنطقة التي ضمت لكردفان من بحر الغزال  عام 1905 حسب التفسير الذي قدمتة لها السفارة الامريكية بنيروبي في 27/04/2005 هذا التفسير يفيد بان المنطقة المعنية هي المنطقة التي سادها صراع مسلح بين المسيرية والدينكا عام 1956(خلافاً لما نصت علية اتفاقية نيفاشا). والمعروف ان هذا الصراع المسلح بين القبيلتين قد نتج عن هجوم مسلح على قبائل المسيرية قامت به عناصر من حركة انانيا المتمردة وقتذاك.  وانطلاقاً من هذا الفهم  وبتبريرات مجافية للتاريخ والوقائع والوثائق الموثقة، خلص التقرير الي ان المنطقة التي تعيش فيها قبائل نقوك، التي يجب ان تخضع لاستفتاء بعد ست سنوات متزامناً مع استفتاء الجنوب كما ورد في اتفاقية نيفاشا، هي المنطقة التي سادها صراع مسلح بين المسيرية والدينكا عام 1956 (حسبما اشارت بذلك السفارة الامريكية بنيروبي) وتحد شمالاً بخط عرض 22   10 شمال  وهذه المنطقة تقع شمال بحر العرب بعيداً عنة، وهي المنطقة الغنية بالبترول والثروة الحيوانية التي تقضي فيها المسيرية 7-8 شهور في العام بحثاً عن الماء والكلأ بصوره تقليدية وبهذا فإن إعتماد اللجنة على إفادة سفارة امريكا بنيروبي كمرجعية لتحديد الحدود يعتبر خطاً فادحاً فية خروج صريح على نصوص اتفاقية نيفاشا من ناحية وتجاوز لمهمة اللجنة من ناحية اخرى (انظر الخرطة المرفقة).

 

          2- اجمعت التقاريرالسنوية لولايتي كردفان وبحر الغزال خلال الاعوام 1902 ،1903 ، 1904 على ان الحدود بين الولايتين هي بحر العرب الذي يقع جنوباً بالنسبة لكردفان، وشمالاً بالنسبة لبحر الغزال. وبما ان منطقة مشيخات دينكا نقوك خلال هذه السنوات كانت ضمن بحر الغزال ، فهذا يعني انها كانت جنوب بحر العرب حينما ضمت لكردفان عام 1905. وفي التقرير السنوي  لعام 1905تطابق كل من تقرير مديرية كردفان وتقرير مديرية بحر الغزال في تاكيد ضم المنطقة المعنية الي ولاية كردفان ، وهي بالطبع جنوب بحر العرب الا ان تقرير الخبراء بدلا من ان يحدد المنطقة المعنية (جنوب بحر العرب ) عمد الي تحديد اين كان يعيش دينكا نقوك عام 1965 ، وهو بذلك قد تجاهل التفويض المحدد بتحديد حدود منطقة دينكا نقوك التي حولت لكردفان عام 1905 وإستبدلة (دون تفويض) بمناطق تواجد دينكا نقوك عام 1965 عملا برؤية السفارة الامريكية في كينيا !

 

3- تجاهل الخبراء الوثائق والمستندات والخرط الموثقة وعددها مجتمعة 57 وثيقة التي قدمها ممثلو الجانب الحكومي في مفوضية ترسيم حدود ابويي الى لجنة الخبراء وهي كلها تؤيد وتثبت  صحة وجود المنطقة المعنية جنوب بحر العرب .. حدث ذلك بالرغم من ان بروتوكول ابويي قد نص علي ان يبنى  قرار اللجنة على الوثائق والمستندات المؤيدة . ولم يشر تقرير الخبراء الى لماذا لم ياخذ بهذه المستندات الموثقة من جامعات ودور وثائق سودانية ومصرية وبريطانية وغيرها كما انة لم يسعى لتنفيذها او اظهار المآخذ عليها او جوانب النقص فيها كمستندات ثبوتية. 

 

4- مبادئ الاتفاق بشأن ابويي التي اتخذها الطرفان اساساً لحل النزاع بشان ابويي ، يبدو انها قد تم إعدادها على عجل حيث انها في الحقيقة هي النص الكامل للمقترح (المعنون مبادئ الإتفاق بشأن ابويي)  الذي قدمة المبعوث الامريكي الخاص السناتور جون فورث الي السيد النائب الاول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه  والي الدكتور الراحل جون قرنق رئيس الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان في 19 مارس 2004.

 

تم تبني صيغة المقترح الامريكي المذكور دون تعديل بالاضافة او الحذف مما جعله مليئا بالسلبيات القانونية من حيث الغموض وعدم الوضوح وسوء الصياغة القانونية مما جعله  حافلاً بالعيوب التي من بينها التناقض مع نصوص اتفاقيات نيفاشا الاخرى التي لها نفس القوة القانونية.

 

وفي وقت لاحق(اي في ديسمبر 2004) تم التوقيع على ملحق لبروتوكول ابويي هذا تضمن  العديد من التناقضات مع البروتوكول دون ان يتم الغاء المواد التي ادخلت عليها التعديلات وبذلك اصبح هناك نصان قانونيان لعديد من البنود ليس معروفاً ايهما ينسخ الاخر لازالة التناقض .

 

5- أشار الخبراء في تقريرهم إلى أنهم يفهمون التفويض لتحديد المنطقة التي ضمت لكردفان عام 1905 حسب التفسير الذي قدمته لهم السفاره الامريكية بنيروبي في 27/04/2005 أي بعد تقديم المرافعة الاولى للطرفين في 12 أبريل 2005 ويفيد هذا التفسير بأن المنطقه المعنيه هي المنطقه التي تقع  شمال بحر العرب والتي سبق ان سادها صراع مسلح في عام1965  تسببت فيه حركة التمرد – انانيا وقتئذ مما ادى الي نزاع مسلح بين المسيرية والدينكا بعد تعايش ووئام استمرا طويلاً جداً.

 

إن تلقي هذا التفسير للتفويض من جهة خارجية يعد خروجاً على قواعد العدالة الطبيعية وإخلالا بالإستقلالية، وتأكيداً للتحيز ويمثل تقصيراً صارخاً من لجنة الخبراء في القيام بتنفيذ المهمة التي كلفت بها  وذلك لان السفارة المعنية ليست هي المرجع المعتمد  للحدود وإنما الوثائق التاريخية كما نص على ذلك بروتوكول ابويي .

 

لعله من المناسب هنا اعطاء خلفية عن حدود 1965 التي تحدثت عنها السفارة الامريكية بنيروبي باعتبارها حدوداً فاصلة بين المسيرية والدينكا . لقد قامت حركة انانيا(2) المتمردة بهجوم مسلح عام 1964 م على بعض المناطق التي كان ينتشر فيها المسيرية بفرقانهم على امتداد الرقبة الزرقاء (احد روافد بحر العرب) وذلك قبل وصولهم الى بحر العرب. قام المتمردون في صبيحة ذلك اليوم المشئوم بهجوم مسلح  على فرقان المسيرية الرحل  على امتداد الرقبة الزرقاء شرقا وغربا في مساحة تقدر ب 80 كيلومترا مربعا قتلوا خلاله(في ساعة واحدة) ما يزيد عن مائتي مواطن بريء واعزل . وقد تصدى لهم فرسان المسيرية وقتها في اعمال انتقامية لم تميز بين مجرم وبريء من الدينكا .

و في عام 1965 تم عقد مؤتمر في ابويي لإحتواء اثار هذه المشكلة حضرة عدد كبير من قيادات ونظار الادارات الاهلية في كردفان ودارفور وبحر الغزال وغيرها الي جانب عدد  من المسئولين. ونظرا لما كان من علائق متميزه وتعايش وتداخل قبلي بين المسيرية والدينكا ولان هذه المشكلة لم تكن مشكلة حدودية ولا مشكلة قبلية او تعايش بين القبيلتين وانما كانت بفعل التمرد وقتئذ واستغلها الامريكان لجعلها قنبلة موقوتة تنسف النسيج الاجتماعي والتعايش القبلي في المنطقة ، فقد توصل الطرفان المسيرية والدينكا الي اتفاق تم بموجبه ان يستمر الدينكا في البقاء في  المناطق التي سمح لهم المسيرية بالعيش فيها معهم منذ زمن بعيد وذلك دون ان يتم دفع تعويض او ديات لاي من القبيلتين كتعويض عن الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بهما. وهذا يؤكد ان المشكلة لم تكن اصلا مشكلة حدودية او قبلية او مشكلة تعايش بين القبيلتين وانما كانت بفعل التمرد وقتئذ.

 

6- ورد في ملحق بروتوكول ابويي ،أنه إذا لم يتم التوصل  الي قرار بواسطة اعضاء المفوضية بتوافق الاراء ، واتخذ الخبراء قراراً يكون هذا القرار ملزماً للطرفين اذا ما جاء وفقاً للوائح والاجراءات. ولما كانت اللائحة الاولى في البروتوكول فيها التفويض واللائحة الثانيه تتضمن الترسيم اي وضع هذا التفويض علي الخارطه، فإن تجاهل الخبراء لحدود 1905 (اللائحة الاولى)  في حد ذاتة يعتبر مخالفة صريحة لهذه الاجراءات. كما ان عدم تحديد هذه المنطقة وعدم ترسيمها يعتبر هو الآخر مخالفة اخرى للقواعد الإجرائية ومن ثم فان قرار اللجنة ليس بملزم وليس بنهائي لمخالفتة للقواعد الإجرائية ولانه تجاهل الوثائق الثبوتية الموثقة.

 

7- لقد تجاهل تقرير الخبراء اهمية زيارة مفوضية ترسيم حدود ابويي بكامل اعضائها لضريح السلطان اروب جد الناظر دينج مجوك الكائن بجنوب بحر العرب الجدير بالذكر ان  الميجور البريطاني وبيكمسون قد زار سنة 1902السلطان اروب في هذه المنطقة  وكتب عنة مؤرخاً لهذه الزيارة بوصف دقيق للطريق ولجغرافيا المنطقة يتطابق مع واقع المنطقة اليوم وكما هو معروف فإن مكان ضريح السلطان اروب هو المقر التاريخى التقليدي لزعيم دينكا نقوك الروحي جد الناظردينج مجوك زعيم المشيخات التسع. ويعتبر هذا التجاهل للزيارة المذكورة  مخالفة لقواعد الاجراءات لان الزيارات الميدانية كانت جزءاً من القواعد الاجرائية ولذلك كان  يجب اخذها في الاعتبار عند إتخاذ القرار النهائي وهو الامر الذي لم يحدث.

 

8- لقد شهد مستر برونك ممثل الامم المتحدة ضد لجنة خبراء ابويي حينما علم ان اللجنة قد غيبت عن بقية اعضاء لجنة ترسيم حدود ابويي  العشرة  تقريرها ولم يره احد منهم الا عندما نودي على الجميع لسماع ذلك التقرير امام رئيس الجمهورية ، وذلك بقولة ان اللجنة لم تعمل العمل الذي كونت من اجلة فضلاً عن ذلك دعا برونك الي اجتماع برئاستة يضم القبيلتين في المنطقة للتداول حول انجع السبل لتحقيق التعايش القبلي بينهما دون تدخل الجهات السياسية والرسمية في مسارات التفاوض الشعبي بين القبيلتين وهذا بحد ذاته إعتراف بفشل اللجنة في اداء مهمتها علي الوجة الاكمل الامر الذي حدى بمستر برونك البحث عن بدائل عملية لحل المشكل.

 

9- إن تقرير ترسيم حدود ابويي قد ارتكب العديد من الاخطاء الإجرائية والموضوعية مما ادى الي اختلاف التفسيرات حول بروتوكول ابويي وسيدفع هذا الامر الحكومة والحركة الي الدخول في جدل دستوري يصعب حسمة وقد ينتهي الامر الي قطيعة سياسية بين الحركة وحزب المؤتمر الوطني الحاكم ، الامر الذي يهدد الاستقرار السياسي بالبلاد ويفتح الباب علي مصراعية لكل الاحتمالات وبالطبع سوف لن تقف الاحزاب السياسية بالجنوب والشمال بعيدة عن هذه التداعيات السياسية مما يؤدي لمزيد من الاستقطاب السياسي وتعريض مستقبل البلاد السياسي للخطر .

 

10- إن قبول تقرير لجنة خبراء ترسيم حدود ابويي- كما قدمتة اللجنة – بالحدود التي إبتدعتها يستدعي إعادة تعديل الدستور لانة مخالف لنصوص اتفاقية السلام والدستور الانتقالي الذي تمت اجازتة بواسطة المجلس الوطني الانتقالي الحالي مؤخرا.ً وكما هو معلوم فان بروتوكول ابويي مضمن في الدستور والنصوص الواردة فية تعتبر نصوصاً دستورية عرفت "منطقة ابويي بانها هي منطقة مشيخات دينكا نقوك التسعة التي حولت من بحر الغزال  الي كردفان عام 1905" اما تقرير الخبراء فقد عرف منطقة ابويي بانها هي المنطقة التي يسكنها دينكا نقوك او لدينكا نقوك فيها وجود خلال عام 1965. وهذا بالطبع مخالف لنصوص البروتوكول وبالتالي مخالف لاتفاقية السلام ويتعارض مع نصوص الدستور .علية فان إعتبار تقرير الخبراء ملزما ونهائيا يستدعي تعديل الدستور وتعديل اتفاقية السلام نفسها وهذا بالطبع اجراء له ما له من تعقيدات وجدل دستوري غني عن القول ان اي تعديلات في حدود منطقة ابويي الحالية،سوف تستدعي ايضاً تعديل المادة(2-1)من اتفاقية حسم النزاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق والبند (10) من مرفق جنوب كردفان الملحق بالاتفاقية المؤرخ في 31/12/2004 وقانون تقسيم الولايات لسنة 2005 الى جانب تعديل الدستور الانتقالي الحالي وفقاً لهذه التعديلات .. والسؤال الذي يفرض نفسة هنا هل إجراء هذه التعديلات امر ميسور؟

 

11- هنالك إختلاف وتعارض بين بروتوكول ابويي (مايو 2004) والملحق الخاص به المتعلق بالتنفيذ (ديسمبر 2004) اذ ان البروتوكول نص على تشكيل مفوضية بواسطة رئاسة الجمهورية لتحديد وترسيم حدود ابويي  خلال عامين من ممثلين عن الادارة  المحلية والمجتمعات المحلية ولكن الملحق استبدل هؤلاء الممثلين بممثلين آخرين بينهم اجانب ، مع إعطاء رئاسة اللجنة لأحد الخبراء الاجانب مع تقليص مدة عمل اللجنة لفترة ما قبل المرحلة الانتقالية ( اقل من ثلاثة شهور) بدلا عن فترة سنتين حسبما جاء في بروتوكول ابويي مايو 2004 هذا التناقض بين البروتوكول والملحق الخاص به سببه عدم وجود نص بإلغاء المواد المتعارضة .

 

12- لقد نصت اتفاقية حسم النزاع في ولايتي جنوب كردفان /جبال النوبة والنيل الازرق الموقعة في نيفاشا في 26مايو2004 على ان حدود ولاية جنوب كردفان هي نفسها الحدود السابقة لمديرية جنوب كردفان عند تقسيم كردفان الكبرى الى مديريتين وهي تشمل بالطبع منطقة ابويي. وقد صدر بالفعل في 16/06/2005  قرار جمهوري بالحدود الجديدة للولايةحسب هذه الاتفاقية  وفي ذلك تعارض مع بروتوكول ابويي خاصة فيما يتعلق بترسيم حدود ابويي وحق الاستفتاء والسؤال هنا هل سيقبل مواطنو جنوب كردفان باقتطاع جزء من ولايتهم(منطقة ابويي) بينما نصت اتفاقية حسم النزاع على انها جزء من ولاية جنوب كردفان؟ علماً بانه لم تكن هنالك اية إشارة في اتفاقية حسم النزاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق لابوييي او الاستفتاء او البروتوكول الخاص بها.

 

13- لم يرد نص في بروتوكول ابويي يشير الى ان قرارات المفوضية الخاصة بترسيم الحدود نهائية.كما انه لم يرد فيه نص ايضاً يجعل من تقرير اللجنة قابلا للمراجعة او موافقة رئاسة الجمهورية.لذلك فان نصوص البروتوكول اصبحت حمالة اوجة ويتطلب الامر الانحياز للنصوص  التي تدعم وحدة البلاد.

 

14- نص بروتوكول ابويي على ان تقدم مفوضية ترسيم حدود ابويي تقريرها الى رئاسة الجمهورية بينما الذي حدث فعلا هو ان لجنة الخبراء قد حلت محل المفوضية في تقديم التقرير المعني دون اشراك بقية اعضاء لجنة ترسيم حدود ابويي العشرة.ان تعارض نصوص البروتوكول مع نصوص الملحق الخاص به هو الذي ادى لهذه التناقضات وافساح المجال للثقرات القانونية.

 

15- لقد اضطرت الاوضاع الامنية إبان فترة التمرد السواد الاعظم من  دينكا نقوك الى هجرة  منطقتهم الى مناطق السودان المختلفة في الشمال حتى اصبح بضعة آلاف هم اولئك المقيمون الذين لا زالوا مرتبطين بتلك  بالمنطقة ، خاصة وان هنالك اجيالا من دينكا نقوك ولدوا وترعرعوا في الشمال وليس من المنظور عودتهم الي المنطقة للمشاركة في الاستفتاء على تبعية منطقة ابويي الي كردفان او بحر الغزال لارتباطهم عملياً ووجدانياً بالمناطق التي يتواجدون فيها وهذا الوضع يمثل احد التعقيدات المنتظرة في مسألة الاستفتاء ومدى احقيتهم في المشاركة فيه كما ان هذا الوضع في مجمله مثار تساؤلات عمن يحق لهم الاستفتاء هل دينكا نقوك فقط؟ بمن فيهم المهاجرون والنازحون؟ هل يحق للمسيرية وغيرهم المقيمين والمترحلين في المنطقة الاستفتاء؟ كلها تساؤلات مليئة بالتعقيدات الصعبة ترك علاجها للجنة الإستفتاء عند تكوينها مستقبلا كما اشار بذلك بروتوكول ابويي.

 

16- نص بروتوكول ابويي على ان تضع لجنة استفتاء ابويي معايير الاقامة في المنطقة وفي هذا مجال واسع للإختلافات حول هذه المعايير مستقبلاً الامر الذي قد يؤدي للمزيد من الاستقطابات ومزيد من الصراعات مستقبلاً عند الشروع في وضع هذه المعايير وهو يعني تأجيل الصراعات والاختلافات الى المستقبل بدلاً عن حسمها فوراً.

17- نص بروتوكول ابويي علي ان يدير المنطقة مجلس محلي الا ان البروتوكول لم يحدد الشروط الواجب توفرها في عضو مجلس المنطقة التنفيذي كما لم يحدد كيف ومتى تنتهي عضويتة خاصة اذا اخذنا في الاعتبار السلطات الواسعة الممنوحة للمجلس والوضعية الادارية الخاصة لمنطقة ابويي كما انه لم يتم تعريف من هم سكان ابويي الذين يحق لهم الاستفتاء للبقاء في الشمال ام الانضمام الى الجنوب كما انة لم يتم تحديد كيفية علاج التعقيدات الادارية والتنفيذية وتضارب الاختصاصات بين السلطات المحلية للولاية والمجلس المحلي لادارة ابويي الذي يتبع لرئاية الجمهورية حسب نص البروتوكول.

 

18- لم يشر البروتوكول الى لماذا تم منح حكومة جنوب السودان واقليم بحر الغزال ما نسبته (42%) و (2%) على التوالي من بترول منطقة ابويي بينما البترول من موارد كردفانية بحتة. كيف ولماذا تم القطع بان البترول المكتشف ( حتي عام 2004 تاريخ توقيع الاتفاقية) يقع في منطقة ابويي مسبقاً وذلك قبل إجراء تحديد وترسيم الحدود؟ اليس في ذلك إستباق للنتائج؟ ام ان الامر كان مقصوداً ؟

 

ثانياً: الجوانب الاقتصادية:

 

1- ان اي اختلالات امنية اوإشتباكات قبلية بين المسيرية وغيرهم حول حدود ابويي كما قدمها خبراء لجنة ترسيم حدود ابويي ، ستؤدي الي إعاقة النشاط الاقتصادي كلية في المنطقة وهي منطقة انتاج بترول وثروة حيوانية وزراعية وسوف يتأثر السودان سلباً بهذا الوضع بصفة عامة وسوف تتدهور تجارة صادر البترول والمواشي واللحوم  وستهرب الاستثمارات الاجنبية وسيتوقف الدعم المالي والفني والاجنبي للبلاد ويحدث بالتالي انهيار إقتصادي كبير يؤدي الي مفاقمة تخلف البلاد اقتصادياً واجتماعياً.

 

2- إن اندلاع الحرب في منطقة المسيرية بسبب مشكلة ابويي  سيؤدي الي انفراط عقد الامن ،ما يؤدي بالتالي الي هجرة العديد من السكان الي مناطق اكثر امناً في الشمال والجنوب. وستتضرر اقتصاديات الريف،وستنكمش تربية الماشية،احد المصادر الرئيسية لصادر اللحوم والمواشي وسيعود الفقر في المنطقة الامر الذي سيؤدي الي إقامة العديد من المعسكرات لإيواء النازحين والهاربين من جحيم النار وستجدها منظمات الفتنة فرصة لخلخلة النسيج الاجتماعي ، وستنشغل الحكومتان المحلية والمركزية بالحرب .. وسيترتب علي ذلك إستنزاف للموارد وتعطيل لدوران عجلة الإقتصاد والتنمية في البلاد عامة ونتائج حرب الجنوب ليست ببعيدة عن الاذهان.

 

3- اما من الجانب الآخرفإن من نتائج الاختلال الامني في منطقة المسيرية توقف انتاج وضخ البترول المنتج في منطقة المسيرية وبحر الغزال.هذا بدوره سينعكس سلباً على حركة النقل والتنقل والترحيل البري والجوي والبحري في السودان عامة ، وسيؤدي هذا الوضع الى انتاج العديد من المشاكل الحياتية المعقدة وسيتصاعد التذمر الشعبي فتضطرب الاوضاع الامنية والسياسية والاجتماعية وبذلك ينفرط عقدالامن فتتشابك المشاكل وتزداد تعقيداً.

 

4- بما ان منطقة ابويي تعيش حالياً في سلام واستقرار امني تامين ولا توجد اي اختلالات امنية يصبح من غير الضروري وجود قوات مشتركة مدمجة ومراقبين للامم المتحدة بل ربما يكون من الاوفق تسخير الموارد المالية المخصصة لهذه الإجراءات الأمنية الي تنمية المنطقة بما يسهم في توفير الخدمات الضرورية مثل التعليم والصحة والمياه وغيرها مما يحقق الاستقرار ويعمق التعايش القبلي في المنطقة . ولعل هذا الأمر  ينطبق ايضاً علي المجلس المحلي لادارة ابويي الذي يمكن ان يغض النظر عنه وتوجيه الميزانيات التي ستخصص له الي تنمية المنطقة دعماً للنسيج القبلي في المنطقة.

 

ثالثاً: الجوانب الإجتماعية والامنية:

 

1- ان التداعيات الامنية التي سيخلقها تنفيذ قرار لجنة خبراء ترسيم حدود ابويي علي ارض الواقع مخيفة بل مفزعة للغاية ذلك ان المسيرية الذين لم يكونوا طرفاً في الاتفاقية يعتبرون ان القرار يسلبهم الارض التي عاشوا فيها منذ مجيئهم لتلك المنطقة في القرن السابع عشركما يسلبهم مصادر رزقهم  ،ولم يترك لهم خياراً سوى القتال ولذلك فهم مصممون على البقاء في ارضهم  مهما كان الثمن اما فوقها احياء او تحتها امواتاً شهداء .

 

2- وقبيلة المسيرية كما سجل التاريخ مشهود لافرادها بالشجاعه والبسالة وهم حماة وحدة السودان منذ فجر المهدية وحتى تاريخنا الحالي بل هم الذين وقفوا سداً منيعاً في وجة التمرد وحالوا دون ان يتمدد شمالاً. هذا يعني ان دخول منطقة ابويي في مشاكل امنية او مواجهات عسكرية سيشعل ناراً يصعب إطفاؤها ويخلق وضعاً امنياً سالباً على البلاد واهل شهامة1 ،2 ،3 ادرى بشعابها..

 

3- وعلى صعيد آخر فان تداعيات  تقرير لجنة الخبراء  يمتد اثرها ليس لجنوب كردفان وحدها ، وانما ايضاً لكل مناطق الرعي والتداخل القبلي والاقتصادي على طول خط التماس بين الشمال والجنوب حيث الترحال المستمر بحثاً عن الماء والكلأدون التقيد بالحدود الادارية للولايات .لذلك فإن ما يدعو له هذا التقرير سيجعل كل قبائل التماس تسعى بحق وبدون حق لتأكيد حقها على الارض التي تتجول فيها ،خاصة مع التحولات الايكولوجية وتغير الطقس المستمر وزحف التصحر جنوباً ، وعندها ستكون المحصلة النهائية هي رفع السلاح بين القبائل والاقاليم وسينفرط عقد النسيج الاجتماعي في تلك المناطق علي الاقل ، وذلك بغض النظر عن استمرار السودان موحداً او منفصلاً الي شطرين شمالي وجنوبي في المستقبل.

 

4- إن مجرد محاولة تنفيذ قرار لجنة خبراء ترسيم حدود ابويي كما جاء في تقريرهم سيجعل كل القبائل الحدودية شرقا وغربا من حدود تشاد وافريقيا الوسطى الى ولاية النيل الابيض ً تتحسب لنفس مصير المسيرية من حيث نزع اراضيهم وفرض اللجوء عليهم واذا ما حدث ذلك فستكون لذلك مضاعفات امنية سالبة خطيرة للغاية .

 

5- وعلي صعيد آخر فان تنفيذ قرار لجنة خبراء ابويي يرسي لسابقة خطيرة تهدد العلاقات السلمية بين القبائل وتهدد النسيج الاجتماعي السائد وذلك بتشجيعها لكل القبائل السودانية الي الانقلاق على نفسها وطرد كل غريب عن ديارها خشية ان يتحدث احد يوماً عن حقوق السكنى الدائمة والاقامة الدائمة التي جعلها خبراء اللجنة حقاً لملكية الارض لمن ينازع عليها .

 

6- ان الظلم في الحق وفي الارض يدفع المظلوم للتطرف ويجعلة يسترخص الحياه فيسعى لاسترداد حقة مهما كان الثمن ومهما طال الزمن وذلك لان الدفاع عن الارض تهون في سبيلة الارواح وامامنا قضية فلسطين والعراق وغيرهما تقف شاهداً على ذلك ولذلك فان اية محاولة لتطبيق توصية خبراء لجنة ترسيم حدود ابويي على ارض الواقع  عن طريق اية قوه حكومية اواقليمية او دولية ربما تفرض وضعا امنياً سالبا خاصة وان منطقة المسيرية منطقة شاسعة مترامية الاطراف متعددة المناخات و الغطاء الشجري تساعد على حرب العصابات وتشجع على قطع الطرق في المنطقة واثارة الخوف  والرعب والهلع وسط المواطنين ولعل ما يدور حالياً في دارفور ابلغ دليل على ذلك وكما هو معلوم فأن منطقة المسيرية تعج بمقاتلي الدفاع الشعبي من ابنائها ممن هم اصلاً فاقداً تربوياً تعوذه وسيلة كسب العيش الشريف كما تعج بمعاشيي القوات المسلحة والنظامية من ابناء المسيرية الذين يعشقون الجندية في الجيش والشرطة والدفاع الشعبي ويجيدون استعمال السلاح بانواعة المختلفة.خلاصة الامر ان منطقة المسيرية قابلة للاشتعال ... واذا ما اندلعت شرارة واحدة فان احتواء النار سيكون امراً مستحيلاً خاصة وان تجار الحرب في الداخل والخارج في انتظار هذه السانحة لتحقيق مآربهم.

 

ان احداث اي تغيير في الاوضاع الحالية لعلاقات المسيرية بدينكا نقوك سيكون مكلفاً جداً كما اوضحنا ولذلك فانه ليس من الحكمة في شيء تاجيل حسم موضوع تقرير لجنةخبراء ترسيم حدود ابويي طويلاً. ولذلك لا بد من رفضه والعمل على وضع البديل الانسب.

 

رابعاً : تعليقــــــات عــــــــــامة :

1- لقد نص بروتوكول ابويي على إعطاء اهالي ابويي الخيارين التاليين في الاستفتاء:

 

ا- ان تحتفظ ابويي بوضعها الإداري الخاص في الشمال وذلك من حيث تبعيتها الادارية لرئاسة الجمهورية.

ب- ان تكون ابويي جزءاً من بحر الغزال (مما يقوي احتمال انفصال الجنوب عن الشمال).

هذه الامتيازات الخاصة السخية قد تحفزالآخرين للمطالبة باوضاع مماثلة مما يخلق عدم استقرار مستقبلا قد تنتج عنة تداعيات فبلية وسياسية وادارية سالبةً.

 

2- اعطى بروتوكول ابويي مواطني منطقة ابويي امتيازات خاصة دون غيرهم من كل مناطق وقبائل السودان اذ انة نص علي ان يكونوا مواطنين في كل من ولايتي غرب كردفان (جنوب كردفان حالياً)   وبحر الغزال(اي مواطنة مزدوجة) ؟ كما نص على ان يتم تمثيلهم في الاجهزه التشريعية لكل من الولايتين كما تحدد ذلك لجنة الانتخابات القومية ؟ اليس في هذا الوضع ما يشجع الآخرين للمطالبة بمعاملة مماثلة؟.

 

 

3- كيف سيكون الوضع فيما لو رفض مواطنو بحر الغزال اعطاء مواطني منطقة ابويي حق الانضمام لهم اذا ما صوتوا لصالح الانضمام لبحر الغزال، اليس من حقهم ان برفضوا ذلك واليس من حقهم المشاورة الشعبية كحق ديموقراطي والية لتاكيد وجهة نظر مواطني الولاية؟

4- اذا لم يتيسر التوصل لعلاج ودي لقضية ابويي الى ان وصل الامر الى مرحلة الاستفتاء او غيرها  وبافتراض ان نتيجة الاستفتاء كانت برفض الانضمام لبحر الغزال هل سيقبل المسيرية بوجود دينكا نوك معهم في ادارة واحدة مستقبلا؟ في كل الاحوال ستكون العلاقات مشوبة بالتوتر الدائم الذي يؤدي الى عدم الاستقرار بالمنطقة.

 

5- يعتقد ان هنالك صعوبة عملية في ان يتعايش دينكا نقوك مع مواطني بحر الغزال اذا ما قرروا الإنضمام اليها.  وهنا ارجو ان استعير تصريح اللواء التوم النور دلدوم قائد قوات السلام السودانية القومية- قطاع بحر الغزال- عضو الهيئة القيادية لقوات دفاع جنوب السودان لجريدة الحياه في عددها بتاريخ 3 سبتمبر 2005 رداً على سؤالها له حول راية في تقرير لجنة ترسيم حدود ابويي حين قال:

 

"انا اعارض التقرير ... منذ زمن بعيد الدينكا موجودون مع المسيرية ولم يحدث شي جديد ليتخلى الدينكا عن المسيرية او المسيرية عن الدينكا هذه القبائل تربط بينها علاقات طيبة وممتازة ،وانا ارى ان الذين يتحدثون عن ضم ابويي للجنوب رؤيتهم غير صحيحة ولا يمكن ان يعملوا علي ضم ابويي للجنوب الا اذا كانت لهم رغبة في فصل الجنوب عن الشمال وهم وحدويون يتحدثون عن السودان الواحد فلماذا يريدون ان ياخذوا ابيي ويضموها الي الجنوب اذا لم يكن في نيتهم فصل الحنوب؟!!"

ويضيف اللواء التوم قائلاً:

 

"دينكا نقوك هم اصلاً من اعالي النيل من منطقة الزراف ، وان كانت عندهم رغبة في الانضمام الي الجنوب فمن الافضل ان ينضموا لاعالي النيل بدلاً عن بحر الغزال .. فدينكا ابويي لن يستطيعوا التعايش مع اهل بحر الغزال فهم مختلفون تماما في العادات والتقاليد مع الاستوائيين اهل واراب لن يقبلوهم وغرب بحر الغزال كذلك واهل البحيرات لن يقبلوهم . ونفس الاسباب التي جعلتهم يرحلون من منطقة اعالي النيل الى كردفان ونفس القبائل الان موجوده في اعالي النيل .لذلك سيجدون صعوبة كبيرة في التعايش مع تلك القبائل .في الماضي حاول دينكا ابويي في اتفاقية الانانيا الاخيرة الانضمام للجنوب ولكنهم وجدوا صعوبات كبيرة في التوظيف وغيره ووجدوا مضايقات من الجنوبين الذين كانوا يعتبرونهم شماليين. انا اعتقد انه من الافضل ان يبقى دينكا ابويي في كردفان وفي الشمال بدلا ان يتشتتوا في الجنوب واجدادهم قبل مائة او مائتين سنة كانوا يعيشون في كردفان ولم يفكروا ان يرحلوا عنها لاي جهة".

 

هذه شهادة احد ابرز قادة ولاية بحر الغزال .. اليست جديرة بالتامل والتفكير الجاد والصادق؟ ومما يؤكد صحة هذه الشهادة ان الاسابيع الماضية قد شهدت قتالا عنيفاً بين دينكا نقوك وجيرانهم من قبائل التوج راح ضحيتها عدد من الابرياء من الطرفين.

 

6- جاء في التقرير ان حدود المسيرية جنوباً تقع الي الشمال من بحر العرب بعيداً جداً عنة(خط عرض 22 10 شمالاً ) وذلك لانها مترحلة ولا يمكن ضبط حدود ديارها وبهذا المفهوم ،وقياساً علية كانما ارادالتقرير ان يقول انه لا ديار للقبائل الرعوية في السودان !الجدير بالذكر ان مساحة المنطقة التي اعطاها التقرير لدينكا نقوك خصماً على اراضي المسيرية قد اذهلت  حتى دينكا نقوك انفسهم لكبر حجمها اذ اصبح متوسط حجم الكثافة السكانية في الميل المربع  فيها رقماً ضئيلاً جداً مقارنة بمثيله  بالنسبة للمسيرية.

 

7- إن تقرير لجنة خبراء ابويي يمثل سابقة خطيرة في التدخل المباشر في الشئون الداخلية للبلاد وقد تدخلت قوى اجنبية ذات مصالح خاصة في المنطقة في جعل منطقة ابويي تمتد شمالاً لتضم مناطق البترول مثل حقول هجيليج ودفرا ، ولتاكيد الإستقلالية  لا بد ان يعهد بمثل هذه القضايا للخبرات السودانية في الشمال والجنوب وغيرها حيث ان هنالك الفرصة سانحة للإستئناف للجهات العدلية الاعلى في البلاد تحقيقاً للعدالة.

 

8- لقد فشل خبراء لجنة ترسيم حدود ابويي في اداء المهمة التي كلفت بها والمتمثلة في تحديد وترسيم منطقة مشيخات دينكا نقوك التسعة التي حولت لكردفان على 1905. اما عدم تحويل الامر الي مفوضية ابويي للتشاورمن ناحية،وعدم رفع الامر لطرفي الإتفاق للتوصل لحل وفاقي حوله من ناحية اخرى ،وجنوح اللجنة الي الاخذ بما قالتة السفارة الامريكية بنيروبي حول الحدود المعنية مما حدى بها الي إعتماد خارطة جديدة لا تشمل حدود 1956 حسب بروتوكول مشاكوس ولا حدود المنطقة المعنية لعام 1905 بل تشمل مناطق البترول والرعي والزراعة الآلية التي تمثل في الحقيقة مناطق التعايش والتداخل القبلي لعهود طويلة فهي دعوة صريحة لزرع الفتنة وجعل المنطقة قنبلة موقوتة تهدد إتفاق السلام وترسي لسابقة خطيرة تهدد العلاقات السلمية بين القبائل وتهدد النسيج الإجتماعي السائد .

 

9- ولعل من يطلع علي تقرير لجنة خبراء ترسيم حدود ابويي يحس بان القرار الذي توصلوا الية كان معداً ومتفقاً علية بينهم سلفاً وانهم يبحثون عن اخراج مناسب له ولذلك فقد جاءت تبريراتهم فجة، والحجج التي استندوا اليها مثيرة للسخرية وهي تنضح بالتحيز الصارخ والاملاء المقيت الفاضح، مما اوقعهم في مغالطة التاريخ ومجافاة الوقائع الجغرافية ووثائقها.

 

10- إن أقحام منطقة ابويي دون غيرها( من مناطق شمال السودان ) في إتفاقية السلام خلافاً لما نصت علية اتفاقية مشاكوس الاطارية التي اعتمدت حدود عام 1956 للمفاوضات ) سببه طموحات ابناء دينكا نقوك المتعلمين الذين يبحثون عن ثمن مشاركتهم في حركة التمرد لفترة طويلة حتى اصبحوا يمثلون احد مراكز القوى في قيادتها ، فضلاً عن ذلك فإن هذه القيادات سوف لن يتيسر لها الإستمرار في قيادة الحركة ما لم تكن منطقة ابويي تابعة للجنوب.والسؤال هو هل لا توجد بدائل متاحةلتحقيق طموحات ابناء ابويي المتعلمين سوى تعريض إتفاقية السلام للمخاطر ونسف التعايش السلمي في المنطقة. الا يمكن مثلاً تخصيص مناصب دستورية مركزية واقليمية مناسبة لابناء ابويي مقابل استمرار التعايش السلمي بين المسيرية والدينكا؟

 

11- لقد كان من المتفق عليه بين الاطراف المعنية الاستماع الى افادات شهود من القبائل المجاوره لمنطقة ابويي حول الحدود ولكن ممثلو الحركة من مفوضية ترسيم الحدود جاءوا بشهود يمثلون في الحقيقة شباب الحركة  - بخلاف الناظر كوال دينج مجوك- لم تكن لهم معرفة او دراية بتاريخ او جغرافيا المنطقة او علاقاتها ولذلك جاءت افاداتهم مناقضة للوقائع والتاريخ في المنطقة مما حدى بلجنة الخبراء لإستبعاد الافادات السماعية للشهود كلية ( من الطرفين ) حدث ذلك بالرغم من وجود قيادات الاداره الاهلية في شمال بحر الغزال وغرب ملكال وغيرهما لهم المام ومعرفة تامة بالمنطقة وحدودها وتاريخها وعلاقات الجوار فيها ومن امثال هؤلاء الناظر عبد الباقي ناظر دينكا ملوال / بحر الغزال ، والناظر حفيد شير ريحان ناظر التوج/ بحر الغزال، وكذلك نظار النوير امثال حفيد مشار تورل وحفيد الناظر ييل( بنتيو) وغيرهم ولعل غياب القيادات الاهلية في القبائل المجاورة عن هذه القضية هو الذي يدعونا الى ان نطالب بعقد مؤتمرقبلي جامع تشترك فيه قيادات قبائل الجوار في كردفان ودارفور وبحر الغزال واعالي النيل، لبحث مشكلة ابويي ووضعها في اطارها السليم.

 

12- نص البروتوكول علي انة عند توقيع اتفاقية السلام الشامل تبدأ الرئاسة كمسالة مستعجلة عملية السلام والمصالحة والعمل من اجل الوفاق والتعايش السلمي في المنطقة والسؤال هو اليست المنطقة المعنيه هي المنطقة التي تعيش في وئام وسلام ومصالحة حقيقية لم يتكدر صفوها منذ عشرات السنين ولم تحدث خلالها اي اختلالات امنية او صراعات قبلية؟. ان هذا الوضع يؤكد ان قضية ابويي مفتعلة وانها صناعة اجنبية .

 

13- اذا كان من حق دينكا نقوك اجراء استفتاء حول البقاء في كردفان او الانضمام الى بحر الغزال اليس من حق المسيرية والقبائل الحدودية الاخرى المطالبة بمعاملة مماثلة تعطيهم الحق في الاستفتاء للإنضمام لولايات اخرى مجاورة؟ واذا حدث ذلك فسوف تعم الفوضى الادارية والدستورية في البلاد وسوف لن تنعم البلاد بالاستقرار.

 

14- لقد نص بروتوكول ابو يي علي اجراء الاستفتاء بالتزامن مع استفتاء جنوب السودان وهذا امر من شانةان يوثر علي سلامة وحقيقة رغبة السكان المعنيين اذ كان ينبغي ان يكون الاستفتاء بالمنطقة مستقلاً عن استفتاء الجنوب حتى لا يتاثر بما حولة من احداث قد تؤثر سلباً في نتيجتة ولا تعكس الرغبة الحقيقية للمواطنين مما قد تترتب علية مشاكل في المستقبل .

 

15- نصت اتفاقية ابويي على ان (ابويي هي جسر بين الشمال والجنوب يربط شعب السودان) وفي ذلك اقرارضمني بان المنطقة هي منطقة تداخل وترابط قبلي وسكاني وتمازج عرقي وديني لماذا اذن الزج بالمنطقة في صراعات وخلافات مفتعلة لا وجود لها علي ارض الواقع ؟ هل المطلوب هو خلخلة النسيج الاجتماعي وخلق البلبلة الامنية لقبائل انحازت للتعايش السلمي والتداخل القبلي والانصهار في بوتقات جديدة يسودها الامن والاستقرارمنذ عشرات السنين.

 

16- إن انجاز مهمة تحديد وترسيم حدود  ابويي قبل الفترة الانتقالية خلافاً لما نص علية بروتوكول ابويي المادة (5-2) من ان تنهي  اللجنة اعمالها خلال السنتين الاوليين للفترة الانتقالية ينطوي علي عجلة من الامر حالت دون ترتيب الاوضاع الداخلية عن طريق البحث والمشاورات المكثفة بين الجهات المعنية واعداد ما يلزم للخروج برؤية موحدة وحلول عملية تحول دون اللجوء  للصراعات المسلحة او خدش النسيج القبلي في المنطقة.ومما لا شك فيه ان التسرع في تحديد حدود ابويي قد خلق نوعا من الاحتقان لا بد من العمل على احتوائة وتفريغة.

 

          17- ان توزيع عائدات البترول بمنطقة ابويي بنسبة (2%) لكل من المسيرية ودينكا نقوك كما نص على ذلك بروتوكول ابويي لا يعتبر توزيعاً عادلاً لا بمعيار عدد السكان والكثافة السكانية ولا بمعيار مساحة المنطقة التي تعود لكل منهما.

 

18-  مما لا شك فيه إن تسمية  بحر العرب – احد روافد النيل الابيض- بهذا الاسم يدل على ان المنطقة عربية وبها تواجد عربي منذ قديم الزمان . وقد كان بحر العرب هذا يمثل الحدود الفاصلة بين مديريتي كردفان وبحر الغزال حتى عام 1905 وما بعدها. كما عكستها الخرط الرسمية للدولة وقتها. ولكن مع ذلك انكر خبراء لجنة ابويي على المسيرية حقهم في تبعية بحر العرب لهم بل اجلتهم عنه بعيداً الي الشمال حيث القوز.. وفي ذلك ابلغ دليل على التحيز والغرض المسموم وعدم النزاهه.

 

19- حمداًً لله ان اخطات لجنة خبراء ترسيم حدود ابويي اخطاء جسيمة تحول دون تحقيق مراميهم المغرضة.. وتجعل الحادبين على مصلحة الوطن يسعون لعلاج الامر بما يحقق السلام والتعايش القبلي السلمي.

 

20- لقد رفضت جهات عديدة قبول تقرير لجنة خبراء ترسيم حدود ابويي كما قدم ،لانها ترى فيه قنبلة موقوتة تأتي على راس هذه الجهات رئاسة الجمهورية وحزب المؤتمر الوطني وحزب الامة القومي وحزب الامة للاصلاح والتجديد والحزب الإتحادي الديمقراطي المشارك ومنبر السلام العادل وغيرها كما تناولت العديد من الصحف اليومية التقرير بالرفض والنقد ومناشدة رئاسة الجمهورية تغليب المصلحة القومية العليا للبلاد على ما عداها من مصالح . ولكن رغماً عن ذلك فان الجهد الاعلامي حول قضية ابويي ما زال ضعيفاً مقارنة بحجم المشكلة ويتطلب الامر حملة اعلامية مكثفة يقوم بها ابناء المسيرية والجهات المختصة لاطلاع الرأي العام السوداني والدوائر الرسمية الاجنبية المختارة على حقائق الامور.

 

21- اما قبائل المسيرية فقد كانت ردود افعالها نحو تقرير الخبراء عنيفة فقد انتشرت المواكب الصاخبة في مدن المسيرية الرئيسية كالمجلد،بابنوسة الفولة والدبب والميرم وغيرها تم خلالها تسليم السلطات مذكرات احتجاج واستنكار ورفض للتقرير. وفي الخرطوم اجتمع ابناء المسيرية وقياداتها برئيس الجمهورية وبنائب رئيس حزب المؤتمر الوطني، وبالعديد من السفراء المعتمدين لدى السودان معبرين عن رفضهم وإستنكارهم لتقرير خبراء لجنة ترسيم ابويي كما تبارى ابناء المسيرية في عرض مشكلة ابويي في الصحف وغيرها من اجهزة الاعلام.

 

خامساً: خــــــــاتمة وتوصية:

 

يتضح مما ورد اعلاه كثرة التناقضات القانونية في(اتفاقية حسم نزاع ابويي) اي بروتوكول ابويي والملحق الخاص به وسوء الصياغة القانونية وعدم تكاملها مما ادى الي فتح الباب على مصراعيه للإجتهادات القانونية المثيرة للجدل كما تتضح ايضاً الآثار السالبة على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والامنية والسياسية ليست في منطقة ديار المسيرية وولاية جنوب كردفان فحسب ، ولكن في السودان كافة وذلك في حالة قبول تقرير خبراء لجنة ترسيم حدود ابويي كما قدم. ان هذه الاشكاليات والسلبيات مجتمعة  مضافاً اليها تجاوز لجنة خبراء ترسيم حدود ابويي لتكليفهم  قد جعلت من العسير جداً تنفيذ بروتوكول ابويي حرفياً.عليه فإنه لا بد من السعي الجاد لإيجاد مخرج للمشكلة بإخراج سوداني صرف ، بعيداً عن التدخل الاجنبي ذي الاجندة المعروفة .. وكخطوة اولى لا بد من  إعلان رفض هذا التقرير رسمياً ثم قيام مؤتمر قبلي جامع حول قضية ابويي يشترك فيه رجالات الادارة الاهلية بالمناطق المجاورة فهؤلاء كانت لهم تجارب ناجحة في حلحلة مشاكل القبيلتين في مواجهاتهم الدامية عام 1965 وغيرها. فليس في الامكان الآن افضل من الاستمرار في التعايش القبلي، والتمازج العرقي الموروث الذي ظل يميز علاقة المسيرية والدينكا منذ قديم الزمان حتى اصبحت المنطقة الانموذج للسلام الاجتماعي والتعايش السلمي في السودان لذلك وصفها بروتوكول ابويي بانها هي جسر بين الشمال والجنوب يربط شعب السودان.

وعلى صعيد آخر ولتمكين هذا التعايش القبلي والتمازج العرقي لا بد من تنفيذ برامج ومشروعات تنموية عاجلة في المنطقة تساعد على تحقيق المزيد من الاستقرار وتوفير الامن والطمأنينة وتمتين النسيج الاجتماعي

 وبالله التوفيق،،، اللهم هل بلغت؟

                                    

     الخرطوم نوفمبر2005 م

 

You are kindly requested to read (Abyei Conflict) you are also requested to send it to as many as of your brothers of the area and others in the hope of spreading the facts and opinions.